الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / قضية المرأة بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي

قضية المرأة بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي

الفصل الأوّل:

دور المرأة في الحياة الزوجيّة والأسريّة

 

النقاط المحوريّة

  • المرأة والحياة الزوجيَّة:

  • قداسة الزواج.

  • هدف الحياة الزوجية.

  • معايير الزواج: الإيجابيّة والسلبيَّة.

  • دور المرأة في الحياة الزوجية.

 

  • المرأة والحياة الأسرية:

  • الأسرة وموقعية المرأة فيها.

  • وظيفة المرأة في الأسرة.

  • من وصايا الإمام الخامنئي للأسرة المجاهدة.

  • وصايا للأخوات والزوجات.

المرأة والحياة الزوجيَّة

 

قداسة الزوج

هناك نقطة أيضاً في مسألة الزواج. إنّ للزواج قداسةً من وجهة نظر الأديان التي أعرفها. وأنا لم أدقّق كثيراً في هذا الخصوص. لا بأس كذلك بأن يقوم بعض الأصدقاء المستعدّين للعمل في التدقيق في هذا المجال. في الغالب، مراسم الزواج هي مراسم دينية يجريها المسيحيّون في الكنيسة، واليهود في معابدهم، المسلمون وإن لم يجروا مراسم الزواج في المساجد، إلّا أنّهم يجرونها حين يقدرون في المشاهد المشرّفة أو في الأيام المباركة وبواسطة علماء الدين، حين يقوم عالم الدين بعقد القران فإنّه يُبيّن بعض التعاليم الدينية. بناءً على هذا، فإنّ الصبغة صبغة دينية. إنّ للزواج بُعداً مقدّساً.

ولا ينبغي نزع هذا البُعد المقدّس عن الزواج. سلب القداسة يتمّ عبر هذه الأعمال القبيحة والتي للأسف أصبحت رائجة في مجتمعاتنا. هذه المهور الباهظة التي يتمّ وضعها، ويتخيّلون أنّها تستطيع أن تدعم الزواج وتحفظ الأسرة، والحال أنّها ليست كذلك. فالحدّ الأقصى أن يقوم الزوج بالامتناع عن دفع المهر، فيؤخذ إلى السجن، ليبقى

 هناك سنة أو سنتين. وفي هذه الحال لا تستفيد المرأة شيئاً، لا تحظى بشيء سوى أنّ بنيان الأسرة سيتهدّم.

 

ولهذا حينما يُنقل عن الإمام الحسين عليه السلام

أنّنا لم نزوّج بناتنا وأخواتنا ونساءنا إلاّ على مهر السُنّة، فلأجل هذا الأمر، وإلاّ فإنّه كان يستطيع، لو شاء الإمام، أن يُزوّج بألف دينار لفعل ولم يكن من الضروريّ مثلاً أن يُلزم نفسه بخمسمئة درهم – المعادل لاثنتي عشرة أوقية ونصف. لقد كانوا يستطيعون ذلك لكنّهم قلّلوا المهور. هذا التقليل للمهور كان مدروساً ومحسوباً بدقّة. هذا جيد جداً. وهناك أيضاً المبالغات الزائدة في الزواج ـ صرف المبالغ الطائلة وإقامة الحفلات المتعدّدة ـ والتي يغتمّ قلب الإنسان في الحقيقة عندما يسمع بها. هذه من النقاط التي ينبغي صياغة خطاب لها والترويج لثقافة حولها. حيث إنّ السيدات مؤثّرات والسادة مؤثّرون، وكذلك أساتذة الجامعات وعلماء الدين، وبشكل خاصّ الإذاعة والتلفاز ووسائل الإعلام. إنّ عليهم جميعاً أن يعملوا في هذا المجال، وأن يُخلّصوا الأجواء من هذه الحالة[1].

هدف الحياة الزوجية

إنّ للأسرة حدوداً وحقوقاً. وللرجل حقوقه وللمرأة حقوقها، وإنّ حقوق كلّ منهما قد جعلت بشكل عادل ومتوازن. ونحن نرفض كلّ أمر مغلوط يُنسب إلى الإسلام. ورأي الإسلام في هذا الشأن واضح وبيّن ويقرّ حقوقاً متوازنة لكلّ من الرجل والمرأة في إطار الأسرة.

أُنظروا إلى هذه الآية الشريفة وما فيها عن المرأة والرجل ـ في أجواء الأسرة على وجه الخصوص ـ تقول الآية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾[2], أي جعل لكم أيّها الرجال نساءً، وجعل لكُنَّ أيتها النسوة رجالاً، ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ أي ليس من جنس آخر، ولا من مرتبتين متفاوتتين، بل من حقيقة واحدة ومن جوهر واحد ومن ذات واحدة. ومن الطبيعيّ أنّهما يختلفان في بعض الخصائص بسبب تفاوت وظائفهما.

ثم يقول تعالى: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ أي جعلت الزوجية في الطبيعة البشرية لهدف أكبر، وذلك هو الاستقرار والسكينة إلى جانب الزوج ذكراً كان أو أُنثى. فالرجل حينما يأوي إلى داره يجد جوّاً آمناً وزوجة عطوفة وأمينة إلى جانبه، وكذا يمثّل الرجل بالنسبة للمرأة ملاذاً تعشقه فتركن إليه وتحتمي به ـ لأنّه أقوى منها بدنياً ـ والأسرة تضمن هذه الأجواء لكلا الجنسين. الرجل يحتاج إلى المرأة ضمن إطار الأسرة

من أجل توفير السكينة والاستقرار لنفسه، والمرأة بحاجة إلى الرجل ضمن إطار الأسرة من أجل الحصول على الاستقرار والأمن. وكلاهما بحاجة إلى بعضهما بعضاً من أجل تحقيق السكينة والاستقرار.

