الأدب الرابع: حضور القلب
من الآداب القلبية حضور القلب الذي يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات وقلّ ما ذكر في الأحاديث الشريفة شيء بهذه المثابة، وقلّ ما اهتمّ بشيء من الآداب كهذا الأدب.
28
الأدب الخامس: التفكّر
من آداب قراءة القرآن المهمة : التفكر، والمقصود من التفكر أن يتجسس من الآيات الشريفة المقصد والمقصود، وحيث إن مقصد القرآن كما تقوله نفس الصحيفة النورانية هو الهداية إلى سبل السلام والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النور، والهداية إلى طريق مستقيم فلا بد أن يحصّل الإنسان بالتفكر في الآيات الشريفة مراتب السلامة من المرتبة الدانية والراجعة إلى القوى الملكية إلى منتهى النهاية فيها وهي حقيقة القلب السليم على ما ورد تفسيره عن أهل البيت عليهم السلام وهو أن يلاقي الحق وليس فيه غيره وتكون سلامة القوى الملكية والملكوتية ضالة قارئ القرآن.
وقد كثرت الدعوة إلى التفكر وتمجيده وتحسينه في القرآن الشريف قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
29
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وفي هذه الآية مدح عظيم للتفكر، وقال تعالى في الآية الأخرى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .
والآيات من هذا القبيل أو ما يقرب منه كثيرة والروايات أيضاً في التفكر كثيرة. فقد نقل عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وأله وسلم أنه لما نزلت الآية الشريفة ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ﴾… . قال صلى الله عليه وأله وسلم: “ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها “.
والعمدة في هذا الباب أن يفهم الإنسان ما هو التفكر الممدوح، وإلا لا شك في أن التفكر ممدوح في القرآن والحديث، فأحسن التعبير فيه ما عبّر به الخواجة عبد الله الأنصاري قال: اعلم أن التفكّر تلمّس البصيرة لاستدراك البغية، يعني أن التفكر هو تجسّس البصيرة وهي بصر القلب للوصول إلى المقصود، والمقصود هو السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العلمي أو العملي.
إذا وجد القارئ المقصد وتبصّر في تحصيله، وانفتح له طريق الاستفادة من القرآن الشريف، وفتحت له أبواب رحمة الحق فإنه لا يصرف عمره القصير العزيز ورأس مال تحصيل سعادته على أمور ليست مقصودة لرسالة الرسول
30
صلى الله عليه وأله وسلم ويكف عن فضول البحث وفضول الكلام، في مثل هذا الأمر المهم فإذا أشخص بصيرته مدّة إلى هذا المقصود وصرف نظره عن سائر الأمور تتبصّر عين قلبه ويكون بصره حديداً، ويكون التفكر في القرآن للنفس أمراً عادياً وتنفتح طرق الاستفادة، وتفتح له أبواب ليست مفتوحة له إلى الآن، ويستفيد مطالب ومعارف من القرآن ما كان يستفيدها إلى الآن بوجه، فحين ذاك يفهم كون القرآن شفاء للأمراض القلبية، ويدرك مفاد الآية الشريفة ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّخَسَارًا﴾ ومعنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه “وتعلموا القرآن فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور “ولا يطلب من القرآن شفاء الأمراض الجسمانية فقط بل يجعل عمدة المقصد شفاء الأمراض الروحانية الذي هو مقصد القرآن بل القرآن ما نزل لشفاء الأمراض الجسمانية وإن كان يحصل به كما أن الأنبياء عليهم السلام لم يبعثوا للشفاء الجسماني وإن كانوا يشفون فهم أطباء النفوس والشافين للقلوب والأرواح
31