الدرس الخامس: الإيمان والعمل – الاستقلال – الحريّة
الأهداف
1- أن يتعرّف الطالب إلى مرتكزات الشخصيّة الإسلاميّة.
2- أن يميِّز بين الشخصيّة المستقلّة والشخصيّة المتمرّدة.
3- أن يميِّز بين الحريّة الحقيقيّة والعبوديّة.
39
من أين يستقي المسلم صفاته الشخصيـّة:
إنّ معرفة مرتكزات الشخصيّة الإسلاميّة تعتمد على معرفة الأُسس الّتي يقوم عليها الإسلام كدين إلهيّ في أبعاده الثلاثة:
1- العقائديّ.
2- الأخلاقيّ.
3- العمليّ أو المسلكيّ.
فالشخصيّة القويمة الّتي دعا إليها الإسلام هي الّتي تتجمّع فيها هذه الأبعاد الثلاثة. وطريق معرفة هذه الأبعاد متوقّف على معرفة ما جاء به القرآن الكريم، الّذي هو خطاب ربِّ العالمين إلى الخلق أجمعين، ومتوقّف أيضاً على التتبّع الدقيق للنصوص الشريفة الّتي فاض بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام.
وإذا كان القرآن والسنة هما المصدرين الأساسين لمعرفة صفات الشخصيّة الإسلاميّة القويمة، فإنّ التعلُّم والتفقّه هما سلاح المسلم الفعّال للاغتراف من هذين المصدرين. ومن هنا كان حثُّ أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على التفقّه في الدين وبذل المهج في سبيل ذلك. ولا يخفى على الفطن سبب هذا الحثّ، فإنّ تحصيل الاعتقاد الصحيح، والتحلّي بالخُلق السليم، والسير على هدى الشريعة الإلهيّة، فيه صلاح ونجاة للإنسان في الدنيا والآخرة.
وإذا أردنا أن نُلخِّص أهمَّ مرتكزات الشخصيّة الإسلاميّة القويمة، فإنّها تقوم على أصلين رئيسين، منهما تتشعّب الأغصان والفروع النامية، هذان الأصلان هما: الإيمان والعمل الصالح.
أمّا الإيمان فمعناه أنّ المرتكزات العقائديّة الّتي حصّلها الإنسان المسلم بعقله، قد ارتقت لترتسم على لوح قلبه، بحيث صارت أكثر ثباتاً وتجذُّراً في نفسه، فلا تهزُّها عواصف
41
الشبهات، ولا تُسقمها آفات الشهوات.
أمّا العمل الصالح، فهو يُمثِّل استقامة الإنسان المسلم في جانبي الأخلاق والسلوك، وهذه الاستقامة هي المرآة الّتي تعكس قوّة الإيمان وبهائه، وهي أيضاً مرساة لصفاء الإيمان ونقائه، ومن هنا كان الإيمان والعمل أخوين توأمين ورفيقين لا يفترقان كما جاء في الحديث. ومن هنا نستنتج، أنّه مَن لا عمل له لا إيمان له، ومَن لا إيمان عنده لا يُقبل منه أيُّ عمل. وما يقوله بعض الناس من أنّ الإيمان القلبيّ يكفي ولا حاجة إلى طاعة الله في كلِّ شيء، كلام لا وزن له، بعدما تبيّن لنا عدم انفكاك الإيمان عن العمل الصالح.
إستنتاج
– الشخصيّة القويمة الّتي دعا إليها الإسلام هي الّتي تجمع الأبعاد الثلاثة: العقائديّ والأخلاقيّ والعمليّ.
– القرآن الكريم والنصوص الشريفة لأهل البيت عليهم السلام هما المصدران الأساسان لمعرفة صفات الشخصيّة الإسلاميّة.
– الإيمان والعمل الصالح هما المرتكزان الأساسان للشخصيّة الإسلاميّة.
– الإيمان والعمل الصالح أخوان توأمان لا يفترقان، فلا يُقبل عمل من دون إيمان، ولا قيمة لإيمان من دون عمل.
الإنسان المسلم مستقلٌّ أم متمرّدٌ:
ينجرف بعض الشباب هذه الأيّام وراء الشعارات الّتي تدعو إلى التمرُّد على القيم والمبادئ، الّتي من شأنها أن تُحافظ على المجتمع البشريّ، ظنّاً منهم أنّ هكذا سلوك يُحقِّق لهم قَدَراً من الرفعة والقوّة والتميُّز بين أقرانهم. غافلين عن أنّ التمرُّد على القيم لم يُحقِّق لأيِّ فرد أو أمّة أيَّ رصيد طوال التاريخ، بل بالعكس، كان سبباً لهلاكهم وزوال آثارهم كما تشهد على ذلك سيرة قوم لوط وعاد وثمود.