إنّ أهم ما يحتاجه الإنسان في حياته هو الاستقرار، وسعادته تكمن في أن يكون بمأمن من الاضطراب والقلق. وهذه الأجواء الأمنية تتوفّر له في ظلّ محيط الأسرة، رجلاً كان أو أمرأة. المقطع الآخر من الآية له معنى جميل أيضاً، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾[3], وهذه المودّة لا يكتمل معناها بدون المحبّة، ولا الرحمة تصدق فيما إذا رافقها العنف.

الطبيعة التي أودِعت في الرجل والمرأة ـ في ظلّ الجوّ الأُسريّ ـ توجب قيام علاقة محبّة ومودّة فيما بينهما. بيد أنّ هذه العلاقة إذا ما طالها التغيير، كأن يتصرّف الرجل في البيت وكأنّه المالك، أو أن ينظر إلى المرأة بعين الاستغلال والاستخدام فهذا ظلم. وممّا يؤسف له أنّ الكثيرين يمارسون هذا الظلم. وهكذا الحال أيضاً خارج إطار الأسرة[4].

 

معايير الزواج الإيجابيّة والسلبيَّة

الزواج ضروريّ للشباب وهم يطمحون إليه. ولكن ثمّة عقبات في طريقه لا تقتصر على المشاكل الاقتصادية، بل هي جانب من

المشكلة، والمشكلة الأساس ثقافية وتتمثّل في الأعراف والتقاليد والتكاثر وحبّ الأبّهة، فهي التي تحول إلى حد ما دون حصول الزواج كما ينبغي. فعليكم أنتم وعوائلكم معالجة هذه المعضلات. وإنّني أشعر بالغبطة والسرور لمراسيم زواج الطلبة التي تقام سنوياً. وإذا درجت العادة على إقامة مراسم الزواج على بساطتها وبعيداً عن البهرجة والتشريفات، فإنّني أتوقّع حلّ الكثير من المشاكل. وأساس الزواج في الإسلام يقوم على البساطة، وهذا ما كان سائداً مطلع انتصار الثورة، غير أنّ ثقافة التكاثر والتفاخر والثراء عقّدت الأمور إلى حدّ كبير[5].

أنا شخصياً أوصي بتسهيل أمر الزواج وعدم المبالغة في المهر، وتحاشي تكلّف الأثاث الباهظ الثمن، وأن لا يكون هناك تبذير وإسراف في حفلات الزواج، وهذا أمر جدير بأن تُبذل في إشاعته الجهود. ويا حبّذا (لو توجد) دعاية إعلامية وثقافية بشأنه من أجل أن يتنبّه إليه الناس. وإذا هم تنبّهوا إليه أعتقد أنّ أمر الزواج يصبح أكثر سهولة.

أما سنّ الزواج فيجب أن لا يكون فيها إفراط أو تفريط. فقد يرى بعض الناس التعجيل في الزواج. إنّي لا أعارض هذا النمط من الزواج طبعاً، ولا مؤاخذة على من يريد التزويج مبكراً جداً، ولكن لا ضرورة

للتأكيد عليه، ولا ينبغي التأخير فيه كما يفعل الغربيّون ويتزوّجون في سنّ الثلاثين أو الأربعين. ثمّ إنّ النزعة الأنانيّة السائدة في ذلك المجتمع تجعل الكثير من الرجال في سنّ الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين يتزوّجون فتيات شابات، فيكون بينهما فاصل في العمر شاسع. وهذا طبعاً من أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية. ولهذا نلاحظ كثرة من الناس الذين يقضون أعمارهم بمفردهم في الغرب، وهي لحسن الحظ ظاهرة نادرة في إيران وعموم البلدان الإسلامية.

وعلى كلّ حال يجب التساهل في أمر الزواج وعدم التشدّد في الشكليّات لكي يتسنّى للشباب الزواج بسهولة. ويجب أن يتوفّر العزم والهمّة لدى الأسرة ولدى الفتيان والفتيات أنفسهم، وأن لا يكون هناك إحجام عن الزواج. ويا حبّذا لو تساهم الدولة في تقديم التسهيلات. وأنا أحرص وأحثّ المسؤولين على الدوام ليوفّروا للشباب السكن والسلفة المالية وسائر متطلّبات الحياة، ونحن ننظر إلى هذه الأمور كفرض علينا. ولكن أؤكّد ثانية على أنّ مسؤولية هذا العمل تقع بالدرجة الأولى على الأسرة وهي قضية خاصّة.

وقد قدّمنا في هذا الصدد توصيات كثيرة للمسؤولين الحكوميين ـ بشأن زواج الشباب، وبشأن ما يستلزمه الزواج من متطلّبات ـ ومن جملة ذلك قضية السكن، حيث أوصيت وزارة الإسكان منذ مدّة، وهم حالياً قيد اتّخاذ بعض التدابير لبناء دور مؤقّتة يستأجرها المتزوّجون حديثاً. أتأمّل توفير هذه المقدّمات لتحلّ قضيّة الزواج على نحو ما بإذن الله.

