الرئيسية / من / طرائف الحكم / الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها17

الشعائر الحسينية إحياؤها وأبعادها17

كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

تمهيد:

اتضح ممّا سبق أنّ إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام وإقامة العزاء عليه هو تأسٍّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمّة الطاهرين عليهم السلام.

 

وأنّها موجبة لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وعنوان للمودّة والمحبّة لهم عليهم السلام وأداءٌ لحقّهم وأنّها وسيلة لهداية العباد, وأنّها إحياء لرسالة عاشوراء والدّين وأنّها عامل لحفظ القيم الإلهيّة وعنوان التأسّي بالإمام عليه السلام, وأنّها تحرّك ضدّ أعداء الله وموجبة للثواب والمغفرة وباعثة لنيل الكرامات وعناية المعصومين عليهم السلام وشفاعة أهل البيت عليهم السلام وعنوان لتفضيل أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم.

 

والسؤال المطروح هنا هو: كيف نقوم بإحياء الشعائر الحسينيّة؟ وفي الجواب لا بدّ من القول بأنّ أيّ شيءٍ يكون مصداقاً واقعيّاً لكلّيّ الشعائر فإنّه مطلوب وراجح، وهذا مذكور في الكثير من الأوامر في الكتب الفقهيّة، حيث إنّ الشارع المقدّس يطلب من المكلّف عملاً كلّيّاً أحياناً, سواء ذكر

مصاديقه أو لم يذكرها أصلاً, وعلى كلّ حال فإنّ امتثال ذلك الفرد الجزئيّ يكون امتثالاً لكلّيّ الطلب.

 

وفي باب العزاء والشعائر أيضاً فقد أُمرنا بإقامة العزاء بنحو كلّيّ وقد ذُكرت بعض مصاديقه أحياناً وعليه لو اختلفت مصاديق العزاء وكيفيّته بين الأقوام والأماكن والبلاد المختلفة فإنّها تعدّ جميعها من مصاديق العزاء إن شاء الله تعالى.

 

ومن ثَمَّ فإنّ بعض هذه الشعائر يُعَدُّ من أفعال المعصومين عليهم السلام وبعضها الآخر قد أمروا به في الروايات الواردة عنهم، والبعض منها أيضاً ممضى من قبلهم بدلالة التقرير، وبعضٌ منها تعورف عليه بمرور الزمان بين الشيعة ومورد تأييد الفقهاء وأعاظم الشيعة أيضاً.

 

وثمّة مطلب آخر ها هنا أيضاً, وهو أنّ لهذه الشعائر أبعاداً مختلفة, ولكلّ منها بُعْدُه الخاصّ به حيث إنّ بعضها له بُعد فرديّ, وبعضها له بعد عائليّ, والثالث له بُعد اجتماعيّ, وأخيراً ما له بُعد عالميّ, وحتماً فإنّ هذه الأبعاد قابلة للجمع فيما بينها ولا تضادَّ بينها أصلاً.

 

ومن باب المثال نقول إنّ من المصاديق البارزة للشعائر الفرديّة يمكن الإشارة إلى البكاء على مصائب سيّد الشهداء, فإنّه وإن كانت له أبعادٌ أخرى أيضاً إلّا أنّه بالنسبة للشخص

الباكي موجب لتصفية الروح وتوجه القلب والاطمئنان مضافاً إلى الثواب الإلهيّ الكبير الذي ينتظره أيضاً.

 

وفي مجال البُعد العائليّ يمكن التمثيل له بإقامة مجالس العزاء في البيوت والتي تبعث على الارتقاء والرشد الفكريّ والمعنويّ والاعتقاديّ لأفراد العائلة باعتبارها مجتمعاً صغيراً.

 

وأمّا في البعد الاجتماعيّ فإنّ من المصاديق البارزة له يمكن الإشارة إلى مواكب العزاء واللَّطم وتشكيل الهيئات الحسينيّة والتي تبعث على حفظ القيم الدّينيّة والأخلاقيّة في المجتمع, سواء كان على مستوى المدينة أم على مستوى الدولة.

