خطاب سماحة الإمام الخامنئي (دام ظلّه الوراف) في جلسة الأنس بالقرآن الکريم (1) بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك في حسينيّة الإمام الخميني (قدس سر) ـ 27 ـ 05 ـ 2017
حكام السعودية أشدّاء على المؤمنين رحماء بالكفّار!
المحاور الرئيسية
لا خلاص للبشرية من شقائها إلا بالإلتجاء إلى القرآن
البشرية مبتلاة بنظم حياتية اغرقتها فقرا وحروبا
حكام السعودية ينفقون أموال الشعب على أعدائه
لا مستقبل لهم؛ ولا بدّ أن يسقطوا ويُذلّوا
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
لقد كانت جلسة جميلة وممتازة ومفعمة بالبركات والفوائد إن شاء الله. مبارك عليكم جميعًا وعلى جميع أهل القرآن، حلول شهر رمضان المبارك إن شاء الله تعالى. لقد استمعنا اليوم، في بداية هذا الشهر المبارك ـ ومن خصوصيّات هذا الشهر الأبرز، نزول القرآن والأنس به وتلاوته ـ لتلاوة آيات القرآن الكريمة، الحقّ والإنصاف، إنّنا استمتعنا؛ واستفدنا.
أشكر الإخوة الذين بذلوا الجهد لعقد هذه الجلسة وتنظيم هذا البرنامج؛ لقد كانت جلسة رائعة.
الأنس بالقرآن بعد الثورة أصبح تقليدا شائعا في مجتمعنا
بحمد الله، فإنّ الأزهار القرآنيّة تتفتّح في كل أرجاء هذا البستان الكبير الذي يُسمّى “إيران”، وتزهر واحدة بعد الأخرى. لقد نُثرت بذور القرآن في هذه الأرض؛ هذا هو فنّ الثورة، وفنّ النظام الإسلامي. لم يكن الأمر هكذا في السابق؛ في مرحلة طفولتنا وشبابنا، كان القرآن في هذه البلد مهجورًا بكلّ ما للكلمة من معنى. [بالطبع]، كان في زاوية هنا وزاوية هناك، بعض الأشخاص الذين يسعون بحبٍّ وجدٍّ لتعلّم القرآن أو تعليمه أو الأنس به. أمّا الجوّ العامّ فكان غريبًا عن القرآن بشكل كلّيّ؛ ولم تكن تحدث مثل هذه الأمور. إنّ الجوّ العامّ في البلاد اليوم، على معرفة بالقرآن بحمد الله؛ وترون الشباب، الناشئة، والأطفال من الأعمار المختلفة، ومن مناطق البلاد المختلفة، يأنسون بالقرآن، ويهتمّون به ويعملون عليه؛ يتلونه، يتفكّرون ويتدبّرون به.
تلاوة القرآن في بلادنا تشهد تطورا ملحوظا
كما إنّ تطوّر تلاوة القرآن في البلاد كان جيّدًا. حسنًا، لقد شهدنا منذ بدايات الثورة تلاوات جيّدة لقرّائنا. والإنسان يشعر بهذا التقدم بنحو ملحوظ. كنّا نأمل بأن يقوم قرّاء القرآن بهذا الشيء، وأن يقرأوا على هذا النحو، ويتدبّروا على هذا النحو، ويفهموا على هذا النحو، ويلقوا الآية على هذا النحو. كانت تلك أمنياتنا الدائمة ، والتي تتحقّق ـ بحمد الله ـ يومًا بعد آخر. [أصبح لدينا] أساتذة بارعون، وقرّاء جيّدون، وشباب جيّدون، وناشئة جيدون ـ حمدًا لله على ذلك ـ لكن هذا أوّل الأمر. إنّ تخلّفنا في مجال الأنس بالقرآن والاستفادة منه كبير جدًّا. وهذه أولى الخطوات التي ينبغي أن تُخطى. لقد ذكرت مرارًا، وأكرّر أيضًا أنّ هذه الجلسات وهذه الاجتماعات وهذه التوصيات وهذه الأعمال التي تنجز، كلّها مقدّمة لأن يصبح الجوّ العامّ في البلاد جوًّا قرآنيًّا، وتصبح ذهنيّة عامّة الناس ذهنيّة قرآنيّة، فيشعرون بالأنس بالقرآن، وبالمفاهيم القرآنيّة؛ وهذا هو المهمّ.
لا خلاص للبشرية من شقائها إلا بالإلتجاء إلى القرآن
إذا ما أنسنا بالقرآن، عندها ستسنح الفرصة لأهل الفكر من الفئات المختلفة، لأن يتدبّروا في النكات القرآنيّة، ويستفيدوا ويستنبطوا من القرآن أشياء، ويدركوها، ويجيبوا من ثمّ عن الأسئلة المختلفة. لا أقصد بالأسئلة هنا، الشبهات؛ بل الأسئلة حول الحياة، ونمط العيش. أمامنا الآن ملايين الأسئلة. عندما يكون المجتمع والحكومة يقودان الحياة باتّجاه مبادئ معيّنة، فإنّ [هذا المجتمع] سيُواجه بآلاف آلاف الأسئلة: عن نوع العلاقات، والسلوك، واتّخاذ المواقف، والعداوات والصداقات، التعاطي مع المال، ومع الأمور الدنيويّة. هذه كلّها أسئلة تُطرح؛ ولكلّ هذه المسائل أجوبة. لم تضلّ البشريّة وتشقى، إلا لأنّها لم تجد الإجابات الشافية عن هذه الأسئلة. فتعاسة العالم والبشر اليوم، هي بسبب أنّهم لم يتوصّلوا إلى الإجابات الصحيحة عن هذه الأسئلة، ولم يتعلّموها. وقد تلقّوا إجابات خاطئة، منحرفة، ومضلّلة. وزُرعت هذه الأفكار في أذهانهم، وعملوا بها، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم. العالم اليوم خال من الأمن، والصفاء، والمعنويّات، والاستقرار الروحي. وقلوب الناس ليست صافية باتّجاه بعضها بعضًا. هذا هو الوضع السائد في العالم اليوم، وهذا ما يعيشه العالم أجمع.
البشرية مبتلاة بنظم حياتية اغرقتها فقرا وحروبا
لقد خُلق البشر لكي يتواصل بعضهم مع بعض. على القلوب أن ترتبط بعضها ببعض، أن تحبّ بعضها بعضًا، أن يساعد الناس بعضهم بعضًا ويتعاونوا. على البشر أن يكونوا كجسم واحد في هذا العالم. وبالأصل، فهذا ما فُطر عليه البشر أساسًا. هكذا كان التدبير لهم. لكن، إن ألقيتم نظرة اليوم، تجدون أنّ الحرب وفقدان الأمن والخوف والضلال، واختلاف القلوب هو السائد في كلّ مكان: الأُسر المتفكّكة، الاختلاف الطبقي الفاحش، جماعة ثريّة ومتنفّعة، وجماعة محرومة؛ وهذا مرجعه كلّه إلى عدم الإجابة الصحيحة عن أسئلة الحياة هذه، وإلى فهمها بنحو خاطئ. عندها، وُجدت هذه النظم الاقتصاديّة والسياسيّة المعوجّة في العالم، وابتُليت البشريّة بها. فملايين البشر مبتلون بهذا الوضع. وحتّى أولئك الأثرياء والمتنفّعون مبتلون. وليست المسألة أنّنا حين نقول يوجد اختلاف طبقي، فمعنى ذلك أنّ ذلك الشخص مثلًا، الذي يشكّل ـ بناءً على القولـ السائد، واحدًا في المائة من المجتمع الأمريكي، مرتاح وسعيد. لا، فهو أيضًا يعاني في حياته من التعاسة، ويواجه صعوبات، ومشاكل روحيّة ونفسيّة كثيرة، قد تفوق أحيانًا مشاكل الناس الفقراء. بمعنى آخر، الجميع مبتلًى. هكذا هو المجتمع الذي لا يعرف الطريق الصحيح، ولا يهتدي إلى الصراط المستقيم، ولا يرتبط بالله. هذه المجتمعات الإنسانيّة تعاني اليوم، وللأسف، مثل هكذا ضلالة وضياع.
