( 26 )
إلى نفس الاَمثال لا إلى الضرب بها، فانّ الاَمثال شيء وضرب الاَمثال شيء آخر، لاَنّ إبراز المتخيل بصورة المحقّق، والمتوهم في معرض المتيقن، ليس من مهمة ضرب الاَمثال، وإنّما هي مهمة نفس الاَمثال، “وذلك أنّ المعاني الكلية تعرض للذهن مجملة مبهمة، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سرّها، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها، ويوضّح إبهامها، فهو ميزان البلاغة وقسطاسها ومشكاة الهداية ونبراسها”. (1)
السابع: الكتب الموَلفة في الاَمثال القرآنية
ولاَجل هذه الاَهمية التي حازتها الاَمثال القرآنية، قام غير واحد من علماء الاِسلام القدامى منهم والجدد، بتأليف رسائل وكتب حول الاَمثال القرآنية نذكر منها ما وقفنا عليه:
1. “أمثال القرآن” للجنيد بن محمد القواريري (المتوفّى سنة 298هـ).
2.” أمثال القرآن” لاِبراهيم بن محمد بن عرفة بن مغيرة المعروف بنفطويه(المتوفّـى سنة 323هـ).
3. “الدرة الفاخرة في الاَمثال السائرة” لحمزة بن الحسن الاصبهاني (المتوفّـى 351 هـ ).
4. “أمثال القرآن” لاَبي على محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي(المتوفّى عام 381هـ).
5. “أمثال القرآن” للشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن حسين السلمي النيسابوري (المتوفّـى عام 412هـ).
____________
1 ـ تفسير المنار: 1|237.
( 27 )
6. “الاَمثال القرآنية” للاِمام أبي الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي (المتوفّـى سنة 450هـ).
7.” أمثال القرآن” للشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (المتوفّـى سنة 754هـ). وقد طبعت موَخّراً .
8.” الاَمثال القرآنية” لعبد الرحمن حسن حنبكة الميداني.
9. “أمثال القرآن” للمولى أحمد بن عبد الله الكوزكناني التبريزي (المتوفّـى عام 1327 هـ ). المطبوعة على الحجر في تبريز عام 1324 هـ .
10. “أمثال القرآن” للدكتور محمود بن الشريف.
11. ” الاَمثال في القرآن الكريم” للدكتور محمد جابر الفياضي. وقد طبعت موَخّراً .
12. “الصورة الفنية في المثل القرآني” للدكتور محمد حسين علي الصغير. وقد طبعت موَخّراً .
13. ” أمثال قرآن” (بالفارسية) لعلي أصغر حكمت. وقد طبعت موَخّراً .
14. “تفسير أمثال القرآن” (بالفارسية) للدكتور إسماعيل إسماعيلي. وقد طبعت موَخّراً .
الثامن: تقسيم الاَمثال القرآنية إلى الصريح و الكامن
ذكر بدر الدين الزركشي ان الاَمثال على قسمين: ظاهر وهو المصرّح به، وكامن وهو الذي لا ذكر للمثل فيه وحكمه حكم الاَمثال. (1)
وقد نقل السيوطى ذلك النص بنفسه وحاول تفسير المثل الكامن، وقال
____________
1 ـ البرهان في علوم القرآن :1|571.
( 28 )
ما هذا نصّه: فمن أمثلة الاَوّل، قوله تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذي اسْتَوقَدَ ناراً… )(1) ضرب فيها للمنافقين مثلين : مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ـ ثمّ قال ـ : وأما الكامنة: فقال الماوردي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم، يقول: سمعت أبى يقول: سألت الحسين بن فضل، فقلت: إنّك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله : “خير الاَُمور أوسطها”؟ قال: نعم في أربعة مواضع:
قوله تعالى: (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ ). (2)
وقوله تعالى: (وَالّذينَ إِذا أَنْفَقُوا لم يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً). (3)
وقوله تعالى: (وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ).(4)
وقوله تعالى: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلاً).(5)
قلت: فهل تجد في كتاب الله “من جهل شيئاً عاداه”؟ قال: نعم، في موضعين:
(بَل كَذّبُوا بما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ). (6)
____________
1 ـ البقرة:17ـ20.
