الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 23

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 23

قلنا : كربلاء !
قال : كرب وبلاء ،
ثم قعد على رابية وقال : يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على
ظهر الأرض ، لا يكون شهداء رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم .
والحسين نفسه ، حين نزل كربلاء ، تساءل :
[ 275 ] ما اسم هذه الأرض ؟
قالوا : كربلاء !
قال عليه السلام : كرب وبلاء .
وبعد حديث الغيب كان إحضار عينة من تربة كربلاء ، التي تكرر الحديث
عنها ، دعما من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لكل ذلك الحديث بمصداق ،
ونموذج ، من تربتها ، لتكون دليلا عينيا من دلائل النبوة ومعجزاتها
[ 213 ] ففي حديث علي : أن جبرئيل قال للنبي : هل
أشمك من تربته ؟
فمد يده فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها
وفي حديث أنس :
[ 217 ] فجاءه بسهلة ، أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة
فجعلته في ثوبها .
وفي حديث أبي أمامة :
[ 219 ] فخرج على أصحابه وهم جلوس . . . قال : هذه
تربته ، فأراهم إياها ( 1 )
ولأم سلمة – أم المؤمنين – شأن أكبر مع هذه التربة ، فقد روت حديثه بشئ
من التفصيل :
[ 221 و 222 ] . . فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وقال :
أخبرني جبرئيل : أن ابني هذا الحسين يقتل بأرض
العراق ، فهذه تربتها ،
أهل هذه المدرة يقتلونه .
بل زادها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرفا بأن استودعها تلك التربة ،
وكانت تحتفظ بها ، في ما روته ، قالت :
[ 223 ] كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في بيتي ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد ،
إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ،
وأومأ بيده إلى الحسين .
فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وضمه إلى
صدره ، ثم قال :
وديعة عندك هذه التربة ، فشمها رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ، وقال : ويح كرب وبلاء .
وقال : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني
قد قتل .
فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم
وتقول : إن يوما تحولين دما ليوم عظيم ( 1 )
وهذه التفاصيل اختصت بها أم سلمة من بين زوجات النبي .
أما حديث التربة فقد رواه غيرها من النساء أيضا :
فعائشة قالت :
[ 228 ] فأشار له جبرئيل إلى الطف بالعراق ، وأخذ تربة
حمراء ، فأراه إياها فقال : هذه تربة مصرعه .
وزينب بنت جحش روت :
[ 230 ] فأراني تربة حمراء .
وأم الفضل – مرضعة الحسين – قالت :
[ 232 ] وأتاني بتربة من تربته حمراء .
والعجيب في أحاديثهن ، كلهن ، وأحاديث من غيرهن ، أنها تحتوي على
جامع مشترك هو الحمرة لون الدم ، إلا أن حديث أم سلمة احتوى على تحول التربة
إلى دم في يوم عاشوراء .
فما هذه الأسرار التي تحتويها هذه الأخبار ؟
وما سر هذه التربة التي :
تفيض دمعة الناظر إليها ،
وتتحول إلى دم ،
ولها رائحة خاصة ،
وكان طيبها دليلا عليها لمن يهواها :
[ 346 ] فلما أجري الماء على قبر الحسين – في عصر
المتوكل العباسي – نضب بعد أربعين يوما ، وأمحى أثر
القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد ، فجعل يأخذ قبضة
ويشمها ، حتى وقع على قبر الحسين وبكاه ، وقال : بأبي
وأمي ما كان أطيبك ، وأطيب تربتك ميتا ، ثم بكى وأنشأ
يقول :
أرادوا ليخفوا قبره عن وليه ( 1 ) * فطيب تراب القبر دل على القبر ( 2 )
وتوحي الكرب ، والدم ، والقتل ، والبلاء !
وهل يمكن الاطلاع على تلك الأسرار إلا من خلال أنباء الغيب التي توحيها
السماء على سيد الأنبياء ؟
وإن من أعظم دلائل النبوة والإمامة ، تحقق تلك التنبؤات كلها .
ولا تزال تربة كربلاء ذاتها ، تتحول يوم عاشوراء إلى دم قان .
ولا يزال الموالون للحسين يعرفونها من رائحتها .
ولا زال تراب كربلاء ، يقدس ، ويتقرب إلى الله بالسجود عليه لطهارته
وشرفه عند الله ، ويتبرك به ويستشفى به ، لأن دم الحسين أريق عليه ، في سبيل
الله .
ولا زالت أرض كربلاء توحي المآسي والكرب والبلاء ، وتجري عليها
المصائب والآلام ، وتجري فيها أنهار الدماء
لأنها كرب وبلاء
29 – أصحاب أوفياء
صمم الإمام الحسين عليه السلام على الخروج إلى العراق ، ولم تثنه العراقيل
التي كانت على طول طريقه ، ولم تثبطه الاحتمالات ، بل ولا ما كان واضحا في
المنظور السياسي – ذلك اليوم – من شدة بطش الحكومة الأموية وعدم ارعوائها من
فعل كل مخالفة ، حتى الإبادة ، ولا غدر أهل الكوفة وتقاعسهم عن نصرته