من أجل هذا تكرّرون [في صلاتكم كلّ يوم] وطُلب إليكم أن تكرّروا [ قوله تعالى]: “اهدنا الصراط المستقيم”(2). فالصراط المستقيم هو ذلك الطريق الخالي من هذه الآفات والمشاكل؛ تطلبون دومًا من الله تعالى أن يهديكم؛ وهذه هي الهداية في القرآن.
إذا ما أنسنا بالقرآن، وفهمناه بنحو صحيح، وتدبّرنا فيه، عندها سيمنحنا الإجابة الشافية عن أسئلة الحياة. علينا السعي وراء هذا الأمر. وهو أمر بالغ الأهمّيّة. أعزائي الشباب، كلّما أنستم بالقرآن أكثر، ستتّضح لكم هذه الحقائق أكثر إن شاء الله. وكلّما شربتم من هذا الشراب العذب، ستشتاقون له أكثر، وستتعطّشون له أكثر. هكذا هو القرآن.
حال العالم الإسلامي اليوم
حكام السعودية أشدّاء على المؤمنين رحماء بالكفّار!
حسنًا، إنّ المجتمع الإسلامي اليوم يعاني مشاكل أيضًا كبقيّة المجتمعات. انظروا ولاحظوا ما يحدث في العالم الإسلامي. يوجد في العالم الإسلاميّ جماعة من الناس الفاقدين للقيم والأهلية والمنحطّين، قد أمسكت بمصير المجتمعات الإسلاميّة؛ كهذه الحكومات التي تشاهدونها: السعوديّة وأمثالها. إن هؤلاء ، وبسبب البعد عن القرآن، وعدم المعرفة بحقائق القرآن ـ بالطبع، البعض منهم بسبب عدم المعرفة بالقرآن، والبعض الآخر بسبب عدم الإيمان ـ تراهم يؤمنون بالقرآن ظاهرًا، وأحيانًا يطبعون ملايين النسخ من القرآن الكريم ويوزّعونها مجّانًا هنا وهناك، لكنّهم غير مؤمنين بمحتوى القرآن، ولا بمعناه، ولا بمضمونه على الإطلاق؛ يقول القرآن الكريم: “أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم”(3)، و[لكنّ] هؤلاء “أشدّاء على المؤمنين رحماء بالكفّار”.
.. ينفقون أموال الشعب على أعدائه كسبا لودهم
انظروا ولاحظوا ما هي حالهم. يأنسون بالكفّار، يحبّونهم، ينفقون عليهم من أموال شعوبهم. فهم لا يملكون أي مال؛ لمن هذه الأموال التي يملكونها والمتراكمة في حساباتهم الشخصيّة، وهذه الثروات الخياليّة؟ ومن أين حصلوا عليها؟ هي ليست إرثًا وثروة عن آبائهم؛ هي أموال النفط، أموال المعادن الجوفيّة، أموال الثروة الوطنيّة؛ فبدل أن تُنفق هذه الأموال على تحسين أوضاع الناس المعيشيّة، تذهب وتتراكم في حساباتهم الشخصيّة، ويستفيدون منها للأمور الشخصيّة والخاصّة. إنّهم يقدّمون أموال الشعب هذه للكفّار ولأعداء الشعب. “واتّخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزًّا، كلّا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا. (4). هؤلاء الحمقى، يظنّون بأنّه يمكنهم خطب ودّ أعداء الإسلام من خلال تقديم الأموال والمساعدات وأمثالها. [والحال] أنّه لا يوجد مودّة ولا محبّة. وكما صرّحوا أنفسهم بذلك، بأنّ هؤلاء [دول الخليج] كالبقرة الحلوب، سيحلبونها طالما تدرّ الحليب، وسيذبحونها حين ينفد حليبها.
