أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 21
10 يوليو,2020
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
938 زيارة
وهما متلازمان ؛ لأنّه لا يكون صلاة فيها ركوع إلَّا وفيها سجود « 1 » .
وكما أنّ تأويل مدّ العنق هو الإيمان باللَّه ولو ضرب العنق فكذلك تأويل أصل الركوع هو ذاك ، حسبما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام : ما معنى الركوع ؟ فقال عليه السّلام : « معناه : آمنت بك ولو ضربت عنقي » « 2 » ، ويلائمه الذكر الندبيّ الوارد فيه كما عن مولانا أبي جعفر عليه السّلام : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : اللَّه أكبر ، ثمّ أركع وقل : اللَّهمّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكَّلت ، وأنت ربّي ، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعصبي وعظامي وما أقلَّته قدماي ، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده . » « 3 » .
والفرق بين أصل الركوع ومدّ العنق فيه بعد أن كان تأويلهما المشترك هو الإعلام بالإيمان – ولو بلغ ما بلغ – هو التفاوت في الإعداد ، وتهيئة المبادي والمقدّمات ، وكما أنّ الركوع تخشّع للَّه تعالى كذلك رفع الرأس منه تواضع « 4 » له تعالى ، وانتصاب للامتثال حسبما مرّ ، وللاهتمام بالركوع والسجود في الصلاة .
قال إسحاق بن عمّار : سمعت أبا عبد اللَّه – عليه السّلام – يعظ أهله ونساءه وهو يقول لهنّ : « لا تقلن في ركوعكنّ وسجود كنّ أقلّ من ثلاث تسبيحات ، فإنّكنّ إن فعلتنّ لم يكن أحسن عملا منكنّ » « 5 » .
والميز بين الركوع والسجود بعد أن كان سرّهما المشترك هو التذلَّل في فناء المعبود والخضوع له هو : أنّ السجود لكونه أخفض تمثّل لما هو أقرب إلى اللَّه سبحانه ؛ لأنّ العبد كلَّما تقرّب بالتواضع كان وصوله أكثر ، ولذا ورد في غير واحد من النصوص أنّه : « أقرب ما يكون العبد من اللَّه – عزّ وجلّ – وهو ساجد مستشهدا
بآية سورة « العلق » الَّتي هي من سور العزائم ، إذ فيها قد أمر بالسجدة والتقرّب معا « 1 » ، وللاهتمام بالسجود سمّي المصلَّى مسجدا ( إذا كان له عنوان خاصّ ) وجعل المسجد الذي سمّي بذلك لرعاية أهمّ أجزاء الصلاة مبدأ للإسراء ، حيث قال سبحانه * ( « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِه ِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَه ُ » ) * « 2 » ، وهكذا جعل مبدأ للمعراج الذي ابتدئ من المسجد الأقصى وانتهى إلى * ( « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى . فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » ) * « 3 » ، كما أنّ أهمّ ما شوهد في المعراج وتمثّل هنالك هو نجوى العبد والمولى في كسوة الصلاة الَّتي صلَّاها العبد تجاه مولاه بأمره وإرشاده ، ومن ذلك صارت الصلاة معراجا للمصلَّي المناجي ربّه كما تقدّم .
وممّا يرشد إلى الاهتمام بالسجود هو : أنّ اللَّه الذي يبصر كلّ شيء لا بجارحة وإن كان بصيرا بالإطلاق إلَّا أنّه تعالى يعتدّ بخصوص القيام للَّه تعالى والسجدة له ، حيث قال تعالى * ( « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ » ) * « 4 » . ولا مرية في أنّ لذكر السجدة – كالقيام للَّه – خصوصية ، نحو : أنّ اللَّه الذي يرى كلّ شيء يصرّح برؤيته تعالى حالا خاصّا من أحوال العبد الَّتي تبعّده من مولاه ، قبال تلك الحالة الخاصّة الَّتي كانت تقرّبه منه تعالى ، حيث قال تعالى * ( « أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ ا للهَ يَرى » ) * « 5 » وذلك ترغيب إلى الحياء من اللَّه ، فوق ترهيبه من عقوبته تعالى بالنار .
والغرض : أنّ أبصار اللَّه تعالى بدون جارحة يعمّ كلّ شيء ، إلَّا أنّ الاهتمام بأمر مرغوب فيه ، أو مرهوب عنه يوجب التصريح بأنّ اللَّه يراه ، ومن هذا القبيل هو تعرّض القيام للَّه مع القائمين ، والسجود له تعالى مع الساجدين ، حيث إنّ كلّ واحد منهما بخصوصه مرئيّ له تعالى حسبما دلَّت عليه الآية المارّة الذكر .
وممّا ينبّه إلى الاعتداد بالسجود هو : أنّ اللَّه سبحانه لم يكرّم آدم – عليه السّلام –
أعظم من أمر الملائكة بالسجود له « 1 » وإن لم تكن تلك السجدة إلَّا عبادة للَّه وطاعة له ، كما أنّ الأمر بالتوحيد العبوديّ ، ومدار النهي عن الشرك العباديّ هو : الأمر بالسجود للَّه ، والنهي عن السجود لغيره تعالى ، كما أنّ أساس عبادة الأشياء كلَّها وطاعتها له تعالى هو : السجود حسبما دلّ عليه قوله تعالى * ( « وَلِلَّه ِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرْضِ » ) * « 2 » .
ثمّ إنّ الاعتناء بأمر المعاد قد أوجب أن يستدلّ اللَّه تعالى له تارة ، ويستشهد له أخرى ، ويمثّل له ثالثة .
2020-07-10