ثمّة معايير معيّنة في ذهني، إلّا أنّها لا تبتعد كثيراً عن المعايير الشرعية المتعارفة لدينا. ولكنّني أؤكّد على رفض بعض المعايير. أي إنّ أكثر ما أؤكّد عليه لا يتعلّق بطرح إطار معياريّ معيّن، لأنّ الإسلام ـ كما تعلمون ـ ترك الميدان مفتوحاً ولم يطرح إلّا قيماً ذات أهمية من الدرجة الأولى، ولم يقيّد الناس ضمن ذلك الإطار تقييداً صارماً. ومعنى كلامي هذا هو أنّني لا أؤكّد على تحديد معايير معيّنة بقدر ما أؤكّد على رفض معايير أخرى.

أمّا المعايير التي أرغب في أن ترفض بشدّة فمنها معيار الغنى. أي حينما يريد الشابّ أو الشابّة الإقدام على الزواج يجب أن لا يضع أيّ منهما نصب عينه ثروة الخطيبة أو الخطيب.

لأنّ هذا يعتبر في رأيي عنصر إغفال وليس نقطة ايجابية حقيقية، ويجب أن لا تؤخذ بنظر الاعتبار. ونحن لم نأخذه بنظر الاعتبار فيما يخصّ زواج أولادنا الذين تزوّج اثنان منهما.

الجانب الثاني الذي يجب أن لا يُعار له أيّ اهتمام هو جانب البروز الاجتماعيّ. فقد طرق سمعي أن بعض الناس يبحث كي يجد زوجاً لابنته أو زوجة لابنه، ممّن يتّصل بالأسر المشهورة أو أن يكون له منصب رفيع ـ وهذه الظاهرة قلّما توجد، لحسن الحظّ، بين الفتيات والفتيات أنفسهم، وإنّما هي ممّا يهتمّ به الآباء والأمّهات ـ وهذا في رأيي معيار مغلوط ويجب أن لا يؤخذ بنظر الإعتبار. كما وتوجد عوامل جذب ظاهرية تستقطب اهتمام الشبّان، وهذه أيضاً يجب أن

لا تُتّخذ ـ حسب رأيي ـ كمعيار للزواج. كأن يبحث الشباب والشّابّات، فإذا وجدوا ما يشدّ أبصارهم، اعتبروه معياراً وافياً. وهذا أيضاً مما نحذّر وننذر منه بشدّة، ولا نريد للفتيان والفتيات التورّط في هذا الفخّ.

وفضلاً عن ذلك، قد تجد فتاة أو فتىً يرغب في أن يكون شريك حياته ذا شهادة دراسية عالية، بينما تجد آخرين لا يعيرون أهمّية لهذا الجانب. وإنّما جئت بهذا المثل لأثبت أنّ المعايير الايجابية والمقبولة غير محدودة. أو على سبيل الفرض يرغب أهالي بعض الأقاليم في أن تكون الزوجة من نفس أهالي ذلك الاقليم. بينما يرغب بعضهم الآخر بالزواج من أُسر مجاهدة في سبيل اللّه أو ممّن قدّمت الشهداء وما إلى ذلك من المعايير الأخرى. ولكن هناك أشخاص آخرون لا يلزمون أنفسهم بمثل هذه المعايير. وأنا لا أريد أن يُطرح معيار إيجابيّ معيّن حتّى لا يكون بمثابة القيد الإلزاميّ، وإنّما أريد فقط تسليط الأضواء على المعايير السلبية. وهذه هي الموازين التي وضعناها نصب أعيننا فيما يخصّ أولادنا.

أرى من اللّازم مراعاة ذوق ورغبة الفتى والفتاة نفسيهما. والحقيقة هي أنّني أقول بنمط آخر من الرضا غير الرضا الذي يتناوله عالم المباحث الحقوقية والذي يشترط رضا الفتى والفتاة كشرط لصحّة عقد الزواج. أمّا الرضا الذي أرغب في وجوده كشرط لتحقّق الزواج فهو أن تكون الظروف على نحو يؤدّي إلى ايجاد المحبّة بينهما، وأن

لا يتمّ الزواج أساساً بدون توفّر عنصر المحبّة. لا بمعنى ضرورة وجود المحبّة قبل الزواج. وإنّما ينبغي على العموم توفّر نوع من الإعجاب والميل، أي أن يكون هناك ميل من الفتاة نحو الفتى، ومن الفتى نحو الفتاة، ليكون هذا الميل بمثابة الأرضية التي تقوم عليها المحبّة الدائمة.

من الطبيعيّ أنّ المحبّة قابلة للزوال، إلا أنّه يمكن أيضاً تكريسها وتعميقها. وهذا منوط بالإنسان ذاته. فمن جملة ما أودعه الباري تعالى في التركيب المعقد للإنسان هو أن جعل المحبّة رهن يديه إلى حدّ بعيد. وبصرف النظر عن بعض أنواع الحبّ الجارف الذي يُقال إنّه حبّ لا إراديّ، وأكثر الشعراء في وصفه، وإذا اعتبرنا هذا النوع من الحبّ ظاهرة استثنائية في حياة الإنسان، فإنّ القاعدة العامّة هي أنّ الشخصين اللذين يوجد بينهما شيء من المحبّة يمكنهما بكل سهولة إرواؤها والتسامي بها وإنماؤها. وعلى كلّ الأحوال هذا شيء ضروريّ ولازم[6].

