ليلة التقدير الإلهي
مفاهيم محورية
– الجانب الاعتقاديّ في ليلة القدر (التقدير الإلهيّ).
– الجانب العمليّ في ليلة القدر (إحياؤها).
– لماذا سمّيت ليلة القد؟
– تفسير سورة القدر.
– أيّة ليلة هي ليلة القدر؟
– لماذا خفيت ليلة القدر؟
تصدير الموضوع
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾1.
ليلة القدر هي الليلة التي اختارها الله سبحانه لإظهار الربوبية الشاملة من حيث التقدير والتدبير، لذلك فهي الظرف الزمانيّ الأنسب لإظهار العبودية الكاملة لله تعالى. ومن هنا فالعبادة في هذه الليلة لها أثر خاصّ متميّز على ما ورد في الروايات الكثيرة عنهم عليه السلام. ومن الواضح أنّ الإيمان التام بالتقدير الإلهيّ يستدعي العمل وبذل الطاعة في هذه الليلة. كما أنّ الإحياء المذكور ثمرةُ الإيمان ومتفرّع عليه، وبالعمل فيها يرجى الخير للعبد في التَّقدير بحسب درجة إيمانه.
وتتجلّى العبادة في هذه الليلة بأمرين:
– الجانب الاعتقاديّ في ليلة القدر (التقدير الإلهيّ).
– إحياؤها بالعمل.
1- القدر، 1 – 5.
الجانب الاعتقاديّ في ليلة القدر (التقدير الإلهيّ)
يقول الله تعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾2.
وروي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: “تنزّل الملائكة والروح فيها” قال: “تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمره، وما يصيب العباد، والأمر عنده موقوف له، فيه المشيئة فيقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، (ويمحو ما يشاء) ويثبت وعنده أم الكتاب”3.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “في تسعة عشر من شهر رمضان يلتقي الجمعان، قلت: ما معنى قوله: (يلتقي الجمعان)؟ قال: يجمع فيها ما يريد من تقديمه وتأخيره، وإرادته وقضائه“4.
وعنه عليه السلام: “إنّ ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجُهَنّي فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول“5.
الجانب العمليّ في ليلة القدر (إحياؤها)
روي عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سئل عن ليلة القدر: “كيف هي خير من ألف شهر؟ قال عليه السلام: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر”6.
وعنه عليه السلام: “فطوبى لعبد أحياها راكعاً وساجداً ومثل خطاياه بين عينيه ويبكي عليها، فإذا فعل ذلك رجوت أن لا يخيب إن شاء الله”7.
2- الدخان، الآيات، 1-5.
3- الكافي، ج4، ص157.
4- بحار الأنوار، ج94، ص2.
5- بحار الأنوار، ج7، ص475.
6- الأمالي، ص689.
7- بحار الأنوار، ج94، ص5.
وفي ثواب من أحيا ليلة القدر، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “قال موسى: إلهي أريد قربك، قال: قربي لمن يستيقظ ليلة القدر، قال: إلهي أريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي أريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدّق بصدقة في ليلة القدر. قال: إلهي أريد أشجار الجنّة وثمارها، قال: ذلك لمن سبّح تسبيحة في ليلة القدر، قال: إلهي أريد النّجاة من النّار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رضاك، قال: رضاي لمن صلّى ركعتين في ليلة القدر”8.
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “يفتح أبواب السموات في ليلة القدر، فما من عبد يصلّي فيها إلّا كتب الله تعالى له بكلّ سجدة شجرة في الجنة، لو يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وبكل ركعة بيتاً في الجنة من درّ وياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وبكل آية تاجاً من تيجان الجنة، وبكل تسبيحة طائراً من النجب، وبكل جلسة درجة من درجات الجنة، وبكل تشهّد غرفة من غرفات الجنة، وبكل تسليمة حلة من حلل الجنة”9.
تفسير سورة القدر
1- فضيلة السّورة:
يكفي في فضيلة السّورة ما روي عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من قرأها اُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر“10.
