البــدعــة مفهومها وحدودها
26 سبتمبر,2017
بحوث اسلامية, صوتي ومرئي متنوع
949 زيارة
البدعة في السُنّة المطهّرة
فيما تقدم استعرضنا بصورة موجزة الآيات القرآنية الشريفة الدالة على
____________
(1) يونس 10: 15.
(2) الانعام 6: 21.
الصفحة 18
مفهوم البدعة والتحذير منها، وسنستعرض في هذا الفصل ما ورد من أحاديث وروايات منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وسوف لن يقتصر إيرادنا للاَحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فريق معيّن من المسلمين بل سنحاول ذكر الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق الفريقين.
1 ـ ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا يذهب من السُنّة شيء حتى يظهر من البدعة مثله، حتى تذهب السُنّة وتظهر البدعة، حتى يستوفي البدعة من لا يعرف السُنّة، فمن أحيى ميتاً من سنتي قد أمُيتت، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها، من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً، ومَنْ أبدَعَ بدعة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئاً»(1).
2 ـ وعن جابر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له ثم قال: «أما بعد فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأنّ أفضل الهدي هدي محمد، وشر الاُمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة..»(2).
3 ـ وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «لا ترجعنَّ بعدي كفاراً، مرتدين، متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السُنّة بالهوى لاَن كل سُنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل»(3).
4 ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، السُنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم
____________
(1) كنز العمال، لعلاء الدين الهندي 1: 222 | 1119.
(2) مسند أحمد 3: 310 طبعة دار الفكر ـ بيروت. سنن ابن ماجه 1: 21 باب اجتناب البدع والجدل طبعة دار الجيل ـ بيروت. جامع الاُصول، لابن الاَثير: 5 الفصل الخامس الخطبة 3974.
(3) خصائص الاَئمة، للشريف الرضي: 75.
الصفحة 19
سُنّة»(1)….
5 ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «من أدى إلى أُمتي حديثاً يُقام به سُنّة، أو يثلم به بدعة، فله الجنة»(2).
6 ـ وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «إياك أن تسنَّ سنة بدعة، فإنّ العبد إذا سنَّ سنةً سيئة، لحقهُ وزرها، ووزر من عمل بها»…(3).
7 ـ وعن عرباض بن سارية قال: صلّى بنا رسول الله الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة… قال: «أوصيكم بتقوى الله… وإيّاكم ومحدثات الامور، فإنّ كلَّ محدثة بدعة، وإنّ كلَّ بدعة ضلالة»(4).
8 ـ وروى مسلم في صحيحه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيشٍ، يقول: «صبّحكم ومسّاكم ـ ويقول ـ بُعثِتُ أنا والساعة كهاتين ـ ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى، ويقول ـ أما بعد، فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هَديُ محمد، وشرّ الاُمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ـ ثم يقول ـ أنا أولى بكلِّ مؤمن من نفسهِ، من ترك مالاً فلاَهله، ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فإليَّ وعليّ»..(5).
9 ـ وروى ابن ماجه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يقبل الله لصاحب بدعة
____________
(1) جامع الاخبار، لتاج الدين الشعيري: 125.
(2) بحار الانوار، للمجلسي 2: 152 | 43 باب 19.
(3) بحار الانوار، للمجلسي 74: 104 | 1 باب 5.
(4) مسند أحمد 4: 126 ـ 127. وبحار الانوار 2: 263 فقد وردت نفس النصوص مع زيادة «وكل ضلالة في النار».
(5) جامع الاصول، لابن الاثير: 5. الفصل: 5 الخطبة 3974.
الصفحة 20
صوماً، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجّاً، ولا عمرة، ولا جهاداً»(1).
10 ـ وروى مسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»(2).
11 ـ وعن جرير بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «من سنَّ في الاِسلام سُنّة حسنة فعُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أُجورهم شيء، ومن سنَّ في الاِسلام سُنّة سيئة فعمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء»..(3).
12 ـ وعن حذيفة انه قال: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شرّ ؟ قال: «نعم، قوم يستّنون بغير سنّتي ويهتدون بغير هداي»..(4).
13 ـ وعن مالك في موطأه عن أبي هريرة قال: إنّ رسول الله خرج إلى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ـ إلى أن قال ـ فلُيذادنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلّم ! ألا هلّم ! ألا هلّم ! فيقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: فسحقاً، فسحقاً، فسحقاً»..(5).
14 ـ وروى الكليني عن محمد بن جمهور رفعهُ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا ظهرت البدع في أُمتي فليُظهِر العالِم علمه، فمن لم يفعل
____________
(1) سنن ابن ماجه 1: 25 باب اجتناب البدع والجدل.
(2) صحيح مسلم 5: 132، كتاب الاقضية الباب 8. ومسند أحمد 6: 270.
(3) صحيح مسلم 8: 61 كتاب العلم.
(4) صحيح مسلم 5: 206 كتاب الامارة.
(5) موطأ مالك: كتاب الصلاة باب جامع الوضوء | 26. وصحيح مسلم 1: 150.
الصفحة 21
فعليه لعنة الله»(1).
15 ـ وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أتى ذا بدعةٍ فعظّمهُ فإنما يسعى في هدم الاِسلام»(2).
16 ـ وبالاسناد السابق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة» قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «انّه اُشرِبَ في قلبه حبّها»(3).
17 ـ وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: أيُّها الناس إنّما بَدْءُ وقوع الفتن، أهواءٌ تُتَّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالاً، فلو أنّ الباطل خلص لم يُخف على ذي حجى، ولو أنّ الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى»(4).
18 ـ الحسن بن محبوب رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام: إنّه قال: «إنّ من أبغض الخلق إلى الله عزّ وجلّ لرجلين: رجل وكلّه الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن أفتتن به، ضال عن هَدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته
____________
(1) الكافي، للكليني 1: 54 | 2 باب البدع.
(2) المصدر السابق: ح3.
(3) الكافي، للكليني 1: 54 | 4.
(4) المصدر السابق 1: 55 | 1 الباب السابق.
الصفحة 22
وبعد موته، حمّال خطايا غيره، رهنٌ بخطيئته»(1).
19 ـ وروى عمر بن يزيد عن الاِمام الصادق عليه السلام إنّه قال: «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرءُ على دين خليله وقرينه»(2).
20 ـ وروى داود بن سرحان عن الاِمام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة»..(3).
21 ـ وعنه عليه السلام قال: «ما أُحدثت بدعة إلاّ ترك بها سُنّة، فاتقوا البدع والزموا المَهْيَع، إنَّ عوازم الاُمور أفضلها وإنّ محدثاتها شرارها»(4).
22 ـ وعن الصادق عليه السلام أنّه قال: «من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه»(5).
23 ـ وعنه عليه السلام أنّه قال: «من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره فقد مشى في هدم الاِسلام»(6).
24 ـ وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله: «…فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادلٌ هُدِيَ وهَدى فأقام سُنّةً
____________
(1) الكافي، للكليني 1: 54 | 6 باب البدع.
(2) الكافي، للكليني 2: 375 | 3 باب مجالسة أهل المعاصي.
(3) الكافي، للكليني 2: 375 | 4 باب مجالسة أهل المعاصي.
(4) بحار الانوار، للمجلسي 2: 264 | 15. نهج البلاغة: خطبة 145. والمَهْيَع: الطريق البيّن.
(5) المصدر السابق 8: 23 الطبعة القديمة.
(6) المصدر السابق 2: 304 | 45.
الصفحة 23
معلومةً وأمات بدعةً مجهولةً، وأنّ السُنن لنيرةٌ، لها أعلامٌ، وأنّ البدع لظاهرةٌ، لها أعلام. وأنَّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به، فأمات سُنّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكةً»(1).
25 ـ وقال عليه السلام: «أوِّهِ على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدّبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السُنّة وأماتوا البدعة»(2).
26 ـ وقال عليه السلام: «إنّما الناس رجلان: متبع شرعة، ومُبتدع بدعة»(3).
27 ـ وقال عليه السلام أيضاً: «طوبى لِمَن ذلّ في نفسهِ وطاب كَسبُه ـ إلى أنْ قال ـ وعزل عن الناس شرّه ووَسَعته السُنّة ولم يُنسَب إلى البدعة»..(4).
28 ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا رأيتم صاحب بدعة فاكفهرّوا في وجهه، فإنّ الله ليبغض كل مبتدع ولا يجوز أحد منهم على الصراط، ولكن يتهافتون في النار مثل الجراد والذباب»(5).