بل سار يسوقه الواجب الإلهي المفروض عليه ، لكونه إماما للأمة ، يجب
عليه القيام تلبية ندائها ، لإتمام الحجة الظاهرة .
والمصير الغيبي الذي كان يعلمه هو ، يعلمه كل من سمع جده النبي يتحدث
عن كربلاء ، أو شاهده ، وشاهد أباه عليا ، يشمان تربتها ويتناولانها ، ويتعاطيانها ،
ويستودعانها ، كان هذا المصير يقود الإمام الحسين عليه السلام .
وأما من كان مع الحسين ، في مسيره :
فقد كان عليه السلام يصطحب معه جيشا يشير إليه ، ويستعرضه ، كلما
سئل عنه ؟ ألا وهي أكداس الرسائل وكتب الدعوة الموجهة إليه من الكوفة ، ممن
كان يعبر عن رأي عامة الناس ، من الرؤساء والأعيان .
إنه عليه السلام كان يعد تلك الأعداد من الكتب والرسائل جيشا ، يستحثه
المسير ، ويصاحبه ، وكان كلما عرضه على المتسائلين والمتشائمين ، بل
الناصحين ، أفحموا ، ولم يملكوا جوابا !
وليس الاستناد إلى هذا الكم الهائل من عهود الناس – وفيهم أصحاب
الزعامة ، والكلمة المسموعة – بأهون من الاعتماد على أمثالهم من الأشخاص
المجندين الحاضرين معه ، لو كانوا !
فإن احتمالات الخيانة والتخاذل في الأشخاص ، مثلها في أصحاب الرسائل
والعهود ، إن لم تكن أقوى وأسرع ! ؟
وغريب أمر أولئك الذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضرة ،
ويحذفون من حساباتهم الأمور غير المنظورة ، ويريدون أن يحاسبوا حركة الإمام
وخروجه ، على أساس أنه إمام عالم بالمصير ، بل لا بد أن يعرف كل شئ من
خلال الغيب ، فكيف يقدم على ما أقدم وهو عالم بكل ما يصير ؟
والغرابة في أن الإمام الحسين عليه السلام لو عمل طبقا لما يعلمه من
الغيب ، لعاب عليه كل من يسمع يسمع بالأخبار ويقرأ التاريخ ، أنه ترك دعوة الأمة
المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الكتب والعهود الواصلة إليه بواسطة أمناء
القوم ورؤسائهم ، واستند إلى احتمالات الخيانة والتخاذل ، التي لم تظهر بوادرها
إلا بالتخمين ، حسب ماضي هذه الجماعة وأخلاقهم . واعتمادا على الغيب الذي
لم يؤمن به كثير من الناس في عصره ومن بعده ، ولم يسلمه له غير مجموعة من
شيعته ! ؟
فلو أطاع الإمام الحسين عليه السلام أولئك الناصحين له بعدم الخروج ،
لكان مطيعا لمن لم تجب عليه طاعتهم ، وتاركا لنجدة من تجب عليه نجدتهم
كما أن طاعة أولئك القلة من الناصحين لم تكن بأجدر من طاعة الآلاف من
عامة الشعب ، الذين قدموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدموا له الطاعة والولاء !
وقبل هذا ، وبعده : فإن الواجب الإلهي ، يحدوه ، ويرسم له الخطط ، للقيام
بأمر الأمة ، فإذا تمت الحجة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأول والأساسي
للإمام على الإقدام ، دون الإحجام على أساس الاحتمالات السياسية والتوقعات
الظاهرية ، وإنما استند إليها في كلماته وتصريحاته لإبلاغ الحجة ، وإفحام
الخصوم ، وتوضيح المحجة لكل جاهل ومظلوم ( 1 )
وأما ظاهريا :
فقد كان في قلة من الناس ، وهذا يوجب القلق ، في الوجه الذي سار فيه
الإمام
[ 262 و 265 ] قال زهير بن شداد الأسدي – من أهل الثعلبية
التي مر بها الحسين عليه السلام في طريقه إلى الشهادة – :
أي ابن بنت رسول الله ، إني أراك في قلة من الناس ، إني
أخاف عليك ،
فأشار بسوط في يده – هكذا – فضرب حقيبة وراءه ، فقال :
إن هذه مملوءة كتبا ، هذه كتب وجوه أهل المصر ! .
وقد كان أصحاب الحسين عليه السلام من القلة بحيث قد عدهم التاريخ
كما ، عدا بأسمائهم ، وقبائلهم ، وأعيانهم ،
فكان معه من بني هاشم عدة معروفة ، كما في الحديث :
[ ص 204 ] بعث الحسين إلى المدينة ، فقدم عليه من خف
معه ، من بني عبد المطلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء
وصبيان من إخوانه ، وبناته ونسائهم ( 1 )
ويقول الحديث الآخر عن الذين استشهدوا معه عليه السلام من الهاشميين
[ 284 ] قتل مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ( 2 )
والحسين عليه السلام هو السابع عشر ، والذين خرجوا من المعركة أحياء هم
اثنان فقط ، أحدهما : علي زين العابدين ، والآخر : الحسن المثنى ، اللذان ارتثا ( 3 )
في المعركة ، وأخذا مع الأسرى .
وأما العدد الإجمالي لمجموع الذين حضروا مع الإمام في كربلاء ، فقد جاء
في الحديث
[ ص 205 ] فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته ، وستين
شيخا من أهل الكوفة ( 1 )
وجاء في بعض المصادر المتخصصة ذكر من حضر مع الحسين في
كربلاء وعددهم يتجاوز المائة بقليل .
أما الذين قتلوا معه ، فقد أحصوا بدقة ، وسجلت أسماؤهم في كتب
الأنساب والمقاتل ( 147 ) والمشهور أن مجموع من قتل معه هم ( 72 ) شهيدا ( 3 )

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...