دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله صلى الله عليه واله – أبو هريرة
22 يوليو,2017
بحوث اسلامية
968 زيارة
تأليف: الامام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي 03
نشأته وإسلامه وصحبته
نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين (1) جاهلياً لا يستضئ بنور بصيرة ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر. يخدم هذا وذاك وتى وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه (2) حافياً عارياً. راضياً بهذا الهوان، مطمئناً اليه كل الاطمئنان.
لكن لما أظهر الله أمر نبيه صلى الله عليه واله في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي. لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله صلى الله عليه واله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان سنة سبع للهجرة بانفاق أهل الاخبار.
أما صحبته فقد صريح أبو هريرة ـ في حديث أخرجه البخاري (3) ـ بأنها كانت ثلاث سنين.
____________
(1) ـ قال أبو هريرة من حديث تجده في ترجمته من الاصابة وغيرها قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين.
(2) ـ كان أبو هريرة يحدث عن نفسه فيقول كما في ترجمته من الطبقات والاصابة وحلية الأولياء وغيرها ـ: كنت أجيراً لابن عفان وابنه غزوان بطعام بطني اسوق بهم اذا ركبوا وأخدمهم اذا نزلوا. وله كلام في هذا المعنى كثير سنورده في محله من الاصل.
(3) ـ في باب علامات النبوة في الإسلام ص 182 من الجزء الثاني من صحيحه. وهو موجود في ترجمة أبي هريرة من الاصابة والطبقات.
على عهد النبي صلى الله عليه واله
لما أسلم أبو هريرة انضوى باسلامه الى مساكين الصفة (1) وهم ـ كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر ـ: أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه واله في المسجد ويظلون فيه. وكانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا اليها. وكان اذا تعشى رسول الله صلى الله عليه واله يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشوهم. قال: ومن مشاهيرهم أبو هريرة الى آخر كلامه (2).
وكان أبو هريرة ـ كما نص عليه أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء (3) اشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي صلى الله عليه واله ولم ينتقل عنها. وكان عزيف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين الى آخر كلامه.
وصف أبو هريرة نفسه فقال ـ كما في أول البيوع من صحيح البخاري ـ: وكنت امراً مسكيناً من مساكين الصفة، الحديث وهو طويل (4).
قال ـ كما في باب نوم الرجال في المسجد من كتاب الصلاة من صحيح
____________
(1) ـ قال ابن الأثير في مادة صفف من النهاية: أهل الصفة هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منزل يسكنه وكانوا يأوون الى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه.
(2) ـ فراجعه في آخر حياة النبي عند ذكر أصحابه.
(3) ـ ص 376 من جزئها الاول حيث ترجم أبا هريرة.
(4) ـ فراجعه في الصفحة الاولى من الجزء الثاني من الصحيح.
البخاري (1) ـ: رأيت سبعين من أصحاب الصفة (2) ما منهم رجل عليه رداء وانما عليه أما ازار واما كساء بطوه في اعناقهم فمنها ما بيلغ نصف الساقين. ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته أهـ.
وفي صحيح البخاري من حديث طويل (3) عن أبي هريرة قال فيه: وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه واله بشبع بطنه.
وفيه أيضاً من طريق ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة من حديث (4) قال فيه: وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه واله على ملء بطني.
وحدّث عن نفسه في مقام آخر فقال (5): كنت من أصحاب الصفة فظللت صائماً فامسيت وأنا أشتكي بطني فانطلقت لأقضى حاجتي فجئت وقد أوكل الطعام. وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام لأهل الصفة فقلت: إلى من أذهب؟ فقيل لي: الى عمر بن الخطاب فاتيته وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه؛ فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام، قال: فاقرأنى
____________
(1) ـ ص 60 من جزئه الاول.
(2) ـ السبعون من اصحاب الصفة قد استشهدوا باجمعهم يوم بئر معونة قبل إسلام أبي هريرة؛ وهذا الحديث نظير حديثه إذ قال: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه واله وفي يدها مشط مع ان رقية قد ماتت قبل مجئ أبي هريرة الى المدينة بزمان وكم له من نظير هذا ستسمعه في محله من الاصل.
