مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم ( عليه السلام )44
10 ديسمبر,2018
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
918 زيارة
الأمر الرابع : أن الأئمة عليهم السلام قد أخبروا بكلتي غيبته .
– ففي البحار ( 3 ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال بعد عد الأئمة عليهم السلام : ثم يغيب عنهم
إمامهم ما شاء الله ، ويكون له غيبتان ، إحداهما أطول من الأخرى ، ثم التفت إلينا رسول الله
فقال رافعا صوته : الحذر الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي .
قال علي ( عليه السلام ) : فقلت : يا رسول الله فما يكون حاله عند غيبته ؟ قال : يصبر حتى يأذن الله له
بالخروج فيخرج من قرية يقال لها كرعة ، على رأسه عمامتي متدرع بدرعي متقلد بسيفي
ذي الفقار ومناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ، الخ .
– وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) ( 4 ) أنه قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ، الخ .
– وفي حديث آخر ( 5 ) عنه : إن للقائم غيبتين يقال في إحداهما هلك ولا يدرى في أي
واد سلك .
– وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ( 6 ) أنه قال لحازم بن حبيب : يا حازم ، إن لصاحب هذا الأمر
غيبتين ، يظهر في الثانية ، إن جاءك من يقول إنه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه .
– وفي حديث آخر ( 1 ) عنه ( عليه السلام ) قال : للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ،
الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه في دينه .
الأمر الخامس : أنه في زمن غيبته يشهد الناس ويراهم ولا يرونه .
– ففي البحار ( 2 ) عن النعماني ، بإسناده عن سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبد الله
الصادق ( عليه السلام ) يقول : إن في صاحب هذا الأمر لشبه من يوسف ، فقلت : فكأنك تخبرنا بغيبة أو
حيرة ! فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ! إن إخوة يوسف كانوا
عقلاء ألباء أسباطا أولاد الأنبياء ، دخلوا عليه فكلموه ، وخاطبوه وتاجروه ، وراودوه وكانوا
إخوته ، وهو أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه ، وقال لهم : أنا يوسف ، فعرفوه حينئذ فما
تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جل وعز يريد في وقت أن يستر حجته عنهم ! لقد كان
يوسف إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما ، فلو أراد أن يعلمه مكانه
لقدر على ذلك ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف ؟ أن يكون
صاحبكم المظلوم المجحود حقه ، صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ، ويمشي في أسواقهم ،
ويطأ فرشهم ، ولا يعرفونه ، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه ، كما أذن ليوسف حتى قال له
إخوته : * ( أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف ) * .
– وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ( 3 ) قال : يفقد الناس إمامهم ، فيشهدهم الموسم فيراهم ولا
يرونه .
الأمر السادس : إن غيبته لا تنافي اللطف الموجب لإظهار الإمام ( عليه السلام ) ، أما بالنسبة إلى
المجرمين ، فلأنهم السبب في خفائه ، كما عرفت في الوجه السادس ، وأما بالنسبة إلى
الصالحين ، فلوجهين :
الأول : أن الله تعالى قد أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت الغيبة لهم بمنزلة
المشاهدة كما صرح به سيد العابدين ( عليه السلام ) في حديث أبي خالد الكابلي الذي يأتي ذكره في
الباب الثامن إن شاء الله تعالى .
– وفي حديث محمد بن النعمان ( 1 ) عن الصادق ( عليه السلام ) : وقد علم أن أولياءه لا يرتابون
ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين .
وقد قدمنا هذا الحديث في أخباره عن غيبة القائم .
وفي حديث المفضل عنه ( 2 ) قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس ، وسنذكره في الباب
الثامن .
الوجه الثاني : أن مشاهدته ( عليه السلام ) غير ممنوعة عن بعض الصالحين ، كما يشعر بذلك
قوله ( عليه السلام ) في التوقيع الذي قدمناه في الوجه السادس من أسباب غيبته ، فراجع هناك .
