الرئيسية / بحوث اسلامية / أين إمامنا وأين الرسول؟

أين إمامنا وأين الرسول؟

ذاك المجتمع الذي بناه الرسول بعد عدة سنوات ابتلي من بعده بهذا الوضع الصعب.

 

على مجتمعنا أن يكون حذراً جداً من أن يبتلى بذلك الداء، العبرة هنا.. وهي أن نعرف ذلك المرض ونعتبره خطراً كبيراً، ونتجنبه.

 

أنا أعتقد أن رسالة عاشوراء هذه، هي اليوم أولى وأهم من سائر دروس عاشوراء ورسالاتها الغابرة، فلنفهم ما هو البلاء الذي نزل على رأس ذلك المجتمع كي يؤتى برأس الحسين بن علي (ع) ابن أعظم رجل في تاريخ الإسلام وابن خليفة المسلمين ابن علي ابن أبي طالب، يؤتى برأسه مذبوحاً ويدار في نفس تلك المدينة التي كان أبوه يجلس في مقام خلافتها وأنه لم يحدث شيء؟ ويأتي أناس من نفس هذه المدينة، إلى كربلاء ويقتلوه ويقتلون أصحابه شهداء عطاشى ويأخذون حرم أمير المؤمنين أسيرات.

 

الكلام في هذا المجال كثير، أنا سأطرح هنا آية من آيات القرآن التي تجيب على هذا السؤال، فالقرآن قد أجابنا، والقرآن يكشف عن هذا الألم للمسلمين، تلك الآية هي {وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً}.

 

هناك سببان أساسيان لهذا الضلال والانحراف العام، الأول هو الابتعاد عن ذكر الله ونسيان ما هو من عند الله، هذا السبب الأول، أما الثاني “اتبعوا الشهوات” السعي وراء الشهوات واتباع الهوى وفي عبارة أخرى حب الدنيا والتفكير بجمع الثروات والمال والتلذذ بشهوات الدنيا والوقوع فيها واعتبار هؤلاء أن الدنيا والوقوع فيها هو الأساس.

 

إن نسيان العقيدة، هو الألم الأساسي والكبير، نحن أيضاً يمكن أن نبتلى بهذا الألم، فإذا ذهبت حالة المواظبة على العقائد الإسلامية في المجتمع الإسلامي أو ضعفت.. أصبح كل واحد يفكر كيف ينجو بنفسه من المعركة، وعندما نتعود مجاراة الآخرين في اللهاث وراء الدنيا، وعندما نعطي الترجيح لنفسنا ولمصالحنا فوق مصالح المجتمع فإن الوضع سيجرنا إلى هذا المستوى، والهمة الطويلة وممارسة الشعائر وإحيائها والاهتمام بها يولد النظام الإسلامي ويحفظ ويُحرز مزيداً من التقدم.

 

أما القليل من أهمية الشعائر ودورها وعدم الاهتمام بأصول الإسلام والثورة وطرح كل شيء وفق الحسابات المادية، وفهمه على ذلك النحو، بديهي أنه سيجر المجتمع إلى تلك الجهة، حتى تصل إلى وضع كهذا فهم قد ابتلوا بوضع كهذا.

 

يوماً ما كانت مسألة تطور الإسلام مطروحة عند المسلمين، ومسألة رضا الله وتعليم الدين والمعارف الإسلامية مطروحة ومسألة التعرف على القرآن ومفاهيمه ومعارفه كانت مطروحة أيضاً وجهاز الحاكم وجهاز إدارة البلد كان جهاز الزهد والتقوى وعدم الاعتناء بزخارف الدنيا والشهوات الشخصية، وكانت النتيجة في تلك الخطوة العظيمة التي خطاها الناس نحو الله وفي وضع كهذا، إن شخصاً كعلي بن أبي طالب يصبح خليفة، وكالحسين بن علي يصبح شخصية بارزة.

 

الموازين تكمن هنا أكثر من أي زمن آخر، فعندما يكون الله هو المعيار والتقوى وعدم الاعتناء بالدنيا والمجاهدة في سبيل الله، الناس الذين يحملون هذه الموازين يأتون إلى ساحة العمل وهؤلاء يأخذون زمام الأعمال، فالمجتمع يصبح بالضرورة مجتمعاً إسلامياً، ولكن عندما تتغير الموازين الإلهية؛ كل من لديه حب أكثر للدنيا، والأكثر اتباعاً للشهوات، والأكثر حنكة في كسب مصالحه الشخصية، والأكثر تلفيقاً في لغة الصدق والحقيقة يأتي لتولي الأعمال وبالتالي أمثال عمر بن سعد وشمر وعبيد الله بن زياد يصبحون الرؤساء، وأمثال الحسين بن علي يُذهب بهم إلى المذبح ويقتلون شهداء في كربلاء، وتصبح هذه المعادلة هي الصواب، ينبغي على المخلصين أن لا يسمحوا بتغيير القيم والموازين الإلهية في المجتمع، فإذا تغير معيار التقوى في المجتمع، يصبح إنسان تقي كالحسين بن علي مهدور الدم، إن كانت الحنكة والتسلط والتحكم بأمور العالم والدسيسة والاحتيال والكذب وعدم الاعتناء بالقيم الإسلامية أصبحت ملاكاً طبعاً فإن شخصاً كـ “يزيد” سيتولى زمام الأمور، وشخصاً كعبيد الله بن زياد سيصبح الرجل الأول في العراق، كل هدف رجال الإسلام يصبح تغيير هذه الموازين والمعايير، وكل هدف ثورتنا سيكون الوقوف بوجه المعايير الباطلة والمادية الخاطئة في العالم وتغييرها.

