12 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري
9 أكتوبر,2019
صوتي ومرئي متنوع, قصص وعبر
719 زيارة
الفصل الحادي عشر
بعد إكمال صلاة الصبح وتناول إفطار الصباح، طلبت هدى مباشرة من زوجها بحث موضوع الفرقة الناجية بإصرارٍ وإلحاحٍ شديدين.
علي: عزيزتي هدى، هذا الموضوع حسّاسٌ جداً، فالرجاء تأجيله لوقتٍ آخر بعد شهر العسل، لكي يدوم هذا الودّ والوئام والصفاء بيننا.
هدى: وهل تضمن لي البقاء على قيد الحياة إلى ذلك الوقت؟
علي: أطال الله في عمركِ وسلمكِ مِنْ كلّ سوء، وأبقاكِ لي زوجة وحبيبة.
هدى: أعتقد بأنك لو طرحتَ هذا الموضوع في أول لقائِنا، لكان مِنَ الصعب جداً عليّ تقبّله، أما الآن وبعد كلّ حواراتنا السابقة، فقد ذهبتْ اتهامات الوهابية مِنْ نفسي، لأني وجدتكم تستدلـّون على كلّ حركةٍ أو قولٍ تأتونه بالقرآن والسنة، فلا أتصوّر وجود حساسية بعد الآن.
علي: لكني لا زلتُ أرجّح تأجيلَ هذا الموضوع.
هدى: دعني أسهّل عليك الأمر، فانتصاراتكم في إيران والعراق ولبنان واليمن، واندحار الوهابيين والدواعش والطالبان والقاعدة، عرَّفني كثيراً مِنَ الحقيقة.
علي: وكيف ذلك؟
هدى: ألم يقلْ اللهُ في كتابه الكريم: (وما النصر إلا من عند الله)، وقال جلّ وعلا:(واللهُ يؤيدُ بنصرهِ مَنْ يشاء).
علي: هذا صحيح.
هدى: وقال سبحانه أيضاً: (إنْ تنصروا الله ينصركم).
علي: وهذا صحيح أيضاً.
هدى: إذن فأنتم قد نصرتم الله حقاً، لذلك أنزل الله نصره عليكم.
علي: ما شاء الله، إنه استنتاج لطيف، ورغم ذلك اعذريني إذا أجلنا بحثه.
هدى: عزيزي علي، أشعر بأني قد سِرْتُ معك في مِشوار الهداية شوطاً كبيراً، فلا تتركني في منتصف الطريق.
علي: حبيبتي هدى، تعلمين مدى حبّي لكِ، وإنما أطلبُ تأجيله خوفاً على هذا الحبِّ أنْ يُصبح خافتاً وباهتاً.
هدى: لا أتصوّر أنّ طرحه يقلل العلاقة بيننا.
علي: ولكن تجربتي مع أحبّ أصدقائي مِنْ أهل السنة جعلتْ العِلاقة تقلّ.
هدى: هناك موضوع آخر ساعدني في تبنِّي قناعاتٍ جديدةٍ لم أكنْ أؤمن بها سابقاً.
علي: وماذا تقصدين؟
هدى: حينما أتلو قوله تعالى: (لتجدنّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود) وأتدبّر فيها، أشعرُ بأنكم المقصودون بـ (الذين آمنوا) فيها.
علي: وكيف ذلك؟
هدى: لأنّ علاقة إسرائيل مع غير الشيعة مِنَ الدول العربية والإسلامية أو الجماعات الوهابية، هي علاقات صداقة حميمة ظاهرية أو سرية، بل تداوي جرحاهم في مستشفياتها، بينما علاقتها معكم على العكس تماماً، فهي شديدة العداوة لإيران والعراق وسوريا ولبنان وحزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي.
علي: كلّ هذا سيذهب أدراج الرياح، إذا بحثنا عن الفرقة الناجية، فاتركيه رجاءً.
هدى: عزيزي علي، سأضيف لك موضوعاً آخر أدركته مِنْ آيات القرآن أيضاً، لعلك تتساهل معي فتدخل في بحث الفرقة الناجية.
علي: وما هو؟
هدى: قال تعالى في سورة الإسراء: (فاذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا)، وقناعتي بأنكم المقصودون بالعباد الذين سيبعثهم الله لتحرير فلسطين.
علي: ومِنْ أين جاءتكِ هذه القناعة؟
هدى: لأني شاهدتُ الجميع قد تخلـّوا عن فلسطين، إلا الشيعة من إيران إلى حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي، فهم الوحيدون الذين يرفعون راية تحرير فلسطين، وذلك بدعم حركات المقاومة الفلسطينية بما يحتاجونه مِنْ مال وسلاح وإعلام.
علي: إذا كانتْ لديكِ مثل هذه القناعات، فلماذا تطلبين مني بحث الفرقة الناجية؟
هدى: أريدُ أنْ أعرفَ هل عيّن النبي ص الفرقة الناجية، أم ترك الأمة تخبط خبط عشواء، وأستغفر الله مِنْ قولي هذا؟
علي: حاشا رسولَ الله ص أنْ يترك أمّته دون أنْ يبيّن لها الطريق الصحيح، وهو الحريص على هدايتهم (عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم).
هدى: لا أشكّ في ذلك مطلقاً، وقد بعثه الله رحمة للعالمين، فهل يُعقل أنه لا يوضّح في أحاديثه الفرقة الناجية مِنْ تلك الفِرَق الكثيرة؟
علي: إذن فاصغي إليّ جيداً مِنْ فضلكِ، لقد مرّ بنا سابقا حديث الثقلين، وقد أوضح فيه النبي ص أنّ المتمسّكَ بالقرآن وبالعترة مِنْ أهل بيت النبي ص، سوف لا يَضِـلُّ أبداً، وقد صحّحه الألباني وردّ بشدةٍ على مَنْ ضعّفهُ.
