الدعاء :
قال رسول الله ( ص ) : ( الدعاء مخ العبادة ) وفي رواية ( الدعاء هو
العبادة ، وتلا قوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) .
وليس المراد من الدعاء مجرد طلب الأشياء من الله باللسان فحسب ، بل
المراد به حقيقته ، وهو أن يكون صادرا عن القلب معبرا عن الحاجة إلى من
يملك إعطاء تلك الحاجة ، وهو أعم من أن يكون باللسان أو بالفعل متى كان
يقصد طاعة الله أو التقرب إليه ونيل الأجر منه ، كالسعي لكسب الرزق والنذر
والذبح وأنواع الصدقات ، وهو بهذا ينطوي على معان سامية هي لب لباب
الإسلام ، وهي :
1 – معرفة الله بوصفه ربا خالقا لجميع الموجودات ، متصرفا في جميع
الكائنات ، متصفا بصفات الكمال ، فلو لم تحصل هذه المعرفة لا يمكن أن
يوجه إليه الدهاء ، لأن الدعاء لا يوجه إلى مجهول .
2 – العلم واليقين بوحدانية الله ، وأنه تعالى النافع الضار الذي يملك
العطاء والنجدة ، فلا يصح توجيه الدعاء إلى غيره ، ولا يستحق العبادة أحد
سواه ، ولولا ذلك لما وجه إليه الدعاء إذ أنه لا يطلب الشئ إلا ممن يملك
إعطاءه ، وفي هذا يقول تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) .
3 – الشعور الذاتي بالضعف والحاجة والفقر إلى الله سبحانه ، ولو لم
يكن المرء شاعرا بذلك لما تقدم إلى الله تعالى بالدعاء ، وهذا من شأنه إظهار
التذلل والتزام الطاعة لما افترض ، والعمل على ما يقرب إليه من البر والإحسان
وكل ما يفيد الإنسان .
فلا غرو إذا ما كان الدعاء بهذا المعنى هو الركن الأساسي لجميع
الديانات ، وهو الأمر الذي فطرت النفوس عليه ، بل هو الأمر الذي من أجله
خلق الله الجن والإنس حيث يقول تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون ) أي ليدعونني ، نتيجة معرفتهم لي ليكونوا على صلة تامه بي ويؤمنوا
بي فيطيعوا أمري ويوقنوا بقدرتي ، وينتظروا مني تحقيق آمالهم . وقد عقب
الله تعالى على هذه الآية بقوله : ( ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون
إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . أي أن الله تعالى لم يخلقهم إلا للاتصال
به عن طريق معرفته وتوحيده وطاعة أمره واجتناب نواهيه ، والاعتراف بالحاجة
إليه ليمنحهم ما يشاؤون ، والله تعالى لم يرد منهم العمل لإيجاد أساس الرزق ،
فهو الرزاق الذي يسره لعباده وتكفل لهم به ، وما عليهم إلا السعي لتناوله
حيث يقول : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا
من رزقه وإليه النشور ) وما يريد منهم أن يقدموا لذاته شيئا من العبادات ليعود
عليه نفعها ، فهو ذو القوة المتين الذي خلق كل شئ فلا حاجة له إلى شئ منهم
( فإن الله غني عن العالمين ) .