 

عالم اليوم هو عالم الكذب، عالم القوة، عالم الشهوات، عالم ترجيح القيم المادية على القيم المعنوية، هذا عالم اليوم، وهذا ليس في عالم اليوم فقط، بل منذ قرون والقيم في العالم تتجه نحو الزوال ونحو الضعف، فقد سُعي لإزالتها من الوجود ليُحل محلها أصحاب القدرات وعباد المال والرأسماليين.

 

فقد أوجدوا نظاماً ورتّبوا بساطاً مادياً في العالم وعلى رأسه قوة كأمريكا، والتي هي أكثر كذباً من الجميع وأكثر خداعاً وأكثر من لا يعنى بالفضائل الإنسانية والأكثر قسوة تجاه البشرية.

 

هذا هو وضع الدنيا، الثورة الإسلامية تعني إعادة الروح إلى الإسلام الحقيقي، وإحياء “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، هذه الثورة انبثقت على الساحة العالمية لتحطم الحسابات العالمية الخاطئة، وهذا التنظيم والاعتبارات العالمية الخاطئة وتنظيم حسابات جديدة، ففي إطار تلك الحسابات المادية بديهي أن يكون أشخاص متبعين الشهوات، فاسدين، ضالين، من أمثال محمد رضا (شاه) على رأس السلطة وأن يكون شخص فاضل طاهر نيّر كالإمام في السجون أو المنفى، ففي مثل تلك الحالة لن يكون للإمام مكان في المجتمع، فعندما يحكم الظلم والعنجهية والفساد والكذب واللا فضيلة، لا يمكن لشخص يتسم بالفضيلة والصدق والنور والعرفان إلا أن يكون في السجون أو في المذابح وساحات القتل.

 

وعندما يأتي رجل كالإمام إلى سدة الحكم، يعني ذلك إن صفحة سوداء طويت وأخرى بيضاء فتحت وحب الشهوات يذهب إلى العزلة، وهذا يعني أن التعلق بالدنيا والتبعية والفساد ولّى وحل مكانه الزهد والتقوى والخلوص والصفاء والجهاد والرأفة والاخلاص تجاه الناس، والرحمة والمروءة والأخوّة والتضحية والايثار.

 

فعندما يتسلم الإمام الزمام تحل هذه الخصال والقيم، وهذه الفضائل، وهذه القيم تصبح مطروحة.

 

حسناً، إذا استطعنا الحفاظ على القيم.. فنظام الإمام سيبقى وعندها لن يؤخذ أمثال الحسين بن علي (ع) إلى المقتل أو المذبح، أما إذا لم نحافظ عليها فماذا سيحصل؟ ماذا سيحصل إذا حُررنا من معنوياتنا الجهادية؟ وماذا سيحصل إذا فكرنا بالكماليات الشخصية متجاهلين الواجب الإلهي والتكليف والعقيدة والأحكام الإلهية؟ إذا جعلنا شاباً تعبوياً، شاباً مؤمناً، مخلصاً ملتزماً والذي لا يريد سوى ساحة يجاهد فيها في سبيل الله، إذا جعلنا مثل هذا الشاب في عزلة من أمره، وجعلنا الإنسان الوقح، الطمّاع، والمجرد من الصفات الحميدة والمعنويات يتحكم، ماذا سيحصل؟ طبيعي أن كل شيء سينقلب والفوضى ستعمّ.

 

إذا كانت المسافة الزمنية بين وفاة النبي الأكرم واستشهاد سبطه الإمام الحسين (ع) في صدر الإسلام قد بلغت خمسين عاماً، فهذه الفترة قد تكون أقصر بكثير في عصرنا، وربما ذهبت فضائلنا وأصحاب الفضائل إلى المذبح أو المقتل أسرع من ذلك بكثير، يجب أن نحول دون ذلك، وأن نصمد بوجه الانحرافات التي ربما يفرضها علينا العدو.

 

إذن، هذه هي العبرة من عاشوراء، لا نسمح لأحد أن يحجّم روح الثورة في المجتمع، ويحجّم ابن الثورة في المجتمع.

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...