الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 31

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 31

ولنختم الرسالة بالوصيّة لنفسي ولمن بلغته هذه الرسالة : بأنّ الذهول عن اللَّه رين ، وأنّ الصلاة لكونها ماء الحياة سبب لغسل الدرن والرين ، كما نقله عليّ – عليه السّلام – عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – في قوله عليه السّلام : « شبّهها – أي : الصلاة – رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله – بالحمّة تكون على باب الرجل ، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرّات ، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن » « 1 » ، فالذكر الذي يحصل بالصلاة مزيل لأيّ رين ، وقد اعتنى في يوم الجمعة بصلاتها لأجل الذكر ، وإليك بعض ما يرتبط بذلك :

الأوّل : كون صلاة الجمعة مصداقا كاملا للذكر ، حيث قال تعالى * ( « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ ا للهِ » ) * « 2 » .

الثاني : الأمر بالسعي إلى ذكر اللَّه ، أي : صلاة الجمعة ، وترك كلّ ما سواها ، إذ لا خصيصة للبيع ، بل لا بدّ من ترك أيّ شيء ينافيها .

الثالث : النهي عن الإعراض عن ذكر اللَّه – أي : صلاة الجمعة – كما في سورة المنافقين ، حيث قال تعالى فيها :
* ( « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ ا للهِ » ) * « 1 » .

الرابع : رجحان قراءة سورتي : الجمعة والمنافقين في صلاتها ، للاشتمال على تلك النكات المارّة .
وللاعتناء بالصلاة الَّتي هي عمود الدين قال تعالى في حقّ المنافقين * ( « وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى » ) * « 2 » يعني : أنّ هؤلاء لا يعبدون اللَّه أصلا ، سواء في ذلك الصلاة وما عداها : كالصوم والحجّ و . ، وقد اكتفي في ذلك كلَّه بعدم نشاطهم في الصلاة ، وهكذا قيل في السكران ، لقوله تعالى * ( « لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ » ) * « 3 » ، وحيث إنّ الساهي الذي يستحقّ الويل بمنزلة السكران الذي لا يدري ما يأتي ، فهو أيضا منهي عن قرب الصلاة ؛ لأنّها كالقرآن ، لا يمسّها إلَّا الطاهر عن درن الذهول ، وغسلين النسيان ، ورين الرياء ونحو ذلك .

وللاهتمام بأمر الصلاة اختصّ ذكرها في عبادة ما سوى اللَّه إيّاه ، حيث قال تعالى * ( « أَلَمْ تَرَ أَنَّ ا للهَ يُسَبِّحُ لَه ُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَه ُ وَتَسْبِيحَه ُ وَا للهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ » ) * « 4 » . وهكذا رزق زكريا التبشير بميلاد يحيى في الصلاة ، كما قال تعالى * ( « فَنادَتْه ُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ ا للهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى » ) * « 5 » . ومن هذا القبيل الدالّ على الاهتمام بالصلاة وحالها : هو ما ورد في شأن زكاة أمير المؤمنين – عليه السّلام – وهو راكع ؛ لأنّ أصل الزكاة وإن كان أمرا قربيّا قرينا للصلاة في غير موضع من القرآن إلَّا أنّ اقترانها بها – أي :

بالصلاة – لعلَّه قد أوجب فضلا زائدا باعثا لنزول آية الولاية ، حيث قال تعالى :
* ( « إِنَّما وَلِيُّكُمُ ا للهُ وَرَسُولُه ُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » ) * « 6 » .

وحيث إنّ الصلاة عمود الدين ، وبإقامتها يقوم الدين ، وبتضييعها يضيع الدين تشتعل نار الحرب بين المصلَّي وبين عدوّه المبين ، وهو الشيطان الغويّ ؛ لأنّه يريد أن يستحوذ عليه ، ويحتنكه ، ويعده ويمنّيه ويضلَّه ويزيّن له ، فلذا يكون المصلَّى محرابا ، والمصلَّي مجاهدا للَّه في طرد المحارب المهاجم ودفعه وأسره ، فلا بدّ وأن يكون متسلَّحا في هذه المحاربة ، ولا سلاح للمؤمن إلَّا التذلَّل للَّه والتعبّد له ، المتجلَّي ذلك بالبكاء على نفسه ، كما عن عليّ – عليه السّلام – في دعائه الذي علَّمه كميل – رحمه اللَّه – حيث قال : « وسلاحه البكاء » ، فمن لا يبكي لضيق اللحد ، ولا لظلمة القبر ، ولا لبعد السفر ، ولا لقلَّة الزاد ، ولا لغير ذلك ممّا يدهش ويوحش فلا سلاح له في محاربة الشيطان الذي يوسوس في صدره . وأمّا إذا كان متسلَّحا فهو ينجو بنجواه ، ويتخلَّص ببكائه ، حتّى يرد حصن التوحيد والولاية ، فإذا دخله أمن من العذاب ، ولا بكاء إلَّا عن معرفة طامّة الموت ، وما هو إلَّا طمّ منه ممّا هو بعده ، ولا يعرف ذلك إلَّا بالعقل المؤيّد بالنقل ، وإلَّا بالنقل المعتضد بالعقل ، إلَّا في الموارد الخاصّة الَّتي لا سبيل للعقل إليها .

وممّا يكشف عن الاهتمام بالصلاة ما ورد في حقّها على المصلَّي في كلّ صلاة ، بحيث يلزم عليه أن يصلَّي صلاته صلاة مودّع حتّى يكون بإخلاص وحضور ، إذ الوداع يقتضي ذلك . وما ورد في حقّ الطواف أو الصوم أو نحو ذلك من اختصاصه بالطواف خاصّ ونحوه ، فقد ورد في عامّة الصلوات بلا خصيصة لشيء منها ، بل كلّ صلاة فهي صلاة وداع ، والسرّ هو ما أشير إليه : « اللَّهمّ اجعلنا من المصلَّين الَّذين يناجونك وتناجيهم ، ويكلَّمونك وتكلَّمهم في ذات عقولهم ، حتّى نستصبح بنور يقظة في الأبصار ، والأسماع ، والأفئدة » « 1 » ، « عارف بالمجهول ومعروف عند كلّ جاهل » « 2 » ، « وتعرّفت بكلّ شيء » « 3 » اجعلنا عارفين بك ،

راغبين فيك ، زاهدين في سواك بحقّ جميع الأنبياء والأولياء ، سيّما محمّد وآله صلَّى اللَّه عليه وآله .

قد منّ اللَّه عليّ بتسويد أكثر هذه الرسالة في شهر اللَّه المبارك 1414 ه ، وتسويد شطر قليل منه في رحاب الغدير ، على الناصب والمنصوب فيه بالخلافة آلاف الثناء والتحيّة .

18 / ذي الحجة / 1414 ه ق المطابق 8 / خرداد / 1373 ه ش قم المحمية
عبد اللَّه الجواديّ الآمليّ

شاهد أيضاً

الحرب على غزة مباشر.. عشرات الشهداء بالقطاع والعثور على صواريخ للمقاومة بالضفة

في اليوم الـ714 من حرب الإبادة على قطاع غزة، استشهد 21 فلسطينيا في غارات للاحتلال ...