..لا مستقبل لهم؛ ولا بدّ أن يسقطوا ويُذلّوا
هذا هو حال العالم الإسلامي اليوم؛ هكذا هم مع الكفّار، في حين يتعاملون مع شعب اليمن، وشعب البحرين بطريقة أخرى؛ تعامل ليس من الدين في شيء. بالطبع، هم إلى زوال. لا تغرّنّكم ظواهر الأمور؛ هؤلاء راحلون لا محالة، إنهم ساقطون وزائلون . “إنّ الباطل كان زهوقًا؛ (5) وهؤلاء هم الباطل بعينه ولا بدّ أن يزولوا ويسقطوا ويُهانوا ويُذلّوا. لا شكّ في ذلك. بالطبع، قد يتقدّم هذا الأمر أو يتأخّر لبعض الوقت، عدة صباحات أقل أو أكثر؛ هذا رهن بكيفيّة عمل المؤمنين، ومجتمع المؤمنين؛ إذا ما عملوا بشكل صحيح فإنّ هذا الأمر سرعان ما يتمّ، وإن لم يعملوا بالنحو الصحيح، سيتأخّر هذا الأمر لبعض الوقت؛ لكنّه حتمًا سيقع. سيسقطون هم ومن يبنون الآمال عليهم.
المستقبل لكم؛ أنتم المؤمنون: هذا وعدُ الله
ما له مستقبل، إنما هو الإسلام والقرآن، وأنتم أيها الشباب المؤمن. المستقبل لكم أنتم أيّها الشباب المؤمن. لقد كانوا يقرأون قبل قليل قوله تعالى: “ومن أصدق من الله قيلا”؛ (6) فمن أصدق من الله تعالى قولًا، ومن أعلم بالمستقبل من الله تعالى؟ لقد قال الله تعالى: إن المستقبل للمؤمنين، للصالحين، للمجاهدين في سبيل الله. لا شكّ في ذلك. هذا وعد إلهي. أمّا إن ابتلي أحد بالوسوسة والشكّ، ولم يُطمئن الوعد الإلهي قلبَه أيضًا، فينبغي أن تقنعه التجارب وتنزل عليه الهدوء. لقد ذكرت هذا مرارًا وتكرارًا، وأؤمن بهذا الأمر بكلّ وجودي. فحتّى لو لم يُطلَق لنا أيّ وعد، فمع تلك التجارب التي خاضها الشعب الإيراني منذ ثمانٍ وثلاثين سنة إلى الآن، عليه أن يوقن بأنّ المستقبل له، وعليه أن يوقن بأنّ النصر سيكون حليفه.
• تجربة إسقاط حكم الطاغوت مثالا
إنّنا شعب كانت تحكمه سابقًا حكومة، وكان المسؤولون والرؤساء الأمريكيّون يُظهرون الغزل والتودّد نفسه الذي ترونه الآن لأولئك المساكين المتخلّفين فكريًّا وعقليًّا وعلى جميع الصعد. والغزل الذي كانوا يتغزّلون به حينذاك للحكومة الإيرانيّة، كان أكثر وأفضل بكثير. وكانوا يقولون بصراحة: “إنّكم شرطتنا في منطقة الخليج الفارسي”. هذا ما كانوا يقولونه لحكومة الطاغوت. لقد كان عقل أولئك [الحكّام الإيرانيّين] أفضل من هؤلاء [حكّام الخليج]. وكذا قدراتهم كانت كبيرة، واعتمادهم على هؤلاء الطواغيت كان أشدّ، وارتباطهم بهم أقوى. في الوقت نفسه استطاع الشعب الإيراني بقوّة الإيمان، والجهاد، والتضحية، أن يُسقط مثل هذه الحكومة التي كانت قائمة رغم كلّ الدعم العالمي لها، ويُقيم بدلًا منها شيئًا لم تتحمّل القوى الاستكباريّة رؤيته، ألا وهو نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هذه تجربة من تجاربنا. وهل هناك أفضل من هذه التجربة؟ “وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا واَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كنتُم مُؤمِنين”(7).