 

وأخيراً في البُعد الدوليّ ذي المجال الأوسع والأشمل فإنّه يمكن في عالمنا المعاصر نشر وتعريف أهداف الإمام الحسين عليه السلام وشخصيّته العظيمة وأفكاره وما قام لأجله، عن طريق الوسائل الحديثة كالفضائيّات والانترنت وغيرها من وسائل الاتصال المعاصر. وحتماً فإنّ مثل هذا العمل سيبعث على نشر الإسلام الحقيقيّ في العالم كلّه وسيكون عاملاً مهمّاً في جذب الناس إلى الإسلام والدخول فيه وإعلان إسلامهم.

 

وما يهمّنا الآن في هذا المختصر أن نبيّن إجمالاً بعض الشعائر الحسينيّة، والتي إن وُفّقنا للقيام بها سابقاً فعلينا العمل والسعي لزيادتها وتوسيعها، وهي:

1ـ إقامة مجالس العزاء

عن الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فيما رُوي عنه في زيارة الناحية مخاطباً جدّه الإمام الحسين عليه السلام: “وأقيمت لك المآتم في أعلى علّيّين”.

 

إنّ إحدى الشعائر الحسينيّة والتي لها أهمّيّة كبرى إقامة مجالس العزاء ومجالس ذكر مصيبة سيّد الشهداء عليه السلامفي أيّام العزاء, خصوصاً وفي باقي أيّام السنة عموماً. وهذا الأمر له بركاته العظيمة المعنويّة والماديّة لأهل المجلس والمقيمين له. وستؤدّي هذه المجالس إلى رفع البلاء عن صاحبها وشموله بالخيرات والبركات الإلهيّة.

 

وبغضّ النّظر عن بركات هذه المجالس – وكما أشرنا إليها سابقاً – فإنّ تديّن وإيمان أفراد العائلة سيحفظ ويزيد استحكاماً وقوّة, لأنّه وبكلّ بساطة عندما يقام مجلس عزاء على سيّد الشهداء عليه السلام في المنزل وتذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلامفيه فإنّ ذلك المنزل سيُبعد عن الفساد والضلالة ويُصان من الآفات الفكريّة والاعتقاديّة. ومن ثَمَّ فإنّ إقامة المجلس وبغضّ النظر عن موضوعيّته في حدّ ذاته, فإنّه سيبعث على ترتّب بعض الشعائر الأخرى بالإضافة إليه, ومثالاً على ذلك فإنّ إقامة مجلس أهل البيت عليهم السلام سيستتبع بنفسه

ذكر المراثي والندبيّات والبكاء وذكر فضائل ومصائب سيّد الشهداء عليه السلام وقد يقوم البعض بإطعام الطعام في مجلسه أيضاً.

 

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الأسلوب قد وصل إلينا بشكل قطعيّ عن طريق أئمّتنا المعصومين عليهم السلام حيث إنّهم سلام الله عليهم أقاموا مجالس العزاء على جدّهم المعظّم عليه السلام وأمرونا بإقامتها أيضاً وشجّعونا على ذلك.

 

يروي أبو الفرج الأصفهانيّ: أنّه لمّا دخل السيّد الحميريّ على الصادق عليه السلام، أقعد حرمه خلف الستر، ثمّ استنشده في رثاء جدّه الحسين عليه السلام فأنشده أبياتاً كثيرةً، قال – أي راوي الحديث – فرأيت دموع جعفر تنحدر على خدّيه, وارتفع الصراخ من داره حتّى أمره بالامساك فأمسك[1].

 

وفي رواية أخرى يذكر أبو هارون المكفوف أنّه دخل على الإمام الصادق عليه السلام. فقال له: “يا أبا هارون, أنشدني في الحسين عليه السلام”.

 

قال: فأنشدته، فبكى.

 

قال: “أنشدني كما تنشدون – يعني بالرقّة -.

 

قال: فأنشدته:

أُمْرُرْ عَلَىْ جَدَثِ الْحُسَيْنِ       فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الْزَّكِيَة

 

قال: فبكى.

 

ثمّ قال: “زدني“، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر[2].

 

وفي موضع آخر ورد عن أبي هارون قوله: فبكى وتهايج النساء[3].

 

وفي رواية أخرى ورد في سندها أبو عمارة المنشد (الشاعر) قال فيها، قال لي الإمام الصادق عليه السلام: “يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه السلام“، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار[4].

