العيد بين العبادة والسعادة
مفاهيم محورية:
– العيد في النظرة الإسلامية.
– الأبعاد الدينية للعيد.
– الدلالات الاجتماعية والإنسانية للعيد.
– مستحبّات يوم العيد وبعض سننه.
تصدير الموضوع
روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: “إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو عيد”1.
مفهوم العيد في الإسلام
العيد في اللغة مأخوذ من عاد بمعنى العود أي عاد إليه، أو مأخوذ من العادة بمعنى اعتاده2. والعيد في الإسلام هو يوم محدّد نصّت عليه الشريعة الإسلامية المقدّسة وحدّدت له أعمالاً وآداباً ومراسم خاصّة. والمستفاد من النصوص أنّ أعياد المسلمين بالمعنى المصطلح أربعة لا غير وهي: عيد الفطر في الأوّل من شهر شوّال، ويوم النحر المسمّى بعيد الأضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة، ويوم الجمعة من كلّ أسبوع، وعيد الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
وقد جاء في الحديث عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: “كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد، قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة، فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة“3، بالإشارة إلى عيد الغدير.
1- وسائل الشيعة، ج15، ص308.
2- المعجم الوسيط، ص635.
3- وسائل الشيعة، ج10، ص443.
وما يدلّ على عظم شأن العيد أنّ الإسلام قرن كلّ واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالها الخطير في الروحانيات، ولها أثرها الجليل في الاجتماعيات، ولها تأثيرها العميق في التربية الفردية والاجتماعية، وهاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه، والحجّ الذي كان عيد الأضحى أحد أيامه.
فهذا الربط الإلهيّ بين العيدين، وبين هاتين الشعيرتين كافٍ للكشف عن وجه الحقيقة فيهما، وأنّهما عيدان دينيان بكلّ ما شُرِّع فيهما من سنن، بل حتى ما ندب إليه الدين فيهما من أمور ظاهرها دنيويّ كالتجمّل، والتحلّي، والتطيّب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح واختيار المناعم والأطايب، واللهو ممّا لا يخرج إلى حدّ الإسرف، فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النيّة, فمن محاسن الإسلام أنّ المباحات إذا حسنت فيها النية، وأريد بها تحقّق حكمة الله، أو شكر نعمته انقلبت قربات يثاب المؤمن عليها.
الأبعاد الدينية للعيد
العيد شعيرة من شعائر الله تعالى، التي ينبغي أن تظهر وتبرز في المجتمع الإسلامي، وما استحباب التكبير والتهليل والتحميد صبيحة العيد، والاجتماع للصلاة وغيرها من الأعمال والمستحبات إلّا للتأكيد على أهمية إظهار وإبراز العيد بكلّ مداليله. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “زيّنوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس”4.
ولعلّ أفضل كلمة قيلت في معنى العيد، هي كلمة الإمام عليّ عليه السلام: “إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه”5. فلقد جاء في نهاية موسم عباديّ محمّل بمختلف ألوان العبادة والطاعة، والدعاء والتذلّل لله تعالى. فشهر رمضان
4- كنز العمال، ج8، ص546.
5- وسائل الشيعة، ج15، ص308.
هو شهر الله الذي يفتح الله فيه باب رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصائمين، وللقائمين، وللمجاهدين، وللعاملين في مواقع رضاه, فهو شهر التوبة والمغفرة والرحمة. ولهذا اعتبر أمير المؤمنين عليه السلام أنّ بإمكان المؤمن أن يحوّل كلّ أيّامه إلى أعياد، فقال عليه السلام: “كل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد“6.
الدلالات الاجتماعية والإنسانية للعيد
العيد في معناه الإنسانيّ يوم تلتقي فيه قدرة الغنيّ، وضعف الفقير على محبّة ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والإحسان والتوسعة على جميع الفقراء والمساكين، فيتجلّى العيد على الغنيّ، فينسى تعلّقه بالمال، وينزل من عليائه متواضعاً للحقّ وللخَلق، ويذكر أنّ كلّ من حوله إخوانه وأعوانه، فيتعامل معهم بإحسان ورحمة.