2 ـ البقرة:68.
3 ـ الفرقان:67.
4 ـ الاِسراء:29.
5 ـ الاِسراء:110.
6 ـ يونس:39.
1 ـ البقرة:17ـ20.
2 ـ البقرة:68.
3 ـ الفرقان:67.
4 ـ الاِسراء:29.
5 ـ الاِسراء:110.
6 ـ يونس:39.
( 29 )
(وَإِذ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَديم ). (1)
قلت: فهل تجد في كتاب الله “احذر شر من أحسنت إليه”؟ قال: نعم.
(وما نَقمُوا إِلاّ أن أغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ). (2)
قلت: فهل تجد في كتاب الله “ليس الخبر كالعيان”؟ قال: في قوله تعالى: (قالَ أَوَ لَمْ تُوَْمِن قال بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبي ). (3)
قلت: فهل تجد “في الحركات البركات”؟ قال: في قوله تعالى: (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبيلِ اللهِ يَجِدْ في الاََرْضِ مُراغَماً كَثيراً وَسَعَة ). (4)
قلت: فهل تجد”كما تدين تدان”؟ قال: في قوله تعالى: (مَنْ يعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه).(5)
قلت: فهل تجد فيه قولهم “حين تَقْلي تدري”؟ قال: (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حينَ يَرَونَ العَذابَ مَن أَضلُّ سَبِيلاً ). (6)
قلت: فهل تجد فيه : “لا يُلدغ الموَمن من جحر مرّتين”؟ قال: (هَلْ آمنُكُمْ عَليهِ إِلا كَما أَمِنتُكُمْ عَلى أَخيهِ مِنْ قَبْلُ ). (7)
قلت: فهل تجد فيه “من أعان ظالماً سُلّط عليه”؟ قال: (كَتَبَ عَليهِ أَنَّهُ مَنْ
____________
1 ـ الاَحقاف:11.
2 ـ التوبة:74.
3 ـ البقرة:260.
4 vـ النساء:100.
5 ـ النساء:123.
6 ـ الفرقان:42.
7 ـ يوسف:64.
( 30 )
تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعير ). (1)
قلت: فهل تجد فيه قولهم: “ولا تلد الحية إلا حيّة”؟ قال: قوله تعالى: (وَلا يَلِدُوا إِلا فاجِراً كَفّاراً ). (2)
قلت: فهل تجد فيه: “للحيطان آذان”؟ قال: (وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ ). (3)
قلت: فهل تجد فيه: “الجاهل مرزوق والعالم محروم”؟ قال: (مَنْ كانَ فِي الضَّلالةِ فلَيَمْدُد لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً ). (4)
قلت: فهل تجد فيه: “الحلال لا يأتيك إلا قوتاً، والحرام لا يأتيك إلا جزافاً”؟ قال: (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَومَ سَبْتِهِمْ شُرّعاً وَيَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهم)(5).(6)
وقد أخذ عليه “بأنّه لو حققْتَ النظر فيما أورده الماوردي، لما وجدت مثلاً قرآنياً واحداً بالمعنى الذي يراد التعبير عنه بأنّه مثل كامن، على أنّ الماوردي لم ينقل عن الحسين بن الفضل بأنّ متخيّره هذا مثل كامن، ولاسمَّى الماوردي ذلك به، وإنّما أورد رواية للمقارنة بما يمكن أن يعد أمثالاً من كلام العرب والعجم، ووضع قائمة مختارة ازاءه من كتاب الله بما يبذّ كلامهم ويعلو على أمثالهم.
فالتسمية إذن اختارها السيوطي متابعاً فيها الزركشي. وطبّق عليها هذه
____________
1 ـ الحج:4.
2 ـ نوح:27.
3 ـ التوبة:47.
4 ـ مريم:75.
5 ـ الاَعراف:163.