 

دور المرأة في الحياة الزوجية

إنّ الجنس هو أمر ثانويّ، هو أمر عارض يتجلّى عملياً في الحياة. في السير الأساس للبشر ليس له أيّ تأثير ولا معنى. حتّى

إنّ أعمالهم تختلف فيما بينها، “جهاد المرأة حسن التبعلّ[7] لكنّه جهاد، أي إنّ ثواب ذلك الشابّ المجاهد الذي وضع دمه على كفّه وذهب إلى ميدان الحرب يُعطى لهذه المرأة، لأنّ هذا العمل لا يقلّ تعباً عن الجهاد. بالتأكيد إنّ التبعّلَ أمرٌ صعبٌ جداً،… فأنْ تستطيع امرأة مع هذه الظروف المحيطة أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً، وحنوناً وفيه سكينة وهدوء، ذلك فنّ كبير- هذا حقاً جهاد – هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه، الجهاد مع النفس.

بالنسبة لموضوع العائلة، يوجد كلام كثير، مسألة الزواج، مسألة الأمومة، كلّها مسائل ينبغي التفصيل فيها. لدى المرأة في الأسرة دورها كزوجة، هذا دور استثنائيّ، حتّى لو لم يكن هناك دور أمومة. افرضوا أنّ هناك امرأة، إمّا أنّها لم ترغب في الإنجاب، أو أنّها ولأيّ سبب آخر لم تنجب، ولكنّها زوجة، لا ينبغي الاستخفاف بدورها كزوجة. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصاً مفيداً في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيّدة في المنزل، وإلّا فلن يحصل هذا. نحن اختبرنا (هذا الأمر) في زمن المقاومة وما بعدها في زمن انتصار الثورة. الرجال الذين كانت ترافقهم زوجاتهم في حركتهم استطاعوا أن يصمدوا في نضالهم، وكذلك استطاعوا أن يتابعوا استقامتهم على الطريق الصحيح. وبالطبع، كانت هناك حالات معاكسة. أحياناً عندما

كنتُ أقوم بعقد قران لأولئك الشابّات والشباب الذين كانوا يأتون – فيما مضى كنتُ أقوم بهذا ولكن حالياً لا أحظى بهذا التوفيق – كنتُ أقول لهم: إنّ الكثير من السيّدات يجعلن أزواجهنّ من أهل الجنّة، والكثير من السيّدات أيضاً يجعلن أزواجهنّ من أهل النار، هذا رهنٌ بهنّ. وبالتأكيد فإنّ للرجال هذا الدور أيضاً. في مجال الأسرة لا ينبغي تجاهل دور الرجال كذلك. بناءً على هذا، إنّ دور الزوجية هو دور بالغ الأهمّية[8].

المرأة والحياة الأسرية

 

الأسرة وموقعيّة المرأة فيها

إنّ نظرة الإسلام لما يختصّ بالأسرة وموقعية المرأة فيها هي رؤية واضحة جداً. “المرأة سيّدة بيتها”[9]، وهذا مرويّ عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. إنّ موقعية المرأة في الأسرة هي ما ورد في العديد من الروايات عن الأئمّة عليهم السلام: “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة[10]، وفي تعبير اللغة العربية القهرمان هو العامل، الخادم المحترم، يقولون: إنّ المرأة داخل البيت ليست قهرمانة بل هي ريحانة، هي وردة البيت. والخطاب للرجال: خيركم من يكون صاحب أفضل سلوك مع زوجته[11].

هذه هي رؤى الإسلام، ويوجد من هذا القبيل إلى ما شاء الله. لكن في الوقت نفسه إنّ تحقّق ما يريده الإسلام على صعيد الأسرة هو أمرٌ لا يتحقّق بمثل هذه الكلمات ولا يُحلّ، فهو يحتاج إلى دعامة قانونية وتنفيذية وضمانات إجرائية، وهذا العمل يجب أن يتحقّق. وهذا العمل لم يُنجز طيلة السنوات الماضية المديدة. فالأُسر التي كانت

متديّنة والرجال الذين تمتّعوا بأخلاقٍ جيّدة، والتزامات شرعية، قدّموا اعتراضات، لكن في الموارد التي لم تكن فيها هذه الخصوصيات، لم تُسجّل هذه الاعتراضات وتعرّضت المرأة داخل الأسرة للظلم.

بالطبع، هذا لا يعني أن نظنّ أنّ الغربيّين متقدّمون علينا في هذا المجال، أبداً. لدى هذا العبد إحصاءات كثيرة، وهذه السيّدة المحترمة أيضاً ذكرت إحصاءات[12]، وباليقين إنّ الوضع الداخليّ للأسرة الغربية من ناحية مظلومية المرأة وعدم رعاية حقوقها هو أسوأ من وضع الأسر الإسلامية والإيرانية والشرقية، وما لم تكن أسوأ، فهي ليست أفضل، وفي بعض الموارد هي أسوأ. نحن إذاً لا ننظر إليهم وهم ليسوا قدوتنا. نحن لدينا نقائص عديدة على مستوى الأسرة وهذا ما يحتاج إلى دعامات وضمانات قانونية وإجرائية يجب أن تتحقّق. فهذه القضيّة من جملة الميادين التي قليلاً ما تمّ العمل عليها داخل البلد حيث يجب ذلك.

أمّا من ناحية الرؤية الإسلامية والمتون الإسلامية فلا يوجد أيّ نقصٍ في هذا البعد من القضيّة. نحن نرى بعض الأشخاص الذين ينتقدون الأفكار الإسلامية، حيث يُشكِلُون على الإرث والديَة وأمثالهما، في حين أنّ هذه الإشكالات غير واردة، وتوجد عليها أجوبة منطقية وقويّة. أمّا في مجال السلوكيات داخل الأسرة فللأسف قد بقي مغفولاً عنها في الأغلب. في حين أنّه بنظر الإسلام توجد رؤية شديدة الوضوح.

