الرئيسية / بحوث اسلامية / البــدعــة مفهومها وحدودها

البــدعــة مفهومها وحدودها

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا الاَكرم محمد المصطفى الاَمين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابهم المنتجبين.

إنَّ الحفاظ على مصادر التشريع الاِسلامي من كلِّ وافد غريب مهمة تقع على عاتق كلّ أفراد هذه الاُمّة دون استثناء سيما علماؤها ومثقفوها، وذلك لاَجل الحفاظ على معالم العقيدة الصحيحة التي تشكل حجر الزاوية في بناء الاِنسان فكرياً وحضارياً.

إنَّ التشريع الاِسلامي يستند إلى عدة أركان وثيقة تستوعب مختلف جوانب الحياة وأبعادها، وتمتلك مقومات الحصانة والبقاء والاستمرار، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي»، ولم يرحل خاتم الاَنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ وقد اكتملت معالم الدين الاِسلامي الحنيف بأبعادها المختلفة(اليومُ أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاِسلام ديناً)وبعد تمام الدين واكماله وتحديد الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم مصادر التشريع التي أمر بها الله تعالى، ليس ثمة أحد يمتلك حق الزيادة أو النقصان في أمر الدين القويم وشريعته السمحة، ومن يحاول ذلك فهو مبتدع ومفترٍ ومقدّم بين يدي الله ورسوله(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذَّب بآياته إنّه لا يفلح الظالمون)،(يا أيُّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله).

إنَّ الاِحداث في الدين معول هدّام في صرح التشريع الاِسلامي الوثيق، وهو من أخطر ما يهدد كيان الاُمّة بالانهيار والفرقة.

ومن هنا أكد الشرع القويم على خطورة البدعة على معالم الدين ووحدة المسلمين، وأكد على ضرورة مجابهتها البدعة باعتبارها نداً مقابلاً للسُنّة وضداً لايلتقي معها أبداً، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من أدى إلى أُمتي حديثاً يقام به سُنّة أو يثلم به بدعة فله الجنة» وبدون هذه المواجهة ستصبح البدعة بضاعة رائجة في سوق التشريع والتعامل تؤدي إلى ضياع

الصفحة 6

السُنّة وبيعها بثمنٍ بخسٍ هو ثمن الاَهواء والتعصب قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يذهب من السُنّة شيء حتى يظهر من البدعة مثله». ولذلك أمر الشارع المقدس بمقاطعة المبتدع في الدين قال صلى الله عليه وآله وسلم: من أتى ذا بدعة فعظّمهُ فانما يسعى في هدم الاِسلام وأمر أيضاً باظهار العلم مقابل الكذب والافتراء ليكون حدّاً فاصلاً بين السُنّة والبدعة قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا ظهرت البدع في أُمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله». ومع ذلك كلّه فقد حدثت بدعٌ كثيرة بعد زمان رسول الاِسلام صلى الله عليه وآله وسلم وبقيت مستمرة ولها أتباع كثيرون حتى اليوم.. فهي افتراءات على الله سبحانه وضلالات عن الدين الحنيف وإنْ حاول أُولئك الاَتباع الدفاع عنها تحت عنوان «الاجتهاد».

وهناك في المقابل قوم آخرون من أهل البدع، توسّعوا في مفهوم البدعة فزعموا شموله لكلِّ أمر حادث في الحياة بعد رسول الله أو بعد ثلاثة قرون منذ عصره صلى الله عليه وآله وسلم وهم في ذلك يدّعون الحرص على الدين والتقيد بالسُنّة النبوية الشريفة، وبذلك عزلوا الشريعة السمحة عن التفاعل مع حياة الناس فجعلوها جامدة وكأنها لا تمتلك مقومات الديمومة والاستمرار، وتناقض التطور والمدنية وتقف عاجزة أمام الحوادث المستجدة.. وأيضاً أطلقوا عنوان «البدعة» على بعض الممارسات التي هي من صميم الدين، واتخذوا ذلك وسيلة للتشنيع وبث عوامل الفرقة بين الفصائل الاِسلامية المختلفة وتسديد سهام النقد والتشويه لبعض العقائد المستمدة من الوحي الالهي قرآناً وسُنّة.