وروي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام قال: “من قرأ إنّا أنزلناه بجهر كان كشاهر سيفه في سبيل اللّه، ومن قرأها سرّاً كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله”11.
8- إقبال الأعمال، ج1، ص345.
9- م.ن.
10- مجمع البيان، ج10، ص516.
11- م.ن، ص403.
2- سبب تسمية هذه الليلة بليلة القدر:
ورد العديد من الأقوال في سبب تسميتها بليلة القدر منها: لأنّها الليلة التي تعيّن فيها مقدّرات العباد لسنة كاملة، يشهد على ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾. فهذه الآية الكريمة تنسجم مع ما جاء في الرّوايات التي تحدّد أنّ في هذه الليلة تعيين مقدّرات النّاس لسنة كاملة، وهكذا أرزاقهم، ونهاية أعمارهم، وأُمور أخرى تفرق وتبيّن في تلك الليلة المباركة. هذه المسألة طبعاً لا تتنافى مع حرية إرادة الإنسان ومسألة الاختيار، لأنّ التقدير الإلهي عن طريق الملائكة إنّما يجري حسب لياقة الأفراد وميزان إيمانهم وتقواهم وطهر نيّتهم وأعمالهم. أي يقدر لكلّ فرد ما يليق له, وبعبارة أخرى، أرضية التقدير يوفّرها الإنسان نفسه، وهذا لا يتنافى مع الاختيار بل يؤكّده.
روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: “التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين“12.
وقد روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: “ليلة القدر يقدّر الله عزّ وجلّ فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت أو خير أو شرّ أو رزق”13.
3- ليلة القدر ليلة نزول القرآن:
يستفاد من آيات الذكر الحكيم أنّ القرآن نزل في شهر رمضان: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾14، وظاهر الآية يدلّ على أنَّ كلَّ القرآن نزل في هذا الشهر. والآية الاُولى من سورة القدر تقول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.
واسم القرآن لم يذكر صريحاً في هذه الآية، ولكن الضمير في “أنزلناه” يعود إلى القرآن قطعاً. والإبهام الظاهري في ذكر اسم القرآن إنّما هو لبيان عظمته وأهمّيته.
12- إقبال الأعمال، ج1، ص150.
13- الصدوق، التوحيد، ص444.
14- البقرة، 185.
وعبارة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ فيها إشارة أُخرى إلى عظمة هذا الكتاب السماوي. فقد نسب الله نزوله إليه، وبصيغة المتكلّم مع الآخر أيضاً، وهي صيغة لها مفهوم جمعيّ وتدلّ على العظمة.
لو جمعنا بين هذه الآية وآية سورة البقرة ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾15 لاستنتجنا أنّ “ليلة القدر” هي إحدى ليالي شهر رمضان.
وكذا قوله تعالى في سورة الدخان: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾16.
وهنا يطرح سؤال له طابع تاريخي وله ارتباط بما رافق أحداث حياة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم من نزول القرآن. من المؤكّد أنّ القرآن الكريم نزل تدريجياً خلال (23) عاماً. فكيف نوفِّق بين هذا النزول التدريجي وما جاء في الآيات السابقة بشأن نزول القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر؟
الجواب عن هذا السؤال كما ذكره المحقِّقون يتلخّص في أنّ للقرآن نزولين:
الأوّل: النزول الدفعي، وهو نزول القرآن بأجمعه على قلب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أو على البيت المعمور، أو من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. والنزول التدريجي، وهو ما كان خلال (23) سنة من عصر النبوّة. ويذكر أنّ تعبير الآيات عن نزول القرآن يكون مرّة بكلمة “إنزال” ومرّة اُخرى بكلمة “تنزيل”. ويستفاد من كتب اللغة أن التنزيل للنزول التدريجي.
والإنزال له مفهوم واسع يشمل النزول الدفعي أيضاً. وهذا التفاوت في التعبير القرآني قد يكون إشارة إلى النزولين المذكورين.
15- البقرة، 185.
16- الدخان، 1-4.
4- ليلة القدر خير من ألف شهر:
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.