يجب أن تكون بيئة الأسرة بالنسبة للمرأة بيئة آمنة عزيزة هادئة لكي تتمكّن من تأدية مسؤوليتها الأساس التي هي الحفاظ على الأسرة على أفضل وجه[13].

فرغم أنّ الأسرة تتشكّل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثّر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء[14].

 

وظيفة المرأة في الأسرة

1- التدبير المنزليّ:

من أهمّ وظائف المرأة، التدبير المنزليّ. الجميع يعلم أنّني لا أؤمن بفكرة أن لا تعمل المرأة في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة، لا، لا مشكلة في ذلك، لكن إن قصدنا بذلك تحقير التدبير المنزليّ، فهذا ذنب. فالتدبير المنزليّ عمل عظيم، عمل مهمّ، عمل حسّاس، عمل لبناء المستقبل، فإنجاب الأطفال جهاد عظيم، ونحن للأسف بسبب أخطائنا، أو عدم دقّتنا، غفلنا عنه لمدّةٍ من الزمن، ونشهد مخاطر هذه الغفلة في أيّامنا هذه، لقد ذكرت هذا الأمر مراراً، إنّ هرم البلاد، وانخفاض جيل الشّباب في الأعوام القادمة، سيترك آثاره

المستقبليّة السيّئة. حينها لن نتمكّن من معالجة الأمر. لكن يمكننا تداركه[15].

 

2- الإنجاب:

إنجاب الأبناء من أهمّ أشكال الجهاد بالنسبة إلى النساء ووظائف النساء، لأنّ الإنجاب هو في الحقيقة فنّ (صنعة) المرأة، فهي التي تتحمّل مشاقّه ومصاعبه وآلامه، وهي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأطفال. والله تعالى لم يعط أداة التربية هذه إلى الرجل، إنّما جعلها لدى السيّدات، فأعطاها الصبر والتحمّل، ومنحها العاطفة والأحاسيس، وأعطاها القامة والتركيب الجسميّ لذلك. في الواقع هذا فنّ المرأة. فإذا لم نغفل عن هذا الأمر في مجتمعنا، عندها سنتقدّم إلى الامام[16].

 

3- تربية الأبناء:

يجب السّير في هذا الطريق إلى نهايته. ومن أهمّ أُسسه، تشكيل العائلة، ومن أهمّ أُسسه حفظ حريم العائلة والأنس بالعائلة وإفشاء المودّة. وهذا ما تتولّاه ربّة البيت. تستطيع الأمّ أن تُربّي أولادها على أفضل نحو. تربية الأمّ لأولادها ليس كالتربية على مقاعد الدراسة،

بل هو بالتصرّف، بالكلام، بالعاطفة، بالملاطفة، بغناء هدهدة ما قبل النوم، بالعيش. الأمّ تربّي أولادها بالحياة والعيش، فكلّما كانت المرأة أصلح، أعقل، أذكى، كلّما كانت التربية أفضل. لذلك ينبغي البرمجة ووضع الخطط في البلاد، من أجل رفع مستوى الإيمان، والعلم والذكاء لدى السيّدات.

 

من وصايا الإمام الخامنئي للأسرة المجاهدة

إنّ المجاهد، الرجل المؤمن، الرجل الذي يعمل في سبيل الله، ينبغي أن تكون كلّ ميادين وساحات حياته إلهية. إحدى هذه الساحات هي العلاقة مع العائلة، وبالخصوص مع الزوجة والأولاد. أنتم ينبغي أن تكونوا مظهر الأخلاق. من الممكن أن تُغضبكم حادثة صغيرة خارج المنزل، لكن داخل المنزل لا ينبغي لهذا الغضب أن يظهر.

كونوا رحماء مع زوجاتكم، كونوا آباء لأولادكم بالمعنى الحقيقيّ.

أوصي المسؤولين في المناسبات المختلفة وبالخصوص أنتم، كونوا آباء لأبنائكم، لا تكونوا أجانب معهم. الكثير منكم اليوم لديه أبناء وبنات شباب، وفي يوم من الأيام كنتم – أنتم – في مثل هذا العمر حين خضتم هذا الميدان. أنا قد رأيت بعضكم في سِنِيّ شبابكم – سنيّ الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين. قدمتم إلى هذا الميدان بحماسة واندفاع. في ذلك الوقت كانت حرارة ساحة الثورة، وبالخصوص بعدما نشبت الحرب، تنسيكم كل همّ. كانت أتوناً

يصهر الكل فيه. أمّا اليوم فأبناؤكم يحتاجون إلى أتون محبة، وذلك هو كنف العائلة.

تواصلوا مع أبنائكم وتعاملوا معهم بصداقة وأبوّة. أفضل الآباء هم الذين يصادقون أبناءهم وبناتهم، فمع أنهم يظهرون الهيبة والإرشاد والتوجيه الأبويّ والمحبة، هم أيضاً يتحلّون بإخلاص الصديق.

إن كان لولدكم الشابّ سؤال أو كلام أو هموم، فإن أول أُذُن يجب أن تسمعه هي أذنكم وأذن زوجاتكم.