هدى: صدقتَ، فهو حديثٌ مهمٌ جداً في الباب، ولكني أريدُ المزيدَ كي يطمئنّ قلبي.
علي: يوجد حديثٌ آخر يُصرِّحُ فيه النبي ص بأنّ النجاة في اتِّباع أهل البيت ع.
هدى: (بلهفةٍ وشوق) وما هو؟
علي: (مثلُ أهل بيتي كسفينةِ نوح، مَنْ ركبها نجى ومَنْ تخلـّف عنها غرق وهوى).
هدى: (تصيبها قشعريرة مِنْ سماع هذا الحديث) لا إله إلا الله، ما أروع هذا الحديث (مَنْ ركبها نجا)، و(مَنْ تخلف عنها غرق وهوى).
علي: وهذا الحديث يحلُّ لغز حديث افتراق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة ناجية.
هدى: حقاً إنه يُعيِّنُ الفرقة الناجية، والعجيب في هذا الحديث أنه يشبِّه أهلَ البيت بسفينة نوح، ومعلومٌ بأنّ مَنْ لم يركبْ سفينة نوح فقد غرق، حتى لو كان ابن نوح.
علي: أحسنتِ، وهذا الحديث يؤكد نفس ما وضّحه حديث الثقلين، ففيه مَنْ تمسّك بهم لا يضلّ، وفي حديث السفينة مَنْ لم يركبْ سفينتهم يغرق في بحار الضلال.
هدى: وما أجمل تشبيه النبي ص أهل بيته بسفينة نوح، وكأنه يقول لنا: كما أنه لم يكن وقتَ الطوفان ملجأ في الأرض إلا سفينة نوح، كذلك بالنسبة لأهل بيته، فإنه لا ملجأ مِنَ الضلال سوى ركوب سفينتهم، ولكنك لم تذكر لي مصادر هذا الحديث.
علي: عفواً، نسيتُ ذكرها، فقد رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج2 ص343 وصحّحه على شرط مسلم، والطبراني في المعجم الصغير ج1 ص139، وج2 ص22، وأبو نعيم في حلية الأولياء ج4 ص306، والصواعق المحرقة لابن حجر ص234 و236، والدر المنثور للسيوطي ج3 ص334 ذيل آية 58 من البقرة، وكنز العمال ج12 ص94 حديث 34151، وص95 حديث 34170، ومشكاة المصابيح ج3 ص265، وروح المعاني للآلوسي ج25 ص29 و32.
هدى: وهل صحّحه أحدٌ غيرُ الحاكم؟
علي: قال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ج2 ص675 طبع مؤسّسة الرسالة: (وجاء مِنْ طرق كثيرة يقوّي بعضها بعضاً، مثل أهل بيتي، وفي رواية: إنّما مثل أهل بيتي، وفي اُخرى: إنّ مثل أهل بيتي، وفي رواية: ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه مَنْ ركبها نجا ومَنْ تخلـّف عنها هلك، وفي رواية: مَنْ ركبها سلم ومَنْ تركها غرق، وأنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، مَنْ دخله غفر له…).
وقال الحافظ السّخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف ج2 ص484 حديث 220 طبع دار البشائر الإسلامية: (وبعض هذه الطرق يقوّي بعضاً).
هدى: لا إله إلا الله، وسبحان الله، تارة يشبههم بسفينة نوح وتارة بباب حطة في بني إسرائيل، لكني أتصور بأنه لو ذكركم النبي ص بالاسم، وقال بأنّ الشيعة هم على الحق، لانحلتْ المشكلة تماماً، ولما تخلـّف عنكم أحدٌ قط، ولكفانا البحث والتنقيب.
علي: لمّا نزل (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)، قال رسول الله ص: (يا علي، هم أنت وشيعتك)، وروتْ بعضُ المصادر تتمّة هي: (تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين).
هدى: لقد كنتُ أمزح معك يا عزيزي، وما كنتُ أتصور بأنّ النبي ص قد ذكر الشيعة بالاسم مطلقاً، وإذا بها حقيقة ثابتة، ولكن أرجو ذكر مصادره.
علي: رواه الطبري في تفسيره ج30 ص146، والسيوطي في الدر المنثور ج6 ص379، والشوكاني في فتح القدير ج5 ص464، والمناوي في كنوز الحقائق ص82 و92، والبلاذري في أنساب الأشراف ج2 ص182 رقم 215، وجواهر العقدين ص18، وكنز العمال ج6 ص403، ومجمع الزوائد ج9 ص131.
هدى: لكني درستُ بأنّ الشيعة فرقة ظهرتْ بعد مقتل الحسين، فأيهما نصدِّق؟
علي: نُصدِّق النبيَّ ص الذي ذكرهم بالاسم، وأعطى العلامة بأنهم شيعة علي ع.
هدى: (تفكر في جواب زوجها) أحسنتَ أحسنتَ، فباقي الأقوال هي آراءٌ لِكُتَّابٍ ومؤرّخين وليستْ أحاديث نبوية، بينما هذا القول هو حديثٌ نبويّ.
علي: وواجبنا هو اتِّباع السنة النبوية.
هدى: صحيح، ولكن بماذا تميَّز مذهبكم عن باقي المذاهب لِيُصبح الفرقة الناجية؟
علي: هناك أمور نظرية ثابتة في الدين، وأحاديث صحيحة واردة عن النبي ص، أجمع عليها كلُّ المسلمين سنة وشيعة، ولكن في التطبيق والعمل لا تجدينها موجودة إلا عند فرقةٍ واحدةٍ، اعتقدتْ بها والتزمتْ بها عملياً، وهم الشيعة.
هدى: عموم كلامك مفهومٌ لديّ، وإنْ كنتُ لا أعرف تفصيلاً ماذا تريد أنْ تقول، ولكني فهمتُ مرادَك، وهو أنّ هذه الفرقة التي طبّقتْ عملياً ما آمن به جميع المسلمين نظرياً، هي على الحقّ وهي الناجية.