والحق أن هؤلاء وأُولئك خالفوا تعاليم الشريعة الغرّاء فضلّوا وأضلّوا، لذا أصبح من الضرورة بمكان دراسة هذا المفهوم دراسة موضوعية وافية تكشف مختلف جوانبه وأبعاده.

ولتحقيق هذا الهدف فقد عُني هذا البحث ـ رغم كونه مختصراً ـ بمعالجة هذه المسألة وفق منهج علمي دقيق واسلوب مناسب يستعين بهدي الكتاب والسُنّة وأمثلة السيرة والتاريخ، وقد انتهى إلى نتائج ومعالجات دقيقة وموفقة.

ومنه تعالى نستمد العون والسداد لاحياء السُنن واماتة البدع

مقدمة المركز

الصفحة 7

المقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خير خلقه محمد المصطفى الاَمين وآله الطيبين الطاهرين وصحبهم المنتجبين.

قال تعالى:(ولا تقولن لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)(1).

تعتبر البدعة من المعاصي الكبيرة التي نصَّ على حرمتها الكتاب الكريم وسُنّة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي ضلالة تؤدي بصاحبها إلى سواء الجحيم، ذلك لاَن المبتدع في الدين مفترٍ على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذَّب بآياته إنّه لا يفلح الظالمون)(2)ولانه يسوق الاُمّة وفقاً لاَهوائه إلى سبيل منحرف ينتهي إلى الفرقة والتناحر والاقتتال، بدلاً عن السبيل السوي الذي اختاره تعالى لسعادة البشرية(وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)(3)ً لذا نرى من الواجب المناط بأهل العلم والمعرفة رسم الصورة الحقيقية للسُنّة المباركة وتخليصها من كلِّ دخيل وتمحيصها من الابتداع والاحداث في الدين بالعرض على الكتاب والسُنّة، دون ان يكون لدواعي الهوى وآراء المذاهب المختلفة أثر في اعتبارات البدعة ومواردها المختلفة.

____________

(1) النحل 16: 116.

(2) الانعام 6: 21.

(3) الانعام 6: 153.

الصفحة 8

من هنا حاولنا في هذا البحث رسم الصورة الواقعية لمفهوم البدعة من خلال دراسة وافية تقترن ببيان الموارد الصحيحة والمصاديق الحقيقية لها وفقاً لما جاء في كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهدي أئمة الهدى عليهم السلام.

وقد سلطنا الضوء على هذا المفهوم من جوانبه المختلفة مع شيء من الاختصار وفقاً للفصول التالية:

الفصل الاَول: تعريف البدعة لغةً واصطلاحاً وبيان دلالتها في القرآن والسُنّة، واستعراض ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث شريفة في حرمة الابتداع في الدين وخطورته وضرورة مواجهته بشتى الوسائل.

الفصل الثاني: بيان مفهوم البدعة وشروطها وحدودها وتقسيمها.

الفصل الثالث: استعراض الاسباب التي أدت إلى نشوء البدع وانتشارها، وقد حصرناها في ثلاثة أسباب رئيسية هي: 1 ـ توهم المبالغة في التعبد لله تعالى، 2 ـ اتباع الهوى، 3 ـ التسليم لغير المعصوم.

الفصل الرابع: ذكرنا فيه دور أهل البيت عليهم السلام واسهامهم في مجابهة البدع ومحدثات الاُمور، ويدور البحث فيه على محاور رئيسية، هي: قول الاَئمة عليهم السلام في: الجبر والتفويض، والقياس والرأي، والتصوف والرهبنة، ومسألة التشبيه والتجسيم، ومحاربة الغلو والغلاة.

الفصل الخامس: نقلنا فيه البحث النظري المتقدم إلى ساحة التطبيق العملي، مبيّنين أهم البدع المحدثة، ذاكرين بعض الممارسات والعقائد التي نسبت إلى البدعة وليست هي كذلك.

نرجو أن نكون قد أفدنا في هذا البحث ووفقنا لما فيه الخير والرشاد.

ومن الله نستمد العون والسداد وهو يهدي من يشاء إلى سواء السبيل

 

https://t.me/wilayahinfo

[email protected]

الولاية الاخبارية

 

شاهد أيضاً

محاولات هدم قبور الصالحين في التاريخ

‏‪ *محاولة نبش قبر امنة بنت وهب (رضوان الله تعالى عليها)*  *قال الحافظ ابن عقيل ...