الرئيسية / القرآن الكريم / 15 أسرار الآيات وأنوار البينات

15 أسرار الآيات وأنوار البينات

( 3 ) قاعدة في توحيده تعالى وأحديته وصمديته

البرهان على واحديته أيضا ذاته كما دلت عليه آية

« شَهِدَ اللهُ » فإنك قد علمت أنه حقيقة الوجود وصرفه وحقيقة الوجود أمر بسيط لا ماهية له ولا تركيب فيه أصلا فثبت أنه أحد صمد وكلما هو أحد صمد فهو واحد فرد لا شريك له ولا تعدد فيه إذ لا يتصور كثرة في صرف حقيقة شيء وكلما هو حقيقة نفس الوجود الصرف الذي لا أتم منه فلا يمكن فرض الاثنينية فيه فضلا عن جواز وقوع المفروض إذ تفاوت الوجودات المحضة والأنوار الصرفة بنفس الأتمية والأشدية ومقابلهما فلو فرض وجودان بسيطان لا بد وأن يكون أحدهما أتم وأشد من الآخر فيكون الآخر معلولا لما مر أن كل ناقص معلول إذ لو كانا تامين غير متناهيين في الشدة لزم أن يكون كل منهما نفس حقيقة الوجود بلا شوب شيء آخر فلزم أن يكون حقيقة واحدة من جهة ما هي تلك الحقيقة متكثرة إذ لا مميز هناك زائدا على نفس الوجود .

وأيضا : كل اثنين فاثنينيتهما إما من جهة الذات والحقيقة كالسواد والحركة وإما من جهة جزء الحقيقة خارجا كالإنسان والفرس أو ذهنا كالسواد والبياض .

أو من جهة كمالية ونقص في نفس الحقيقة المشتركة كالسواد الشديد والسواد الضعيف أو بسبب أمر زائد عارض كالكاتب والأمي وشيء من هذه الوجوه لا يتصور أن يكون منشأ لتعدد الواجب .

أما الأول فلاتحاد حقيقة الوجود وأما الثاني فلبساطتها وأما الثالث فلتمامية الذات الواجبة وكون كل ناقص محدود معلولا لغيره وأما الرابع فلاستحالة كون الواجب متأخرا عن مخصص خارجي بل كل ما فرض مخصصا من كم أو كيف أو غير ذلك يجب أن يكون متأخر الوجود عن حقيقة الوجود فإذن ذات الواجب يجب أن يكون متعينة بذاتها فذاته شاهدة على وحدانية ذاته .

والآيات الدالة على وحدانيته تعالى كثيرة منها قوله : « وَقُلِ »
« الْحَمْدُ لِلَّه ِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ » ومنها

« ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِه ِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ » ومنها قوله :

« سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ » ومنها قوله :

« هُوَ اللهُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ » وقوله :

« لا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِله َ إِلَّا هُوَ » وقوله :

« قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ » وقوله :

« لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِله ٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ » وقوله :

« قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِله ٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ » إلى قوله : « أَفَلا تُبْصِرُونَ » .

ومن البراهين الدالة على الواحدية والأحدية قوله تعالى :

« قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ » وقد علمت أن معنى الواحد هو الذي يمتنع من وقوع الشركة بينه وبين غيره ومعنى الأحد هو الذي لا تركيب فيه ولا أجزاء له بوجه من الوجوه فالواحدية عبارة عن نفي الشريك والأحدية عبارة عن نفي الكثرة في ذاته .

ومعنى الصمد الغني الذي يحتاج إليه كل شيء وهذا دليل على أنه أحدي الذات إذ لو كان له جزء لكان مفتقر إلى غيره فلم يكن غنيا وقد فرض غنيا هذا خلف وكل واحد فرداني لا شريك له إذ لو كان له شريك في معنى ذاته لكان مركبا عن ما به يمتاز وما به يشترك فيكون مركبا ولو كان له شريك في ملكه لم يكن غنيا يفتقر إليه غيره فصمديته دليل أحديته وأحديته دليل فردانيته في ذاته وملكه وقوله :

« لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ » دليل على أن وجوده المستمر الأزلي ليس بقاؤه بالنوع وبتعاقب الأشخاص التي ينحفظ بها بقاء النوع كالإنسان الطبيعي المستمر نوعه بتوارد الأفراد المتماثلة وكذا غيره من الأمور الطبيعية المستمرة أنواعها بتجدد الأمثال وإن كانت على نعت الاتصال .

وقوله :

« وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ كُفُواً أَحَدٌ » دليل على أنه لا يمكن أنه يوجد في مرتبة وجوده موجودا إذ كل موجود سواه معلول له مفتقر إليه متأخر وجوده عن وجوده تعالى فلا مكافئ له ولا ند ولا ضد له إذ نسبة الكل إليه كنسبة الأشعة والأظلال إلى ذات الشمس المحسوسة لو كانت نورا قائما بذاته .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...