أعراس وأغان خلف أبواب موصدة وهواتف نقالة مدفونة في أكياس الطحين والأرز وإرسال تلفزيوني ليلا لدى العراقيين الذين عاشوا تحت حكم تنظيم “داعش” الإرهابي في الموصل، قصص كثيرة يروونها عن “تمرد” غير معلن داخل بيوتهم بعيدا عن أعين الإرهابيين وبطشهم. فضل غالبية الذين التقتهم وكالة “فرانس برس” استخدام اسماء مستعارة رافضين الظهور امام الكاميرا خوفا على اقارب لهم لا يزالون يعانون في مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي داخل مدينة الموصل.
ويروي علي (24 عاما) وشيماء (20 عاما) انهما تزوجا قبل اربعة اشهر في الموصل، ونزحا في بداية تشرين الثاني الى مخيم حسن شام شرق الموصل.
وتقول شيماء: “ارتديت يومها فستانا ابيض، صففت شعري وزينت وجهي بالمكياج، لكني وضعت الخمار الاسود وعباءة سوداء طويلة خلال انتقالي من منزلنا وصولا الى بيت علي”، ويروي علي بدوره “في منزل أهلي أغلقنا الابواب وأدرنا مولد الكهرباء ليطغى صوته على صوت الاغاني في الداخل”، ويضيف ضاحكا “كانت هناك اغان وموسيقى بصوت منخفض داخل البيت حيث احتفلت النساء وأنا معهم، فيما انتظر الرجال في الخارج”.
حفلة زفاف سرية ويقول علي: “الفرح لم يكن جميلا بالقدر الذي رسمته في مخيلتي”، مضيفا “أردت أن ألبس بذلة وأرتب ذقني، وان يحتفل معي اقربائي كلهم، وأتجول في موكب كبير من السيارات في كل المدينة”، وترد شيماء التي ارتدت عباءة بنفسجية وجلست بالقرب من زوجها وقد احمرت وجنتاها خجلا: “لم يطل الحفل كثيرا، أردنا ان نتجول في المدينة لكن خفنا ان يعاقبونا”.
حين نزح الزوجان الشابان من منزلهما في الموصل، أبى علي وشيماء الخروج من دون ان يأخذا الصورة الوحيدة من حفل “زفافهما السري”، يحمل علي بيده الصورة التي يظهر فيها مع عروسه بفستانها الابيض وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة كبيرة بينما وضعت هي يديها على وجهه. ويقول: “ممنوع طباعة صورة مثل هذه” في الموصل، ويتابع “لدي محل لطباعة ونسخ الاوراق، أغلقت ابوابه وأنزلت الستار الحديدي وطبعت هذه الصورة فقط بالخفاء”.
ويجلس علي وشيماء بين جيرانهم واصدقائهم في مخيم حسن شام على مرتبات وضعت فوق بعضها امام خيمة جيرانهم، يضحكون ويمزحون، وهو أمر لم يكونوا يتجرأون على القيام به في الموصل.
هواتف في أكياس الطحين تروي سميحة (23 عاما) أنها زغردت سرا في احتفال جارها علي، لكن لم يكن ذلك الامر الوحيد الذي قامت به بالسر خلال عامين ونصف العام تحت حكم التنظيم الإرهابي، وتقول لوكالة “فرانس برس”: “كنا اذا اردنا الاتصال باحد اقربائنا في الخارج، نتحادث معه للحظات: كيف الحال؟ بخير؟ مع السلامة”،
واعتادت سميحة أن تخبئ البطاقة التي تحفظ عليها الاغاني في اللوح الخشبي الذي تعلق عليه الستائر، وابتكر آخرون مخابئ سرية اخرى لهواتفهم النقالة، تقول عالية (40 عاما): “بمجرد ان يدق علينا الباب نخبئ الهاتف، حتى انني في إحدى المرات وضعت بطاقة الهاتف في القطن لأخفيها عن الانظار، وأعرف أن آخرين كانوا يضعونها في أكياس الطحين والارز”.