المعرفة والعمل
اشتراط كل منهما بالآخر
ـ نهج البلاغة ج 4 ص 50
وسئل عليه السلام عن الاِيمان فقال:الاِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاَركان.
ـ نهج البلاغة ج 2 ص 32
. . . وأنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم ، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له ، وسلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له .
ـ الكافي ج 1 ص 44
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن ابن
( 191 )
مسكان ، عن حسين الصيقل قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له . ألا إن الاِيمان بعضه من بعض .
ـ الكافي ج 2 ص 33 ـ 37
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد قال : حدثنا أبوعمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : أيها العالم أخبرني أي الاَعمال أفضل عند الله ؟ قال : ما لا يقبل الله شيئاً إلا به ، قلت : وما هو ؟ قال : الاِيمان بالله الذي لا إلا هو ، أعلى الاَعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً ، قال : قلت ألا تخبرني عن الاِيمان أقَوْلٌ هو وعمل أم قولٌ بلا عمل ؟ فقال : الاِيمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل ، بفرض من الله ، بين في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجته ، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه .
قال : قلت : صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه .
قال : الاِيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه .
قلت : إن الاِيمان ليتم وينقص ويزيد ؟
قال : نعم .
قلت : كيف ذلك ؟
قال : لاَن الله تبارك وتعالى فرض الاِيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الاِيمان بغير ما وكلت به أختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ، وأذناه اللتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه . فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من
( 192 )
الاِيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تبارك اسمه ، ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها .
ففرض على القلب غير ما فرض على السمع ، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين ، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه .
فأما ما فرض على القلب من الاِيمان فالاِقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له ، إلَهاً واحداً ، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله ، والاِقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الاِقرار والمعرفة وهو عمله ، وهو قول الله عز وجل : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالاِيمان ، ولكن من شرح بالكفر صدراً .
وقال : ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
وقال : الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم .
وقال : إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .. فذلك ما فرض الله عز وجل على القلب من الاِقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الاِيمان .
وفرض الله على اللسان القول التعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به ، قال الله تبارك وتعالى : وقولوا للناس حسناً ، وقال : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلَهنا وإلَهكم واحد ونحن له مسلمون . فهذا ما فرض الله على اللسان ، وهو عمله .
وفرض على السمع أن يتنزه عن الاِستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز وجل عنه والاِصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل ، فقال في ذلك : وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان فقال :
( 193 )
وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين . وقال : فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الاَلباب .
وقال عز وجل : قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون .
وقال : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم .
وقال : وإذا مروا باللغو مروا كراماً . فهذا ما فرض الله على السمع من الاِيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له ، وهو عمله وهو من الاِيمان .
وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه ، وأن يعرض عما نهى الله عنه مما لا يحل له ، وهو عمله وهو من الاِيمان ، فقال تبارك وتعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ، فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه . وقال : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها .
وقال: كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر.
ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية أخرى فقال : وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ، يعني بالجلود : الفروج والاَفخاذ .
وقال : ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً . فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز وجل ، وهو عملهما وهو من الاِيمان .
وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله ، وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عز وجل ، وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله
( 194 )
والطهور للصلاة ، فقال : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين . وقال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها . فهذا ما فرض الله على اليدين لاَن الضرب من علاجهما .
وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عز وجل فقال : ولا تمش في الاَرض مرحاً إنك لن تخرق الاَرض ولن تبلغ الجبال طولاً ، وقال : واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الاَصوات لصوت الحمير ، وقال فيما شهدت الاَيدي والاَرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه عليهما : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون .
فهذا أيضاً ممافرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الاِيمان.
وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال : يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين ، وقال في موضع آخر : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .
وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عز وجل لما صرف نبيه صلى الله عليه وآله إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ، فسمى الصلاة إيماناً فمن لقي الله عز وجل حافظاً لجوارحه موفياً كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل عليها لقي الله عز وجل مستكملاً لاِيمانه ، وهو من أهل الجنة . ومن خان في شيء منها أو تعدى ما أمر الله عز وجل فيها لقي الله عز وجل ناقص الاِيمان .
قلت : قد فهمت نقصان الاِيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته .
فقال : قول الله عز وجل : وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه
( 195 )
إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون . وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم . وقال : نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ، ولو كان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاَحد منهم فضل على الآخر ، ولاستوت النعم فيه ولاستوى الناس وبطل التفضيل . ولكن بتمام الاِيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الاِيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرطون النار .
