الرئيسية / اخبار العلماء / أسباب صمود الثورة الإسلامية في رحاب آراء قائد الثورة الإسلامية

أسباب صمود الثورة الإسلامية في رحاب آراء قائد الثورة الإسلامية

الثورات على مر العصور تبصر النور وتواصل حياته لفترة ثم يخبو نجمها وتتلاشى بالتدريج، ولكن الثورة الإسلامية خرجت من إطار هذه النظرية الشائعة بين مختلف المفكرين، وصمدت لثلاثة عوامل أساسية.

1

في هذه الأيام يحيي الشعب الإيراني ذكرى انتصار ثورته الإسلامية المباركة التي بقيت راسخة طوال عقود دون أن تزعزعها رياح التغيير التي عادة ما تغير مسار الثورات في العالم، حيث يؤكد المنظرون على أن الثورات لها عمر ينتهي بعد فترة من انطلاقها، وهذه نظرية يعممها البعض على جميع الثورات في العالم باعتبار أنها كالإنسان الذي يولد ثم يفارق الحياة، وهو ما أكد عليه المنظر الغربي كرين براينتون في كتابه عملية شرح لأربع ثورات في العالم.

* أوجه الشبه بين أربع أكبر ثورات في العالم

المنظر الغربي كرين برينتون يؤكد على وجود أوجه شبه بين أكبر أربع ثورات شهدها العصر الحديث، وهي الثورة الفرنسية والبريطانية والأمريكية والروسية، وقال هناك فترة ينتصر فيها الثوريون وتزدهر خلالها البلاد وينتعش الشعب ويرى أمامه أفقاً جديداً ويحدوه أمل في مستقبل أفضل مما مضى، وهذه الفترة يمكن تسميتها بشهر عسل الثورة، وهي بالفعل كشهر العسل لأنها سرعان ما تنقضي ليدخل الشعب مرحلة تأريخية جديدة بعد أن تتولى حكومة معتدلة مقاليد الأمور وعادة ما تشتبك مع التيارات المتطرفة وتواجه مشاكل موروثة من مرحلة ما قبل الثورة، ومن ثم شيئاً فشيئاً يخبو نجمها.

وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الثورة عبارة عن حمى شديدة تطرأ على المجتمع، أو أنها ظاهرة غير مألوفة، لذا فالظروف تقتضي عودة الأمور على ما كانت عليه أو تحولها إلى مسار آخر يجري في طريق مغاير للأهداف التي دعت إليها حين التهابها، أي أن الظروف التي تحف الثورة استثنائية وسرعان ما تعود المياه إلى مجاريها ويتحقق الاستقرار بأية طبيعة كانت.

* الثورة الإسلامية في إيران نمط حقيقي للنهضة الشعبية

وأما التساؤلات المطروحة في هذا الصدد فهي عبارة عن: هل أن الثورة الإسلامية في إيران ستواجه هكذا مصير؟ فيا ترى هل سيكون مصيرها كمصير الثورات الأربعة التي أشرنا إليها؟ هل أن هذه الثورة سيخبو نجمها مستقبلاً؟

الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن استنتاجها من خطابات قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى السيد الإمام علي الخامنئي (حفظه الله)، حيث أكد طوال فترة قيادته على أن هذه الثورة المباركة تختلف عن سائر الثورات في العالم وعزى ذلك إلى ثلاثة عوامل أساسية كما يلي:

أولاً: الثورة الإسلامية تختلف عن سائر الثورات، فهي ليست أحادية الجهة ومحدودة النطاق خلافاً لسائر الثورات في العالم التي عادة ما تتصف ببعد سياسي اجتماعي أو أقتصادي، وهذه الثورات بطبيعة الحال تركز على الجوانب المادية في الحياة البشرية فحسب دون أن تكترث بالجوانب المعنوية، في حين أن الثورة الإسلامية تعد ثورة شمولية مادياً ومعنوياً، لذلك أكد السيد القائد على هذه الحقيقة قائلاً: ” الثورة الإسلامية تختلف عن سائر الثورات في العالم، فهي ليست مجرد ثورة دينية ثقافية، وليست اقتصادية أو سياسية بحتة، وإنما هي ثورة شمولية حالها حال الإسلام المحمدي الأصيل، فكما أن إسلامنا يشمل جميع جوانب الحياة المعنوية والأخلاقية والدينية، فهو أيضاً يشمل أنماط الحياة المادية للبشرية أيضاً في شتى النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إذن، الثورة الإسلامية لها أبعاد عديدة وسوف تشهد استقراراً أكثر يوماً بعد يوم وتنتعش أكثر مما كانت عليه سابقاً، وهي تنسجم مع ظروف المنطقة والعالم ولها القابلية على تلبية طموحات المجتمع “.