 

وفي رواية أخرى ورد في سندها عبد الله بن غالب ذكر فيها أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله فأنشدته مرثيّة الحسين عليه السلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:

لِبَلِيَّةٍ تَسْقُو حُسَيْناً     بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرَ التُّرَابِ

فصاحت امرأة من خلف الستر: وا أبتاه[5].

 

وجاء في رواية أيضاً أنّ دعبل بن عليّ لمّا أنشد الرضا عليه السلام تائيّته المشهورة وانتهى إلى قوله:

أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً      وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ

إِذًا لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاِطِمُ عِنْدَهُ         وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ

 

لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً..[6].

 

وكذلك روى أنّه: فقام عليه السلام من مكانه وضرب ستراً وقال للنساء: “اجلسن وراء الستر“, فأمر دعبل بالقراءة وقال: “من ذرفت عيناه على مصاب جدّي حشره الله يوم القيامة معنا في زمرتنا”[7].

 

وفي رواية أخرى ينقل مالك الجهنيّ قول الإمام الباقر عليه السلام في ضمن أعمال يوم عاشوراء لمن كان بعيداً عن القبر الشريف والمطهّر فأراد زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال: ” … ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في

 

داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزّي بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام”[8].

 

ومن المقطوع به أنّ المجالس الحسينيّة تعدّ من أهمّ وأبرز مصاديق مجالس إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام والتي تقدّمت الروايات في ذكر فضلها.

 

وممّا يجدر ذكره أنّ من خصائص سيّد الشهداء عليه السلام إقامة مجالس العزاء عليه في خمسة أزمنة ماضياً ومستقبلاً, وقد ذكرها الشيخ جعفر الشوشتريّ في كتابه الخصائص الحسينيّة في العنوان السادس، المقصد الرابع مفصّلاً إيّاها بالبيان التالي:

 

الأوّل: قبل خلق آدم عليه السلام.

 

الثاني: بعد خلق آدم عليه السلامإلى ما قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام.

 

الثالث: بعد ولادة الحسين عليه السلامإلى ما قبل شهادته.

 

الرابع: بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

 

الخامس: في يوم القيامة.

 

وكذلك ذكر صاحب الخصائص في باب “المجلس الحسينيّ” أنّه يُستفاد من الروايات.

 

وجود أربع عشرة صفة لمجلس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام وقد عدّدها كما يلي:

1- أنّه مصلّى لله, أي أنّه محلّ صلواته على أهله.

 

2- أنّه مشهدٌ للملائكة المقرّبين.

 

3- أنّه محلّ نيل الدعاء من النبيّ والوصيّ والزهراء والمجتبى عليهم السلام.

 

4- أنّه منظر الحسين عليه السلام (أي أنّ الحسين ينظر إلى أهل المجلس ويراهم).

 

5- أنّه محلّ خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهم.

 

6- أنّه محبوبٌ للصادق عليه السلام.

 

7- أنّه عَرَفَة.

 

8- أنّه المشعر الحرام.

 

9- أنّه الحطيم (الموضع بين باب الكعبة والحجر الأسود).

 

10- أنّه مطاف لبيت الله.

 

11- أنّه مخمّد للنيران المشتعلة.

 

12- أنّه قبّة الحسين عليه السلام.

 

13- أنّه منبعٌ لماء في الجنان وهو ماء الحيوان.

 

14- أنّه يصير تلو مجالس أوّلها قبل الخلق وآخرها في المحشر[9].

[1] النقد النزيه، ص197, الأغاني، ج7، ص7.

[2] كامل الزيارات، باب 33، ص208، ح1.

[3] المصدر السابق، باب 33، ص209، ح5.

[4] المصدر السابق، باب 33، ص209، ح2.

[5] كامل الزيارات، باب 33، ص209، رقم 3.

[6] النقد النزيه، ص197, نقلاً عن الصدوق ومعاهد التنصيص.

[7] الخصائص الحسينيّة، ص241.

[8] كامل الزيارات، ص325، باب 71، ح9, بحار الأنوار، ج101، ص290، باب 24، ح1, المصباح، ص714.

[9] الخصائص الحسينيّة، ص23 (مقدّمة المؤلّف).

 

شبكة المعارف الإسلامية

 

https://t.me/wilayahinfo

 

[email protected]

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...