(3) ـ تجده في باب حفظ العلم من كتاب العلم ص 24 من جزئه الاول وأخرجه ايضا غير واحد من حفظ الاثار كأبى نعيم في حليته.
(4) ـ هو الحديث الاول من كتاب البيوع في الصفحة الاولى من جزئه الثاني.
(5) ـ فيما أخرجه أبو نعيم في ترجمة أبي هريرة من الحلية ص 378 من حزئها الاول.
أيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب فأبطأ؛ فقلت: ينزع ثيابه؛ ثم يأمر لي بطعام؛ فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه واله فانطلقت معه حتى أتى بيته فدعا جارية له سوداء (1) فقال: آتينا بتلك القصعة، قال: فأتتنا بقصعة فيها وضر (2) من طعام أراه شعيراً قد اكل وبقى في جوانبها بعضه وهو يسير فأكلت حتى شبعت أهـ.
وكثيراً ما كان يصف نفسه فيقول (3): والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه ـ من المسجد ـ فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر عمر بي فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه واله فتبسم حينٍ رآني وعرف مافي نفسي وما في وجهي. ثم قال: أبا هر قلت: لبيك يارسول الله؛ قال: إلحق ومضى فتبعته فدخل فأذن لي فدخلت فوجدنا لبناً في قدح، فقال صلى الله عليه واله: من اين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك؛ قال: إلحق الى أهل الصفة فادعهم لي؛ قال: وأهل الصفة اضياف الإسلام لا يأوون الى أهل ولا على أحد؛ وكان صلى الله عليه واله اذا أتته صدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً، واذا أتته هدية أشركهم فيها، قال فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أنا أحق ان أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها؛ فاذا جاءوا أمرني ان
____________
(1) ـ ما عهدنا ولا سمعنا ان في بيت رسول الله صلى الله عليه واله جارية سوداء.
(2) ـ في النهاية وضر الصفحة دسمها وأثر الطعام فيها.
(3) ـ كما في باب كيف كان يعيش النبي صلى الله عليه واله وأصحابه من كتاب الرقاق ص 81 من الجزء الرابع من صحيح البخاري. وأخرجه أبو نعيم مختصراً في ترجمة أبي هريرة من حلية الأولياء.
أعطيهم، وما عسى ان يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فاقبلوا فاستأذنوا فاذن لهم واخذوا مجالسهم فقال صلى الله عليه واله يا أبا هر خذ فاعطهم؛ فاخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فاعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده عليّ فاعطيه الآخر فيشرب حتى يروى، ولم ازل حتى انتهيت الى النبي صلى الله عليه واله وقد روى القوم كلهم فاخذ القدح وتبسم اليَّ فقال: أبا هر بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يارسول الله قال: اقعد فاشرب؛ فقعدت فشربت، قال، اشرب فشربت، فما زال يقول: أشرب؛ حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما اجد له مسلكاً قال: فأرنيه. فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة (1).
وفي صحيح البخاري (2) عن أبي هريرة قال: رأيتني واني لا خر فيهما بين منبر رسول الله صلى الله عليه واله الى حجرة عائشة مغشياً على فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى اني مجنون وما بى من جنون مابى إلا الجوع أهـ.
وكان ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب عليهما السلام كثير البر والاحسان والصدقة والعطف على البائسين. فكان يطعم أبا هريرة من جوع فوالاه
____________
(1) ـ هذا الحديث اخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه وهو من أعلام النبوة ـ لوصح ـ فما ندرى لم لم يروه غير أبي هريرة؟ وهلا حدث بهذه الآية شركاء أبي هريرة في اللبن على الاقل؟ وما ندرى هل كان ثمة مقتض للتحدي والاعجاز؟ وموجب لخرق العادات؟ فان مثل هذه الآية لاتكون إلا عند الاقتضاء ونحن نؤمن بآيات الله تعالى ومعجزات رسله ومع ذلك فان الظاهر ان الحديث مما تزلف به أبو هريرة إلى غوغاء الناس وعوامهم بعد وفاة كبراء الصحابة لم يبق منهم من يخشاه.
