الوقت –كشفت بعض التقارير الإخبارية بأن كل الدول الأوروبية رفضت دفع أموال للرئيس التركي الذي هدد في وقت سابق بأنه سوف يفتح الباب أمام اللاجئين للدخول إلى أوروبا ولهذا فلقد ناقشت الدول الأوروبية هذه القضية الحساسة في قمة الناتو التي عقدت قبل عدة أيام في العاصمة البريطانية لندن وخرجت هذه القمة بالموافقة على اتخاذ موقف صارم ضد الابتزاز التركي ودراسة كيفية عودة اللاجئين إلى سوريا، وفي تقريره الأخير، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان عن إجراءات تقوم بها القوات التركية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال سوريا، ولفت ذلك المرصد إلى أن تركيا بدأت بنقل السكان الأكراد السوريين من تلك المناطق وذلك من أجل تغيير الهيكل الديموغرافي والسكاني لتلك المناطق، كما جاء في هذا التقرير الذي صدر يوم الجمعة الماضي، أن تركيا نقلت مواطنين سوريين من مدينة “جرابلس” إلى المناطق القريبة من الحدود التركية ومن ثم قامت بنقلهم إلى منطقة “تل أبيض“.
وفي سياق متصل، قالت الإدارة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال سوريا في بيان صدر مؤخراً، إن تركيا بعدما قامت خلال الفترة الماضية بتشريد أكثر من 300 ألف شخص من السكان الأصليين لمناطق شمال شرق سوريا، تقوم حالياً بالتنسيق مع أمريكا لإعادة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها إلى مناطق شمال سوريا وذلك من أجل تغيير الهيكل الديموغرافي والسكاني لمناطق شمال شرق سوريا.
يذكر أن تركيا تستضيف حالياً حوالي 3.6 ملايين لاجئ سوري، لكن المشكلات الاقتصادية التي عانت منها تركيا في السنوات الأخيرة دفعت “أنقرة” إلى بذل الكثير من الجهود لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا لإعادة جزء من اللاجئين إليها ولتحقيق بعض الأهداف الخفية الخبيثة، مثل تغيير التركيبة السكانية لتلك المنطقة والسيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية.
وفي السياق ذاته، نفت تركيا مراراً وتكراراً المزاعم التي تقول بأنها قامت بأعمال عسكرية في الشمال السوري من أجل قضايا تتعلق بمكافحة الإرهاب، إلا أن مسؤولي الحكومة السورية أعلنوا مراراً أن مواقف “أنقرة” تتعارض مع الحقائق الميدانية والتي كشفت بأن القوات التركية تحاول احتلال الكثير من المناطق الشاسعة في الشمال السوري وتحاول أيضاً تغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق.
مدينة “عفرين” حقل التجارب التركي
كانت مدينة “عفرين” أول منطقة كردية كبيرة شمال سوريا حيث تمكّنت تركيا في عام 2018 من احتلالها خلال عملية “غصن الزيتون” العسكرية بمساعدة القوات السورية المعارضة الموالية لها وبعد احتلال الجيش التركي وحلفائه تلك المناطق، تم نشر العديد من الأخبار والتقارير حول جهود تبذلها “أنقرة” لتغيير الطبيعة الديموغرافية والتركيبة السكانية للمنطقة.
وحول هذا السياق، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان في عام 2017 أن العديد من القرى تعرّضت للنهب على أيدي الميليشيات التي تقودها تركيا وأشار التقرير الذي صدر عن المرصد السوري إلى قيام تلك القوات المسلحة الموالية لتركيا بسرقة السيارات والمنازل والأدوات الزراعية.
يذكر أن الحملات العسكرية التي قامت بها المليشيات المسلحة الموالية لتركيا ضد السكان المحليين، قد أجبرت العديد منهم على الانتقال إلى مناطق أخرى على مدار العامين الماضيين، وحتى هذه اللحظة لا يزال المهاجرون يتوافدون إلى مدينة “عفرين”، ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الداخلية التركية، فلقد عاد الكثير من اللاجئين السوريين إلى عفرين بعد “عمليات درع الفرات” التي نفذتها القوات التركية والمليشيات الموالية لها العام الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، كشفت العديد من المصادر الإخبارية السورية بأن القوات التركية والمليشيات الموالية لها لم تكتفِ بسرقة المناطق التي سيطرت عليها خلال الفترة الماضية وتشريد سكانها وإنما قامت أيضاً بتدمير وثائق الهوية التاريخية لشمال سوريا في مدينة “عفرين” وغيرها من المدن الخاضعة لسيطرة “أنقرة”، وقامت أيضاً بتدمير الحضارة والآثار التي تعود إلى 3000 عام مضت، ووفقاً لتلك المصادر الإخبارية فلقد دمّرت القوات التركية معبد “عين دارة” وقبر “النبي هوري قورش” و”تل جونديرز” في عفرين.
ضغط تركي على أوروبا
يبذل حزب العدالة والتنمية التركي الكثير من الجهود لتغيير التركيبة السكانية للمناطق الشمالية من سوريا وذلك من خلال إعادة توطين مليون إلى مليوني لاجئ سوري في تلك المناطق، ولهذا فلقد خططت الحكومة التركية إلى بناء 10 مدن و140 قرية بتكلفة تصل إلى 27 مليار دولار ولكن الأوضاع الاقتصادية في البلاد خلقت الكثير من التحديات الكبيرة أمام أنقرة لتنفيذ هذا السيناريو ومن أبرز تلك التحديدات.
أولاً: إن المنطقة التي تمكّنت القوات التركية من السيطرة عليها خلال عملية “نبع السلام” هي منطقة طولها 120 كيلومتراً وعرضها حوالي بين 10 إلى 15 كيلومتراً، وهذه المساحة أصغر بكثير من منطقة الـ444 كيلومتراً التي حددها “أردوغان” في خطته الأصلية، لذلك، من المتوقع أيضاً أن يكون عدد الأشخاص الذين سوف يعودون إلى تلك المناطق قليل جداً.
ثانياً: تسببت المشكلات الاقتصادية والمالية التي عصفت بتركيا مؤخراً في عدم قدرة “أنقرة” على تمويل هذه الخطة والبدء بعودة اللاجئين السوريين، وذلك لأنها كانت تأمل في تمويل قطر والدول الأوروبية لخطتها، إلا أن هذه الأخيرة تملّصت من وعودها ولهذا فلقد حذّر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يوم الخميس الماضي من أن بلاده ستضطر لفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين الساعين للوصول إلى أوروبا، في حال عدم حصول أنقرة على مزيد من الدعم الدولي.
وقال “أردوغان” إنه في حال عدم تحقق المنطقة الآمنة “سنضطر إلى فتح الأبواب، إما أن تعطونا الدعم، وإن لم تعطونا، آسف، ولكن هذا ما نستطيع تحمله”، وتساءل “هل نحن فقط من سيتحمل عبء اللاجئين؟“، وأضاف: إن تركيا أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين، منتقداً الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي، لعدم تنفيذ وعوده، ويقيم أكثر من 3,6 ملايين لاجئ سوري في تركيا التي طالبت مؤخراً بإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرق سوريا، يمكن للاجئين أن يعودوا إليها، وبموجب اتفاقية موقعة في 2016 وعد الاتحاد الأوروبي أنقرة بستة مليارات يورو مقابل تشديد الإجراءات لمنع اللاجئين من مغادرة أراضيها إلى أوروبا، لكن “أردوغان” قال إن ثلاثة مليارات يورو فقط وصلت حتى الآن.
.