الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة النساء

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

115

وحيث تقدّم في القصتين مخالفة الجماعتين للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما أرادوا بيّن سبحانه أن عاقبة المخالفة وخيمة ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ))، أي يخالفه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعنى المشاقّة أي يكون كل واحد في شق غير شق الآخر ((مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى))، أي ظهر له الحق وأن الرسول لا يقول ولا يعمل إلا بالحق -أما من قبل التبيين فالمشاق معذور لعدم تمام الحجة عليه- ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ))، أي غير طريقهم الذي هو دينهم، وهذا أعمّ من الأول وإن كان في مخالفة للدين مشاقّة للرسول بالنتيجة ((نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ))، أي نخلّي بينه وبين معتقده وعمله فلا نجبره على الرجوع لأن الدنيا للإختبار والإمتحان، والجبر ينافي ذلك كما قال سبحانه (لا إكراه في الدين) ((وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ )) من أصلاه يصليه، أي أدخله النار، أي نتركه في الدنيا على حاله وندخله يوم القيامة النار ((وَسَاءتْ )) جهنم ((مَصِيرًا))، أي محلاً يصير إليه المجرمون.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

116

وبمناسبة ذكر مشاقّة الرسول يبيّن سبحانه أنه لا يأس من رحمة الله تعالى، فمن تاب كان الله غفوراً فإذا أخطأ أحد فليرجع الى الله تعالى ليغفر ذنبه ويتوب عليه ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) إذا مات مشركاً كما دلّ الدليل ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ))، أي دون الشرك ((لِمَن يَشَاء )) إن تاب وإن لم يتب ذلك رهن إرادته سبحانه، والإرادة ليست إعتباطاً بل حسب النفسيات والأعمال والقابليات وما أشبه ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ ))، أي يجعل له شريكاً ((فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا))، أي عن طريق الحق.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

117

ثم بيّن سبحانه وجه ضلال المشركين بصورة فردية قبيحة فقال تعالى ((إِن يَدْعُونَ ))، أي ما يدعون ويعبدون ((مِن دُونِهِ ))، أي من دون الله ((إِلاَّ إِنَاثًا )) جمع أنثى فإنهم كانوا يعبدون اللات والعزّى ومنات وأساف ونائلة، وكان لكل قبيلة صنم تعبده، وكانوا يسمّون الأصنام أنثى فيقولون أنثى قريش وأنثى تميم، وكان الشيطان يكلمهم منها أحياناً كما أن قسماً منهم كان يعبد الملائكة ويقول أنها بنات الله كما حكى سبحانه عنهم (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) ((وَإِن يَدْعُونَ ))، أي ما يدعون ((إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا))، أي مارداً، فإن المريد والمارد والمتمرد بمعنى واحد وهو العاصي العاتي، وكان عبادتهم للشيطان عين عبادتهم للأصنام إذ هي من صنع الشيطان وأمره فلا يستشكل بأنه كيف يجمع النفيين.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

118

((لَّعَنَهُ اللّهُ ))، أي طرد الله الشيطان عن رحمته وقُربه، فهؤلاء يعبدون ويطيعون المطرود عن رحمة الله ((وَقَالَ )) الشيطان لله سبحانه حين طرده ((لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ ))، أي عبيدك ((نَصِيبًا مَّفْرُوضًا))، أي معلوما، والمراد من إتخاذه لهم إضلالهم وإغوائهم عن الإيمان والعمل الصالح، وقد كان يعلم الشيطان ذلك حين قال له سبحانه (فمن تَبِعَك منهم) و(لأملأنّ حهنّم منك وممن تَبِعَك).