(2) ـ راجع من جزئه الرابع ص 175 تجده في أواخر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
أبو هريرة وفضله ـ كما في ترجمة جعفر من الاصابة ـ على الناس بعد النبي كافة.
وقد روى البخاري (1) بالأسناد الى أبي هريرة قال: إن الناس يقولون اكثر أبو هريرة على رسول الله صلى الله عليه واله واني كنت ألزمه بشبع بطني حتى لا أكل الخمير ولا ألبس ولا يخدمني فلان وفلانة وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وكنت استقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان اخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته الحديث (2).
وأخرج البغوي من طريق المقبري ـ كما في ترجمة جعفر من الاصابة ـ قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس اليهم ويخدمهم ويخدمونه ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله صلى الله عليه واله يكنيه أبا المساكين (3).
وأخرج الترمذي والنسائي بالسند الصحيح ـ كما في ترجمة جعفر من الاصابة ايضاً ـ عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولاركب المطايا ولا وطأ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه أفضل من جعفر بن أبي طالب (4).
____________
(1) ـ في ص 197 من الجزء الثاني من صحيحه في باب مناقب جعفر وأخرج نحوه أبو نعيم في ترجمة جعفر 117 من الجزء الأول من حليته.
(2) ـ ونقل ابن عبد ربه الاندلسي ـ في فصل الجود مع الاقلال من الجزء الاول من عقده الفريد ـ عن أبي هريرة انه قال: تبعت جعفر بن أبي طالب ذات يوم وانا جائع فلما بلغ الباب التفت فرآني فقال لي: ادخل فدخلت ففكر حيناً فما وجد في بيته شيئاً إلا نحيا كان فيه سمن مرة، فانزله من رف لهم، فشقه بين ايدينا، فجعلنا نلعق ما كان فيه من السمن والزيت وهو يقول:
ما كلف الله نفساً فوق طاقتها * ولا تجود يد إلا بما تجد
(3) ـ وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم في ترجمة جعفر من حلية الاولياء ص 117 من جزئها الاول من طريق المقبري عن أبي هريرة ايضاً.
(4) ـ وهذا الحديث أورده ابن البرفي ترجمة جعفر من الاستيعاب.
وما زالت الصفة موطن أبي هريرة الذي يطمئن اليه ليلا ونهاراً، لا يأوي إلى ما سواها حتى ارتحل النبي صلى الله عليه واله من هذه الدار الفانية ولحق بالرفيق الأعلى وقبل ذلك لم يقم أبو هريرة بشئ يعود عليه بشبع بطنه سوى القعود في طريق المارة ينزع اليهم بجوعه. لا تحفزه مهمة. ولا يذكر في حرب ولا في سلم، بلى ذكروا أنه فر من الزحف يوم مؤتة (1).
وزعم أنه كان في البعث الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه واله مع على ببراءة الى مكة وأنه نادى يوم الحج الأكبر حتى صحل صوته، وله في ذلك حديثان متناقضان متساقطان كما ستقف عليه في محله إن شاء الله تعالى.
وزعم أن النبي صلى الله عليه واله وكله بحفظ زكاة رمضان في حديث طويل (2) سنورده في الأباطيل.
ـ 4 ـ
على عهد الخليفتين
ألممنا بأخبار الخليفتين، واستقرأنا ما كان على عهدهما؛ فلم نجد لأبي هريرة ثمة أثراً يذكر؛ سوى ان عمر بعثه والياً على البحرين سنة إحدى وعشرين (3). فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله وولى عثمان بن أبي العاص
____________
(1) ـ راجع ص 42 من الجزء الثالث من المستدرك تجد أبا هريرة يعير بذلك فلا يدري أي شئ يقول لمن عيره.
(2) ـ اخرجه البخاري في كتاب الوكالة ص 29 من الجزء الثاني من صحيحه.
