واقعة صفين:
لمّا بلغ المحرّم منتهاه، وأشرق صباح الأربعاء غرّة صفر سنة 37 اصطف جيش العراق في مواجهة جيش الشام، وخرج الأشتر من بين الصفوف ، فخرج إليه من جيش معاوية حبيب بن مسلم الفهري، وشهد هذا اليوم قتالاً شديداً سقط فيه من الفريقين خلق كثير ما بين قتيل وجريح، وفي هذه الوقعة استشهد عمار بن ياسر في عمر 93 سنة ودفن في صفين وقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بحقّهِ : (يا عمار تقتلك الفئة الباغية) وقتل في صفين هاشم المرقال واستشهدا صفوان وسعد ابنا حذيفة بن اليمان.
وقد سطّر الرواة قصصاً عن واقعة مبارزة عمرو بن العاص للإمام علي عليه السلام وفراره، وما دار بين معاوية وعمرو في هذا المقام من كلام يعرّض فيه كل منها، بجبن صاحبه.
وفي وقعة صفين فيها ليلة معروفة تدعى بـ (ليلة الهرير) وكانت ليلة جمعة ومن العجب فيها ان اميرالمؤمنين عليه السلام لم يترك فيها صلاة الليل، وقد استمر القتال فيها بحيث لم يقف آن واحد، وفيها تزعزع جيش معاوية، وبدأت علامات الانتصار واضحة بجيش أميرالمؤمنين عليه السلام فنادى عمرو المكّار الخدّاع: عليكم بالمصاحف فارفعوها على روؤس الرماح، فادّى ذلك إلى أن ينخدع قسم كبير من جيش أميرالمؤمنين عليه السلام وانتهت الحرب بالتحاكم الذي أدّى إلى تقوية شوكة الباطل وتضعيف الحق.
عيد الشام:
في أول يوم من شهر صفر وصلت قافلة سبايا آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلم إلى مدخل دمشق، وهي مدينة مزهوة فرحاً وفخراً بالنصر، روي عن سهل بن سعد الساعدي وهو أحد الصحابة الذين صاحبوا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال يصف أهل الشام ساعة دخول السبايا عليهم، فقال:
خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي: لا نرى لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن، فرأيت قوماً يتحدثون، ، فقلت : يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن، قالوا: يا شيخ نراك أعرابياً، فقلت : أنا سهل بن سعد قد رأيت محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم ، قالوا: يا سهل ما أعجب السماء لا تمطر دماً والأرض لا تنخسف بأهلها، قلت: ولم ذاك!؟ قالوا : هذا رأس الحسين عليه السلام عترة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم يُهدى من أرض العراق، فقلت: واعجباه يُهدى رأس الحسين عليه السلام والناس فرحون، قلت، من أي باب يدخل، فأشاروا إلى باب يقال له باب ساعات قال: فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس أشبه الناس وجهاً برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، فإذا انا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء، فدنوت من أولاهم، فقلت : يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام، فقلت لها: ألك حاجة إليَّ، فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك صلّى الله عليه وآله وسلم، وسمعت حديثه، قالت: يا سهل قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس، فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار، قال: ما هي، قلت: تقدم الرأس أمام الحرم ففعل ، ذلك فدفعت إليه ما وعدته.