دلة عدم جواز تقسيم البدعة
وأما الاَدلة على عدم جواز تقسيم البدعة فسوف نعرض أهمها، وكما يأتي:
الدليل الاَول: إنّ التدقيق في المعنى الاصطلاحي لمفهوم البدعة الذي ورد مستفيضاً في النصوص الشرعية، يقضي بعدم إمكانية تقسيم البدعة، فالبدعة في الاصطلاح الشرعي هي: «إدخال ما ليس من الدين فيه» وقد مرَّ ذلك، ويعني هذا أنّ البدعة إنّما تكون «بدعة» عندما تأخذ صفة التشريع الوضعي في مقابل التشريع الاِلهي المقدس، فهل يمكن أن نتصور أنّ هناك قسماً من «البدعة» ممدوح، وهو يمثل محاولة لتقويض الدين وقوانينه ؟ وهل يدخل تحت واحد من الاَحكام الشرعية الخمسة سوى التحريم ؟
إنّ شأن الابتداع في المصطلح الشرعي شأن الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يعقل أن يكون هناك لون ممدوح من الكذب على الله ورسوله ؟
إنّ البدعة في الاصطلاح الشرعي تأبى التقسيم، وهي محرّمة مطلقاً
____________
(1) البحار، للمجلسي 2: 303 | 43.
|
الصفحة 47 |
|
لاَنها ـ كما علمت ـ تدخّل صريح في التشريع الاِلهي وتلاعب فيه.
الدليل الثاني: إنَّ جوّ النصوص التي تحدثت عن البدعة، جوّ يفيض بالذمّ والتهديد والوعيد للمبتدع، فقد مرّت علينا النصوص التي جعلت البدعة ندّاً مقابلاً للسنة، وضداً لا يلتقي معها أبداً، وذمت المبتدع وكالت له أنواع الذم والتوبيخ والتقريع والتهديد، وأوعدته بالعذاب العظيم في الدنيا والآخرة، بل دعت الناس إلى مقاطعته وهجرانه وهددت بالعذاب من يلقاه بوجه صبوح، وقالت بعدم قبول توبته، وهذا من أقسى أنواع التهديد والعقاب. ومع وجود كلّ هذه الاَلوان من التهديد والوعيد، فهل يمكن أن يكون هناك نوع ممدوح من البدعة ؟ إنّ البدعة معصية ولم يسمع أحد أنّ الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد مدح المعصية.
واقتصار النصوص الواردة في ذكر البدعة على الذمّ والانتقاد الشديد يبطل مقولة البدعة الحسنة فلو كان هناك نحو من أنحاء الاستثناء في موارد معينة مفترضة حتى لو كانت جزئية، لما تجاوزتها الشريعة المقدسة أو تجاهلتها.
إنّ هناك صفات وأعمالاً تناولتها النصوص الصريحة من الكتاب والسُنّة الشريفة، بالذم الشديد والتحذير لفاعليها، مثل صفة «الكذب» إلاّ أنّ الشريعة لم تتجاهل في الوقت نفسه بعض الموارد التي يرتفع فيها موضوع الذم، حتى إننا نرى أنَّ هناك نصوصاً في الشريعة شديدة الصراحة على استثناء بعض أنواع الكذب من أصل التحريم، إذ قد يخرج الكذب من دائرة التحريم الى دائرة الوجوب، فيما لو توقف عليه صيانة نفس مؤمنة من القتل أو الهلاك.
|
الصفحة 48 |
|
وكذلك الاَمر مع «الغيبة» هذه الخصلة المذمومة الممقوتة في نظر الشريعة، إذ ورد الحكم في جوازها في بعض الموارد كجواز اغتياب الفاسق المتجاهر بالفسق.
الدليل الثالث: ورد في الحديث المتّفق عليه عند الفريقين أنَّ الرسول محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قال: «…ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة في النار»(1). وورد بلفظ آخر: «فإنّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تسير إلى النار»(2)
ودلالة الحديث بلفظيه على شمول جميع أنواع البدع بإنّها ضلالة لاتحتاج منا إلى المزيد من الايضاح، ولا تقبل الجدل والاِنكار.
الولاية الاخبارية