(3) ـ حين مات الوالي عليها من قبل رسول الله صلى الله عليه واله وأبي بكر وعمر وهو العلاء ابن الحضرمي.
الثقفي (1)، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة، وحسبك منها ما ذكره عبد ربه المالكي(فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد) إذ قال ـ وقد ذكر عمرـ: ثمّ دعا أبا هريرة. فقال له: علمت اني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين. ثم بلغني انك ابتعت افراساً بالف دينار وستمائة دينار. قال: كانت له أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت. قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده قال: ليس لك ذلك. قال: بلا والله وأوجع ظهرك ثم قال اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال: ائت بها؛ قال: احتسبها عند الله قال: ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً؛ أجئت من أقصى حجر البحرين يجي الناس لك لا لله ولا للمسلمين؟ مارجّعت (2) بك اميمة إلا لرعية الحمر.
قال ابن عبدربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: ياعدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله؟ قال فقلت: ما أنا عدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت قال: فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين الحديث؛ وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشئ من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج (3)
____________
(1) ـ كما هو ثابت لدى الأخبار ومصرح به في عدة حوادث تلك السنة من تاريخ ابن الأثير وغيره.
(2) ـ الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجيعا لانهما رجعا من حالتهما الاولى بعد ان كانا طعاما وعلفا، واميمة ام ابي هريرة، وكلمة الخليفة هذه من افظع كلمات الشتم.
(3) ـ ص 104 طبع مصر.
وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبرى (1) من طريق محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله إلى آخر الحديث. وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من أصابته فجؤره عطفاً على أبي هريرة تحويراً خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فادماه وأخذ ماله وعزله.
على عهد عثمان
أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية على عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف الى آل أبي معيط، فكان له بسبب ذلك شأن، ولاسيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبوهريرة معه. وبهذا نال نضارة بعد الذبول ونباهة بعد الخمول.
سنحت في تلك الفتنة فرصة الانضواء الى الدار فأسدى بها الى آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يداً كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم؛ فنضوا عنه دثار الخمول واشادوا بذكره؛ على أنه لم يخف عليهم كونه ما استسلم الى الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة. كما قال بعض معاصريه في رثائه:
فكيف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار لاتقتلوهم * عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
وانما فعل ذلك احتياطاً على نفسه واحتفاظاً بأصحابه. وكان أبو هريرة
____________
(3) ص 90 من قسمها الثاني من جزئها الرابع.
على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان. وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين.
ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته، وأكب بعدها بنو أمية وأولياؤهم على السماع منه. فلم يألوا جهداً في نشر حديثه؛ والاحتجاج به. وكان ينزل فيه على ما يرغبون.
وكان مما حدثهم به عن رسول الله صلى الله عليه واله إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان (1).
وقال (2): سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: عثمان حي تستحي منه الملائكة.
ورووا عنه ورفوعاً: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان (3).
ورووا عنه مرفوعاً أيضاً: أتاني جرئيل فقال لي: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية الحديث (4).
____________
(1) ـ أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازماً ببطلانه.
(2) ـ فيما أخرجه ابن كثير عند ذكر فضائل عثمان في حوادث سنة 35 ص 203 من الجزء السابع من كتابه «البداية والنهاية».
(3) ـ هذا الحديث باطل بالاجماع، وأولياء أبي هريرة يحيلون الآفة فيه على عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان أحد سلسلة سنده المتصلة بأبي هريرة، وقد اورده الذهبي في ترجمة عثمان بن خالد المذكور من ميزان الاعتدال وعده من منكرانه.
(4) ـ اخرجه ابن منده وقال: غريب تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني أهـ «قلت»: وقد نقل هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في آخر ترجمة السيدة ام كلثوم عليها السلام من الجزء الرابع من الاصابة وذكر انه غريب، وانه تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني فراجع
مركز الأبحاث العقائدية
https://t.me/wilayahinfo
[email protected]
2017-07-22