والتعبير هذا يوضح أنّ عظمة ليلة القدر كبيرة إلى درجة خفيت على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قبل نزول هذه الآيات، مع ما له من علم واسع.
و”ألف شهر” تعني أكثر من ثمانين عاماً، فحقّاً ما أعظم هذه الليلة التي تساوي قيمتها عُمُراً طويلاً!
وجاء في بعض التفاسير أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر رجلاً من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر17.
وأما لماذا كانت خيراً من ألف شهر… الظاهر لأهمية العبادة والإحياء فيها. وما جاء من روايات بشأن فضيلة ليلة القدر وفضيلة العبادة فيها في كتب الشيعة وأهل السنة كثير، ويؤيد هذا المعنى. أضف إلى ذلك أنّ نزول القرآن في هذه الليلة، ونزول البركات والرحمة الإلهية فيها يجعلها خيراً من ألف شهر.
وهل العدد (ألف) في الآية للعدّ أو التكثير؟ قيل إنّه للتكثير، وقيمة ليلة القدر خير من آلاف الأشهر أيضاً، ولكن الرّوايات أعلاه تبيّن أنّ العدد المذكور للعدّ، والعدد عادة للعد إلاّ إذا توفّرت قرينة واضحة تصرفه إلى التكثير.
5- ليلة تنزّل الملائكة والروح:
قال الله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾، و”تنزل” فعل مضارع يدل على الإستمرار (والأصل تتنزل) ما يدلّ على أنّ ليلة القدر لم تكن خاصّة بزمن النّبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبنزول القرآن، بل هي ليلة تتكرّر في كل عام باستمرار.
17- الدر المنثور، ج8، ص568.
وما المقصود بـ “الروح”؟ قيل: إنّه جبرائيل الأمين، ويسمّى أيضاً الروح الأمين. وقيل: إنّ الروح بمعنى الوحي بقرينة قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾18.
وللروح تفسير آخر يبدو أنّه أقرب، وهو أنّ الروح مخلوق عظيم يفوق الملائكة.
روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام سئل عن الرُّوح وهل هو جبرائيل، قال: “جبرائيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أليس أنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾”19؟ فالاثنان متفاوتان بقرينة المقابلة.
6- ليلة التقدير:
قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ أي لكل تقدير وتعيين للمصائر، ولكل خير وبركة. فالهدف من نزول الملائكة في هذه الليلة إذن هو للتقدير فالملائكة تنزل في ليلة القدر ومعها كل هذه الاُمور والتقديرات لهذا العام.
قوله تعالى: ﴿رَبِّهِم﴾ تركّز على معنى الربوبية وتدبير العالم، وهي تتناسب مع عمل الملائكة في تلك الليلة حيث تنزل لتدبير الاُمور وتقديرها، وبذلك يكون عملها جزء من ربوبية الخالق. بإيجاز الآية الكريمة تقول: الملائكة والروح تتنزل في هذه الليلة بأمر ربّهم لتقدير كلّ أمر من الأمور.
7- ليلة السلامة والرحمة:
قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، والآية الأخيرة هذه تصف الليلة بأنّها مفعمة بالخير والسلامة والرحمة حتى الصباح. فالقرآن نزل فيها، وعبادتها تعادل عبادة ألف شهر، وفيها تنزل الخيرات والبركات، وبها يحظى العباد برحمة خاصّة، كما إنّ الملائكة والروح تتنزل فيها… فهي إذن ليلة مفعمة بالسلامة من بدايتها حتى مطلع فجرها. والرّوايات تذكر أنّ الشيطان يكبّل بالسلاسل هذه الليلة فهي ليلة سالمة
18- الشورى، 52.
19- تفسير البرهان، ج4، ص481.
مقرونة بالسلامة.
وإطلاق كلمة “سلام” على هذه الليلة بمعنى “سلامة” (بدلاً من سالمة) هو نوعٌ من التأكيد كأن نقول فلانٌ عدلٌ، للتأكيد على أنّه عادل.
