22 – الحج ، في سيرة الحسين عليه السلام
للحج في تراث أهل البيت عليهم السلام شأن عظيم ، وموقع متميز بين
عبادات الإسلام ، فهم يبالغون في التأكيد على أن الكعبة هي محور الدين ، ومدار
الإسلام ، ونقطة المركز له ، وقطب رحاه ، على المسلمين غاية تعظيمه والوفادة
إليه .
ومن الواضح أن من الفوائد المنظورة للحج ، والتي صرحت بها الآيات
الكريمة ، وأصبحت لذلك أفئدة المؤمنين تهوي إليه هو دلالته الواضحة على
خلوص النية ، والتركيز على وحدة الصف الإسلامي ، وتوحيد الأهداف
الإسلامية ، التي تركزت عند الكعبة ، وتمحورت حولها .
وأهل البيت عليهم السلام كانوا في هذا التكريم العظيم جادين أقوالا
وأفعالا ، فالنصوص الواردة لذلك مستفيضة بل متواترة ، وقد أقدموا على ذلك
عمليا بأساليب شتى :
منها : الإكثار من أداء الحج ، وقد جاء في سيرة الحسين عليه السلام : [ 2 – 193 ] إنه حج ماشيا خمسا وعشرين ، وإن نجائبه معه ،
معه ، تقاد وراءه ( 1 ) .
إنها الغاية في تعظيم الحج ، بالسعي إلى الكعبة على الأقدام ، لا عن قلة راحلة ،
بل إمعانا في تجليل المقصد والتأكيد على احترامه .
وهذا على الرغم من ازدحام سني حياته بالأعمال ، فلو عددنا سني إمامته
العشر ، وسنوات إمامة أخيه الحسن العشر كذلك ، وسنوات إمامة أبيه الخمس ،
لاستغرقت خمسا وعشرين حجة .
فهل حج الحسين عليه السلام في الفترة السابقة بعض السنوات ؟
وأسلوب آخر من تعظيم أهل البيت للكعبة والبيت والحرم : أنهم لم يقدموا
على أي تحرك عسكري داخل الحرم المكي ، وكذلك الحرم المدني ، رعاية لحرمتهما أن
يهدر فيهما دم ، وتهتك لهما حرمة على يد الحكام والأمراء الظالمين ، وجيوشهم
الفاسدة ، المعتدية على حرمات الدين .
ومن أجل ذلك خرج الإمام علي عليه السلام من الحجاز ، وكذلك الإمام
الحسين عليه السلام ، وكل العلويين الذين نهضوا ضد جبابرة عصورهم ،
وطواغيت بلادهم ، خرجوا إلى خارج حدود الحرمين حفظا لكرامتهما ، ورعاية
لحرمتهما ( 2 ) .
وبهذا الصدد جاء في حديث سيرة الحسين عليه السلام أنه خرج من مكة
معجلا ، جاعلا حجه عمرة مفردة ، حتى لا تنتهك حرمة البيت العتيق بقتله ، بعد
أن دس يزيد جلاوزته ليفتكوا بالإمام ، ولو كان متعلقا بأستار الكعبة
وإذا كان الظالمون لا يلتزمون للكعبة والحرم بأية حرمة ، ويستعدون لقتل
النفوس البريئة فيه ، وهتك الأعراض في ساحته ، وحتى لهدمه وإحراقه ، كما
أحدثوه في تاريخهم الأسود مرارا ، وصولا إلى أغراضهم السياسية المشؤومة .
فإن بإمكان الحسين عليه السلام أن يسلبهم القدرة على تلك الدنائة ، فلا يوفر
لهم فرصة ذلك الإجرام ، ولا يجعل من نفسه ودمه موضعا لهذا الإقدام الذي
يريده المجرمون ، فلا يحقق بحضوره في الحرم ، للمجرمين أغراضهم الخبيثة ،
بقتله وهتك حرمة الحرم ، وإن كان مظلوما على كل حال .
وهذه هي الغاية القصوى في احترام الكعبة ، وحفظ حرمة الحرم .
وقد صرح الإمام الحسين عليه السلام بهذه الغاية لابن عباس ، لما وقف أمام
خروجه إلى العراق ، فقال :
[ 243 ] : لئن أقتل بمكان كذا وكذا ، أحب إلي من أن استحل
حرمتها .
[ 244 ] وفي نص آخر : . . . أحب إلي من أن يستحل بي
ذلك ( 1 )
والنص الوارد في نقل الطبراني : . . . أحب إلي من أن يستحل بي حرم الله
ورسوله ( 2 )
وهذه مأثرة اختص بها أهل البيت عليهم السلام لا بد أن يمجدها المسلمون .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...