29 ـ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «من غشّ أُمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قالوا: يا رسول الله وما الغش ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ان يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها»..(6).
30 ـ وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «من أحدث حدثاً، أو آوى محدثاً،
____________
(1) نهج البلاغة: الخطبة 164.
(2) نهج البلاغة: الخطبة 182.
(3) المصدر السابق: الخطبة 176.
(4) المصدر السابق: قسم الحكم، الرقم 123.
(5) جامع الاصول، لابن الاثير 9: 566. كنز العمّال، للمتقي الهندي 1: 221 | 1118.
(6) المصدر السابق.
الصفحة 24
فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يُقبل منه عدل ولا صرف يوم القيامة، فقيل: يا رسول الله: ماالحدث ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من قتل نفساً بغير نفسٍ، أو مثَّل مثلة بغير قودٍ، أو ابتدع بدعة بغير سنة»(1).
31 ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «وأما أهل السُنّة فالمتمسكون بما سنّه الله لهم ورسوله، وإن قلّوا، وأما أهل البدعة فالمخالفون لاَمر الله تعالى وكتابه ولرسوله، والعاملون برأيهم وأهوائهم، وإنْ كثروا، وقد مضى منهم الفوج الاول، وبقيت أفواج، وعلى الله فضُّها واستيصالها عن جدبة الاَرض»..(2).
32 ـ وسأل رجل أمير المؤمنين علياً عليه السلام عن السُنّة، والبدعة، والفرقة والجماعة، فقال عليه السلام: «أمّا السُنّة: فسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّا البدعة، فما خالفها، وأمّا الفرقة، فأهل الباطل وإنْ كثروا، وأمّا الجماعة، فأهل الحق وإن قلّوا»..(3).
33 ـ وعنه عليه السلام: «.. أدنى ما يكون به العبدُ كافراً، مَنْ زَعم أنَّ شيئاً نهى الله عنه، أنَّ الله أمر به ونصبه ديناً يتولّى عليه، ويزعم أنّه يعبد الذي أمره به، وإنّما يعبد الشيطان»(4).
34 ـ وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: «أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً، فيحبُّ عليه ويُبغض»..(5).
____________
(1) معاني الاخبار، للصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري: 265.
(2) كنز العمال، لعلاء الدين الهندي 16: 184 | 44216.
(3) تحف العقول، للحرّاني، تحقيق علي أكبر الغفاري: 211.
(4) الكافي، للكليني 2: 414 | 1 باب ادنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالاً.
(5) ثواب الاعمال وعقابها، للصدوق، تحقيق علي أكبر الغفاري: 578 | 3.
الصفحة 25
كانت تلك طائفة من الاحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام، أكد بعضها على حرمة الابتداع في الدين، وبعضها الآخر حدد أسلوب التعامل الاجتماعي مع صاحب البدعة، وحذَّرت طائفة أُخرى من التعامل مع صاحب البدعة.
وكل ذلك يؤكد خطورة البدعة على الدين ووحدة المسلمين.
ونجد من المناسب بعد إيراد الروايات المتقدمة استعراض ما دلّت عليه، في نقاط:
1 ـ إنّ كلَّ بدعة ضلالة، وإنّ كلَّ ضلالة في النار.
2 ـ روى مسلم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خطب احمرّت عيناه.. إلى أن يقول وخير الهدي هدي محمد.. الخ، وهذا يوضح أنَّ ثورة الغضب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلوّ صوته ليس إلاّ للتصرّف المبتدع في رسالته، وليس في مطلق شؤون الحياة.
3 ـ جاء في الرواية إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لقوم بدّلوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فسحقاً» يكررها ثلاث مرات، والمقصود بالتبديل أنهم بدّلوا في دين الله الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
4 ـ دلّت الروايات المتقدمة على أنّ البدع إذا ظهرت فإن على العالم أن يُظهر علمه، ليُسهم في كشف البدع وزيفها ومواجهتها، وإلاّ فعليه لعنة الله.
5 ـ كما دلت على عدم قبول توبة صاحب البدعة.
6 ـ ودلّت أيضاً على أنَّ انتش
ار البدع وظهورها سيؤدي ذلك إلى ترك السُنّة وضياعها التدريجي.
https://t.me/wilayahinfo
[email protected]
الولاية الاخبارية
2017-09-26