الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 19

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 19

الصلة الرابعة في سرّ القيام والركوع والسجود و .
كما أنّ للصلاة ذكرا وقولا كذلك لها حال وفعل ، ولكلّ من ذلك سرّ ، إذ الصلاة بأسرها ذات سرّ ، وقد تقدّم أنّ الطريق الوحيد لبيان سرّها هو : الكشف الصحيح ، أو النقل المعتبر ، إذ لا سبيل للعقل الطائف حوم كعبة الكلَّيّات أن يسعى بين مصاديقها الجزئيّة ، وأن يلزم أن لا يكون الجزئيّ المنكشف أو المنقول مناقضا للكلَّيّ المعقول المبرهن .
وأنّ الذي يوجّه به حال المصلَّي من القيام ونحوه لا خصيصة له بالصلاة ؛ لجريان غير واحد من ذلك في غيرها : كالوقوف في عرفات ، والمشعر ، وكذا الطواف والسعي ، حيث إنّ بعض ما يوجّه به أفعال الصلاة وأحوالها يجري في مناسك الحجّ والعمرة ونحوهما .

وحيث إنّ المهمّ هو النصّ الوارد في بيان أسرار الصلاة في المعراج ونحوه ، فلنأت بنبذ منه ، ثمّ نشير إلى ما يمكن توجيهه .
روي في العلل عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام : كيف صارت الصلاة ركعة وسجدتين ؟ ( أي : في كلّ ركعة ركوع وسجدتان ) ، وكيف إذا صارت سجدتين لم تكن ركعتين ؟ فقال عليه السّلام : « إذا سألت عن شيء ففرّغ قلبك لتفهم ، إنّ أوّل صلاة صلَّاها رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – إنّما صلَّاها في السماء
بين يدي اللَّه تعالى قدّام عرشه تعالى . إلى آخره » « 1 » .

والمستفاد منه : أنّ « صاد » الذي أمر رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – أن يغتسل ويتوضّأ منه هو عين تنفجر من ركن العرش كما تقدّم ، ويقال له : ماء الحياة ، وهو ما قال اللَّه عزّ وجلّ * ( « ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ » ) * ، وأنّ أحوال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله : من القيام والركوع والسجود ، والجلوس والانتصاب من ذلك كانت بالوحي الإلهيّ ، ولكلّ حال ذكر وقول ، كما عن دعوات الراونديّ عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله – أنّه قال : « أمرني جبرئيل أن أقرأ القرآن قائماً ، وأن أحمده راكعا ، وأن أسبّحه ساجدا ، وان أدعوه جالسا » « 2 » . كما أنّه روي : « للانتصاب ذكر خاصّ » .
ولمّا كان الإنسان كونا جامعا بين الحضرات كلَّها فهو واجد لكلّ حال يجده الملك ، ولا عكس ، إذ قد ورد في الملائكة : « أنّ منهم : سجودا لا يركعون ، وركوعا لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون . » « 3 » ، ولكنّ الإنسان ينتصب تارة ، ويركع أخرى ، ويسجد ثالثة ، ويجلس رابعة ، ويتزايل إلى القيام خامسة ، كما فعله رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – في المعراج .

وحيث إنّ ما ورد في سرّ الركوع أنّ تأويله : « آمنت بوحدانيّتك ولو ضربت عنقي » « 4 » مثال لسائر أحوال الصلاة من القيام ونحوه ، فيمكن أن يقال : إنّ سرّ القيام وتأويله هو الإعلام بالإعداد لمحاربة العدوّ من قوّة ترهبه ، والمقاومة تجاه أيّ بلاء مبين ، إذ الصلاة ممّا يستعان بها للحوادث والكوارث حسبما قال تعالى :
* ( « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ » ) * « 5 » . وهكذا الإعلام بامتثال قوله تعالى * ( « قُومُوا لِلَّه ِ قانِتِينَ » ) * « 6 » . وبإطاعة قوله تعالى :

* ( « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّه ِ ) * . » « 1 » ، و « . * ( كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّه ِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ) * » « 2 » ، ولا خفاء في أنّ المراقب على القيام للَّه وحده يصير قائماً بالقسط ، ثمّ يصير قوّاما به ، ثمّ يصير مظهرا للقيّوم الذي تعنو له الوجوه بالعرض والتبع ، كما أنّها عنت للحيّ القيّوم بالذات وبالأصالة .

