الفرضية الرابعة : الشيعة ويوم الجمل
وأما الافتراض الخاطئ الرابع فيذهب إلى أن الشيعة تكونت يوم الجمل ،
حيث ذكر ابن النديم في الفهرست : أن عليا قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا
إلى أمر الله – جل اسمه – وتسمى من اتبعه على ذلك الشيعة ، وكان يقول : شيعتي ،
وسماهم ( عليه السلام ) : الأصفياء ، الأولياء ، شرطة الخميس ، الأصحاب ( 1 ) .
وعلى ذلك جرى المستشرق ” فلهوزن ” حيث يقول : بمقتل عثمان انقسم
الإسلام إلى فئتين : حزب علي ، وحزب معاوية ، والحزب يطلق عليه في العربية
اسم ” الشيعة ” فكانت شيعة علي في مقابل شيعة معاوية ، لكن لما تولى معاوية
الملك في دولة الإسلام كلها . . . أصبح استعمال لفظة ” شيعة ” مقصورا على أتباع
علي ( 2 ) .
الملفت للنظر أن ما ذكره ابن النديم من تقسيمه لشيعة علي ( عليه السلام ) إلى الأصفياء
والأولياء و . . . هو عين التقسيم الذي أورده البرقي ( 3 ) لأصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام )
حيث قال :
أصحاب أمير المؤمنين :
من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الأصحاب ، ثم الأصفياء ، ثم الأولياء ، ثم شرطة
الخميس :
من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : سلمان الفارسي ، المقداد ، أبو ذر ،
عمار ، أبو ليلى ، شبير ، أبو سنان ، أبو عمرة ، أبو سعيد الخدري ( عربي أنصاري )
أبو برزة ، جابر بن عبد الله ، البراء بن عازب ( أنصاري ) ، عرفة الأزدي ، وكان
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعا له فقال : ” اللهم بارك له في صفقته ” .
وأصحاب أمير المؤمنين ، الذين كانوا شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل ،
وقال علي بن الحكم : ( أصحاب ) أمير المؤمنين الذين قال لهم : ” تشرطوا إنما
أشارطكم على الجنة ، ولست أشارطكم على ذهب أو فضة ، إن نبينا ( عليه السلام ) قال
لأصحابه فيما مضى : تشرطوا فإني لست أشارطكم ، إلا على الجنة ” ( 1 )
ومما تقدم يظهر أن من عده ابن النديم من أصحاب الإمام رجالا ماتوا قبل
أيام خلافته كسلمان وأبو ذر والمقداد ، وكلهم كانوا شيعة للإمام ، فكيف يكون
التشيع وليد يوم الجمل ؟ والظاهر وجود التحريف في عبارة ابن النديم .
على كل تقدير فما تلونا عليك من النصوص الدالة على وجود التشيع في عصر
الرسول وظهوره بشكل جلي بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) وهذا قبل أن تشب نار الحرب في
البصرة ، دليل على وهن هذا الرأي – على تسليم دلالة كلام ابن النديم – فإن الإمام
وشيعته بعد خروج الحق عن محوره ، واستتباب الأمر لأبي بكر ، رأوا أن مصالح
الإسلام والمسلمين تكمن في السكوت ومماشاة القوم ، بينما كان نداء التشيع يعلو بين
آن وآخر من جانب المجاهرين بالحقيقة ، كأبي ذر الغفاري وغيره ، ولكن كانت
القاعدة الغالبة هي المحافظة قدر الإمكان على بقاء الإسلام وعدم جر المسلمين إلى
صدام كبير ونار متأججة لا تبقي ولا تذر ، والعمل قدر الإمكان لدعم الواجهة
السياسية للخلافة الإسلامية ورفدها بالجهد المخلص والنصح المتواصل .
إلا أن الأمر عندما آل إلى الإمام علي وجدت شيعته متنفسا واسعا للتعبير عن
وجودها والإفصاح عن حقيقتها ، فظهرت بأوضح وأجلى صورها ، فمن هنا وقع
أصحاب هذه الفرضية وغيرها في هذه الاشتباهات الواضحة البطلان .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...