– ويدل عليه ما في قضية علي بن إبراهيم بن مهزيار ( 3 ) ثم قال : ما الذي تريد يا أبا
الحسن ، قلت : الإمام المحجوب عن العالم ، قال : وما هو محجوب عنكم ، ولكن حجبه سوء
أعمالكم ، الخ ، والحديث مذكور في تبصرة الولي وغيره ، فإن شئت تفصيل ذلك فاطلبه
هناك لانشراح صدرك وصلاح حالك ، مضافا إلى أن أدل الأمور على إمكان شئ وقوعه ،
وقد وقع الفوز بلقائه ( عليه السلام ) لجمع من سلفنا الصالحين ، رحمة الله عليهم أجمعين ، وذكر
تفصيل تلك الوقائع خارج عما نحن بصدده ، ولعل الله عز وجل يوفقني لذكر طرف منها في
خاتمة هذا الكتاب ، فإنه الهادي إلى نهج الصواب وإن شئت ما يكفيك فانظر في كتاب
النجم الثاقب ( 4 ) وكتاب جنة المأوى ، اللذين ألفهما العالم الرباني ، المستفيض بالفيض
القدسي ، الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي ، رحمه الله تعالى .
وقال السيد الأجل المرتضى علم الهدى رضي الله تعالى عنه في كتاب الغيبة : فإن قيل
فأي فرق بين وجوده غائبا لا يصل إليه أحد ، ولا ينتفع به بشر ، وبين عدمه ؟ ألا جاز إعدامه
إلى حين علم الله سبحانه بتمكين الرعية له ، كما جاز أن يبيحه الاستتار ، حتى يعلم منه
التمكين له فيظهر ، قيل له أولا نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه ، والقائلين بإمامته ، فهم
ينتفعون به في حال الغيبة النفع الذي نقول إنه لا بد في التكليف منه ، لأنهم مع علمهم
بوجوده ( عليه السلام ) بينهم ، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم ، لا بد من أن يخافوه
ويهابوه ، في ارتكاب القبائح ، ويخشوا تأديبه ومؤاخذته ، فيقل منهم فعل القبيح ، إلى آخر ما
أفاده أعلى الله تعالى مقامه ، وزاد له أنعامه .
وقال السيد العالم العابد الزاهد علي بن طاوس ( ره ) في كشف المحجة ( 1 ) مخاطبا لولده :
والطريق مفتوحة إلى إمامك لمن يريد الله جل جلاله عنايته به وتمام إحسانه إليه ، إنتهى
كلامه رفع مقامه .
وإن ذكرت كلمات العلماء الصالحين في هذا الباب ، طال الكتاب ، ومل الأصحاب .
فإن قلت : إذا أثبت جواز المشاهدة ، ووقوعها ، فكيف التوفيق بين ذلك وبين التوقيع
الذي خرج إلى السمري ! فقد صرح فيه بتكذيب من يدعي المشاهدة .
قلت : قد ذكر علماؤنا في ذلك وجوها أوجهها ما ذكره المجلسي في البحار ( 2 ) حيث قال
بعد ذكر التوقيع المذكور : لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار
من جانبه ( عليه السلام ) إلى الشيعة على مثال السفراء ، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه
والله يعلم .
غربته ( عليه السلام )
إعلم أن للغربة معنيين : أحدهما البعد عن الأهل والوطن والديار ، والثاني قلة الأعوان
والأنصار وهو روحي فداه غريب بكلا المعنيين فيا عباد الله أعينوه ويا عباد الله انصروه .
ويدل على غربته بالمعنى الأول ما ذكرناه في عزلته وبالمعنى الثاني ما مر في حديث
الجواد ( عليه السلام ) : فإذا اجتمعت له هذه العدة ، يعني ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أهل الإخلاص
أظهر الله أمره ، الخ ، فانظر أيها العاقل ، كيف طالت السنون ، ومضت الأعوام ، ولم تجتمع هذه
العدة للإمام ( عليه السلام ) : فهذا أقوى شاهد على قلة أنصاره وغربته .
2018-12-10