6 ـ الاِتقان في علوم القرآن:2|1045ـ 1046.
( 31 )
الاَمثلة . فهي فيما عنده أمثال كامنة ولكنّه من الواضح أن هذه العبارات القرآنية لا تدخل في باب الاَمثال، فإن اشتمال العبارة على معنى ورد في مثل من الاَمثال، لا يكفى لاِطلاق لفظ المثل على تلك العبارة، فالصيغة الموروثة ركن أساس في المثل، لذلك نرى أنّ اصطلاح العلماء على تسمية هذه العبارات القرآنية (أمثالاً كامنة) محاولة لا تستند على دليل نصّي ولا تاريخي. (1)
تفسير آخر للمثل الكامن:
ويمكن تفسير المثل الكامن بالتمثيلات التي وردت في الذكر الحكيم من دون أن يقترن بكلمة “مثل” أو “كاف” التشبيه، ولكنّه في الواقع تمثيل رائع لحقيقة عقلية بعيدة عن الحسن المجسّد بما في التمثيل من الاَمر المحسوس، ومن هذا الباب قوله سبحانه:
1. (أَفَمَنْ أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيرٌ أَمْ مَن أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بهِ في نارِ جَهَنَّم وَاللهُ لا يَهْدي القَوم الظّالِمين ). (2)
إنّه سبحانه شبَّه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذا صفته، فكما أنّ من بنى على جانب هذا النهر فإنّه ينهار بناءه في الماء ولا يثبت، فكذلك بناء هوَلاء ينهار ويسقط في نار جهنم، فالآية تدلّ على أنّه لا يستوي عمل المتقي وعمل المنافق، فإنّ عمل الموَمن المتقي ثابت مستقيم مبني على أصل صحيح ثابت، وعمل المنافق ليس بثابت وهو واهٍ ساقط. (3)
____________
1 ـ الصورة الفنية في المثل القرآني: 118، نقلاً عن كتاب “الاَمثال في النثر العربي القديم”.
2 ـ التوبة:109.
3 ـ مجمع البيان:3|73.
( 32 )
2. (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَروا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلُونَ الجنَّةَ حتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِين ). (1)
كانت العرب تمثّل للشيء البعيد المنال، بقولهم: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب، وحتى يَبْيَضَّ القار، إلى غير ذلك من الاَمثال .
يقول الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهليوصار القار كاللبن الحليب
ولكنّه سبحانه مثّل لاستحالة دخول الكافر الجنّة بأنّهم يدخلون لو دخل الجمل في ثقب الاِبرة، وقال: ولايدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، معبراً عن كونهم لا يدخلون الجنة أبداً.
ففي الآية تمثيل وليس لها من لفظ المثل وحرف التشبيه أثر.
3. (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُون ). (2)
إنّ هذا مثل ضربه الله تعالى للموَمن والكافر فأخبر بأنّ الاَرض كلّها جنس واحد، إلا أنّ منها طيّبة تلين بالمطر، ويحسن نباتها ويكثر ريعها، ومنها سبخة لا تنبت شيئاً، فإن أنبتت فممّـا لا منفعة فيه، وكذلك القلوب كلّها لحم ودم ثمّ منها ليّن يقبل الوعظ ومنها قاسٍ جافٍ لا يقبل الوعظ، فليشكر الله تعالى من لانَ قلبه بذكره.(3)
____________
1 ـ الاَعراف:40.
2 ـ الاَعراف:58.
3 ـ مجمع البيان:2|432.
1 ـ الاَعراف:40.
2 ـ الاَعراف:58.
3 ـ مجمع البيان:2|432.
( 33 )
وفي ذيل الآية (كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيات )إلمام إلى كونه تمثيلاً، كما في الآية التالية.
