الرئيسية / من / طرائف الحكم / آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

03

آية التطهير وأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
لكن يبقى هناك في جهة النفي بحث يتعلق بقولين :
أحدهما : ما ينقل عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس ، فهذا كان
يصر على أن الآية نازلة في خصوص أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى أنه
كان يمشي في الأسواق ويعلن عن هذا الرأي ، ويخطئ الناس
باعتقادهم باختصاص الآية المباركة بأهل البيت ، مما يدل على أن
الرأي السائد عند المسلمين كان هذا الرأي ، حتى أنه كان يقول : من
شاء باهلته في أن الآية نازلة في أزواج النبي خاصة ، وفي تفسير
الطبري : إنه كان ينادي في الأسواق بذلك ( 1 ) ، وفي تفسير ابن كثير
إنه كان يقول : من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي خاصة ( 2 ) ،
وفي الدر المنثور ، كان يقول : ليس بالذي تذهبون إليه ، إنما هو
نساء النبي ( 1 ) .

فهذا هو القول الأول .
لكن هذا القول يبطله :
أولا : إنه قول غير منقول عن أحد من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثانيا : قول ترده الأحاديث الصحيحة المعتبرة المعتمدة المتفق
عليها بين المسلمين .
ثالثا : هذا الرجل كان منحرفا فكرا وعملا ، وكان معاديا لأهل
البيت ومن دعاة الخوارج .
أذكر لكم جملا مما ذكر بترجمة هذا الرجل :
كان خارجيا بل من دعاتهم ، وإنما أخذ أهل أفريقية هذا الرأي
– أي رأي الخوارج – من عكرمة ، ولكونه من الخوارج تركه مالك
بن أنس ولم يرو عنه .

قال الذهبي : قد تكلم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي
الخوارج ، بل كان هذا الرجل مستهترا بالدين ، طاعنا في الإسلام ،
فقد نقلوا عنه قوله : إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به الناس ،
وقال في وقت الموسم أي موسم الحج : وددت أني بالموسم
وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا ، وإنه
وقف على باب مسجد النبي وقال : ما فيه إلا كافر ، وذكر أنه كان لا
يصلي ، وأنه كان يرتكب جملة من الكبائر .
وقد نص كثير من أئمة القوم على أنه كان كذابا ، فقد كذب على
سيده عبد الله بن عباس حتى أوثقه علي بن عبد الله بن عباس على
باب كنيف الدار ، فقيل له : أتفعلون هذا بمولاكم ؟ قال : إن هذا
يكذب على أبي .

وعن سعيد بن المسيب أنه قال لمولاه : يا برد إياك أن تكذب
علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس .
وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الذي هو من فقهاء المدينة
المنورة : إن عكرمة كذاب .
وعن ابن سيرين : كذاب .
وعن مالك بن أنس : كذاب .
وعن يحيى بن معين : كذاب .
وعن ابن ذويب : كان غير ثقة .
وحرم مالك الرواية عن عكرمة .
وقال محمد بن سعد صاحب الطبقات : ليس يحتج بحديثه .
هذه الكلمات بترجمة عكرمة نقلتها : من كتاب الطبقات لابن
سعد ، من كلمات الضعفاء الكبير لأبي جعفر العقيلي ، من تهذيب
الكمال للحافظ المزي ، من وفيات الأعيان ، من ميزان الاعتدال
للذهبي ، المغني في الضعفاء للذهبي ، سير أعلام النبلاء للذهبي ،
تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ( 1 ) .
هذه خلاصة ترجمة هذا الشخص .

لكن الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح
البخاري ، في مقدمة هذا الشرح ( 2 ) ، له فصل يدافع فيه عن رجال
صحيح البخاري المقدوح فيهم ، عن الرجال المشاهير المجروحين
الذين اعتمدهم البخاري ، فيعنون هناك عكرمة مولى ابن عباس
ويحاول الذب عن هذا الرجل بما أوتي من حول وقوة .
إلا أنكم لو رجعتم إلى كلماته لوجدتموه متكلفا في أكثرها أو
في كل تلك الكلمات ، وهذه مصادر ترجمة هذا الشخص ذكرتها
لكم ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى الكتب التي ذكرتها .
ومن طريف ما أحب أن أذكره هنا : إن عكرمة وإن أخرج عنه
البخاري ، لم يخرج عنه مسلم ، عكرمة أعرض عنه مسلم وإن
اعتمده البخاري ، ومن هنا قالوا : إن أصح الكتب كتاب البخاري
وكتاب مسلم ، وأصحهما كتاب البخاري ، فلأمر ما قدموا
البخاري ! ! ولي أيضا شواهد على هذا .
سأقرأ لكم حديث الثقلين من صحيح مسلم ، والبخاري لم يرو
حديث الثقلين في صحيحه ، سأذكر لكم – إن شاء الله – حديثا عن
صحيح مسلم فيه مطلب مهم جدا يتعلق بالشيخين ، وقد ذكره
البخاري في صحيحه في مواضع متعددة وحرفه وذكره بألفاظ
وأشكال مختلفة .

