الرئيسية / الاسلام والحياة / الطريق إلى الله تعالى للبحراني

الطريق إلى الله تعالى للبحراني

24

ودفع هذه التسويلات بأن ذلك لو كان راجحاً على الإطلاق ، لما اختار الله إخفاء سرّه عنهم ، وخصّه بخزنة سرّه ، إذ الحكيم لا يترك الأرجح ولا يفعل إلا الأكمل.
فعلم من ذلك أنّ في الإظهار إفساداً لهم ومنافاةً للحكمة ، فأنت أيضاً كن مقتدياً بربك في مراعاة الحكمة ، واجتناب ما فيه الفساد ، فإنّ مقصدها فاسدٌ ، وإنما أبدته في صورة الصلاح ، وقد قال مولانا علي بن الحسين (ع) للزهري :
وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كل ما أسمعته نكراً ، أمكنك أن توسعه عذراً . البحار : 71/156..
وفي المنسوب إليهم (ع ) شعرا :
ان لاكتم من علمي جواهره —– كي لا يرى العلم ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا ابو حسن —– الى الحسين واوصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم لو ابوح به —– لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي —– يرون اقبح ما ياتزنه حسنا

 

وهو مشهورٌ ، والأخبار الواردة في مدح كتم السرّ ، وذمّ الإذاعة في غاية الكثرة.
والمتحصّل منها أنّ الإنسان بعد أن يكون الغالب عليه حبّ الكتم وكراهة الإفشاء ، ينظر بعين العقل ، حين وجد مقاماً للإظهار أظهر بمقدار الضرورة ، متحرّياً في ذلك امتثال أمرهم (ع) بقولهم : لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .البحار : 2/78 ..

واعلم أنّ صفة كتم السرّ تشتمل على أمرين :
أحدهما : كون المؤمن ذا سرّ.
والثانية : أن تكون له ملكة الإخفاء والكتم ، بحيث لا تغلبه نفسه على الإفشاء والإذاعة.
وهذا الكلام كلّه في الثاني ، وأما الأول فيكفي فيه ما قاله الصادق (ع) يوماً للمفضل بن صالح :

يا مفضل !.. إنّ لله عباداً عاملوه بخالص من سرّه ، فعاملهم بخالص من برّه ، فهم الذين تمرّ صحائفهم يوم القيامة فرغاً ، فإذا وقفوا بين يديه ملأها من سرّ ما أسرّوا إليه.
فقال المفضل: يا مولاي ، ولِمَ ذلك ؟..
فقال: أجلّهم أن تطّلع الحفظة على ما بينه وبينهم.
قال شيخنا أبو العباس أحمد بن فهد في ( عدة الداعي ) بعد ذكره لهذا الحديث الشريف : لا تغفل عن هذه المقامات الشريفة ، التي هي أنفس من الجنة . [ عدة الداعي : 194 ].. (3)

 

(3)أن يكون المؤمن ذا سر في الحياة ، من الأمور التي غفل عنها عامة الخلق ، فإنهم اكتفوا بعمارة الدنيا ، من دون أن يكون لهم سعي متميز لما يحقق لهم سعادة الأبد.. إن على كل مؤمن – يعتقد بحياة أخرى تتجلى فيها ثمرة الأعمال – أن يحمل همّاً خاصّاً في مجال تحقيق صلة متميزة مع ربه والتي تعتبر هي المحور في كل نشاطاته.. ومن الواضح أن طبيعة هذه الصلة تختلف من عبد إلى عبد ، بحسب ما أوتي من قابليات يمنحها له رب الوجود ، إلى أن يصل الأمر إلى حبيبه المصطفى (ص) الذي كان مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل.( المحقق )

 

وأنا أقول بهذا المعنى يقـول القائل ، وقد أجاد إذا أراد هذا المراد :
قلوب العارفين لها عيون —– ترى ما لا يراه الناظرونا
والسنة باسرار تناجي —– تغيب عن الكرام الكاتبينا
وافئدة تطير بلا جناح —– الى ملكوت رب العالمينا

فهذا ما يتعلق بالسنّة الأولى .

والثانية : هي مداراة الناس .
وهي السنّة عن النبي (ص) ، وقد قدّمنا لك عن علي (ع) : أنّ أحبّ الخلق إلى الله من تأسّى بنبيه.
كما وحكمتها كحكمة كتمان السرّ ، بل كتمان السرّ على ما فسّرناه نوعٌ من أنواع مدارة الناس.

شاهد أيضاً

(( هَلَّ الْمُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ )) – قصيدةٌ من ديوان مدائح الأطهار

(( هَلَّ الْمُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ )) – قصيدةٌ من ديوان مدائح الأطهار . يمكنكم الانضمام ...