4.قال سبحانه: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاََنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمراتِ وَأَصابَهُ الكِبَر وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعفاءُ فَأَصابَها إعصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون ). (1)
أخرج البخاري عن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لاَصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم ) فيمن ترون هذه الآية نزلت (أَيَوَدُّ أَحدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخيل وَأَعْناب )؟
قالوا: الله أعلم، فغضب عمر، و قال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، فقال: يابن أخي: قل ولا تحقِّر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعملٍ، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني عمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. (2)
وحصيلة البحث: إنّ التمثيل الوارد في القرآن الكريم، تارة يقترن بكلمة المثل، وأُخرى يقترن به مع لفظ الضرب حيث اختار سبحانه مادة الضرب لقسم كبير من أمثال القرآن، وثالثة بحرف كاف التشبيه، ورابعة بذكر مادة المثل بدون اقتران بواحد منهما مثل قوله: (وَالْبَلَدُ الطَّيّبُ يخْرجُ نَباتهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا يَخرجُ إِلا نَكِداً ). (3)
____________
1 ـ البقرة:266.
2 ـ صحيح البخاري: التفسير: تفسير سور ة البقرة، باب قوله: (أيودّ أحدكم )رقم 4264.
3 ـ الاَعراف: 58.
( 34 )
التاسع: ما هو المراد من ضرب المثل؟
قد استعمل الذكر الحكيم كلاً من لفظي “المَثَل” و”المِثْل” في غير واحد من سوره وآياته حتى ناهز استعمالهما ثمانين مرة، إلاّ أنّ الثاني يزيد على الاَوّل بواحد.والاَمثال جمع لكليهما ويميّزان بالقرائن قال سبحانه: (إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله عِبادٌ أَمْثالُكُمْ )(1) وهو في المقام، جمع المِثْل لشهادة أنّه يحكم على آلهتهم بأنّها مثلهم في الحاجة والاِمكان.
وقال سبحانه: (تِلْكَ الاََمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لعلّهُمْ يَتفَكَّرُون ). (2)
فاقتران الاَمثال بلفظ الضرب، دليل على أنّه جمع مَثَل. إلاّ أنّ المهم هو دراسة معنى “الضرب” في هذا المورد ونظائره، فكثيراً ما يقارن لفظ المثل لفظ الضرب، يقول سبحانه: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً ). (3)وقال سبحانه: (وَلَقَدْضَرَبْنا للنّاسِ في هذا القُرآن مِنْ كُلّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ). (4)
وقد اختلفت كلمتهم في تفسير لفظ “الضرب” في هذا المقام، بعد اتّفاقهم على أنّه في اللغة بمعنى إيقاع شيء على شيء، ويتعدّى باليد أو بالعصى أو بغيرهما من آلات الضرب، قال سبحانه: (أَنِ اضْرِب بِعَصاكَ الْحَجَر) (5)وقد ذكروا وجوهاً :
الاَوّل: إنّ الضرب في هذه الموارد بمعنى المَثَل، والمرا د هو التَمثيل، وهو
____________
1 ـ الاَعراف:194.
2 ـ الحشر:21.
3 ـ إبراهيم:24.
4 ـ الزمر:27.
5 ـ الاَعراف:160.
( 35 )
خيرة ابن منظور واستشهد بقوله: (واضْربْ لَهُمْ مَثَلاً أَصحابَ القَرْيَةِ إِذْ جاءَها الْمُرسَلُون ) (1)أي مثّل لهم مثلاً وهو حال أصحاب القرية، وقال: (يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطِل ) (2)أي يمثل الله الحقّ والباطل. (3)وهذا خيرة صاحب القاموس أيضاً.
الثاني: إنّ الضرب بمعنى الوصف والبيان، وقد حُكي عن مقاتل بن سليمان، وفسر به قوله سبحانه: (وضَرَبَ الله مَثلاً عَبداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَىء). (4)
واستشهد بقول الكميت:
وذلك ضرب أخماس أريدت لاَسداس عسى أن لا تكونا (5)
الثالث: إنّ الضرب بمعنى الاعتماد والتثبيت، وهو خيرة الشيخ الطوسى(6) (385ـ 460هـ)، والزمخشري، (7)والآلوسى، (8)(المتوفّى عام 0721) فقد فسّروا به قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ). (9)
الرابع: إن الضرب في المقام من باب الضرب في الاَرض وقطع المسير،
____________
1 ـ يس: 13
2 ـ الرعد:17.