والغرض : كما أنّ المحاورة قد استقرّت على التعبير عن الصبر والحلم والجهاد والاجتهاد بالقيام ؛ لأنّه أقوى حالة للإنسان بها يقدر على الذبّ أو الصول كذلك المشاهدة الملكوتيّة قد استمرّت على التمثّل بالقيام أو الانحناء أو السجود ، أو الجلوس ، لأحوال تعتري الإنسان تجاه ربّه من الحضور لديه ، والانقياد لأمره ، والتذلَّل في فنائه ، والتربّص لصدور أمره ، وحيث إنّ المهمّ في إقامة الصلاة هو كون المصلَّي قائماً للَّه لا يعجزه شيء ولا يقعده أمر من الأمور ورد في حقّ القيام والاهتمام به حال الصلاة : أنّه « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » « 3 » ، وهذا وإن كان ظاهره الحكم الفقهيّ من لزوم الاستواء حال التكبير للإحرام ، وحال القراءة ، وقبل الركوع ونحو ذلك ممّا يجب فيه القيام ، ركنا أو جزء ولكنّ تأويله هو : أنّ المناجاة مع اللَّه تستلزم المقاومة مع الخواطر والهواجس ، فضلا عنها مع الكوارث والحوادث .

كما أنّ إحياء العدل ، وإجراء القسط ، وعون المظلوم ، وخصم الظالم تفتقر إلى القدرة المعبّرة عن ذلك بالقيام بالقسط ، حسبما ورد في حقّ اللَّه تعالى * ( شَهِدَ ا للهُ أَنَّه ُ لا إِله َ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ) * « 4 » . وحيث إنّ اللَّه سبحانه دائم في شهادته بالوحدانيّة فهو دائم القيام بالقسط ، وكذلك الملائكة الَّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ويخافون من فوقهم ، ولا يعصونه طرفة عين ، بل وهكذا أولو العلم ، إذ الدوام في الشهادة بالتوحيد مستلزم للدوام في القيام
بالقسط ، فهو قائم دائما ، ولعلّ من هذا القبيل : اتّصاف بقيّة اللَّه تعالى واتّسامه – عليه السّلام – بوصف القيام وسمته .

ولمّا كان القيام لإحياء كلمة اللَّه وإعلائها فمن أحياها وأعلاها فهو قائم واقعا وإن كان قاعدا ظاهرا . ومن لم يحيها ولم يعلها فهو قاعد واقعا وإن كان قائماً ظاهرا حسبما يذكر في تفسير القيام للجهاد ، والقعود عنه ، من أنّ المدار هو : إحياء الدين بالجهاد والاجتهاد ، وإعلاء كلمة الحقّ بالإيثار والنثار ، سواء كان المجيء قائماً أو قاعدا على ما بينهما من الميز المقوليّ ؛ لأنّ كلّ واحد منهما من مقولة الوضع ، ولا اعتداد بالقيام البدنيّ تجاه قيام القلب بإحياء الدين وصون تراثه عن الضياع ، ولعلّ من هذا القبيل : هو ما قاله أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام : « . وما جالس هذا القرآن أحد إلَّا قام عنه بزيادة أو نقصان ، زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى » « 1 » . وما قاله – عليه السّلام – في وصف أولياء اللَّه « . بهم قام الكتاب وبه قاموا » ؛ لأنّ المراد من قيام القرآن بهم : هو ظهوره العلميّ في القلوب ، والأذهان ، وأثره العمليّ في الجوارح والأبدان بإرشادهم وتبليغهم ، كما أنّ المراد من قيام هؤلاء الأولياء بالقرآن : هو علمهم وعملهم به ، وتعليمهم الناس الكتاب والحكمة وتزكيتهم بما يبعدهم عن النار ، ويقرّبهم إلى الجنّة ، ويزلفهم إلى لقاء اللَّه سبحانه .
ومن هنا يظهر أيضا معنى قول عليّ – عليه السّلام – في طعن النفاق ، وقدح المنافق :
« . قد أعدّوا لكلّ حقّ باطلا ، ولكلّ قائم مائلا . » « 2 » .

شاهد أيضاً

من أنتم أساساً ؟! حتى ترسموا ما يجب وما لا يجب للدول التي تملك الصناعة النووية

من أنتم أساساً ؟! حتى ترسموا ما يجب وما لا يجب للدول التي تملك الصناعة ...