الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين6

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين6

أفي القوة الكهربائية شك مع مشاهدة الأعمال التي يحصرها العلم
بتأثير القوة الغير المنظورة .
أفي النفس شك مع مشاهدة أعمال الحيوان التي يحصرها العلم بتأثير
النفس .

أفي الله شك فاطر السماوات والأرض مع مشاهدة الأعمال الكبيرة في
النظام الباهر ، والحكمة الفائقة في عالم الكون .
هذه الأعمال التي لا يمكن للعلم المستقيم إلا أن يحصر تعليل صدورها
بواجب الوجود العليم الحكيم ، وهو الله جلت عظمته .
إذا شهدت بوجود الموجود آثاره وأعماله المحسوسة بكثرة مدهشة ، فلا
يصح لنا جحوده أو التوقف عن الاعتراف به ، لمحض قصورنا عن تصور حقيقته
ولماذا لا نلتفت بذلك إلى قصور أفكارنا عن معرفة جملة من الحقائق ، وإلى متى
وحتى متى نكون معجبين بأفكارنا ، فنقابل الحقائق بالجحود الأعمى والتوقف
السخيف ، عادة جرينا عليها ولم يرد عناعنها ظهور خطأنا وجهلنا ، وكثرة
الحقائق التي نعترف بها ولا نهتدي إلى معرفة كنهها سبيلا .

سمع الناس على بعد باختراع التلغراف فضجوا بالجحود والتشكيك
اغترارا بأوهامهم في الطبيعيات ، حتى إذا شاهدوا أعماله خمد صوتهم وصاروا
يعللونه بالقوة الكهربائية التي لم يعرف كنه حقيقتها حتى الآن .
وسمع الناس بالفونغراف ( صندوق الأصوات ) فتسرعوا حتى بعض الخواص
الممارسين للطبيعيات وجاهروا . بجحوده والتشكيك في أمره اغترارا بأوهامهم
في طبيعة الصوت .

ذكر التلغراف اللاسلكي فلج السامعون بجحوده والتشكيك فيه حتى مع
ألفتهم للتلغراف السلكي .
ذكر النور الغير المرئي ( نور رونتكين ) فعده السامعون من الخرافات
اغترارا بأوهامهم في طبيعيات النور والشفافية والكثافة ، وإلى الآن لم يعرف
كنه الحقائق المؤثرة في هذه الأعمال .

يرون الناس أعمالها ويقفون في معرفة كنهها موقف المبهوت .
نرى أعمال النفس في الحياة والشعور ولا يمكننا درك كنهها .
نعم تسرع بعض الناس في البحث عن ماهيتها فصار هذا يقول : رأيي
هكذا ، وهذا يقول : رأيي هكذا . آراء مجردة ، وفتاوى كلها مقدسة ،
لكن ذات النفس تشمئز من أوهامهم وتضجر .
ما هي القوة وما هو كنهها ؟ ما هي ماهية النفس والشعور ؟ ما هو
الوجود . هذه الأمور كلها غير مادية فكيف اعترفتم بوجودها ، أليس ذلك
لأجل مشاهدة أعمالها .

إذن فماذا يمنعكم عن الاعتراف بوجود واجب الوجود ، مع مشاهدة
أعماله في هذا الكون الذي لا بد من تعليله به .
يا من يفترضون الأثير افتراضا مزعوما ، ويربطون به التعليلات الطبيعية
قولوا إنه في غاية اللطافة والبساطة ، ولكن ما هي حقيقته ، هل هو مادي ،
ألستم تزعمون أن المادة من نتائج زوابعه أو تكاثفه .
قد أذعنتم لكثير من الحقائق أن لا تكون مادية ، ولا يظهر لعالم
الماديات والحواس إلا أعمالها ، فماذا يصدكم عن الإذعان بذلك لواجب الوجود
أم تريدون أن نتقهقر في التعليل إلى ما لا يمكن أن يكون واجب الوجود .
أليس من شرف الإنسانية أن لا تتلون في أفكارها .
أليس من شرف العلم أن يجري في نهج مستقيم عادل . ألا تنظرون إلى
غفلات الأهواء ، هذه الغفلات والطفرات التي يسمونها شجاعة أدبية ، انظروا
إليها كيف فعلت أفاعيلها .

كل ناظر إلى هذا الكون يراه في جميع عوالمه وأنواعه وأطواره وأدواره
ومواليده ، منتظما على نظام فائق متناسب ، وحكمة باهرة وغايات كبيرة شريفة ، و
كل جزء منه صغيرا كان أو كبيرا ، يراه مسخرا للغايات الجليلة ، معدا للفوائد الكبيرة
مستعملا في الآثار الباهرة ، جاريا على حكمة فائقة .
وكلما أمعن النظر وأحسن الجد تجلت له حسب استعداده من الغايات
والحكم ما لم يكن يخطر على باله ، وها هو العلم قد صار يكشف كل يوم عن
أسرار وغايات لم تكن في الخيال . أسرار وغايات يرتاح لها الشعور ويعظمها
العلم ويستزيد منها العالم المجد الحر .

ألا وإن الوجدان يحكم بأوليات حكومته ، وبديهيات قضائه ، أن
الموجد لا مثال هذه الأمور التي تهتف بغاياتها ، لا بد من أن يكون عالما بتلك
الغايات ، قد أوجد موجوداته لأعمال غاياتها ونتائج فوائدها التي تعرف منها
ما لا يحصى ، ويكشف العلم في كل حين عما يبهر العقول بحكمته وعظيم فوائده
يا أصحابنا هذه القطع الصوانية التي وجدها الحفريون في جوف الأرض ،
على هيئة فاس ومنشار وسنان ، كيف حكم الوجدان من أهل العلم وسائر
الناس ، بأنها صنعها البشر قبل ألوف من السنين لأجل غاياتها وفوائدها التي
كانوا يتصورونها . وهذه موجودات العالم بأجمعها في أدوارها مرتبة على نظام
الغايات ، مستعملة فيها على أتقن الحكمة ، كيف لا يحكم الوجدان بأنها
صنع صانع ، أنشأها لأعمال غاياتها المعلومة لديه .

يا أصحابنا فهذا العالم المنتظم وموجوداته التي تبهر العلم والعقل بغاياتها
الكبيرة المستعملة فيها ، كيف يقال إنه بتأثير الطبيعة البكماء والصدفة العمياء بلا
شعور بغاية ولا حكمة .

 

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

20-21-22-23-24 صلوات الليالي ودعوات الايّام في شهر رمضان

صلوات اللّيلة العشرين والحادِية والعشرين والثّانِيَة والعِشرين والثّالِثَة والعِشرين والرّابعة والعِشرين: في كُل مِن هذه ...