الرئيسية / بحوث اسلامية / الغدير في الكتاب والسنة والأدب – الشيخ الأميني

الغدير في الكتاب والسنة والأدب – الشيخ الأميني

13- (الشعر والشعراء) * ونحن لا نرى شعر السلف الصالح مجرد ألفاظ مسبوكة في بوتقة النظم، أو كلمات منضدة على أسلاك القريض فحسب، بل نحن نتلقاه بما هناك من الأبحاث الراقية في المعارف من علمي الكتاب والسنة، إلى دروس عالية من الفلسفة والعبر والموعظة الحسنة والأخلاق، أضف إليها ما فيه من فنون الأدب، ومواد اللغة، و مباني التاريخ، فالشعر الحافل لهذه النواحي بغية العالم، ومقصد الحكيم، ومأرب الأخلاقي، وطلبة الأديب، وأمنية المؤرخ وقل: مرمى المجتمع البشري أجمع. وهناك للشعر المذهبي مآرب أخرى هي من أهل ما نجده في شعر السلف.

 

 

 

ألا ؟ وهي الحجاج في المذهب، والدعوة إلى الحق، وبث فضايل آل الله، ونشر روحيات العترة الطاهرة في المجتمع، بصورة خلابة، وأسلوب بديع، يمازج الأرواح، و ويخالط الأدمغة، فيبلغ هتافه القاصي والداني، وتلوكه أشداق الموالي والمناوئ مهما علت في الكون عقيرته، ودوخت الارجاء شهرته، وشاع وذاع وطار صيته في الأقطار، وقرطت به الآذان. مهما صار أحدوة تحدو بها الحداة، وأغاني تغني بها الجواري في أندية الملوك والخلفاء والأمراء، وتناغي بها الأمهات الرضع في المهود، ويرقصنها بها بعد الفطام في الحجور، ويلقنها الآباء أولادهم على حين نعومة الأظفار، فينمو ويشب وفي صفحة قلبه أسطر نورية من الولاء المحض بسبب تلك الأهازيج، وهذه الناحية (الفارغة اليوم) لا تسدها خطابة أي مفوه لسن، ولا تلحقه دعاية أي متكلم، كما يقصر دون إدراكها السيف والقلم. وأنت تجد تأثير الشعر الرائق في نفسيتك فوق أي دعاية وتبليغ، فأي أحد يتلو ميمية الفرزدق فلا يكاد أن يطير شوقا إلى الممدوح وحبا له ؟ أو ينشد هاشميات الكميت فلا يمتلئ حجاجا للحق ؟ أو يترنم بعينية الحميري فلا يعلم أن الحق يدور علي الممدوح بها ؟ أو تلقى عليه تائية دعبل فلا يستاء لاضطهاد أهل الحق ؟ أو تصك سمعه ميمية الأمير أبي فراس فلا تقف شعرات جلدته ؟ ثم لا يجد كل عضو من يخاطب

 

 
[3]
القوم بقوله: يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم * لعصبة بيعهم يوم الحياج دم وكم وكم لهذه من أشباه ونظاير في شعراء أكابر الشيعة، وسوف تقف عليها في طيات أجزاء كتابنا هذا إنشاء الله تعالى. وبهذه الغاية المهمة كان الشعر في القرون الأولى مدحا وهجاءا ورثاءا كالصارم المسلول بيد موالي أئمة الدين، وسهما مغرقا في أكباد أعداء الله، ومجلة دعاية إلى ولاء آل الله في كل صقع وناحية، وكانوا صلوات الله عليهم يضحون دونه ثروة طايلة ويبذلون من مال الله للشعراء ما يغنيهم عن التكسب والاشتغال بغير هذه المهمة، وكانوا يوجهون الشعراء إلى هذه الناحية، ويحتفظون بها بكل حول وطول، ويحرضون الناس عليها، ويبشرونهم عن الله و (هم أمناء وحيه) بمثل قولهم: من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة.

 

 

 

ويحثونهم على تعلم ما قيل فيهم وحفظه بمثل قول الصادق الأمين عليه السلام. علموا أولادكم بشعر العبدي. وقوله: ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس (1). وروى الكشي في رجاله ص 160 عن أبي طالب القمي قال: كتبت إلى أبي جعفر بأبيات شعر وذكرت فيها أباه وسألته أن يأذن لي في أن أقول فيه، فقطع الشعر وحبسه وكتب في صدر ما بقي من القرطاس: قد أحسنت فجزاك الله خيرا. وعنه في لفظ آخر: فأذن لي أن أرثي أبا الحسن أعني أباه وكتب إلي: أن اندبه واندب لي. * (الشعر والشعراء في السنة والكتاب) * كل ما ذكرنا عنهم صلوات الله عليهم كان تأسيا بقدوتهم النبي الطاهر صلى الله عليه وآله فإنه أول فاتح لهذا الباب بمصراعيه مدحا وهجاءا بإصاخته للشعراء المادحين له ولأسرته الكريمة، وكان ينشد الشعر ويستنشده ويجيز عليه ويرتاح له ويكرم الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة كارتياحه لشعر عمه شيخ الأباطح أبي طالب سلام الله عليه لما استسقى فسقي قال: لله در أبي طالب
(1) عيون أخبار الرضا، رجال الكشي ص 254.
[4]

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...