إذن ، كون عكرمة من رجال البخاري لا يفيد البخاري ولا يفيد
عكرمة إنه ربما يحتج لوثاقة عكرمة باعتماد البخاري عليه ، ولكن
الأمر بالعكس ، إن رواية البخاري عن عكرمة من أسباب جرحنا
للبخاري ، من أسباب عدم اعتمادنا على البخاري ، ولو أن بعض
الكتاب المعاصرين – ولربما يكون أيضا من أصحابنا الإمامية –
يحاولون الدفاع عن عكرمة ، فإنهم في اشتباه .
وعلى كل حال ، فالقول باختصاص الآية المباركة بأزواج
النبي ، هذا القول مردود ، إذ لم يرو إلا عن عكرمة ، وقد رفع عكرمة
راية هذا القول ، وجعل ينشره بين الناس ، وطبيعي أن الذين
يكونون على شاكلته سيتقبلون منه هذا القول .
الثاني : وهو القول بأن المراد من أهل البيت في هذه الآية
المباركة : أهل البيت – أي علي وفاطمة والحسنان – والأزواج
أيضا .

هذا القول إذا رجعنا إلى التفاسير المعتبرة ، لوجدنا مثل ابن
الجوزي في كتابه زاد المسير في علم التفسير ( 1 ) ، الذي هو من
التفاسير المشهورة ، ينسب هذا القول إلى الضحاك فقط ، ولم نجد
في كتاب ابن الجوزي وأمثاله من يعزو هذا القول إلى غير
الضحاك .
أترى أن قول الضحاك وحده يعارض ما روته الصحاح
والسنن والمسانيد عن ابن عباس ، وعن جابر بن عبد الله ، وعن زيد
بن أرقم ، وعن سعد بن أبي وقاص ، وعن أم سلمة ، وعن عائشة ؟
وعجيب ، إن هؤلاء يحاولون أن يذكروا لزوجات النبي
فضيلة ، والحال أن نفس الزوجات هن بأنفسهن ينفين هذا القول ،
فأم سلمة وعائشة من جملة القائلين باختصاص الآية المباركة
بأهل البيت ، وكم من عجيب عندهم ، وما أكثر العجب والعجيب
عندهم ، يحاولون الدفاع عن الصحابة أجمعين أكتعين كما يعبر
السيد شرف الدين رحمة الله عليه : أجمعين أكتعين ، والحال أن
الصحابة أنفسهم لا يرون مثل هذا المقام لهم ، نحن نقول بعدالتهم
جميعا وهم لا يعلمون بعدالتهم ؟ !
فأم سلمة وعائشة تنفيان أن تكون الآية نازلة في حق أزواج
النبي ، ويأتي الضحاك ويضيف إلى أهل البيت أزواج النبي ، وكأنه
يريد الاصلاح بين الطرفين ، وكأنه يريد الجمع بين الحقين .
لكني وجدت في الدر المنثور ( 1 ) حديثا يرويه السيوطي عن
عدة من أكابر المحدثين عن الضحاك ، يروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حديثا
يتنافى مع هذه النسبة إلى الضحاك .
وأيضا : الضحاك الذي نسب إليه ابن الجوزي هذا القول في
تفسيره ، هذا الرجل أدرجه ابن الجوزي نفسه في كتاب الضعفاء ،
وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ، وأورده الذهبي في المغني في
الضعفاء ، وعن يحيى بن سعيد القطان الذي هو من كبار أئمتهم في
الجرح والتعديل أنه كان يجرح هذا الرجل ، وذكروا بترجمته أنه
بقي في بطن أمه مدة سنتين .
وهذا ما أدري يكون فضيلة له أو يكون طعنا له ، وكم عندهم
من هذا القبيل ، يذكر عن مالك بن أنس أنه بقي في بطن أمه أكثر من
سنتين أو ثلاث سنوات على ما أتذكر الآن ، وراجعوا كتاب وفيات
الأعيان لابن خلكان وغيره .
وعلى كل حال ، فإنا نرجع إلى ما في الصحاح ، والأفضل لهم
أن يرجعوا إلى ما في الصحاح ، وهذا ما دعا مثل ابن تيمية إلى أن
يعترف بصحة حديث نزول الآية في أهل البيت الأطهار
واختصاصها بهم ، وأما عكرمة والضحاك وقول مثل هذين الرجلين
المجروحين المطعونين ، فإنما يذكر لتضعيف استدلال الإمامية
بالآية المباركة ، والذاكرون أنفسهم يعلمون بعدم صلاحية مثل هذه
الأقوال للاستدلال .

شاهد أيضاً

آية التطهير – محاضرات اسلامية هادفة

05 بعض التحريفات في كتب القوم ورأيت من المناسب أن أذكر لكم نقطة تتعلق بآية ...