ثانياً: ديناميكية الثورة الإسلامية في إيران ترتكز في الدرجة الأولى على إجراء تغييرات في باطن الإنسان، لذلك وصفها السيد القائد بالقول: ” ثورتنا هي ثورة الشعب، ومن المؤكد أن ثورة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية هي فرع على ثورة الشعب، فما لم يشمر الشعب عن ساعديه للثورة وتغيير واقعه لا يمكن أن تحدث ثورة اقتصادية ولا يحدث أي تغيير في المجالات الاجتماعية والسياسية مطلقاً “.

هذا الكلام القيم يشير بوضوح إلى أن الثورة الإسلامية في إيران تختلف اختلافاً تاماً عن سائر الثورات في العالم ولا سيما الثورات الأربعة الكبرى التي تتعامل مع المجتمع على أساس ديناميكية تغييرية ظاهرية دون أن تتعامل مع باطن الإنسان ومعنوياته، وقد وصف المفكر ميشيل فوكو هذا الاختلاف قائلاً: ” نحن الغربيون نعترف بإحدى الثورات حينما نجدها تتصف بديناميكيتين أساسيتين، إحداهما التضاد الباطني في المجتمع والذي يشمل الاختلاف الطبقي المتمثل بالمواجهة الاجتماعية الكبرى، والأخرى ديناميكية التوجهات السياسية بمعنى استحواذ إحدى الطبقات الاجتماعية على السلطة والتي تتمثل بأحد الأحزاب أو الإيديولوجيات باعتبارها الرائدة في تأجيج الثورة؛ ولكن ما حدث في إيران غير مشمول بهاتين الميزتين، فهي ظاهرة ثورية مختلفة “، إذن هنا تتجسد فائدة الإيمان باعتباره أحد أهم المقومات الأساسية في الثورات التي تشهدها المجتمعات.

ثالثاً: الثورة الإسلامية في إيران هي ثورة شمولية وقد انبثقت من تحول باطني، ناهيك عن أنها انطلقت بشكل مرحلي ومنسجم حتى بلغت مرحلة النضوج الثوري، فهي ليست حمى شديدة عابرة وغير متعارفة، لذلك وصفها قائد الثورة الإسلامية بالقول: ” الثورة الحقيقة هي أمر متواصل لا ينقطع، فهي ليست أمراً دفعياً لكي يدعى أنها عبارة عن حادثة وقعت في كذا تأريخ بعد أن نزل بعض الناس إلى الشوارع ودامت اعتراضاتهم لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو لمدة شهرين أو ستة أشهر فتمكنوا من إسقاط النظام الحاكم؛ فهذه ليست ثورة حقيقية، بل إنها مجرد حركة تشكل جانباً واحداً من جوانب الثورة الحقيقية، فالثورة هي أمر ثابت ودائم، فهي تعني التغيير العميق الذي لا يمكن أن يتحقق لمدة ستة أشهر أو سنة أو حتى خمس سنوات، فضلاً عن ذلك فالتغيير يعني تحول الأوضاع من نمط إلى آخر بشكل متواصل دون أن يتوقف عند حد مطلقاً، وهو تغيير لا نهاية له، فالثورة هي أمر دائم لا وقفة له “.

هذا الكلام القيم لا يعني بقاء الثورة متأججة على مر العصور بذات الحماس والإثارة في أيام انطلاقها، فلربما تهدأ الأوضاع ويسكن لهيبها لكنها مع ذلك تبقى منتعشة وفاعلة ومنتجة للمبادئ والقيم السامية، وفي هذا السياق قال سماحته: “الحماس الثوري نظير القبس الذي يتألق، إذ من الممكن أن تخمد نارها نسبياً، لكن جذورها الزاخرة بالوقود تبقى فاعلة ومن شأنها أن تتأجج نارها من جديد لتسير قدماً في طريقها الأصيل، وتأثير هذا الوقود الكامن بكل تأكيد أشد من تأثير النار الملتهبة، فهو في الحقيقة نار كامنة لا تنطفئ بفضل الدعم الشعبي المتواصل والذي يتنامى يوماً بعد يوم “.

المصدر: مقال مترجم عن صحيفة “صبح نو”

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...