في وجوب معرفته صلوات الله وسلامه عليه
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت الإرادة من الله
فيه إلى حجته ، وبلغ منتهى مدة والده – صلى الله عليه – فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ،
وقلده دينه ، وجعله الحجة على عباده ، وقيمه في بلاده ، وأيده بروحه ، وآتاه علمه ، وأنبأه
فضل بيانه ، واستودعه سره ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل بيان علمه ، ونصبه علما
لخلقه ، وجعله حجة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه ، والقيم على عباده ، رضي الله به
إماما لهم ، استودعه سره ، واستحفظه علمه ، واستحباه حكمته ، واسترعاه لدينه ، وانتدبه
لعظيم أمره ، وأحيى به مناهج سبيله ، وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحيير أهل
الجهل ، وتحير أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء النافع ، بالحق الأبلج ، والبيان من كل
مخرج ، على طريق المنهج ، الذي مضى عليه الصادقون من آبائه ( عليهم السلام ) فليس يجهل حق هذا
العالم إلا شقي ولا يجحده إلا غوي ، ولا يصد عنه إلا جري على الله جل وعلا . انتهى
بطوله ( 1 ) .
قوله ( عليه السلام ) : طلاوة إسلامه الطلاوة مثلثة : الحسن والبهجة والقبول ، قوله : أهل مواده
وعالمه .
قال بعض الشراح : العالم وهو الخلق ، عطف على الأهل ، أو على المواد ، ولعل المراد به
العقول التي هي مواد معرفته ، والإضافتان أعني إضافة المواد والعالم إلى ضميره تعالى
بتقدير اللام للاختصاص والملكية ، يعني جعله حجة على أهل العقول وغيرهم إذ هو حجة
على جميع المخلوقات ، وكل شئ يجب أن يرجع في تسبيحه وتقديسه وعبادته وكيفية
خضوعه إليه ويحتمل أن يراد بالمواد عالم الزمانيات والجسمانيات ، وبالعالم عالم
المجردات والروحانيات وأما حمل أهل المواد على أهل المحبة ، وحمل العالم فبعيد
كحمل العطف على التفسير ، فليتأمل .
أقول : الصحيح أنه لا مجرد سوى الله تعالى وما ذكره من إرادة إثبات مجرد سواه فلا
ينهض دليلا ، بل الدليل على خلافه ، وليس هنا مقام بسط الكلام ، فلنحوله إلى محله ، وأما
حمل العطف على التفسير ، فليس ببعيد ، وإن كان مقتضى العطف التغاير فتأمل .
– ومنها بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه عن أحدهما ( عليهما السلام ) أنه قال
لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة ( عليهم السلام ) كلهم وإمام زمانه ويرد إليه ويسلم
له ثم قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول ( 1 ) .
– ومنها في الصحيح عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) أخبرني عن معرفة الإمام
منكم واجبة على جميع الخلق فقال : إن الله عز وجل بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله ) إلى الناس أجمعين
رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واتبعه
وصدقه ، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم
يصدقه ، ويعرف حقهما ، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف
حقهما ( 2 ) .
أقول : يريد أن وجوب معرفة الله ورسوله مقدم رتبة على وجوب معرفة الإمام لا نفي
وجوب معرفة الإمام عمن لا يعرف الله ورسوله .
– ومنها ( 3 ) في الصحيح عن محمد بن مسلم
قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا إمام له من الله ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضال
متحير ، والله شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة
وجائية يومها ، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنت إليها ، واغترت بها ،
فباتت معها في مربضها ، فلما أن ساق الراعي قطيعه ، أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت
متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها ، واغترت بها ، فصاح بها
الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة
متحيرة تائهة لا راعي لها ، يرشدها إلى مرعاها أو يردها ، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب
ضيعتها فأكلها ،
وكذلك والله يا محمد
من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل
ظاهر عادل أصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا
محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا ، وأضلوا ، فأعمالهم التي
يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو
الضلال البعيد .
قوله ( عليه السلام ) : طاهر ، إن كان بالمهملة فالمعنى طاهر عن الأرجاس والذنوب ، وهو معنى كونه
معصوما ، وإن كان بالمعجمة ، فالمعنى ظاهر وجوده وحجيته بالدلائل الواضحة ، والعلائم
اللائحة ، وإن كان شخصه غائبا عن الأبصار القاصرة ( 1 ) .
– ومنها ( 2 ) بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه ،
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف الله عز
وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا .
– ومنها ( 3 ) في الصحيح عنه ( عليه السلام ) قال ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى
الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته
إن الله عز وجل يقول * ( من يطع الرسول فقد
أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ) *
أما لو أن رجلا قام ليلة ، وصام نهاره وتصدق بجميع ماله ،
وحج جميع دهره ،
ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ،
ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ،
ما كان له على الله حق في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان .