الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / العبادة الواعية

العبادة الواعية

الدرس الثامن

في حوار مع المعبود

في حوار مع المعبود:

الله أكبر:

هو أوّل حديث أمام الواحد الأحد، حيث يتضمن تشخيصاً لمنزلته ومكانته بالقياس إلى سائر الموجودات والأوصاف التي قد يتصورها الإنسان، هو أكبر من كل شيء، وفوق كل وصف فإذا نحن واقفون أمامه لابد أن نحذر من الانشغال بكل ما دونه.

“الله أكبر” شعار يتضمن الإجابة على أسئلة كثيرة تدور حول محور العبادة والعبودية، نظير:

لماذا نعبد الله؟ نعبده لأنّ الله أكبر.

ـ لماذا نناجيه؟ نناجيه لأنه…

ـ لماذا تبطل كل صلاة لغيره؟ لأنه…

ـ لماذا لا يكون غيره جديراً بالاهتمام والعبادة؟ لأنه…

ـ لماذا لا ينبغي أن يكون لدينا خوف أو هلع من أي تهديد يمكن أن نتعرض إليه؟ لأن الله اكبر.

يجب على المصلي أن يشهد ـ إضافة إلى اللسان ـ عملاً وروحاً بعظمة الله وكبره، وأن ينظر إلى كلّ ما عداه بعين الصغارة والاحتقار. وإلاّ خوطب من قبله تعالى ـ كما عن الصادق (ع) بقوله ما معناه “يا كاذب تخدعني؟! وعزّتي وجلالي سأحرمك حلاوة مناجاتي”[1].

إن هذا الشعار القصير والأساس يتكرر أكثر من 50 مرّة في مقدمات الصلاة اليومية، و(85) مرة في داخل الصلاة بصورة واجبة ومستحبة وذلك لتمثل عظمة الخالق في قلب المصلي، ويبدو غيره حقيراً في عينه، ولا يبالي بكل ما عداه، فيصبح مصداقاً للحديث المروي عن علي (ع) حيث قال:

“عظُم الخالق في أنفسهم، فصغُر ما دونه في أعينهم”[2].

بسم الله الرحمن الرحيم:

وإذ هو أكبر من كل شيء، فلنبتدء باسمه وذكره. هو صاحب الرحمة العامة بالمؤمنين وغيرهم في الدنيا، والدائمة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة.

يقول الطبرسي (رحمه الله) صاحب تفسير مجمع البيان:

“اتفق أصحابنا أنها آية من سورة الحمد ومن كل سورة. وأنّ من تركها في الصلاة بطلت صلاته سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً”[3]. وفي حديث عن الإمام الرضا (ع) قال: “بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى أسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها”[4] فيمكن أن تصبح وسيلة لحل المشاكل، وسبباً للبركة والتقدس في الأعمال.

وعن ابن مسعود قال: “من أراد ان ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإنها تسعة عشر حرفاً ليجعل الله كلّ حرف منها جنة من واحد منهم”[5].

وروي عن الإمام العسكري (ع) حول معنى “بسم الله” أنه “أي أستعين على أموري كلّها بالله:[6].

إن مجيء صفتي الرحمانية والرحيمية في البسملة يوضح مدى أهمية هذه الصفة من بين الصفات الإلهية، فهي تعلّم الإنسان أن مقام الرحمة والمحبة يجب أن ينظر إليه كأسمى مقام، وأعظم صفة يمكن أن يتحلّى بها الفرد رغم القدرة والقوة.

الحمد لله رب العالمين:

كل حمد وثناء وشكر وعبادة تخص الله رب العالمين، فإن الثناء والشكر يكون قبالة الجمال والكمال، وكل كمال وخير فهو منه. وهو المدير والمدبر لحركة الموجودات التكاملية[7]. فهو يستحق الحمد في البدء بالرحمة، والاستمرار بالتربية.

ففي الرؤية التوحيدية، لا وجود للرب أو رب النوع في كل عوالم الوجود[8] إلا الله الواحد، رب العالمين وحده لا شريك له.

الرحمن الرحيم:

قد ذكرت رحمة الله الأبدية مرّة أخرى للتأكيد على أن الركيزة الأصلية للتربية في الثقافة الإلهية هي الرحمة والمحبة. ويعتقد البعض بأن صفة الرحمن الرحيم في بسم الله تشير إلى سرّ العبودية، وابتداء العمل باسمه، ومجيئها في أوّل سورة الحمد يوضح علة لزوم انحصار الحمد والشكر.

مالك يوم الدين:

يوم الدين أحد أسماء القيامة، وفيه يحين موعد الحساب وتدقيق الأعمال والله سبحانه هو المالك لزمام جميع الأمور فيه. فليس نشوء الخلقة وتربيتها بعهدته فقط بل إن نهايتها تكون على يديه القديرتين أيضاً.

وهو في الدنيا مالك لجميع ما فيها أيضاً، غير أن هناك ملكيات اعتبارية وادعائية أخرى فيها في طول ملكيته وفي الآخرة يفرُّ جميع المالكين من مملوكيهم ومملوكاتهم فلا نسبة بين الأفراد، أو بين الأشياء ولا ملك أو مملكة غير ملك الله ومملكته.

إياك نعبد وإياك نستعين:

بعد أن عرفنا المبدء والمربي والمدبر للكون سوف نجد الطريق سالكاً للدخول إلى حضرة الحق، فنكلّمه بصيغة الجمع المساوق للاحترام والخضوع قائلين (إياك نعبد وإياك نستعين) أي نعبدك وحدك ونستعين بك دون سواك، فإنّك منبع كل الكمالات، وبحر الرحمة، ونحن الفقراء المحتاجون إليك دائماً، ونتعلّم من هذا البيان السامي:

1 ـ إنّ تناغم جميع الموحدين في نشيد العبادة والاستعانة يوحي ويبعث روح الجماعة والتزام الوحدة.

2 ـ إن الاستعانة بالله عقيب ادعاء العبادة الخالصة له يعلمنا أننا غير مستغنين عن عون الذات الربوبية حتى في أداء العبادات.

3 ـ ان العبادة الخالصة تشكل أرضية لكسب الفيوضات الإلهية.

4 ـ لما كانت القدرة تنحصر بالله سبحانه وتعالى في الماضي والحاضر والمستقبل فإن الاستعانة بما سواه أمر عبث وباطل.

5 ـ يجب ان تكون الاستعانة بالمبدء الذي حقه العبادة.

6 ـ إن الثناء والإقرار بكمالات المعبود، والشعور بالحضور في حضرته يشكل واحداً من آداب المناجاة.

اهدنا الصراط المستقيم:

“إن أهم وجوه الحاجة بعد الإقرار بالعجز والفقر، والاستعانة بحضرة المعبود طلب الهداية منه سبحانه، إذ يمثل هذا الطلب الأول للإنسان منه تعالى حيث يقول: (اهدنا الصراط المستقيم) فإن بين النوازع المختلفة المغروزة في الإنسان نازع الميل إلى زخارف الدنيا، والانخداع بمظاهر أهلها الخلابة مما يجعل الهداية بغير لطف الله أمراً متعذراً:

(ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)[9].

ونتعلم من هذا البيان:

1 ـ إن الانحراف عن الصراط المستقيم يمثّل تهديداً جدّياً ودائمياً للموحدين، ويستحق الاهتمام والتوسل المستمر بمبدء القدرة.

2 ـ إن الاحتياجات الثقافية أول احتياجات الفرد والمجتمع وأكثرها ضرورية.

3 ـ إن سبيل الهداية سبيل مستقيم وواضح ومنحصر، وهو ليس كسائر السبل والطرق المنحرفة لا ينطوي على انحراف أو اعوجاج.

4 ـ إن للدعاء دوراً مؤثراً في الاستقامة الفكرية والعلمية للإنسان.

5 ـ إن للهداية مراتب ودرجات فبعد الإيمان بالله وعبادته ينبغي أن تطلب الهداية بمرتبتها الكاملة فالله سبحانه وتعالى يقول:

(والذين اهتدوا زادهم هدى)[10].

وقد ذكرت للصراط المستقيم في الروايات والمصادر الإسلامية تفاسير مختلفة. فعن الرسول الأكرم(ص) أنه قال: “الصراط المستقيم طريق الأنبياء”[11].

وعن علي(ع) قال ما معناه:

“الصراط المستقيم طريق الهداية القرآنية”[12].

وفي رواية عن الإمام الصادق(ع) أنه عدّ الصراط المستقيم طريق المعرفة الإلهية[13].

وفي أخرى قال ما معناه:

“الصراط المستقيم في الدنيا طريق الإمامة وطاعة الإمام، وقائد المجتمع الإسلامي، من عرفه في الدنيا واقتدى به جاز في الآخرة على الصراط فوق جهنم (فيبلغ الجنة)، ومن لم يعرفه في الآخرة تزلّ قدمه على الصراط فيسقط في جهنم”[14].

وعن الإمام العسكري(ع) قال:

“فأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو، وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل”. وفي حديث عن الإمام الصادق(ع) قال:

“اهدنا إلى الصراط المستقيم… ارشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلى محبتك، والمبلغ إلى دينك، والمانع من أن نتّبع أهواءنا، فنعطب، أو نأخذ بآرائنا فنهلك”[15].

ويعد الله في القرآن الكريم الصراط المستقيم طريق الله، وطريق النبي، وطريق العبودية فيقول:

(إن ربي على صراط مستقيم)[16].

(انّك على صراط مستقيم)[17].

(وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم)[18].

وقال الإمام الرضا (ع) أيضاً ما معناه: “أن من عرف المتشابهات من المحكمات فقد هدي إلى الصراط المستقيم”[19].

صراط الذين أنعمت عليهم:

يتم في هذا المقطع عكس سمات أخرى حول الصراط المستقيم. فالصراط المستقيم هو ذلك الطريق الذي اختاره المنعم عليهم بنعمة الله. فمن هم أولئك يا ترى؟

للإجابة على هذا السؤال نستعين بآيات أخرى وإرادة في هذا الصدد اعتماداً على قول علي (ع): “القرآن يفسر بعضه بعضاً”.

فقد حدد الفائزون بنعمة الله الخاصة في آية أُخرى حيث يقول الله سبحانه وتعالى:

(من يطع الرسول فأُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)[20].

فاستناداً إلى الآية الكريمة المتقدمة يكون الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون هم الذين أنعم الله عليهم نعمته الخاصة. ونحن نطلب في الصلاة ما لا يقل عن عشر مرّات يومياً أن يجعلنا الله معهم، ويسلك بنا سبيلهم. وهذه الآية تعلمنا أن:

1 ـ الهداية الفكرية من أعظم النعم الإلهية التي تصيب أفراداً معينين.

2 ـ طلب الهداية أوّل قدم في طريق الهداية وصلاح البشرية. وقد بُيّن في الروايات المصداق الواضح لهذه الفئة التي أنعم الله عليها حيث قال الإمام الصادق (ع).

“صراط الذين أنعمت عليهم محمد وذريته”[21].

غير المغضوب عليهم ولا الضالين:

أشير في آيات كثيرة إلى فئات وجماعات من الضالين وأفراد تعرضوا لغضب الله سبحانه. كما أُشير إلى مصاديق عدة لهذه الأصناف في الروايات.

ففي رواية عن الإمام الصادق (ع) يذكر أن اليهود مصداق للمغضوب عليهم، وأن النصارى مصداق للضالين[22].

وقد أشير في القرآن الكريم إلى المصاديق التالية عادّاً إياهم من المغضوب عليهم:

1 ـ الطغاة: قال تعالى:

(ولا تطغوا فيحل عليكم غضبي)[23].

2 ـ بنو إسرائيل:

(حيث غضب عليهم بسبب عنادهم وإصرارهم على الباطل بالرغم من وضوح الحق، وقتلهم الأنبياء، وتحريفهم الكتاب السماوي وأكلهم الربا) إذ قال الله سبحانه وتعالى: (فباءوا بغضب من الله)[24].

3 ـ القتلة: قال تعالى:

(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه)[25].

4 ـ عبدة العجل: قال تعالى:

(إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم)[26].

5 ـ سيّئو الظن بالله: قال تعالى:

(الظانين بالله ظنّ السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم)[27].

وللضالين مصاديق أخرى أيضاً أشارت إلى بعضها الآيات القرآنية:

المشركون[28]، المكذبون[29]، المعجبون بأنفسهم والمغرورون[30]، المخالفون لأوامر الأنبياء[31]، الذين يعترضون سبيل الخير، ويصدون عن المعروف[32]، المشبهون الذين شبّهوا الله بخلقه[33].

سورة التوحيد:

بعد قراءة فاتحة الكتاب التي بها افتتح الكتاب السماوي، وعرفت بسورة الحمد تصل التوبة إلى قراءة سورة التوحيد أو الإخلاص[34]. قال رسول الله (ص): “من قرأ هذه السورة فكأنما قرأ ثلث القرآن، وكتب له من الحسنات عشرة أضعاف عدد جميع من آمنوا بالله وملائكته والكتب السماوية. من قرأها مرّة نالته بركات الله، ومن قرأها مرتين شملته وشملت عائلته، ومن قرأها ثلاثاً شملت وشملت عائلته وجيرانه”. وروي عن الإمام الصادق أنه قال:

“أن رسول الله (ص) صلى على سعد بن معاذ. فلما صلى عليه قال (ص): لقد وافى من الملائكة سبعون ألف ملك وفيهم جبرائيل (ع) يصلون عليه فقلت: يا جبرائيل بمَ استحق صلاتكم عليه قال: بقراءة قل هو الله أحد قاعداً وقائماً وراكباً وماشياً وذاهباً وجائياً”[35].

تعلمنا هذا السورة.

1 ـ أن تكرار شعار التوحيد ضروري للموحدين، بل ولأصحاب لواء التوحيد.

2 ـ أن الله يلبي حاجة كل محتاج، ولا تربطه مع أحد علقة نسب.

3 ـ أن الله ليس بمادة ولا مادي.

قد ذُكرت للفظ الصمد الوارد في السورة معاني كثيرة نشير فيما لي إلى بعض منها[36]:

1 ـ مقصد العباد وملجأ المحتاجين.

2 ـ الدائم بعد فناء الخلق، والباقي بعد حلول العدم.

3 ـ من هو في غاية السيادة والصلابة والقدرة.

4 ـ الموجود الذي لا حجم له ولا حافة ولا وسط.

5 ـ الوجود القائم بنفسه الغني عن الغير.

6 ـ الوجود الذي لا يتعرض للكون والفساد والتغيّر.

7 ـ القدرة الواهبة الوجود للأشياء بمجرد الإرادة.

8 ـ وفُسّر لفظ الصمد بما في الجملة التالية له أي الذي لم يلد ولم يولد.

9 ـ خالق كلّ شيء.

10 ـ من ليس بجسم، ولا حدّ ومحلاً ومكاناً وشبيهاً وسكوناً وحركة له، لا يسعه شيء، ولا يخلو منه شيء.

إن وحدة الله سبحانه وتعالى ليست وحدة عددية فهو بتعبير آخر واحد لا نظير له، لا أنه واحد ولا ثاني له. إذ الثاني في الوحدة العددية قابل للتصور، لكنه ليس موجوداً. وأمّا بالنسبة إلى الله فأنه لا يمكن تصور فرد آخر له.

[1] المحجة البيضاء ج1، ص385.

[2] نهج البلاغة؛ الخطبة193.

[3] مجمع البيان ج1 سورة الحمد.

[4] نور الثقلين ج1، ص8.

[5] مجمع البيان ج1 سورة الحمد.

[6] توحيد الصدوق ص231.

[7] جاء في مفردات الراغب: “رب الأصل التربية وهو إنشاء شيء حالاً فحالاً إلى حد التمام”.

[8] في رب العالمين دلالة على تعدد عوالم الوجود.

[9] سورة الأعراف، الآية:43.

[10] سورة محمد، الآية:17.

[11] تفسير العياشي ج1، ص22.

[12] نور الثقلين ج1، ص20.

[13] معاني الأخبار ص32.

[14] نور الثقلين ج1، ص21.

[15] بحار الأنوار ج24، ص9.

[16] سورة هود، الآية:56.

[17] سورة الزخرف، الآية:43.

[18] سورة يس، الآية:62.

[19] بحار الأنوار ج92، ص377.

[20] سورة النساء، الآية:69.

[21] نور الثقلين ص23.

[22] تفسير العياشي ج1 ص24.

[23] سورة طه، الآية:81.

[24] سورة البقرة، الآية:61، سورة آل عمران، الآية:112.

[25] سورة النساء، الآية:93.

[26] سورة الأعراف، الآية:142.

[27] سورة الفتح، الآية:6.

[28] سورة النساء، الآية:116.

[29] سورة الأنعام، الآية:24.

[30] سورة الكهف، الآية:104.

[31] سورة الأحزاب، الآية:36.

[32] سورة النساء، الآية:167.

[33] سورة الإسراء، الآية:48.

[34] يمكن للمصلي أن يقرآ أية سورة من سور القرآن الكبيرة والصغيرة بعد قراءة الحمد غير سور العزائم.

[35] مجمع البيان ج1، ص10.

[36] وردت هذه المعاني في روايات عديدة عن الأئمة المعصومين (ع) فليراجع بحار الأنوار ج3، ص2 فما بعدها.

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...