علي: هذا ما أردتُ بيانه بالضبط والدقة.
هدى: فاشرح لي بالتفصيل ما هي الأمور الثابتة نظرياً لدى جميع المسلمين، وقد طبَّقتها عَمَليّاً فِرقة واحدة منهم فقط وهي الشيعة.
علي: مثلاً ورد عن النبي ص: (الأئمة أو الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش).
هدى: مهلاً مهلاً، أثبتْ لنا أولاً بالدليل الواضح والبُرهان القاطع، بأنّ المسلمين قد أجمعوا على رواية هذا الحديث.
علي: لقد ورد هذا الحديث في أصحّ الكتب عندكم، وهما البخاري ومسلم.
هدى: أمرٌ غريبٌ جداً، أتقول بأنه في الصحيحين؟؟؟ !!!
علي: نعم، فقد رواه البخاري في صحيحه ج9 ص147 كتاب الأحكام حديث 79: (عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ النبي ص يقول: يكون بعدي اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش).
وفي صحيح مسلم ج3 ص1453 كتاب الإمارة حديث 1821، روى بسبعة طرق أنّ النبي ص قال: (إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة …. كلهم من قريش).
وروى مسلم في صحيحه ج3 ص1453 حديث 1822 أنه ص قال: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
وفي مسند أحمد بن حنبل ج1 ص389 و406 بطريقين: (هل سألتم رسول الله ص كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ …. فقال ابن مسعود: نعم سألنا رسول الله ص فقال: اثنا عشر كعدّة نُقباء بني إسرائيل).
هدى: إنه لتدهشني هذه الحقائق التي تكشفها لي، وكأني جئتُ من عالم آخر، ثم قلْ لي الآن: بعد ثبوتِهِ لدى المسلمين، فماذا تريد أنْ تقول؟
علي: أقول: لا توجد فِرقة مِنَ المسلمين تؤمنُ عملياً بوجود اثني عشر خليفة بعد النبي ص إلا الشيعة.
هدى: أتريد أنْ تقول بأنه ما دُمتم الوحيدون الذين تؤمنون عملياً بما ثبتَ عند المسلمين نظرياً، فأنتم الفرقة الناجية؟
علي: نعم، فقد ثبتَ عن النبي ص أنه توجد فرقة واحدة ناجية، وثبتَ عنه أنّ الخلفاء بعده اثنا عشر، ولا توجد فرقة غير الشيعة تؤمن باثني عشر خليفة بعد النبي ص.
هدى: هذا أمرٌ محيّرٌ للعقل، وماذا لديك مما ثبتَ لدى المسلمين وآمنتم به عملياً؟
علي: وردتْ أحاديثٌ كثيرة جداً بل متواترة، في كتب السنن والمسانيد في باب أشراط الساعة، عن ظهور المهدي ع في آخر الزمان، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلِئتْ ظلماً وجوراً.
هدى: صحيح، لقد صادفتني تلك الأحاديث خلال مطالعاتي، ولكن لم أكن أتصوّر بأنها متواترة، فهل هناك مَنْ صرّح بتواترها مِنْ علمائنا؟
علي: نعم، قال ابن حجر في صواعقه ص162 – 167: (والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة ومتواترة).
وقال عبد الحق في اللمعات حاشية صحيح الترمذي ج2 ص46: (قد تظاهرت الأحاديث البالغة حدّ التواتر، في كون المهدي من أهل البيت من ولد فاطمة).
وقال السويدي في سبائك الذهب ص78: (الذي اتفق عليه العلماء أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت، وأنه يملأ الأرض عدلاً والأحاديث في ظهوره كثيرة).
هدى: ما شاء الله، وسبحان الله !!!
علي: والفرقة الوحيدة التي تؤمن بالإمام المهدي وتنتظره هي الشيعة.
هدى: كيف علمتَ بأنّ الشيعة وحدهم يؤمنون بالمهدي؟
علي: لأني لم أسمع شيخاً ولا عالماً ولا مدرّساً ولا واعظاً بل ولا فضائية مِنْ غير الشيعة، تذكرُ الإمامَ المهدي ع وأنه سيظهر في آخر الزمان.
هدى: صدقتَ، فلقد تذكرتُ الآن بأنّ أساتذتي الوهابية في الدورة الصيفية، كانوا يهزؤون مِنْ فِكرة الإمام المهدي المنتظر، ويُسخـِّفون عقلَ مَنْ يؤمن بها، بل يهاجمون كلَّ مَنْ يعتقد بها، ويَسِمُونَهُ بقلة العقل والإيمان بالخرافة.
علي: فلمّا وجدنا أحاديثَ النبي ص أخبرتْ بظهور المهدي ع، ولا توجد فرقة تؤمن عملياً بالمهدي ع وتنتظره غير الشيعة، فهو دليلٌ على أنّ الفرقة الناجية هي الشيعة.
هدى: ولكنْ لماذا يجب انتظاره؟
علي: لو كان لديك مريضٌ عزيزٌ كولدكِ، وهو مُشْرفٌ على الموت، وقيل لكِ: إنّ هناك طبيبٌ حاذقٌ في الصين يستطيع إنقاذ ولدك من الموت، وهو قادمٌ بعد شهر إلى بلدكم، فهل ستنتظرين قدومه؟
هدى: طبعاً سأنتظره بفارغ الصبر، ولكنْ ما علاقة ذلك بالإمام المهدي؟
علي: ألم يخبرنا ص أنّ المهدي سيملأ الأرض عدلاً بعدما مُلِئتْ ظلماً وجوراً؟
هدى: هذا صحيح.
علي: واليوم ألم ينتشر الظلم والجور والقتل والتدمير والتفجير في كلّ البلدان؟
هدى: وهذا صحيح أيضاً.
