الرئيسية / القرآن الكريم / حقائق قرآنية (الإحساس الجمالي في القرآن)

حقائق قرآنية (الإحساس الجمالي في القرآن)

آفاق قرآنية

القرآن كتاب الجميع

«الر كِتَابٌ اُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»([16])
على الرغم من تطور البشرية عبر العصور على صعيد العلم والادراك والوعي وغير ذلك، إلا أن القرآن الكريم قد أنزله الله تبارك وتعالى لكل الناس وفي كل العصور. وهذه الحقيقة الساطعة تعتبر معجزة من معاجز القرآن الكبرى، حيث أن من طبيعته مخاطبة كل إنسان، مهما تفاوت مستوى استيعابه واختلف زمانه, لأن القرآن كتاب فيه ظاهر وباطن، ولباطنه بطون وكلما تضاعف علم المرء ومعرفته، كلما تعمق في القرآن أكثر.
ففي الوقت الذي يفهم الإنسان الساذج البسيط من النص القرآني شيئاً ومعنىً معيناً، نجد العالم والمثقف يفهم شيئاً مضافاً إلى ذلك وهكذا تتفاوت درجات الاستنباط حسب مستويات الناس، بل حتى لو كان الإنسان عالماً، أو كان في مستوى الإمام الرضا عليه السلام، وهو عالم آل محمد، وهو الذي علمه من علم الله سبحانه وتعالى؛ حتى لو كان كذلك، فإن الله يفتح له كل يوم باباً من علوم القرآن. وهذا المعنى قد صرح به الإمام الرضا عليه السلام نفسه في حديث شريف له.
إن القرآن الكريم الذي فيه المحكم والمتشابه ، يتحول متشابهه إلى محكم بالنسبة لمن توصل إليه، وما لم يتوصل إليه يظل متشابهاً بالنسبة له أيضاً.
ولهذا كانت قاعدة العمل بالمحكم والتسليم للمتشابه قاعدة مهمة للغاية في إطار التعامل مع القرآن، إذ أن المتتبع للآيات القرآنية كلما عمل بالمحكم وسار فيه شوطاً، كلما اُحكم له المتشابه، وتيسر له فهمه ووعيه، أي أن كتاب الله يوضح نفسه بنفسه.
ومن هذه الزاوية، كان القرآن كتاباً لكل الناس ولكل العصور والدهور، وكل فرد منهم يستفيد منه حسب مستواه وموقعه؛ تماماً كما الغيث ينزل من السماء، حيث تسيل منه الأودية بقدرها، فالوادي الواحد يستوعب بقدره هو لا بقدر الغيث، الذي يستطيع استيعاب كل الامكنة.
ولما كان القرآن الكريم كتاباً ذا مرونةٍ فائقة، فإنه قد سلب من الإنسان أعذاره الواهية التي قد يرفع عقيرته بها فيهجر القرآن بداعي عدم فهمه له مثلاً، أو إيكال ذلك للعلماء والمفسرين والمثقفين فقط.
كلاً. فالقرآن كتاب الجميع، نازل من عند خالق الجميع. ويبقى من لم يفهم هذا النص القرآني أو ذاك ملزماً بإرجاعه إلى أهل الذكر من العلماء والمختصين فهم وكلاء الله على شرح كتابه للآخرين. وهذا الأُسلوب يمثل منهجاً رائعاً قد أمر به القرآن قبل غيره، لأنه كفيل بحفظ منزلته الربانية من جهة، وكفيل أيضاً بتعميم الفائدة على الجميع من جهة أُخرى فيكون عبر ذلك كما النهر ، يغرف الناس منه حسب حاجاتهم ومقدار ما يستوعبونه، دون أن يعني أن ذلك النهر يمكن اختصاره في إنسان واحد منهم، ودون أن يعني أن هذا الإنسان غير قادر على الاستفادة من النهر شيئاً.

_____________________________
 ([16]) هود/1.

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...