إذا ما وُجد [فيكم] الإيمان فإنّكم الأفضل. فلتكونوا أقوياء في طريق الإيمان، وصريحين، وراسخين. إنّني أصرّ على أن يكون عموم أفراد الشعب والمسؤولون صريحين فيما يخصّ ذكر المباني الاسلاميّة. هذه الآيات التي تلتها هذه المجموعة الحسنة الصوت والإنشاد؛ “قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ”(8)، هي الأخرى تقول بصراحة “كفرنا بكم”. ولا منافاة في ذلك. الآن قد يفكّر البعض ويقلق،. حسنًا، ينبغي أن يكون للحكومة والدولة علاقات وروابط عالميّة؛ أنا أيضًا مؤمن بهذا الأمر وأؤيّد هذا الاتّجاه، لكن لا منافاة في ذلك. يمكن لنا الإعلان بصراحة عن مبانينا وأسسنا والسير قدمًا، والنجاح أيضًا في مسائل الحياة المختلفة كلّها؛ ومن جملتها العلاقات والروابط الدوليّة. يمكن القيام بهذه الأعمال. فليردوا الميدان ويتوكلّوا على الله، وسيروا أنّ ذلك ممكن. هذه هي التجارب.
• إنتصارنا في الحرب المفروضة تجربة آخرى
في ذلك اليوم، قلت للحشود التي كانت هنا (9): إنّ إبراهيم (عليه السلام) بكلّ عظمته قال لله تعالى: “أرني كيف تحيي الموتى”، فقال الله تعالى له: “أوَلم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي” (10). بعدها، قال الله تعالى له: حسنًا، فلتقم بهذه الأعمال لترى بعينك كيف يحيي الله الموتى. حسنًا، لقد رأينا نحن بأمّ العين: كيف أنّ شعبًا أعزل انتصر في الحرب المفروضة، وكيف أنّ شعبًا حديث عهد بالعمل السياسي والعلاقات الدوليّة ينتصر على مؤامرات الأعداء؛ كيف انتصر شعبنا، وعلى الرغم من تشكّل جبهة ماديّة قويّة في مقابله، تطعنه في الظهر، وتشهر عليه السيف من الأمام: تثير الضجيج، تعربد، وتقوم بما تقوم به، تحيك المؤامرات ضدّنا منذ أربعين سنة. ومنذ أربعين سنة تبوء مؤامراتهم بالفشل واحدة بعد الأخرى. أَوَلا نرى هذا؟ هذه هي تجاربنا؛ فلنأخذ هذه التجارب بعين النظر ونعلم بأنّ طريق التقدّم القويّ، المقتدر، العزيز والناجح عبارة عن الارتباط بالقرآن؛ فأساس جميع الخيرات هو هذا الكتاب العزيز الذي أنتم ـ ولله الحمد ـ على معرفة به، تأنسون به، بعضكم حافظ له، وبعضكم تالٍ وقارئ له، وبعضكم مستمع، وبعضكم معلّم له. [إذًا] أساس العمل هو هذا القرآن.