علي: هل تتمنينَ زوالَ الظلم، خصوصاً لو كنتِ في بلدٍ غزاه المحتلّ الكافر، فهجّر أهله وقتل رجاله وأسَرَ نساءه، كما يحدث في فلسطين واليمن وميانمار وغيرها؟
هدى: لا شكّ بأني عندها سوف أتمنى زوالَ هذا الظلم اليومَ قبل الغد.
علي: وهل تنتظرين بفارغ الصبر مَنْ يُزيل عنكِ هذا الظلم، كما كنتِ تنتظرين الطبيب المعالج لِولدِكِ؟
هدى: فهمتُ الآن سببَ انتظاركم للمهدي.
علي: ولكن لماذا لا ينتظره باقي المسلمين، وقد أخبرهم النبي ص بأنه هو الذي سيزيلُ الظلم عن العباد، وينشر العدل في البلاد؟
هدى: لا أعلم، وهذا سؤالٌ جديرٌ بالاهتمام، ويجب أنْ يُجيب عنه المسلمون، ولكنْ ما دام الأمر بهذه المرتبة مِنَ الأهمية، فلماذا لم يَرِدْ عن النبي ص الأمر بانتظاره؟
علي: بل وردتْ أحاديث من طرقِنا وطرقِكم، تحثّ على انتظار الفرج، واعتبرته مِنَ العبادات ذات الثواب الكبير.
هدى: سبحان الله، كنتُ أتصور بأنّ فكرة انتظار فرج المهدي هي فكرة شيعية، فأرجو منك ذكر بعض الأحاديث في ثواب الانتظار.
علي: روى الترمذي في سننه ج5 ص225 حديث 3642، عن النبي ص أنه قال: (أفضل العبادة انتظار الفرج)، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج10 ص147، والطبراني في المعجم الأوسط ج5 ص230، والمعجم الكبير ج10 ص101 حديث 10088، والسيوطي في الجامع الصغير ج1 ص192 حديث 1283.
هدى: ربما تمرّ علينا خلال مطالعاتنا مثل هذه الأحاديث، لكن لا نفهم معناها، ولا نربطها بباقي الأحاديث كما تفعل أنت في هذا الحوار، والآن هل هناك شيء آخر يميّز مذهبكم عن باقي الفرق والمذاهب؟
علي: هناك ميزات كثيرة، ولكني أعتقد بأنّ أهم ميزة وعلامة يتميّز بها الشيعة عن غيرهم، هي اتـِّباعهم لأهل البيت ع، وأخذهم معالم دينهم عنهم.
هدى: قيل في الأمثال: (ثبِّتْ العرش ثم انقش)، فيجب أولاً: إثبات وجوب اتـِّباعهم، وثانياً: أنكم تتبعون أهل البيت، وثالثاً: أنّ باقي الفرق الإسلامية لا تتبع أهل البيت، علماً بأنّ أساتذتي كانوا يعتقدون بأنهم يتبعون أهل بيت النبي ص أكثر مِنَ الشيعة.
علي: أشكرك كثيراً يا عزيزتي، لأنك سهّلتِ عليّ طريقَ الإجابة.
هدى: والشكر لك أيضاً يا عزيز قلبي.
علي: أمّا إثبات وجوب اتـّباع أهل البيت ع، فقد دلتْ عليه أحاديث كثيرة، وأهمّها وأشهرها حديث الثقلين الذي مرّ علينا سابقاً، والذي ورد بشكلٍ صحيحٍ بل متواتر.
هدى: هل يُمكن لكَ إعادته عليّ كي أتذكره جيداً؟
علي: قال النبي ص: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) وفيه تتمة روته مصادر كثيرة هي: (وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، والسؤال: ما معنى التمسّك بالكتاب وبأهل البيت.
هدى: ولكنـّا نحبُّ أهلَ بيت النبي ص حباً جمّاً.
علي: أرجوك أنْ تنتبهي لما ورد في الحديث، فهل ورد فيه ذكرٌ لِحبِّ أهل البيت؟
هدى: (تتدبر في كلمات الحديث) كلا لم يرد فيه ذِكرٌ لحبِّ أهل البيت.
علي: فما هو موضوعه في نظركِ؟
هدى: التمسك بالقرآن وبأهل بيت النبي ص.
علي: لو سألك سائل: كيف تتمسكين بالقرآن؟
هدى: أطبّقُ أوامرَه وأنتهي عن نواهيه وأطيعه بشكل تام ومطلق.
علي: وكيف تتمسكين بأهل البيت؟
هدى: (تبتسم لأنها فهمتْ مُرادَ علي مِنْ أسئلتِهِ وتذكرتْ حوارَهُ سابقاً عن هذا الموضوع) نعم بتطبيق أوامرهم والانتهاء عن نواهيهم أيضاً.
علي: وطاعتهم بشكل تام ومطلق.
هدى: صحيح، لأنّ الأمر بالتمسّك بهم وبالقرآن ورد في عبارةٍ واحدة وفِعلٍ واحد (ما إنْ تمسكتم بهما).
علي: وماذا تفهمين من قوله ص في الحديث: (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)؟
هدى: إنّ أوامرهم ونواهيهم مطابقة لأوامر القرآن ونواهيه.
علي: لو كانتْ أوامرهم لا تطابق القرآن، فهل يبقون لا يفترقون عن القرآن؟
هدى: لو لم تتطابق أوامرهم ونواهيهم مع القرآن، فمعناه أنهم افترقوا عن القرآن.
علي: وهل يُمكن أنْ يفترقوا عن القرآن؟
هدى: حسب هذا الحديث، لا يمكن أنْ يفترقوا عن القرآن في أيّ أمر أو نهي.
علي: وإذا تمسكنا بهم وبالقرآن فهل يمكن أنْ نضلّ عن الحق في وقتٍ مِنَ الأوقات؟
هدى: حسب الحديث، لا يُمكن أنْ نضلّ أبداً إذا تمسكنا بهم وبالقرآن.
علي: هذا معنى أنّ القرآن أو قول أهل البيت حُجّة، يجب علينا اتـّباعهما وطاعتهما.
هدى: صدقتَ يا عزيزي، واعتذرُ منكَ إذا كنتُ لا أستوعب هذه المطالب بسرعة، لأنها تطرُقُ مسامعي لأول مرة، فلابد من التكرار لتستقرّ في قلبي.
علي: هذا أمرٌ طبيعي في كلِّ أمر جديد يسمعه الإنسان، فلا داعي للاعتذار.
هدى: بعد إثبات النقطة الأولى وهي وجوب اتباع أهل البيت، بقيَ أنْ تثبت بأنكم متـِّبعون لهم، وأنّ غيرَكم مِنَ الفِرق والمذاهب غير متبعين لهم.
علي: هناك طريقان لإثبات هذين الأمرين، أحدُهما صعبٌ جداً، وهو أنْ نتتبع الأحكام الشرعية واحدة واحدة، ثم ننظر إلى رأي أهل البيت ع فيها، ثم نثبت اتباعنا لها، وعدم اتباع غيرنا إياها.
هدى: فما هو الطريق الثاني الأسهل؟ اِعرضه علينا لنراه.
علي: إقرارُ علمائكم واعترافهم بأنّ الشيعة يتبعون أهل بيت النبي ص، وأنّ غير الشيعة لا يتبعون أهل البيت ع، هو الطريق الأسهل.
هدى: وهل تريدني أنْ أصدّق بأنّ علماءنا يقرّون بأنهم لا يتبعون أهل البيت، بينما سمعتُ مراراً مِنْ أساتذتي بأنّ الشيعة لا يتبعون أهل البيت، وأننا نحن أهل السنة الذين نتبع أهل البيت حقاً.
علي: لِننظر إلى أقوال العلماء، ونرى بعد عرض أقوالهم أين تكمن الحقيقة.
هدى: تفضل واذكر أقوالهم بسرعة.
علي: يقول الزركشي في البحر المحيط ج6 ص450 المسألة السادسة [إجماع أهل البيت]: (إجماع أهل البيت ليس بحُجّة، المراد بهم: علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم، خلافاً للشيعة، وبالغوا فقالوا: قول عليٍّ حُجة).
هدى: ما هذا الهُراء الذي يقوله؟
علي: مفهوم كلامه هو أنّ الشيعة اعتبروا إجماعَ أهل الكساء حُجّة، بل اعتبروا قول الواحد منهم حُجّة، واعتبر هو هذا الكلام باطل ومُبالغ فيه، وأنّ الصحيح عنده عدم حجية إجماعهم، فضلاً عن قول أحدهم.
هدى: لكنّ قولَ واحد مِنْ علمائنا لا يُمثل أقوالَ الجميع ولا يُعبِّر عن رأينا.
علي: صحيح، فيجب البحث عن أقوال باقي علمائِكم، يقول أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي في كتابه (التبصرة في أصول الفقه) ص368: (اتفاق أهل بيت رسول الله ليس بحجة، وقالتْ الرافضة: هو حجة ….- إلى أن يقول: – وهذا يدلُّ على أنه إذا ترك علياً ع وقلد غيره يكون مهتدياً).
هدى: كيف يكون مهتدياً مَنْ يترك أهلَ البيت، الذين أمر النبي ص بالتمسّك بهم لكي لا نضل أبداً؟ ولكني أعتقد بأنه ليس مِنَ الإنصاف أنْ تذكر أقوال النكرات من علمائنا، وتترك المشهورين منهم.
علي: سمعاً وطاعة يا سيدتي، استمعي لما يقوله الفخر الرازي في كتاب (المحصول) ج4 ص169: (إجماع العترة وحدها ليس بحجة، خلافاً للزيدية والإمامية، لنا أنّ علياً رض خالفه الصحابة في كثير مِنَ المسائل، ولم يقلْ لأحدٍ مِمَّن خالفه: إنّ قولي حُجّة فلا تخالفني).
هدى: (مندهشة مما تسمع) ألا يوجد عالمٌ مِنا له غير هذا الرأي؟
علي: أنا إنما أنقل لكِ ما عثرتُ عليه مِنْ أقوالهم، فابن تيمية يقول في كتابه (الرد على السبكي) ج2 ص697: (والرافضة يجعلونهم معصومين كالرسول ص ويجعلون كلَّ ما قالوه نقلاً عن الرسول، ويجعلون إجماع طائفتهم حجة معصومة، وعلى هذه الأصول الثلاثة بنوا شرائع دينهم، لكنّ جمهور ما ينقلونه مِنَ الشريعة موافقٌ لِقول جمهور المسلمين، فيه ما هو مِنَ مواقع الإجماع، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنة، فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع كذب، بل الغالب عليه الصدق).
هدى: هذا إقرارُ ابن تيمية بأنّ غالب ما ينقله الشيعة عن أئمة أهل البيت هو الصدق.
علي: وهو يقرُّ في نفس الوقت بأنّ الشيعة تأخذ دينها عن أهل البيت، ويعتبرون أقوالهم حُجّة، كما أنّ ابن تيمية يقول أيضاً: في (المسودة في أصول الفقه) ج1 ص133: (إجماع أهل البيت لا يكون حجة على غيرهم، خلافاً للشيعة).
هدى: ما كنتُ أتصور بأنّ ابن تيمية يتبنَّى مثلَ هذا الرأي السخيف، ففي نظره حتى لو اجتمع أهل البيت على رأيٍ فإنه يراه غير حجة.
علي: بينما يعترف بأنّ الشيعة يخالفون ذاك الرأي، فيعتبرون قولهم حجة.
هدى: نعم، هو كما تقول مع شديد الأسف.
علي: ولزيادة الاطمئنان بأنّ هذا الرأي يتبناه علمائكم، وليس جماعة خاصة منهم، استمعي لقول الشوكاني في (إرشاد الفحول) ج1 ص222: (وذهب الجمهور أيضاً إلى أنّ إجماع العترة وحدها ليس بحجة، وقالتْ الزيدية والإمامية: هو حجة).