عليكم أن تتواصلوا مع عائلاتكم. لا تقولوا: “إنّ الأعمال كلّها ملقاة على عاتقي، (أو) تأخّرنا ساعة أو ساعتين، ولم نبدِ البشاشة، الأمر بسيط فهذا ليس كفراً، لم تنزل السماء على الأرض”!!. لا، أنا أوصيت كلّ مسؤولي الدولة بهذا، أنا أقول خصّصوا ساعات من وقت عملكم المتواصل، من أوقات استراحتكم، لعائلتكم، وأفيضوا على زوجتكم وأولادكم من محبّتكم ورعايتكم واهتمامكم وعاطفتكم. يجب أن تكونوا أنتم القدوة.

زوجاتكم اللاّتي هنّ شريكاتكم، إن لم يكنّ متآلفات معكم فلا يحقّ لكم أن تبقوا مكتوفي الأيدي…تريّثوا وسايروهنّ، حدّثوهنّ بشيء ممّا تعرفون من معارف وعلوم، رغّبوهنّ بالصلاة والدعاء.

طالما أحسستم أنّ العمل واجب ولازم فامضوا فيه. هناك بعض الأوقات الضائعة في هذا الخضمّ، قلّلوا هذه الأوقات وأضيفوها إلى وقت المنزل.

قد يطرح عليكم ولدكم إشكالاً لا تعرفون حلّه. ما الذي ينبغي فعله ها هنا؟

هل يصحّ أن نقول للشابّ اسكت ونقابله بالعبوس؟ هذا ليس حلاً. إنّه خطأ. هل يصحّ القول له وماذا يعنيك من هذه الأمور؟ هل يحقّ لكم إن لم تكونوا متمكّنين فكرياً من هذا المطلب أن تقدّموا جواباً واهياً وتمزجوا الغثّ بالسمين فتقدّموه غذاء لولدكم؟ هذا كلّه سيّئ، ولكن يمكن التصرّف بنحو سليم، أن تقول لهذا الشاب أو الشابة من أبنائك يوجد لسؤالك جواب ولا بدّ، غير أنّني لا أعرفه. ولكن لأجلك سوف أسأل، واسأل. إن كانت شبهة دينية فارجع إلى شخص ثقة وعالم بالدين، وإن كانت شبهة سياسية فارجع إلى عالم بالسياسة ثقة، اذهب واسأل أنت تتعلّم وكذلك تنوّر ذهن هذا الشابّ وتمنحه الطمأنينة. وإن وجدت أنّ انتقال ونقل المطلب صعب عليك، رتّب الأمر بحيث يصل هذا الشابّ إلى منبع الهداية ذاك- الذي يملك حلّ الشبهة- ليزيل شبهته بيسر.

تواصلوا مع أولادكم. تعاطفوا وتعاونوا مع زوجاتكم. ينبغي أن تشعر هذه السيّدة حقاً أنّك تقدّر جهودها.

لقد تناهى إلى سمعي مرّات أنّ بعض إخوتنا الخيّرين المنشغلين بالخدمة (في الأعمال الجهادية) وتكون أعصابهم مرهقة، يفتقرون إلى حسن المعاشرة مع زوجاتهم داخل المنزل. لا، نحن لا نقبل هذا السلوك. انظروا كم أنّ المسألة مهمّة بحيث إنّ الله تبارك وتعالى

يأمر بنحو مطلق ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[17]. عندما يكون هذا العناء الذي تتحمّله الزوجة ثقيلاً، تصير مهمتكم أثقل. إنّهنّ مركز العواطف والأحاسيس. ففي وجود المرأة هناك مجموعة من العواطف والمشاعر المرهفة. ولا يحقّ لكم أن تُهملوا هذه العواطف والمشاعر أو أن تتعدّوا عليها لا سمح الله.

أنا أوصيت الأصدقاء مراراً وأوصيكم أنتم كذلك تكراراً:

خصّصوا وقتاً لأبنائكم، واعلموا أنّ الشباب بفضل النورانية والصفاء الموجود في قلوبهم سيقبلون كلامكم.

فلا أسمعنّ والعياذ بالله أنّ أحدكم سيئ الخلُق مع زوجته أو أنّه يسيء التصرّف داخل البيت مع أسرته وأولاده.

يجب أن يكون لديكم كلام مقبول ومنطقيّ مع أبنائكم، حول كلّ مسألة مهمّة بنظركم، حول الدين، حول الثورة، حول الإمام الخمينيّ..، حول المسائل المستجدّة التي تطرح يومياً. ينبغي أن يكون لديكم كلمة في هذا المجال. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[18]. هذا مهمّ جداً. نوّروا بصيرتكم وبصيرة أبنائكم.

أوصيكم ببعض الوصايا:

وصيّتي الأولى حول الأُسَر. هؤلاء الأخوات العزيزات اللواتي هنّ زوجاتكم وبناتكم، هنّ شريكات لكم في الأجر والثواب المعنويّ، لأنّهنّ يُقاسين ألم البعد والقلق عليكم وعذاب الفراق. وهذه الآلام كلّها لها أجر عند الله. ما من شدّة أو صعوبة إلّا ويقابلها شيء ثمين في خزانة العطاء والرحمة الإلهية. ولا يوجد أعلى من هذا. أنتم حين تخرجون من البيت، هذه السيّدة في المنزل (بأي عمل كانت مشغولة) هي قلقة عليكم. هذا القلق والاضطراب هو محنة كبيرة، وإذا جئتم إلى هنا من محافظات أخرى فإنّ مقاساة المحيط الغريب والمجهول، يضاعف هذا القلق والاضطراب. وهذه المعاناة لها عند الله أجر كذلك. حسنا فحيث إنّ هذه المشقّات التي تعانيها السيّدات، زوجات وبنات وأمهات- إذا كنّ برفقتكم- لها أجر، أفلا يكون عليكم واجب مقابل هذه المشقّات؟ هل ينتهي الأمر بقولنا أجرها على الله؟ كلا. فهناك مهمّة ثقيلة ملقاة على عاتقكم. أنا أريد أن أوصي كلّ واحد منكم فرداً فرداً، أيّها الأعزاء العاملون في مجال الجهاد بشكل خاصّ، إذا كان غيركم[19] يتواصلون مع أسرهم ويحسنون العشرة والسلوك بأيّ مقدار كان، أمّا أنتم فينبغي أن يكون تقيّدكم بهذه الأعمال بقدر مضاعف.

أيّها المجاهدون الأعزّاء! أيّها الشباب الأعزّاء! لا بدّ أن بعضكم – يرى نفسه – قد عبر سنوات الشباب، لكن برأينا كلّكم شباب وأعتبركم جميعاً مثل أبنائي، أنتم وزوجاتكم وأبناؤكم.

وأوّل وصيّة أبويّة لكم منّي هي أن تنظّموا سلوكيّاتكم داخل المنزل بتعقّل.

السلوك العقلانيّ كيف يكون؟ إنّه بالرحمة والحضور داخل المنزل بالقدر المتيسّر مع الصدق والتواصل الفعّال، وليس بالإهمال والعبوس.

لا بدّ في وضح النهار، وحين يكون الأولاد مستيقظين، أن توجّهوا أبناءكم حتّى فيما يتعلّق بمشاهدة التلفاز.. هذا الفيلم شاهدوه وذاك الفيلم لا تشاهدوه.

أقول لكم أيّها المجاهدون الأعزّاء: يجب أن تكونوا حتماً الأنموذج في الحياة الزوجيّة.

لا تغرقوا أنفسكم في العمل بحيث لا يبقى وقت كافٍ للمرأة والأولاد.

أعزّائي، افهموا شبّانكم، افهموا زوجاتكم، خصّصوا لهم وقتاً. هذا مهمّ جدّاً.. أولوا شبّانكم العناية وأعطوهم من وقتكم، لا تعودوا إلى بيوتكم متعبين، فحينما تعودون منهكين وبلا حيوية ويطلّ عليكم بناتكم وأبناؤكم ستقابلونهم بالعبوس واللامبالاة. هذا ليس صحيحاً.

أصلحوا هذا الأمر منذ هذه الليلة ولا مجال للتردّد. هذا الأمر قطعيّ، ولذا، فإنّني أصرّ عليه.

اعتنوا بوعي أولادكم وزوجاتكم. اهتمّوا به.

وصيّتي (الأولى) لكم، والتي هي في غاية الأهمية، هي أن تسعوا قدر المستطاع بسلوككم داخل المنزل لجبران آلام البعد والقلق التي تعانيها زوجاتكم وأبناؤكم وأسركم. اعتنوا بأبنائكم الأعزّاء – صغارهم وكبارهم. هذا الجيل الشاب، الذي يسمّى بالجيل الثالث والرابع، هو نفس أولادكم وأعزائكم، يجب أن تنَشِّئوه وفق الفكر السليم.

أولوا شبّانكم الاهتمام. فلو أنّكم، لا سمح الله، لم تولوهم العناية ولم تأخذوا بعين الاعتبار الخطاب ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾[20] و ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾[21], أنظروا كم أنّ المسألة مهمّة في الواقع. قوا يعني احفظوا، وأنفسكم يعني ذواتكم وأهليكم، أي أهلكم وأبناءكم ونساءكم وعائلتكم، احفظوهم من أي شيء؟ “ناراً“، من نار الضلالة والغضب الإلهيّ، نار جهنّم. لا تتصوّروا أنّ ذاك الشاب فقط هو الذي يفسد ويضلّ ويهلك، كلّا، فهو يترك أثراً بنحو ما، شئتم أم أبيتم، على تفكيركم وتوجيهكم. بالطبع الناس مختلفون لكن يمكن القول بشكل عام إنّه يترك أثرا، قلّ أو كثر.

وعليه، أنا اليوم أعتبر أنّ المجاهدة الضرورية والمهمّة لكم – أيّها القادة الأعزّاء، أيّها الرجال المضحّون الشرفاء الذين اتّخذتم نهج الحسين بن عليّ عليه السلام أسوة لطريق حياتكم- هي الرجوع إلى النفس وتهذيبها وتزكيتها على المستوى الشخصيّ وعلى المستوى العمليّ في المؤسّسة وعلى مستوى الأسرة.

 

وصايا للأخوات الزوجات

أقول للسيدات أيضاً جملة: إعرفن قدر أزواجكّن – وقد قلت هذا سابقاً – إنّهم من أفضل رجالات وطننا اليوم. ولا أقول أفضلهم بل هم جزء من الأفضل. أنتنّ اعرفن قدر هؤلاء الرجال وهذه الأعمال وهذه المشقّات، واعلموا أنّ ذاك الذي ينفض غبار التبعية ويزيل غبار الوضاعة والذلّة عن وجه شعب هو وجود أمثال هؤلاء الرجال في هذا الوطن.. وعلى هذا افتخرن بأزواجكنّ.