3 ـ لسان العرب:2|37 ، مادة ضرب.
4 ـ النحل:75.
5 ـ تفسير الطبرى:1|175.
6 ـ التبيان في تفسير القرآن:7|302.
7 ـ الكشّاف:2|553.
8 ـ روح المعاني:1|206.
9 ـ الحج:73.
( 36 )
وضرب المثل عبارة عن جعله سائراً في البلاد كقولك : ضرب في الاَرض إذا صار فيها، ومنه سُمِّيَ الضارب مضارباً. (1)
فإذا كان الضرب بمعنى قطع الاَرض وطيّها، فضرب المثل عبارة عن جعله شيئاً سائراً بين الاَقوام والشعوب يمشى ويسير حتى يستوعب القلوب.
وفي المقام كلمة لابن قيم، يوضّح فيها أكثر هذه الاحتمالات:
ضرب الله سبحانه لعباده، الاَمثال، وضرب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) لاَُمّته الاَمثال، وضرب الحكماء والعلماء والموَدّبون الاَمثال، فما معنى ضرب المثل؟
قد يكون مشتقّاً من قولك (ضرب في الاَرض) أي سار فيها.
فمعنى ضرب المثل جعله ينتشر ويذيع ويسير في البلاد. وإلى هذا ذهب أبو هلال في مقدمة كتابه. (2)
وقد يكون معنى “ضرب المثل” نصبه للناس بإشهاره لتستدلّ عليه خواطرهم كما تستدلّ عيونهم على الاَشياء المنصوبة. واشتقاقه حينئذٍ من قولهم:(ضربت الخباء) إذا نصبته .
وقوله تعالى: (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالباطل ) (3)أي ينصب منارهما ويوضح أعلامهما ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه، ويعرفون الباطل فيجتنبوه، كما قال الشريف الرضيّ (359ـ 406هـ) في كتابه “تلخيص البيان في مجازات القرآن” :
____________
1 ـ الحكم والاَمثال:79.
2 ـ انظر مقدمة كتاب جمهرة الاَمثال.
3 ـ الرعد:17.
( 37 )
وقد يفهم من ضرب المثل صنعه وإنشاوَه، فيكون مشتقّاً من ضرب اللّبْنِ وضرب الخاتم.
أو قد يكون من الضرب بمعنى : إبقاء شيء على شيء. (1)
ومنه ضرب الدراهم: أي إيقاع النموذج الذي به الصّكُ على الدراهم لتنطبع به، فكأنّ المثل مطابق للحالة، أي للصفة التي جاء لاِيضاحها، وخلاصة القول: ضرب المثل مأخوذ: إمّا من:
1. ضرَب في الاَرض بمعنى : سار.
2. ضربه: نصبه للناس وأشهره.
3. ضرب: صنع وأنشأ.
4. ضرب: إبقاء شيء على مثال شيء. (2)
وبذلك يُعلم تفسير قوله سبحانه: (… وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراًx انْظُر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاََمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (3)
نرى أنّ المشركين وصفوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بكونه رجلاً مسحوراً، فيردّ عليه سبحانه باستنكار ويقول: (انظر ـ أيّها النبي ـ كيف ضربوا لك الاَمثال) أي كيف وصفوك بأنّك مسحور مع أنّ سيرتك تشهد على خلاف ذلك، وما تتلو من الآيات كلامه سبحانه لا صلة له بالسحر وإنّ ما يجدونه خلاَّباً للعقول وآخذاً بمجامع القلوب فإنّه هو لاَجل عذوبته وجماله وإعجازه الخارق وأين هو من السحر؟!
____________
1 ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن: 107.
2 ـ الاَمثال في القرآن الكريم:20ـ 21.
3 ـ الفرقان: 8 ـ 9.
1 ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن: 107.
2 ـ الاَمثال في القرآن الكريم:20ـ 21.
3 ـ الفرقان: 8 ـ 9.