34
شرح قوله عليه السلام (وأنهمرت المياه من الصمّ الصياخيد عذباً وأجاجاً)
وصل بنا الموقف الى مقطع يتحدث عن ابداعه تعالى لمختلف ظواهر الكون من ليل ونهار وشمس ومطر والخ، وبالنسبة الى الماء نجد عبارة تتحدث عن الماء من خلال ربطه بما هو مضاد له حيث قال الدعاء عن الله تعالى وابداعه لظاهرة الماء (وانهمرت المياه من الصم الصياخيد عذباً وأجاجاً) …
هذه العبارة يجدر بنا ان نقف عندها لملاحظة ما تقترن بها من نكات متنوعة … فماذا نستخلص منها؟
لقد حدثناكم عن ظواهر متنوعة مثل الفلق والغسق ونحوهما، ولاحظنا ان كل ظاهرة ابداعية قد ربطها الدعاء باحد مصاديق عظمة الله تعالى، وذكر جانباً من معطياتها.
وحين نتجه الى العبارة التي نتحدث عنها الان نجد ان المعطيات التي يرسمها الدعاء مشفوعة بعظمة الله تعالى الابداعية تتمثل في ان الله تعالى قد اجرى الانهار او المياه من خلال ما اسماه الامام(ع) بالصم الصياخيد فهي جمع للصيخد أي ما هو شديد الحر.
لذلك نستخلص من معنى الكلمتين المتقدمتين ان ثمة صخوراً او احجاراً صلبة متماسكة وليس رخوة او لينة، وان ثمة صخوراً او احجاراً شديدة الحر نتيجة لطبيعة المناخ الذي يحيط بها .. هذه الصخور او الاحجار قد اجرى الله تعالى المياه منها … هذا جانب والجانب الاخر ان هذه المياه التي اجراها الله تعالى ذات نمطين العذب والاجاج، الي المالح والسؤال الان هو: ما هي النكات التي ينبغي ان نستخلصها مما تقدم؟
النكتة الاولى تتمثل في التساؤل عن الصخور او الاحجار المتمثلة في كونها صلبة ومتينة … والنكتة الثانية هي انها شديدة الحر.. ويترتب على ما تقدم ما يلي:
1- الماء الذي يتسم بكونه سائلاً لا مادة اكثر منه خاوة وليونة وسيولة هذا الماء قد اجراه الله تعالى من خلال مادة مضادة لها تماماً هي الاحجار او الصخور وأنها احجار وصخور؟ ليست عادية في درجة تماسكها وصلابتها بل هناك ما هو الصلب والمتين والمتماسك.
2- يتسم الماء كما هو واضح بكونه في احد نمطين عذباً ويتسم بكونه من جانب آخر بارداً في طبيعة مادية.
الآن اذا كان الصلب والحار من الصخور هو ما ينشق من خلاله ما هو رخو وبارد حينئذ الا يشكل هذا اعجازاً…
لكن لندع الاعجاز الان ونتجه الى المعطيات فماذا نجد؟ تتجسد المعطيات بوضوح في ظاهرة الماء ذاته حيث يقول النص القرآني الكريم(وجعلنا من الماء كل شيء …)، هذا من جانب ومن جانب آخر اشار الدعاء الى نمطي الماء العذب والاجاج…
طبيعياً كل نمط له معطياته الخاصة به وهي ظواهر يحدثنا الكيمائيون عنها وكفى …
لكن ما ينبغي لفت الانتباه عليه هو ان الدعاء يستهدف الموضوعية الابداعية من جانب وهو احد وجوه العظمة لله تعالى، والرحمة من جانب آخر حيث لا تنفصل الرحمة عن القدرة بصفة ان القدرة اذا لم تعجن بالرحمة تلغى فاعليتها وهذا ما تحرص النصوص الشرعية عليه حينما لا تفصل بين ما هو ابداع وبين ما هو منطوٍ على الخير والعطاء والنعمة ….