إنّ جهاد المرأة هو ببساطة توفير أسباب راحة الرجل، عندما يعود الرجل إلى المنزل متعبا منهكاً وسيّئ الخلق أحياناً، وهذه الأخلاق السيّئة والتعب والتململ الناشئ من محيط العمل تتمظهر داخل المنزل. في هذا الظرف لو أرادت هذه الزوجة الجهاد، فجهادها هو أن تتعامل مع هذه المحن وتتحمّلها قربة إلى الله. هذا هو “حسن التبعّل”.

كذلك أوجّه عناية زوجات المجاهدين، انتبهن حتّى لا تقعن في فخّ

التنافس والمقارنة الذي يسود في بعض المحافل النسائية وللأسف. إنّ التنافس من أجل الأُبّهة ومن أجل التفاخر وطلب الكماليات هو أقلّ من أن تقع النساء الصالحات رفيعات الشأن في أسره.

كلّ إنسان – رجلاً كان أو امرأة- إذا وقع في فخّ طلب زوائد العيش والكماليات وصار أسيراً لها ستضعف المعنويات الرفيعة في وجوده بالتدريج وستأفل.

عليكنّ أيّتها السيّدات أن تلتفتن إلى نكتة، وهي أنّ أزواجكنّ المجاهدين قد أخذوا على عهدتهم أحد أهمّ وأشرف أعمال هذا العصر، عمل شريف مصاحب بالمسؤولية، مصاحب بالخطر والمشقة،..، عملهم عزيز عند الله، وعليه فإنّ معاضدتهم وخدمتهم تبعث على الفخر. استوعبن هذا واعملن بهذه النيّة. وبما أنّ زوجك المجاهد قد قضى مرحلة شبابه في سبيل الله، فلتكن نيتّكن أن ما تقمن به هو لوجه الله.

إنّ حياتكنّ الزوجية ليست حياة زوجية بسيطة فحسب، بل هي ساحة للخدمة كذلك. ولهذا، كنّ على ثقة بثواب الله وقدّرن أيضاً هذه الفرصة.

أيّتها السيّدات المؤمنات، لا تسعين وراء الترف والكماليات. أنتُنّ بالتأكيد لستنّ كذلك، ولكن أسمع أحيانا أخباراً من هنا وهناك. إنّ تبديل اللباس الفلانيّ طبق الموضة الفلانية أو تغيير زخارف المنزل – وبحسب تعبيركنّ ديكور المنزل – بذاك النحو، وإلقاء مسؤولية تأمين

المصروف على الرجل، ليس مدعاة للافتخار. لا يجعلنَ السيدات أنفسهنّ أُسارى التنافس والمقارنة في مجال اللباس والزينة والديكور وأمثالها، هذا يؤذيهنّ ويوقع أزواجهنّ في المتاعب، ولن يحصّلن المقام عند الله بل يتسافلن.

إنّ قيمة المرأة تكمن في قدرتها على تبديل محيط عيشها، من أجلها ومن أجل زوجها وأولادها، إلى جنّة، إلى مدرسة، إلى محيطٍ آمن، إلى معراج نحو المعارف والمقامات المعنوية.

فلنروّج لعادة المطالعة بين الناس، هذا العمل الذي سمعت أنّ الأوروبيين اعتادوه في منازلهم، الأمّ تقرأ لابنها كتاباً وقت النوم، هذه العادة التي لا وجود لها في مجتمعنا.

لا ينبغي للنساء أن تنساق وراء الزينة وزخرف العيش. هذا الخطر، وإن كان يحدق بالرجال أيضاً، غير أنّه في النساء أكبر وأكثر ترجيحاً. علاوة على ذلك، فالرجال في هذه القضيّة، وفي موارد كثيرة، يقعون تحت تأثير زوجاتهم. أنتن واقعاً عليكن أن تحاربن هذه القضية وأن تراقبن أنفسكن.

أنا لست ضد الزخرفة والتزيين في حدّه المعتدل القليل الذي لا مفرّ منه، ولكن إن آلت الأمور إلى مسار إفراطيّ فإنّه يعدُّ شيئاً غير لائق بتاتاً.

يجب على السيّدات أن لا يولين أهمّية كبيرة للّباس والزينة والذهب والمجوهرات، حتّى يستغنين عن هذه الأمور، ويزداد – إن شاء الله – التوجه لمظاهر الجمال، والحُسن الحقيقيّ، أكثر من الجمال الشكليّ.

[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[2] ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة الروم، الآية 21).

[3] سورة الروم، الآية 21.

[4] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران – ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.

[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.

[6] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الأخوات المؤمنات العاملات في حقل الثقافة والإعلام، بتاريخ 19/06/1419ه.ق.

[7] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص507، باب حق الزوج على المرأة، ح4.

[8] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

[9] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، بيروت ـ لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ ـ 1981م، ط1، ج2، ص288.

[10] الشيخ الكليني، الكافي،ج5، ص510، باب إكرام الزوجة، ح3.

[11] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.

[12] إحدى السيدات التي عرضت في مستهل اللقاء تقريراً عن واقع المرأة في الغرب.

[13] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.

[14] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.

[15] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.

[16] م.ن.

[17] سورة النساء، الآية 19.

[18] سورة التحريم، الآية 6.

[19] عامة الناس أو غير المتدينين.

[20] سورة الشعراء، الآية 214.

[21] سورة التحريم، الآية 6.

0

المرأة والأسرة

في فكر الإمام الخامنئي دام ظله

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...