وقيل: إنّ إطلاق كلمة (سلام) على تلك الليلة يعني أنّ الملائكة تسلّم باستمرار على بعضها بعضاً أو على المؤمنين، أو أنّها تأتي إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته المعصوم، تسلّم عليه. ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه التفاسير.
إنّها على أي حال ليلة ملؤها النور والرحمة والخير والبركة والسلامة والسعادة من كلّ الجهات.
أيّة ليلة هي ليلة القدر؟
قيل في ذلك كثير، وذكرت تفاسير عديدة من ذلك: أنّها أوّل ليلة من شهر رمضان المبارك، الليلة السابعة عشرة، الليلة التاسعة عشرة، الليلة الحادية والعشرون، الليلة الثّالثة والعشرون، الليلة السابعة والعشرون، والليلة التاسعة والعشرون.
والثابث والمشهور في الرّوايات أنّها في العشر الأخيرة من شهر رمضان، وفي الليلتين الحادية والعشرين أو الثّالثة والعشرين. لذلك ورد في الرّوايات أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يحيي كل الليالي العشر الأخيرة من الشهر المبارك بالعبادة.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّها الليلة الحادية والعشرون أو الثّالثة والعشرون. وعندما أصرّ عليه أحدهم في تعيين واحدة بين الليلتين لم يزد الإمام على أن يقول: “ما أيسر ليلتين فيما تطلب”20.
وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنه قال لعلي ابن أبي حمزة الثمالي: “فاطلبها (أي ليلة القدر) في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وصلّ في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور، واغتسل فيهما. قال:
20- الكافي، ج4، ص156.
قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم.
قال: فصلِّ وأنت جالس.
قال: قلت: فإن لم أستطع؟
قال: فعلى فراشك، لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم. إنّ أبواب السماء تفتح في رمضان وتصفد (تقيّد) الشياطين، وتقبل أعمال المؤمنين”21.
لماذا خفيت ليلة القدر؟
الإعتقاد السائد أنّ اختفاء ليلة القدر بين ليالي السنة، أو بين ليالي شهر رمضان المبارك يعود إلى توجيه النّاس إلى الاهتمام بجميع هذه الليالي, مثلما أخفى رضاه بين أنواع الطاعات كي يتّجه النّاس إلى جميع الطاعات، وأخفى غضبه بين المعاصي، كي يتجنّب العباد جميعها، وأخفى أحباءه بين النّاس كي يُحترم كلّ النّاس، وأخفى الإجابة بين الأدعية لتقرأ كل الأدعية، وأخفى الاسم الأعظم بين أسمائه كي تعظّم كل أسمائه، وأخفى وقت الموت كي يكون النّاس دائماً على استعداد.
21- الكافي، ج4، ص157.
مفاهيم رئيسة
1- ليلة القدر هي الليلة التي اختارها الله سبحانه لإظهار الربوبية الشاملة من حيث التقدير والتدبير، لذلك فهي الظرف الزمانيّ الأنسب لإظهار العبودية الكاملة لله تعالى.
2- يعتقد المسلمون أنّ ليلة القدر هي ليلة عظيمة القدر عند الله تعالى، وفيها يقدّر الله كل أمر حكيم، عن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي ليلة الجهني فيها يفرق كل أمر حكيم وفيها تثبت البلايا والمنايا والآجال والأرزاق والقضايا، وجميع ما يحدث الله فيها إلى مثلها من الحول”.
3- إن إحياء ليلة القدر من المستحبات الأكيدة والتي ورد فيه الروايات العديدة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “العمل فيها خير من العمل في ألف شهر“.
4- من أسباب تسمية هذه الليلة بليلة القدر أنّها الليلة التي تعيّن فيها مقدّرات العباد لسنة كاملة، أو أنّها ليلة نزول القرآن.
5- الثابث في الرّوايات أنّ ليلة القدر هي في العشر الأخيرة من شهر رمضان، وفي الليلتين الحادية والعشرين أو الثّالثة والعشرين. لذلك ورد في الرّوايات أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يحيي كل الليالي العشر الأخيرة من الشهر المبارك بالعبادة.
الولاية الاخبارية