ولهذا لا بدّ من السعي الجدّي للمشاركة في تحمّل المسؤولية تجاه الفقراء والمساكين لنشعرهم جميعاً بفرحة العيد، وليكن شعارنا العمل ليفرح الناس كلّ الناس بالعيد، وذلك من خلال التعاون والتكافل والإيثار، فقد ورد أن علياً عليه السلام اشترى ثوباً فأعجبه فتصدّق به، وقال: سمعت رسول الله يقول: “من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة الجنّة“7.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا يؤمن عبد حتّى يحبّ للناس ما يحبّ لنفسه من الخير”8.
وللعيد أبعاد اجتماعية كثيرة منها: التلاقي والتزاور وغيرهما من المظاهر التي تحقّق حالة إنسانية تزيد من التواصل والترابط الحميم بين أفراد المجتمع، فقد ورد الحثّ
6- مستدرك الوسائل، ج6، ص154.
7- نور الثقلين، ج1، ص346.
8- كنز العمال، ج1، ص416.
الشديد على التزاور في الله ولقاء الإخوان، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقاً على الله أن يكرم زائره“9.
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: “تزاوروا في بيوتكم فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا
“10.
ومنها إبراز الزينة والبهجة والسرور، فصحيح أنّ بهجة العيد وزينته ليست لذات العيد، بل لما يحمله العيد من معان ومفاهيم عظيمة في الإسلام تتجلّى في غفران ذنوب الصائم، وقبول عمله وعبادته… إلّا أنّ هذا لا يتنافى أبداً مع إبراز مظاهر الزينة المعنوية بالتهليل والتكبير، والزينة المادية من خلال التجمّل في اللباس للكبار والصغار، وتبادل التهاني والتبريكات بأجواء تسودها البهجة والسرور.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “إنّ الله يحبّ إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه أن يتهيّأ له وأن يتجمّل“11. وقد ورد التأكيد في النصوص على أنّ “خير لباس كلّ زمان لباس أهله“12.
وممّا روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “إظهار النعمة أحبّ إلى الله من صيانتها، فإيّاك أن تتزيّن إلّا في أحسن زيّ قومك”13.
والعيد في معناه الاجتماعيّ أيضاً يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البرّ والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدّد فيهم أواصر الحبّ ودواعي القرب. ويحمل معه تذكيراً لأبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين, حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعمّ النعمة كلّ أسرة.
9- بحار الأنوار، ج72، ص364.
10- م.ن، ج2، ص144.
11- م.ن، ج76، ص307.
12- الكافي، ج1، ص411.
13- م.ن، ج6، ص440.
وإلى هذا المعنى الاجتماعي يرمز تشريع صدقة الفطر الواجبة في عيد الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى, فإنّ في تقديم ذلك قبل العيد أو في أيامه إطلاقاً للأيدي الخيّرة في مجال الخير, فلا تشرق شمس العيد إلّا والبسمة تعلو كلّ شفاه، والبهجة تغمر كلّ قلب.
وتذكّر أخي المسلم في صبيحة العيد، وأنت تقبل على والديك، وتأنس بزوجك، وإخوانك وأولادك، وأحبابك، وأقربائك، وأنت تأوي إلى ظلّك الظليل، ومنزلك الواسع، إخواناً لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء. واستحضر أنّك حين تأسو جراحهم وتسعى لسد حاجتهم إنما تسدّ حاجتك، وتأسو جراحك قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾14، ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ﴾15، و﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾16. عن الإمام الصادق عليه السلام: “من نفّس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم“17، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحُمّى”18.