هدى: قمتَ بالردِّ على النقطتين الثانية والثالثة معاً، وهذا مِنْ ذكائِكَ وحسن أدائِكَ.
علي: شكراً شكراً، وهناك اعترافات لعلمائِكم في أنّ الشيعة يأخذون عن أهل البيت، عند استدلالهم على الأحكام الشرعية.
هدى: وضّحْ ذلك رجاءً.
علي: يقول ابن قيم الجوزية في (الصواعق المرسلة) ج2 ص616 عند كلامه عن الطلاق المحلوف به: (التاسع: إنّ فقهاء الإمامية مِنْ أوَّلهم إلى آخرهم، ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به، وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره مِنْ أهل البيت، وهَبْ أنّ مُكابراً كذبهم كلهم وقال: قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت، ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاده، وإنْ كانوا مُخطئين مبتدعين في أمر الصحابة، فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل ….). فهو يشهد بأنّ الشيعة أخذوا دينهم عن أهل البيت ع، ولا يُمكن اتهامهم بالكذب في أخذهم عنهم.
هدى: تكرّرَ الكلام عن عصمة أهل البيت، فهل حقاً تعتقدون بعصمتهم؟
علي: نعم، نعتقد بعصمتهم.
هدى: لكنْ كيف تعتقدون عصمة شخص ليس بنبيٍّ؟
علي: لماذا تعتقدون بعصمة الأنبياء وعصمة النبي محمد ص؟
هدى: لأنه يبلغ الأحكام الدينية، فلابدّ أنْ يكون معصوماً كي لا يُخطئ في تبليغها.
علي: فمَنْ الذي سوف يُبلـِّغ الأحكام للناس بعد رحيل النبي ص عن الدنيا؟
هدى: لا أعلم.
علي: لكنّ النبي ص لمّا أمرَ الناس بالتمسك بأهل البيت ع في حديث الثقلين، فمعنى ذلك أنّ أهلَ البيت هم الذين سوف يبلـِّغون الأحكام للناس، لذا أوجبَ النبي ص على الناس التمسّك بهم.
هدى: هذا صحيح.
علي: وماذا لو أخطأ أهلُ البيت ع في تبليغ أحكام الدين؟
هدى: سوف لا تصِلُ الأحكام للناس بشكلٍ صحيح.
علي: وهذا مُناقضٌ لِلغرض الإلهي في إبلاغ أحكام الدين صحيحة.
هدى: اشرح لي الموضوع بصورة أبسط وأوضح.
علي: قلنا بأنّ الغرض الإلهي مِنْ عِصمة النبي ص، هو إبلاغ أحكام الدين للناس بشكلٍ صحيح ومضبوط، وأمّا بعد رحلة النبي ص، فلو كان مبلغ الأحكام غيرَ معصومٍ، فسوف لا يتمّ إبلاغ الأحكام بشكلٍ صحيح.
هدى: صحيح، ولكنكم تقولون بعصمتهم عن ارتكاب الذنوب أيضاً.
علي: لو ارتكبَ النبي ص الذنبَ كالكذب والغيبة وشرب الخمر والزنا وغير ذلك، فهل سيقبل المسلمون منه نهيه إياهم عنها؟
هدى: لو كان يكذب أو يستغيب ثم ينهى الناس عن الكذب والغيبة، فسينطبق عليه قوله تعالى: (كبر مقتاً عند الله أنْ تقولوا ما لا تفعلون) أو قوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) وغيرها من الآيات.
علي: إضافة لما تفضلتِ به، فإنّ الله جعلَ النبي ص أسوة وقدوة لكي يقتدي به الناس، قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فإذا كان النبيُّ يرتكب الذنوب، فمعنى ذلك أنّ الناس سوف يتبعون النبيَّ في كلِّ أفعاله، وهكذا يأتي نفس هذا الكلام في الذي يُبلغ الدين بعد النبي ص مِنْ أئمةِ أهل البيت ع.
هدى: الآن فهمتُ كلامَك، بأنّ الأدلة العقلية تحكم بعصمة مَنْ يُبلغ الدينَ للناس، ولكنْ كيف يُمكن إثبات ذلك من طريق الأدلة النقلية مِنَ الآيات والروايات؟
علي: الأدلة كثيرة على عِصمتِهم مِنَ الآيات والروايات، ونفسُ حديث الثقلين المارّ الذكر يدلُّ على عصمتهم.
هدى: كيف ذلك؟
علي: أولاً: قرَنَ النبي ص أهلَ البيت ع بالقرآن المعصوم، فلابدّ أنْ يكون المقرون به معصوماً أيضاً، ثانياً: أمَرَ بالتمسّك بهما معاً، فلو كان كلامُ أهل البيت مخالفاً للقرآن، لـَمَا أمر بالتمسّك بهم مع القرآن، فلابدّ أنْ يكون كلامهم موافقاً للقرآن، وهو معنى العصمة، ثالثاً: مَنْ لم يتمسّك بأهل البيت فسوف يضلُّ، ومعناه أنّ مَنْ تمسّك بهم سوف يهتدي، وهذه هي العصمة، رابعاً: قوله: لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلو حكم أهل البيت بخلاف القرآن فهو افتراقٌ بينهما، ولمّا أخبرَ بأنهما لا يفترقان، فمعناه أنّ أحكامَهم موافقة للقرآن دائماً، وهو معنى عصمتهم.
هدى: أتصوّر بأنّ الحديثَ بمجموع عباراته يَدلُّ على عِصمتِهم كما تفضلتَ، ولكنْ قد يقفز إلى الذهن سؤالٌ، وهو هل عُرف واشتهر بين الناس عن الأئمة الاثني عشر مِنْ أهل بيتِ النبي ص أنهم لا يرتكبون الذنوبَ في حياتهم؟
علي: أمّا أولهم علي بن أبي طالب ع، فشهدَ النبي ص بعصمته في أحاديث كثيرة.