جاء الإسلام ودعا الناس إلى التمسُّك بالقيم وبالمبادئ السامية، ولم يُجبرهم على ذلك، بل دعاهم إلى إعمال عقولهم، ونبذ شهواتهم والتأمُّل في عاقبة التفلُّت من القيم والمبادئ. وهو بذلك يدعو إلى شخصيّة مستقلّة ولكنّها عاقلة، تعقل أهميّة المحافظة على المبادئ، وتُدرك العواقب الوخيمة للتمرُّد والانسياب. ففي ظلِّ نظام كوني قائم على السنن والأسباب والنّظم، لا مكان للأفكار الّتي تدعو إلى العبثيّة وتجرّد الإنسان من كلِّ قيد ومسؤوليّة.
42
إستنتاج
– الشعارات الّتي تدعو الشباب إلى التمرُّد والتفلُّت من القيم والمبادئ السامية شعارات هدّامة، والتاريخ أفضل شاهد على ذلك.
– الإسلام يدعو إلى شخصيّة مستقلّة ولكنّها عاقلة، ومُدرِكة لقيمة التمسُّك بالمبادئ والقيم.
– الّذين يدعون إلى العبثيّة والتفلُّت إنّما يسيرون عكس طبيعة النظام الكوني القائمة على الأسباب والسنن الثابتة.
الإنسان المسلم حرٌّ أم عبدٌ:
بين الحريّة والعبوديّة خطّ دقيق فاصل، من خلاله نُدرك جدليّة الحريّة والعبوديّة في حياة الإنسان. فإلى جانب الرأي الّذي يقول إنّ الإنسان حرٌّ مطلقاً، والرأي الّذي يقول بأنّه عبدٌ مطلقاً، رأي ثالث يقول إنّ الإنسان حرٌّ وعبدٌ. أي إنّه من خلال عبوديته يُمنح حريّته. ومن خلال حريّته يلبس ثوب العبوديّة. على أنْ يُحسن توجيه عبوديته في الاتجاه الصحيح، وإلّا فإنّ مفعول الوصول إلى الحريّة سيبطل حتماً.
وتفصيل ذلك: إنّ الموجود الوحيد الّذي يتوجّب على الإنسان أن يُدين له بالعبوديّة ويُطيعه هو الله عزَّ وجلَّ. لأنّه هو الخالق وهو المنعِم وهو الربُّ. والله عزَّ وجلَّ يعلم بخلقة الإنسان وبما يُفيده ويضرّه.
وبالتالي، التشريع والقانون الإلهي هو الّذي يُمكن أن يُدّعى بحقّه بأنّه التشريع الّذي فيه مصلحة الإنسان ونجاته وسعادته، أمّا باقي القوانين والتشريعات الّتي هي من وضع الإنسان فليس لها هذا المقام وهذه المنزلة. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ طاعة الله والعبوديّة له فيها فكاك رقبة الإنسان من أسر الشهوات والشيطان اللعين. فهي باب إلى حرّيّته. وبالتالي، عند قولنا بأنّ الإنسان المؤمن حرٌّ وعبدٌ، قصدنا أنّه عبدٌ لله عزَّ وجلَّ، وحرٌّ من أسر شهواته والشيطان اللعين. أمّا إذا كان اللحاظ علاقة الإنسان بربِّه، فهو عبدٌ له مطلقاً، وليس له من أمره شيء.
إستنتاج
– هناك ثلاثة أقوال في الحريّة والعبوديّة، رأي يقول بالحريّة مطلقاً، ورأي بالعبوديّة مطلقاً، ورأي بكون كلٍّ من الحريّة والعبوديّة مدخلاً للآخر.
– شرط كون كلٍّ من الحريّة والعبوديّة مدخلاً للآخر أنْ يُحسن الإنسان توجيه العبوديّة في الاتجاه الصحيح.
43
للمطالعة
قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يُدبِّر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً هان عليه الانفاق فيما أمره الله تعالى أن يُنفق فيه، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مُدبِّره هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا، وإبليس، والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً، ولا يدع أيّامه باطلاً، فهذا أوّل درجة التّقى1.