مستحبات يوم العيد وبعض سننه
من الآداب الخاصة لعيد الفطر في الإسلام:
1- التكبير والتهليل: أن تكبّر بعد صلاة الصّبح وبعد صلاة العيد، فالعيد شعيرة من شعائر الله تعالى، التي ينبغي أن تظهر وتبرز في المجتمع الإسلامي، ومنها استحباب التكبير والتهليل والتحميد صبيحة العيد، والاجتماع للصلاة وغيرها
14- التوبة، 71.
15- البقرة، 272.
16- فصلت، 46.
17- الكافي، ج2، ص200.
18- بحار الأنوار، ج 58، ص 150.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “زيّنوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس“19.
2- زكاة الفطرة: إخراج زكاة الفطرة صاعاً عن كلّ نسمة من الواجبات، وتدفع قبل صلاة العيد على التّفصيل المبين في الكتب الفقهيّة.
3- الدعاء: أن تدعو بعد فريضة الصّبح بما رواه السّيد رحمه الله: من دعاء اَللّـهُمَّ إني تَوَجَّهْتُ إليك بِمُحَمَّد إمامي،الخ.
4- الغسل: وقت الغسل من الفجر إلى حين أداء صلاة العيد.
5- الإفطار: الإفطار أول النّهار قبل صلاة العيد، والأفضل أن يفطر على التّمر أو على شيء من الحلوى قال الشّيخ المفيد: يستحبّ أن يبتلع شيئاً من تُربة الحسين عليه السلام فإنها شفاء من كلّ داء.
6- صلاة العيد: أن لا تخرج لصلاة العيد إلا بعد طلوع الشّمس، وأن تدعو بما رواه السّيد في الإقبال من الدّعوات، منها ما رواه عن أبي حمزة الثّمالي، عن الباقر عليه السلام قال:ادع في العيدين والجمعة إذا تهيّأت للخروج بهذا الدّعاء: “اَللّـهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ في هذَا الْيَوْمِ اَوْ تَعَبَّأَ اَوْ اَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفادَة إلى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوافِلِهِ وَفَواضِلِهِ وَعَطاياهُ، فَاِنَّ إليك يا سَيِّدي تَهْيِئَتي وَتَعْبِئَتي”.
7- زيارة الإمام الحسين عليه السلام: قال الإمام الصادق عليه السلام : “من زار قبرالحسين عليه السلامليلة من ثلاث ليالي غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر, ليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النّصف من شعبان“20.
8- دعاء الندبة: (يراجع مفاتيح الجنان، أعمال شهر شوال).
19- كنز العمال، ج 8، ص 546.
20- التهذيب، ج 6، ص 49.
مفاهيم رئيسة
1- العيد في الإسلام هو يوم محدّد نصّت عليه الشريعة الإسلامية المقدّسة وحدّدت له أعمالاً وآداباً ومراسم خاصّة. وأعياد المسلمين أربعة وهي: عيد الفطر في الأوّل من شهر شوّال، ويوم النحر المسمّى بعيد الأضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة، ويوم الجمعة من كلّ أسبوع، وعيد الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
2- العيد في ديننا الإسلامي شعيرة من شعائر الله تعالى، التي ينبغي أن تظهر وتبرز في المجتمع الإسلامي، مع ما يرافقها من تكبير وتهليل وتحميد صبيحة العيد، واجتماع للصلاة وغيرها من الأعمال.
3- العيد في معناه الإنسانيّ يوم تلتقي فيه قدرة الغنيّ، وضعف الفقير على محبّة ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والإحسان والتوسعة على جميع الفقراء. فلا بدّ من السعي الجدّي للمشاركة في تحمّل المسؤولية تجاه الفقراء والمساكين.
4- للعيد أبعاد اجتماعية كثيرة منها: التلاقي والتزاور وغيرهما من المظاهر التي تحقّق حالة إنسانية تزيد من التواصل والترابط الحميم بين أفراد المجتمع.
5- من مستحبات يوم العيد وسننه: التكبير والتهليل، زكاة الفطرة، الدعاء، الغسل، الإفطار، صلاة العيد، زيارة الإمام الحسين عليه السلام، دعاء الندبة.
الولاية الاخبارية