هدى: اُذكرْ بعضَها رجاءً.
علي: قال النبي ص: (عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). وقال ص: (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار).
هدى: سبحان الله، إذا كان علي مع الحق ومع القرآن دائماً، والقرآن والحق معه في كلّ حال، فهو معنى العصمة.
علي: وهو كذلك يا عزيزتي.
هدى: لكنك لم تذكر مصدر هذين الحديثين؟
علي: أما الأول فرواه الحاكم في المستدرك حديث 4604، وقال عنه: صحيح الإسناد، والطبراني في المعجم الصغير ج5 ص135 حديث 5037، والمتقي في كنز العمال ج11 ص603 حديث 32912، والصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد ج11 ص297، والمناوي في فيض القدير ج4 ص470 حديث 5594، والسيوطي في الجامع الصغير ج2 ص177.
هدى: ما شاء الله، وماذا عن الحديث الآخر؟
علي: أما الآخر فرواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص235 حديث 12031، وفي ص234 روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص وقد مرّ علي بن أبي طالب فقال ص: (الحق مع ذا الحق مع ذا) ثم قال: رجاله ثقات، ورواه ابن حجر في المطالب العالية حديث 4045، ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ج2 حديث 1015، وروى الطبراني في المعجم الكبير حديث 18410 عن أم سلمة أنها قالت: (كان عليٌّ على الحقّ ومَنْ اتبعه اتبع الحق ومَنْ تركه ترك الحق، عهداً معهوداً قبل يومه هذا)، وروى البزار في مسنده حديث 2441 عن حذيفة قال: (انظروا الفرقة التي تدعو إلى عليٍّ فالزموها فإنها على الهدى)، ولقد روى الحاكم في المستدرك حديث 4605 عن النبي ص أنه قال: (رحم الله علياً اللهم أدر الحقّ معه حيث دار) وصحّحه، وأخيراً قال الفخر الرازي في تفسيره ج1 ص205 في الحجة الخامسة من المسائل المستنبطة من سورة الفاتحة: (ومَنْ اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله ص: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار).
هدى: سألتك عن الأئمة الاثني عشر من الناحية التاريخية، كيف ترجمهم علماؤنا؟
علي: هذا يحتاج إلى بحثٍ مفصّلٍ وطويل، ولكنْ سأقول بشكل عام ومختصر: إنّ كلّ مَنْ ترجم واحداً منهم ع، فإنه مدحه بشكلٍ عجيبٍ جداً.
هدى: وماذا تقصد بالعجيب جداً؟
علي: مثلاً يقولون عنه: هو أفضل أهل زمانه.
هدى: إذا كان هذا الكلام عن جميع أئمتكم، فهو حقاً شيءٌ عجيبٌ جداً، فهل تستطيع ذكر أمثلة مِنْ أقوالهم.
علي: نعم، لقد علّق أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا عن أبيه موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن الرسول الأكرم ص: (لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِنْ جنته)، كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة ص310 طبع دار الكتب العلمية.
ويقول الفخر الرازي في تفسيره ج32 ص124 في تفسير الكوثر: (الثالث: الكوثر أولاده، ….. ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر مِنَ العلماء، كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ….).
هدى: وهل هذه الأسماء هي لأئمة أهل البيت؟
علي: نعم، فالباقر هو خامس الأئمة، وابنه الصادق هو سادسهم، ثم ابنه الكاظم سابعهم، ثم ابنه الرضا ثامنهم.
هدى: شيءٌ عجيبٌ جداً، والأعجبُ هو قوله عنهم: عليهم السلام، ثمّ لماذا بدأ الرازي بذكر خامس الأئمة وترك الأربعة الأولين منهم؟
علي: لأنّ الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين هم من أهل الكساء الذين طهرهم الله في آية التطهير وأمر بمودّتهم في آية المودة وباهل بهم النبي ص في آية المباهلة، فهم معروفون للجميع بفضلهم وعلوِّ منزلتهم.
هدى: صحيح، ولكنْ مَنْ هو رابعهم الذي لم يذكره الرازي؟ وماذا قيل فيه؟
علي: أولاً لقد ذكره ابن حنبل، وهو الإمام علي بن الحسين المعروف بالسجاد وزين العابدين، وأمّا أقوال علمائكم فيه:
قال سعيد بن المسيَّب عنه: (ما رأيتُ رجلاً أورع من علي بن الحسين)، كما في تاريخ الإسلام للذهبي ص434 طبع دار الكتاب العربي، والسيوطي في طبقات الحفّاظ ص37 طبع دار الكتب العلمية.
وقال الزهري: (لم أدرك بالمدينة أفضل منه) كما في تهذيب الأسماء واللغات ج1 ص314 طبع دار الفكر، أو (ما رأيتُ قرشياً أفضل منه وما رأيتُ أفقه منه)، كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص237 طبع دار البشائر المصوّرة على الطبعة البولاقية في القاهرة.
وروى عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس قال: (لم يكن في أهل بيت رسول الله مثل علي بن الحسين)، كما في البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص122 طبع مؤسسة التاريخ العربي، وسير أعلام النبلاء ج4 ص389 طبع مؤسسة الرسالة.
هدى: حقاً إنّ أقوالهم في حقه لمحيرة للعقول، وماذا عن الإمام الذي بعده؟
علي: هو الإمام محمد الباقر ع، فقد قال الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء ج13 ص120 طبع مؤسسة الرسالة: (أبو جعفر الباقر، سيّدٌ إمام فقيه يصلح للخلافة)، وقال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: (وهو محمد بن علي بن الحسين ….. وهو تابعيٌ جليلٌ، كبيرُ القدر كثيراً، أحدُ أعلام هذهِ الأمّة عِلماً وعملاً وسيادة وشرفاً).