علينا تقوية علاقتنا بالقرآن
حسنًا، فلتزيدوا الآن من عدد الجلسات القرآنيّة، ولتزيدوا من تعلّم القرآن وتعليمه مهما أمكنكم. أحيوا معاني القرآن، ومفاهيمه. أقول للقرّاء الأعزّاء ـ الذين راعى بعضهم اليوم، لحسن الحظّ، هذه المسألة جيّدًا ـ بأنّ عليهم أن يجسّدوا في طريقة القراءة مفاهيم الآيات القرآنيّة؛ وذلك تمامًا كالمتكلّم البارع والخطيب المفوّه، عندما يلقي شعرًا على سبيل المثال، يؤدّي الكلمات بنحو يُحيي فيه للمستمع كلّ معاني ذلك الكلام. وكما فعل مقدّم جلستنا هذه؛ حسن البيان والكلام اليوم (11). فعندما يتحدّثون بنحو جيّد، ويلقون الشعر بنحو جيّد، ويتكلّمون بنحو جيّد، يؤدّون الكلمات بلحنها المناسب، فإنّ كلّ المعاني والمضامين الموجودة في هذه الكلمة ستُبلّغ إلى المستمع ويتلقّاها هو بدوره. وهكذا ينبغي لتلاوة القرآن أن تكون؛ بأن يظهر كلّ ما في هذه الآيات من مضامين، من خلال رفع الصوت وخفضه والصعود والهبوط وتغيير الصوت وكيفيّة الأداء. هذا بالطبع، للذين يفهمون معاني القرآن. لذا، ينبغي تعلّم لغة القرآن. ولتأنسوا مهما أمكنكم بلغة القرآن. الكثير من أولئك الذين يأنسون بالقرآن، لم يتعلّموا العربيّة، لكن عندما يقرأون القرآن يفهمون معانيه. وكثيرًا ما رأينا أفرادًا لم يلتحقوا بصفوف اللغة العربيّة، لكنّهم لشدّة أنسهم بالقرآن، ولكثرة ما يكرّرونه ويقرأون الآيات القرآنيّة، تراهم عندما يفتحون القرآن ويقرأون آية ما، يفهمون معناها. بالأنس الشديد يمكن فهم معنى الآية. علينا تقوية علاقتنا بالقرآن.
اللهم بمحمّد وآل محمّد، قوِّ علاقتنا ـ القلبية، واليومية ـ بالقرآن ليلًا ونهارًا. واجعلنا نتحلّى ببركات القرآن ونعمه. ونتنعّم برزق القرآن، ولا تجعلنا من الذين لا يتعلّمون من القرآن سوى ألفاظه، ويكتفون بها.
اللهم؛ أتمّ لطفك وفضلك على هذا الشعب بتبليغه أمانيه وأهدافه وبنصره على أعدائه. احشر الروح الطاهرة لإمامنا العظيم مع أوليائه، واحشر أرواح شهدائنا الطيّبة مع أوليائهم. وانصر المؤمنين، حيثما كانوا وفي كل مكان، من المجاهدين في سبيل الله ـ في أيّ ناحية من أنحاء الجهاد ـ على أعدائهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1ـ في بداية هذا اللقاء ـ والذي عُقد في اليوم الأوّل من شهر رمضان ـ تلا عدد من القرّاء آيات من القرآن الكريم وقدّمت مجموعات التلاوة الجماعيّة بعض التواشيح.
2ـ سورة الفاتحة: الآية 6.
3ـ سورة الفتح: جزء من الآية 29.
4ـ سورة مريم: الآيات 81 إلى 82.
5ـ سورة الإسراء: بعض من الآية 81.
6ـ سورة النساء: قسم من الآية 122.
7ـ سورة آل عمران: الآية 139.
8ـ سورة الممتحنة: قسم من الآية 4.
9ـ خطابه في لقاء حشود الشعب المختلفة في الذكرى السنويّة لتحرير مدينة خرّمشهر 24/5/2017(3/3/1396)
10ـ سورة البقرة: قسم من الآية 260.
11ـ السيّد مجيد يراق بافان.
29-05-2017
https://t.me/wilayahinfo