ـ الكافي ج 2 ص 553
عنه ، عن أبي إبراهيم عليه السلام دعاء في الرزق : يا الله يا الله يا الله ، أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك ، وأن تبسط على ما حظرت من رزقك .
ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 52
. . . ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه : . . . . وإنما يقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ودعاهم إليه ، فأول ذلك معرفة من دعا إليه ، وهو الله الذي لا إله إلا هو وحده ، والاِقرار بربوبيته ، ومعرفة الرسول الذي بلغ عنه ، وقبول ما جاء به ، ثم معرفة الوصي ثم معرفة الاَئمة بعد الرسل الذين افترض الله طاعتهم في كل عصر وزمان على أهله ، والاِيمان والتصديق بأول الرسل والاَئمة وآخرهم . ثم العمل بما افترض الله عز وجل على العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً ، واجتناب ما حرم الله عز وجل عليهم ظاهره وباطنه ، وإنما حرم الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معاً جميعاً ، والاَصل والفرع ، فباطن الحرام حرام كظاهره ، ولا يسع تحليل أحدهما ، ولا يجوز ولا يحل إباحة شيء منه ، وكذلك الطاعات مفروض على العباد إقامتها ، ظاهرها وباطنها ، لا يجزي إقامة ظاهر منها دون باطن ولا باطن دون ظاهر ، ولا تجوز صلاة الظاهر مع ترك صلاة
( 196 )
الباطن ، ولا صلاة الباطن مع ترك صلاة الظاهر . وكذلك الزكاة ، والصوم والحج والعمرة ، وجميع فرائض الله افترضها على عباده ، وحرماته وشعائره.
ـ وسائل الشيعة ج 11 ص 260
وفي عيون الاَخبار بأسانيده عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال : الاِيمان هو أداء الاَمانة ، واجتناب جميع الكبائر ، وهو معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالاَركان . إلى أن قال : واجتناب الكبائر وهي : قتل النفس التي حرم الله تعالى ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به من غير ضرورة ، وأكل الربا بعد البينة ، والسحت ، والميسر وهو القمار ، والبخس في المكيال والميزان ، وقذف المحصنات ، والزنا ، واللواط ، واليأس من روح الله ، والاَمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، ومعونة الظالمين ، والركون اليهم ، واليمين الغموس ، وحبس الحقوق من غير عسر ، والكذب والكبر ، والاِسراف والتبذير ، والخيانة ، والاِستخفاف بالحج ، والمحاربة لاَولياء الله ، والاِشتغال بالملاهي ، والاِصرار على الذنوب . ورواه ابن شعبة في (تحف العقول) مرسلاً نحوه .
ـ وروت مصادر إخواننا السنة اقتران المعرفة والعمل عن علي عليه السلام ، ففي كنز العمال ج 1 ص 273 عن علي قال : سألت النبي صلى الله عليه وآله عن الاِيمان ما هو ؟ قال : معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالاَركان ــ أبو عمرو بن حمدان في فوائده .
ـ وفي سنن ابن ماجة ج 1 ص 25
حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا ثنا عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي ، ثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الاِيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالاَركان . قال أبو الصلت :
( 197 )
لو قريَ هذا الاِسناد على مجنون لبرأ . انتهى ورواه البيهقى في شعب الاِيمان ج1 ص 47 ورواه في كنز العمال ج 1 ص 273 ، بعدة روايات عن علي عليه السلام . ونحوه الجزري في أسنى المطالب ج 1 ص 125
ـ وفي مروج الذهب للمسعودي ج 4 ص 171
قال علي بن محمد بن علي بن موسى عن أبيه عن أجداده عن علي رضي الله عنه قال رسول الله ( ص ) : أكتب يا علي ، قلت وما أكتب ؟
قال لي : أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . الاِيمان ما وقرته القلوب ، وصدقته الاَعمال ، والاِسلام ما جرى به اللسان ، به المناكحة .
ـ وفي إرشاد الساري ج 1 ص 86 ـ 87
الاِيمان قول وفعل .. وهو موافق لقول السلف اعتقاد بالقلب ونطق اللسان . وقال المتأخرون منهم الاَشعرية ، ووافقهم ابن الراوندي من المعتزلة : هو تصديق الرسول ( ص ) بما علم مجيئه به . . . .
إذا تقرر هذا فاعلم أن الايمان ( يزيد ) بالطاعة ( وينقص ) بالمعصيه كما عند المؤلف وغيره وأخرجه أبو نعيم . . . . بل قال به من الصحابه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب . . . . ومن التابعين كعب الاَحبار . . . . وعمر بن عبدالعزيز . . . . أما توقف مالك رحمه الله عن القول بنقصانه فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج .