بعد دراسة وافية لطرق الحديث وتتبع حال رواته ـ : « الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم »(1).
أحاديث المهدي من ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
منها : ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الاَنف ، يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين».
وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، كما صححه الكنجي الشافعي ، والسيوطي ، والشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع للاَُصول، وأبو الفيض(2)، وعدّه البغوي من الحسان(3) ، وحكم ابن القيّم بجودة إسناده(4)، وأخرجه عن أبي سعيد: أبو داود، وعبدالرزاق، والخطابي في معالم السنن، ومن الشيعة السيد ابن طاووس، وابن بطريق(5).
ومنها : حديث أمير المؤمنين عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
«المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاَُمم، يأتي بذخيرة الانبياء عليهم السلام ، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً».
____________
(1) ابراز الوهم المكنون : 515.
(2) مستدرك الحاكم 4 : 557 ، البيان للكنجي : 500 ، الجامع الصغير 2 : 672 | 9244 ، التاج الجامع للاَُصول 5 : 343 ، ابراز الوهم المكنون : 508 .
(3) مصابيح السنة 3 : 492 | 4212 .
(4) المنار المنيف لابن القيم : 144 | 330 .
(5) سنن أبي داود 4 : 107 | 4385 ، المصنف لعبد الرزاق 11 : 372 | 20773 ، معالم السنن 4: 344 ، التشريف بالمنن : 153 | 189 و 190 باب 159 أخرجه عن ابن حماد في الفتن 1 : 364 | 1063 و 1064 ، العُمدة لابن بطريق الحلي : 433 | 910 .
وهذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق في كمال الدين ، واحتج به الجويني الشافعي في فرائد السمطين، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة(1).
وبهذا القدر يتضح ماذكرناه من أنّ المهدي لابدّ وأن يكون من ولد علي عليه السلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام . وقد ورد التصريح بهذا أيضاًكما في:
حديث المهدي من ولد فاطمة عليها السلام
وهو من رواية أُم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «المهدي حق وهو من ولد فاطمة».
أخرجه عن أُم سلمة : أبو داود ، وابن ماجة ، والطبراني ، والحاكم من طريقين وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة عن صحيح مسلم(2)، واعترف آخرون بصحته وجَوْدَة اسناده ، بل وصرح بعضهم بتواتره(3).
____________
(1) كمال الدين 1 : 287 | 5 باب 25 ، فرائد السمطين 2 : 335 | 587 ، ينابيع المودة : 3 باب 94.
(2) سنن أبي داود 4 : 107 | 4284 ، سنن ابن ماجة 2 : 1368 | 4086 ، المعجم الكبير للطبراني 23 : 267 | 566 ، مستدرك الحاكم 4 : 557 وأخرجه عن صحيح مسلم كل من : ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : 163 باب 11 من الفصل الاَول ، والمتقي الهندي في كنز العمال 14 : 264 | 38662 ، والشيخ محمد بن علي الصبان في اسعاف الراغبين ص : 145 ، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الانوار ص : 112 ، فهؤلاء الاَربعة اتفقت كلمتهم على وجود الحديث في صحيح مسلم ، ولكن لاوجود له اليوم في نسخه المطبوعة !
(3) حكم الكنجي في البيان : 486 ب 2 بصحة الحديث ، وجزم بصحته السيوطي في الجامع الصغير 2 : 672 | 9241 ، ومثله في هامش التاج الجامع للاَُصول 5 : 343 ، كما عدّه البغوي من الحسان في مصابيح السنّة 3 : 492 | 4211 ، وقد حقق أبو الفيض في ابراز الوهم : 500 سند الحديث. وانتهى الى القول بانه حديث صحيح وان رجاله كلهم عدول اثبات، واعترف الالباني بجودة اسناده كما في عقيدة أهل السنة، والاثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ص: 18، وقد مر القول بتواتره عن القرطبي وغيره، فراجع.
وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي عليه السلام انه قال : «المهدي رجل منّا من ولد فاطمة»(1)كما اخرج عن الزهري انه قال : «المهدي من ولد فاطمة»(2) ، وعن كعب مثله أيضاً(3).
هذا ، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة ، وهو المروي عن قتادة، ـ كما تقدم ـ قال : قلت لسعيد : أحقٌ المهدي ؟ قال : نعم هو حق. قلت : ممن هو ؟ قال : من قريش ، قلت : من أي قريش ؟ قال : من بني هاشم. قلت : من أي بني هاشم ؟ قال : من ولد عبد المطلب. قلت : من أي ولد عبدالمطلب ؟ قال : من أولاد فاطمة(4).
وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال : مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر ؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لايقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها السلام ، لوضوح أنّ هذا النسب ـ بهذا الاطلاق ـ ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين عليهما السلام .
ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي :
الاَول : أن يكون المهدي من أولاد الاِمام الحسن السبط عليه السلام .
الثاني : أن يكون من أولاد الاِمام الحسين السبط عليه السلام .
الثالث : أن يكون من أولاد السبطين معاً.
أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الاَولين.
____________
(1) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 375 | 1117 ، وعنه في كنز العمال 14 : 591 | 39675.
(2) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 375 | 1114 وعنه في التشريف بالمنن : 176 | 237 باب 189.
(3) الفتن لنعيم بن حماد 1 : 374 | 1112 ، وعنه في التشريف بالمنن : 157 | 202 باب 163.
(4) عقد الدرر : 44 من الباب الاول ، والفتن لنعيم بن حماد 1 : 368 ـ 369 | 1082 ، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن : 157 | 201 باب 163 .
وأما فرض احتمال رابع ، وهو : كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم السلام ، ومن ولد فاطمة عليها السلام .
اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الاَولين . ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه : لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الاَول ، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني ، اذ سيصدق بالضرورة ، ويكون هو المتيقن ، المقطوع به ، المطابق للواقع ، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً ؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الاَول ، فنقول :
حديث المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام :
لم أجد مايدل على ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الاِمام الحسن عليه السلام في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لايوجد في تراث الاِسلام حديث غيره ، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ، واليك نصه :
قال : « حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة ، قال : حدثنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال علي رضي الله عنه ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال : ( إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخُلُق ولايشبهه في الخَلْق) .
ثم ذكر قصة : يملأ الأرض عدلاً »(1)انتهى بعين لفظه.
____________
(1) سنن أبي داود 4 : 108 | 4290، وأخرجه عنه في جامع الاَصول 11 : 49 ـ 50 | 7814، وكنز العمال 13 : 647 | 37636، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1: 374 ـ 375 | 1113.