هدى: وماذا قيل في الإمام الذي بعده؟
علي: وهو الإمام جعفر بن محمد الصادق ع، قال أبو حنيفة: (ما رأيتُ أفقه منه) رواها الذهبي في تذكرة الحفاظ ج1 ص166، وقال عنه مالك بن أنس: (…. ولقد اختلفتُ إليه زماناً، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال، إمّا مصلياً وإما صائماً وإمّا يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان مِنَ العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ)، نقل كلامه القاضي عياض في (الشفا) ج2 ص42 طبع دار الفكر، ونقل قريباً منه ابن حجر في تهذيب التهذيب ج2 ص70 طبع دار الفكر.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج13 ص120 طبع مؤسسة الرسالة: (جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور).
هدى: أحقاً ما تقول، هل هكذا قال عنه الذهبي؟
علي: نعم، فالذهبي ورغم تعصّبه الشديد ضدّ الشيعة، إلا أنه ما ترجم لواحد من الأئمة الاثني عشر الذين يؤمن بإمامتهم الشيعة، إلا قال عنه، كما مرّ قوله في حقّ الإمام الباقر ع: (الباقر، سيّدٌ إمام فقيه يصلح للخلافة) وهنا حين ترجم للإمام الصادق ع قال: (كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور).
هدى: ما كنتُ أتخيل حتى في عالم الخيال، أنّ مثل الذهبي تلميذ ابن تيمية، يصفُ أئمتكم الاثنا عشر بمثل ذلك، وهذا يدلّ على جلالة قدرهم وعظم منزلتهم، ولكنْ هل قال عن غير الصادق والباقر أنه أهلٌ للخلافة؟
علي: قال عن الإمام الرضا ع في سير أعلام النبلاء ج9 ص387 ـ 388 و392، طبع مؤسسة الرسالة: (وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة)، ولو أردنا ذكر أقوال جميع علمائكم في مدح الأئمة الاثني عشر، لاحتجنا لتأليف كتاب ضخم.
هدى: حقاً لقد شوقتني إلى سماع المزيد عنهم.
علي: لقد مدح الجاحظ عشرة من الأئمة في كلام واحد، فقال في رسائله ص106 طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر: (ومن الذي يُعَدُّ مِنْ قريش ما يَعُدُّه الطالبيون عَشَرة في نسق؛ كلُّ واحدٍ منهم عالمٌ زاهدٌ ناسكٌ شجاعٌ جوادُ طاهرٌ زاكٍ، فمنهم خلفاء ومنهم مُرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن العسكري بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وهذا لم يتفق لبيتٍ مِنْ بيوت العرب ولا من بُيوت العجم).
هدى: (تندهش) سبحان الله، وهنا أيضاً يقول الجاحظ عنهم: عليهم السلام.
علي: علماءُ أهل السنة يعظمون الأئمة ويُجلـّونهم كثيراً.
هدى: اُذكر لي مثالاً آخر على ذلك.
علي: لابدّ أنكِ قد سَمِعْتِ بابن حبان صاحب كتاب الثقات.
هدى: نعم، هو من كبار علمائنا.
علي: يقول في كتابه الثقات ج8 ص456 طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد عن الإمام الرضا ع: (وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم وأجلة الهاشميين ونبلائهم …. ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته… وقبره بسناباد خارج النوقان مشهور يُزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلـّتْ بي شدّة في وقتِ مقامي بطوس فزرتُ قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه، ودعوتُ الله إزالتها عني، إلا استجيب لي وزالتْ عني تلك الشدة، وهذا شيءٌ جربتهُ مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين).
هدى: أتصوّر بأنّ جهل أمثالي بآراء علمائنا، جعلنا نتمسك بعقائد الوهابية التي تخالف ما عليه علماء أهل السنة، فابن حبان هنا يزور قبر علي الرضا ويتوسل ويدعو الله عند قبره، وكلُّ هذه الأمور يعتبرها الوهابية مِنَ الشرك التي يستحق فاعلها عليها القتل، ثم إنّ ابن حبان هنا يصلي عليه كما يصلي على النبي محمد ص، وهي فوق قول عليه السلام بمراتب كثيرة.
علي: صدقتِ يا عزيزتي، وهل سمعتِ بأبي بكر بن خزيمة؟
هدى: نعم، هو مِنْ كبار علماء أهل السنة.
علي: يقول ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج3 ص195 طبع الرسالة، نقلاً عن تاريخ نيسابور للحاكم قال: (وسمعتُ أبا بكر محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى يقول: خَرجْنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خُزيمة وعديله أبي عليّ الثَّقفي مع جَماعة مِنْ مشايخنا، وَهُم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قَبْر عليّ بن موسى الرِّضا بطُوس، قال: فرأيتُ مِنْ تعظيمه – يعني ابن خزيمة – لتلك البُقْعة وتواضعه لها وتضرُّعه عندها ما تحيَّرنا).
هدى: أرجو أن نُخَصِّص في المستقبل وقتاً لمسألة زيارة القبور، لأني أعلم بأنّ أهل السنة يزورون قبور الأولياء أيضاً بعكس الوهابية.
علي: إن شاء الله تعالى.
هدى: إني فخورة بزوجٍ مثلك، عالم ومحقق.
علي: عفواً سيدتي إنما أنا ناقلٌ فقط، خصوصاً مع وجود الإنترنت، حيث يسهِّلُ استخراج المعلومة بسرعة.
هدى: أنا لا أحبُّ أنْ تصغِّر مِنْ شأنك وتقلِّل مِنْ قدرك، فالإنترنت متوفرٌ للجميع، ولكن ليس عند الجميع مِنَ المعلومات ما عندك.
علي: أمرُكِ يا سيدتي، لن أصغِّرَ مِنْ شأني بعد الآن، هيا نصلي لربنا.
هدى: نعم هيا نصلي لربنا، لعلّ الله يوفقنا لمعرفة الحقيقة واتباعها.
علي: ندعو الله أنْ يعرفنا الحق ويثبتنا عليه ما حيينا.
2019-10-09