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

119

((وَلأُضِلَّنَّهُمْ )) عن طريق الهداية، وهذا أما عطف بيان لقوله “أتخذنّ” أو المراد من الإختصاص أي أختص بجملة من عبادك فأضلّهم ((وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ )) من الأُمنية، أي أُمنّيهم طول البقاء في الدنيا وحب الرئاسة والمال حتى يعصون ((وَلآمُرَنَّهُمْ )) بالوسوسة والإلقاء في قلوبهم ((فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ )) من بتّك ويبتّك بمعنى قطع يقطع، فقد كان المشركون يقطعون آذان الأنعام علامة على حُرمة ركوبها وأكلها وشرب لبنها، وكان ذلك حراماً إذ هو من المُثلة وقد قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (لا يُمثّل ولو بالكلب العَقور) كما إن تحريمهم كان بدعة وتشريعاً محرماً ((وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ )) من التغيّرات المحرّمة كخصاء العبد وفقئ عين الدابة والتمثيل بالأحياء والأموات وما أشبه ذلك، ومن الآية يُستفاد أن كلّ تغيير في الخلق حرام إلا ما دلّ عليه الدليل،، وبعد ما ذكر سبحانه بعض أقسام أمر الشيطان التي كانت دارجة في ذلك الزمان والى زماننا هذا جعل الكل في إطار عام وأعطى القاعدة الكلية المنطبقة على كل جزئي بقوله سبحانه ((وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا )) يلي أموره ويطيع أوامره ((مِّن دُونِ اللّهِ)) قيد توضيحي للتهويل لا أنه من الممكن الجمع بين إتخاذ الشيطان وإتخاذ الله سبحانه ((فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا))، أي خسراناً ظاهراً.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

120

((يَعِدُهُمْ ))، أي يَعِد الشيطان أوليائه النصر والسعادة إن إتّبعوه ((وَيُمَنِّيهِمْ )) بالأماني الكاذبة الباطلة حتى يركنوا الى الدنيا ويتركوا الآخرة ويرجّحوا الشهوات على الأعمال الصالحة ((وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)) كل وعده غرور وكذب يغرّ به البسطاء الغافلين.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

121

((أُوْلَئِكَ )) الذين اتخذوا الشيطان ولياً وناصراً ((مَأْوَاهُمْ ))، أي مرجعهم ومحلهم ((جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا ))أي عن جهنم -فإنها مؤنثة سماعية- ((مَحِيصًا))، أي مخلصاً ومهرباً من حاص بمعنى عدل وانحرف.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة النساء

122

هذا لمن اتخذ الشيطان ولياً، أما من اتخذ الرحمن ولياً ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ )) بما يجب الإيمان به من أصول الدين ((وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ))، أي الأعمال الحسنة ((سَنُدْخِلُهُمْ )) قيل أن السين و”سوف” بمعنى واحد، وقيل أن السين للمستقبل القريب وتُستعمل الكلمتان بالنسبة الى الجنة باعتبارين : فباعتبار أن كل آت قريب تُستعمل السين ، وباعتبار فصل البرزخ الطويل تُستعمل “سوف” ((جَنَّاتٍ )) جمع جنّة وهي البستان، سمي بها لكونها مستورة بالأشجار من جنّ بمعنى ستر ومنه الجِن والجنين والجُنّة ((تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت أشجارها وقصورها ((خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا )) لا إنقطاع لها ولا زوال ((وَعْدَ اللّهِ حَقًّا ))، أي وعد الله ذلك وعداً في حال كونه حقاً أو متصفاً بكونه حقاً لا خَلَفَ فيه ولا كذب ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً))، أي من حيث القول فهو أصدق القائلين خبيراً ومُخبراً، والإستفهام في معنى النفي، أي لا أصدق من الله، والسبب أن الإنسان مهما أوتي من الصدق فإنه قد يجهل وقد لا يقدر وقد يشتبه والله منزّه عن جميع ذلك.

شاهد أيضاً

الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن المعلومات

تكنولوجيا وأمن معلومات  27/03/2024 الأمان الرقمي للأسرة: كيفية إنشاء خطة عائلية للتعامل مع حوادث أمن ...