الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

61

وحيث إبتدء الكلام بعرض المنافق وأهل الكتاب في صف واحد، ذَكَرَ سبحانه صفة من صفات المنافقين وأنهم كيف لا يؤثّر فيهم الوعظ والإرشاد ((وَإِذَا جَآؤُوكُمْ ))، أي جائكم المنافقون ((قَالُوَاْ آمَنَّا )) إيماناً كإيمانكم ((وَ)) لكنهم في دعواهم ذلك كاذبون إذ ((قَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ ))، أي بالكفر، كان الكفر مادة يحملونها معهم، فهم قد دخلوا بهذه المادة حينما دخلوا في المجلس، ثم خرجوا بهذه المادة كما دخلوا، لم تؤثّر فيهم الموعظة والبلاغ، حيث كانت قلوبهم إلى إخوانهم الكافرين لا معكم حتى تؤثّر فيهم الموعظة ((وَاللّهُ أَعْلَمُ )) منكم ((بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ))، أي يُخفون من الكفر والنفاق .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

62

ثم أنّ هؤلاء الكفار يجمعون مع كفرهم صفات أخرى ذميمة هي من مستلزمات الإنحراف أشار إليها بقوله تعالى ((وَتَرَى )) يارسول الله ((كَثِيرًا مِّنْهُمْ ))، أي من هؤلاء الكفار وهم الرؤساء وذووا الجاه والمنصب ((يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) فيُسابق بعضهم بعضاً في فعل الإثم والتعدّي على الناس أنهم حيث لم يؤمنوا بالله وكانت ديانتهم -المزعومة- صورية يكون فكرهم إصطياد أكثر كمية من المال والجاه ولذا يتسابق بعضهم بعضاً في ذلك، إنّ الإثم لا أهمية له في نظرهم إذ لم يعمر قلوبهم الإيمان والتعدّي من شأن من يريد تعمير دنياه ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)) كلّ مال حرام من رشوة وربا وأكل أموال اليتامى وأكل أموال الناس بالباطل ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) فإنّ أعمالهم توجب خِزي الدنيا والآخرة .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

63

وهنا يتوجه السياق إلى العلماء والمتدينون منهم كيف يسكتون على هذه المنكرات البشعة التي ظهرت في اليهود، وما شأنهم إذا سكتوا عن كل تلكم الجرائم ((لَوْلاَ )) كلمة تحضيض بمعنى هلّا، أي : لماذا لا ((يَنْهَاهُمُ ))، أي ينهي هؤلاء الكثير الذين يسارعون في الإثم والعدوان ((الرَّبَّانِيُّونَ )) جمع ربّاني وهو منسوب إلى الرب على غير القياس، أي الإلهيّون الذين يتورّعون من خوف الله سبحانه ((وَالأَحْبَارُ )) جمع حبر بالكسر والفتح وهو العالم ((عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ )) وهو ما يقوله الإنسان بغير حق من كذب وغيبة ونميمة وتحريف وغيرها ((وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ )) من الربا والرشوة وغيرها، والسُحت هو أشدّ أنواع الحرام ((لَبِئْسَ مَا كَانُواْ ))، أي كان هؤلاء الربّانيّون والأحبار ((يَصْنَعُونَ)) فإنّ سكوتهم عن الباطل ومجاملتهم لأهله نوع من الصنع .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

64

ثم بيّن مثل سبحانه لقولهم (الإثم) مثلاً بقوله ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ )) لا يُنفق رزقاً ولا يُعطي شيئاً كأنهم قالوا ذلك تبريراً لموقفهم البخلي، فإنّ الله لو كان لا يُنفق فأجدر بهم أن لا يُنفقوا، وقيل أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ اليهود كانوا من أكثر الناس مالاً وسِعة، فلما جاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكذّبوه ضيّق الله عليهم فقال أحد اليهود وهو “فخاض” أنّ يد الله مغلولة فردّ الله عليهم ((غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ )) دعاء عليهم بأن تُغلّ أيديهم عن الخير، أو إخبار عنهم بأنّ اليهود بُخلاء لُئماء، أي أنهم غُلّت أيديهم لا الله سبحانه ((وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ )) لعنهم الله وطردهم عن رحمته بسبب هذه المقالة ((بَلْ يَدَاهُ ))، أي يدا الله سبحانه ((مَبْسُوطَتَانِ )) كناية عن جوده وإعطائه، وإنما جاء بذِكر اليد وذَكَر (يداه) لإفادة تمام معنى الجود ((يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء )) فليس في تضييقه على اليهود دليل على أنه مغلول اليد بل إنما يُنفق سبحانه كيف يشاء حسب الحكمة والمصلحة، ثم ذَكَرَ سبحانه أنّ نزول القرآن وفضحهم يزيد كثيراً من اليهود إنحرافاً ((وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم ))، أي كثيراً من اليهود -وإنما لم يذكر كلهم لأنّ بعضهم لا يعنيه الأمر وبعضهم يسبّب القرآن هدايتهم- ((مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )) (ما) فاعل (يزيدنّ) و(كثيراً) مفعول مقدّم، أي أنّ طغيانهم وكفرهم يزداد بسبب القرآن، أما أنّ كفرهم يزداد فلأنه كلما أنكروا آية وحُكماً إزدادوا كفراً وستراً للحق، وأما أنّ طغيانهم يزداد فلأنهم يقاومون الدعوة أكثر فأكثر كلما رأوا تقدّمها أكثر ((وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ))، أي بين اليهود ((الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )) فإنّ طبيعتهم المتخمّرة بحب الذات وبالإعتقاد بأنهم شعب الله المختار وبُخلهم في الأمور المادية لابد وأن توجد بينهم العداوة والحزازة -ماداموا يهوداً يعتقدون بهذه الإعتقادات السخيفة- فإنّ أسباب النزاع في العالم يدور على المنصب والمادة -غالباً- وهذان كامنان في كل يهودي، وقد دلّ التاريخ على صدق ذلك فاليهود دائماً متحاربون متباغضون حتى في (فلسطين) اليوم تقوم الأحزاب اليهودية والمنظمات بأبشع أنواع العداوة والبغضاء فيما بينها -أنظر كتاب (كُتب في إسرائيل)-، وقد مرّ سابقاً تفسير (إلى يوم القيامة) وأنه كناية عن بقاء الحكم ما دام اليهود موجودين ((كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ))، أي كلما أرادوا محاربة المسلمين هزمهم الله ونصر المسلمين عليهم، وقد دلّ التاريخ على ذلك، فقد غلب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على يهود قريضة ونضير وخيبر وفدك وغيرها مع كثرة عددها وعُددها، وبعد ذلك لم يتمكن اليهود من محاربة المسلمين حتى في يومهم هذا في فلسطين إنما يسندون إلى (حبلٍ من الناس) ثم ما هي إلا فترة حتى تراها إنقشعت إنقشاع الضباب ((وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا )) فهم مفسِدون دائماً حيث يريدون العلو على الناس وجمع أموالهم، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يتهيّأ لهم إلا بالإفساد -أنظر كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)- ((وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ))، أي يكرههم، إذ ملازمة بين عدم حبّه وكراهته، فإنّ كلّ مُصلح محبوب وكل مُفسِد مكروه .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

65

((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ )) إيماناً بما أنزل الله وتقوى من معاصي الله ((لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ))، أي سترنا سيئاتهم الماضية لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله ((وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ))، أي التي فيها أنواع النِعَم والكرامة .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...