الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين14

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين14

وقد كان الفيلسوف الألماني – كانت – يرى أن أعظم مسائل الفلسفة وأجلها
شأنا ثلاث مسائل ، وهي :
1 – ، ما الذي نستطيع معرفته ؟
2 – ، ما الذي يجب أن نعمله ؟
3 – ، ما الذي نرتجيه ونعلق آمالنا عليه ؟ .

والقرآن يجيب على بعض هذه المسائل ، ويكشف سرا من أسرار الحياة
والغاية من خلق الله للانسان وهي : عبادة الله قال تعالى : ( ما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون ) . فعبادة الله هي أقصى غاية الخضوع والتذلل له مع
طاعته . وهذا يقتضي عدم الخضوع لأي كائن على هذه الأرض ، لأنهم كلهم
مربوبون لله ، وهذا ما صرح به القرآن : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا
إياه ) . ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه ) .

وعلى هذا فلا يجوز لكائن أن يعلو في الأرض ويتكبر ويقهر الناس حتى
يخضعوا له ويذعنوا لأمره وينقادوا لجبروته ، يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما
يريد كما فعل الملوك والكهنة قديما ، والذين يخضعون لأمثال هؤلاء إنما
يشركون بالله ، الأمر الذي يبعث على الفساد في الأرض ، ومنه تتفجر ينابيع
الشر والطغيان .

والإسلام يريد أن يقطع دابر الذين تبوأوا ذروة الألوهية واستعبدوا
الناس لأهوائهم . ولهذا يعيب على اليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون الله . قال الله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من
دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو ) .
عندما تلا محمد ( ص ) هذه الآية قال عدي بن حاتم وكان نصرانيا
قبل أن يسلم : ما كنا نعبدهم يا رسول الله . قال أليس كانوا يحلون لكم
ويحرمون ، فتأخذون بقولهم ؟ قال : نعم . قال : هو ذاك .

فالاسلام إذ أمر بعبادة الله كان يرمي من ذلك أن يحرر الإنسان من
العبودية التي لازمته السنين الطوال من ملوك الأرض وزعمائها الطاغين ، ورؤساء
الدين المتألهين ، وأن ينزع من ذهنه ذلك الوهم بأنهم من طينة أفضل من طينته وأنهم
من عنصر أفضل ، وأن بيدهم النفع والضر . ولهذا يقول الله تعالى : ( قل
أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) . ويقول سبحانه : ( إن
الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ، فابتغوا عند الله الرزق ) .
ولهذا أرسل الله الرسل – في كافة العصور – للناس ليدعوهم إلى عبادة الله
وحده وعدم خضوع بعضهم لبعض . قال الله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل
أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) . وإن الشقاء الذي ينتاب الجنس
البشري مرده عدم فهم هذه الحقيقة ، فألهوا بعضا من أفراد جنسهم علوا في
الأرض ، واستذلوا البشر وساقوهم إلى التناحر ، وجعلوا الإنسانية شيعا يحارب
بعضها بعضا .

ولهذا يدعو الله الناس جميعا – بقطع النظر عن ألوانهم وأجناسهم –
بالتوجه إلى عبادة الله وحده .
أنظر إلى هاتين الآيتين اللتين تفيض عباراتهما بالشعور الحي ، فتستجيب
لها النفس إذا كانت ذات عقل ووجدان ، ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي
خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء
بناءا وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا
وأنتم تعلمون ) .

والمعنى – والله العالم – أن الله هو الذي خصكم بهذه الآيات الكونية
العظيمة ، والدلائل النيرة من خلق السماء والأرض ، الشاهدة بوحدانيته
فاخضعوا له ولا تتخذوا له شركاء في العبادة .

* * *
ولكن هل العبادة مقتصر معناها على الخضوع لله وحده ؟ كلا ! فقد
ذكر القرآن أن لها مستلزمات أخرى بجانب معنى الخضوع لله وهي : الشكر
لله ، التوكل على الله ، الإخلاص لله ، دعاء الله .
وقد بين القرآن أن هذه الفروض التي يجب أن يقوم بها الإنسان هي
من العبادة التي خلق الله الناس لأجلها .
وإليك عرض وتحليل كل قسم منها على ضوء ما جاء في القرآن من
الدعوة إليها .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...