الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين21

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين21

حق النفس
قوله عليه السلام :
( وأما حق نفسك عليك ، فأن تستوفيها في طاعة الله
فتؤدي إلى لسانك حقه ، وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه ،
وإلى يدك حقها ، وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه ، وإلى
فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك ) .

* * *
كنا في الدرس السابق في مبحث واجب الوجود ، ومبحث حقيقة العبادة
ونحن الآن – في هذا الدرس الجديد – أمام حديث يتضمن معرفة كنه النفس
وحقوقها .

حق النفس عبارة عن مجموعة من الحقوق يجب على الإنسان أن يؤديها
كما يجب أن تؤدى ، ويجب أن يضع كلا منها موضعه ، فوضع الشئ في محله
يمثل العدل ، كما أن وضع الشئ في غير محله يمثل الظلم .
إلا أن هذه الظاهرة تتركز أولا على معرفة النفس والبحث عن كنهها
إذ هي الطريق المعبد الموصل إلى معرفة موجدها ومبدعها . يقول ( علي ) عليه السلام
( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) .

ويقول ( لافونتين ) ، ( إن أول أمر يجب على الإنسان أن يتعلمه هو
معرفته نفسه ) . و ( بعد ) الكشف عن معرفة حقوقها وواجباتها :
( إن معرفتنا لأنفسنا قد تكون من أوضح المعارف ومن أخفاها في
وقت واحد . بيد أن عرفانها واجب على كل كائن ذي وعي وتمييز وبصيرة ،
لأنها مصدر سائر المعارف والعلوم حتى العلم بالله .

أما الجهل بها وبأحوالها وبسياستها ، فهو نبع كل ضعف ، وكل نقص
وكل خيبة ، في هذه الحياة وفي الحياة الآجلة .
وفوق هذا وذاك ، فإن معرفة النفس سر القوة والسعادة والانسجام مع
الحياة ، لأن النفس هي المجلي الأعظم لسائر ألوان المعرفة ، من علم وفلسفة
وفن ودين .

ولا معنى لكل ذلك إلا أن تكون النفس الإنسانية : مهبط الهدى والخير
والعلم والحكمة . أو أن مثار الجهل والضلال والشقاء والشر .
كيف لا ! والنفس أس كل قوة وكل ضعف يبدوان في الإنسان .
وهي مبعث كل صلاح أو فساد يطرآن على ذلك الكائن البشري . ثم يقوم على
سلامة النفس أو سقمها توازن الشخصية الإنسانية أو اضطرابها . فهي مقياس
صحة الإنسان أو مرضه ، وسعادته أو شقائه ، وصلاحه أو طلاحه .
وإذن ، فالعلم بالنفس يقدم على كل علم كما ، أن الجهل بها
يذهب بثمار كل معرفة .

أو ليست النفس مبعث وملتقى الايحاء بالرفعة أو الضعة ، والاقتدار أو
العجز ، والخير أو الشر ، والإيمان أو الكفر ، في وقت واحد وفي شخصية واحدة
وهل تطيب للانسان حياة إذا فقدت نفسه ألفتها وانسجامها ، فاضطربت
وتبلبلت ؟ وهل يصفو له عيش إلا إذا صحت نفسه فتوازنت وهدأت واطمأنت ؟
حقا إن بين النفس والجسد ، لتقابل وتكافؤ في التأثير والتأثر المتبادلين
– قوة وضعفا ، وصحة ومرضا – ولكن أشدهما سيطرة ، وأعظمهما تأثيرا في
الحالين ، هي النفس دون الجسد . فإذا انسجما – النفس والجسد – وتعاونا ،
صلحت الحياة ، واستقامت الصحة وحسنت الأخلاق ، وإن اضطربا وتنافرا ،
اضطراب كل شئ في الحياة .

والعبرة في كل ذلك ، بدراسة النفس ، ثم بحسن سياستها وعرفان
نزعاتها وما فيها من مواضع القوة ومواضع الضعف ، لا سيما وإن فقه الإنسان
أحوال نفسه وأنفس المحيطين به ، من أهل بيئته ومن معاشريه .
وقد صنع سقراط حسنا ، إذ بنى فلسفته على الحكمة الذهبية القائلة :
( اعرف نفسك ) معتبرا إياها وحيا سماويا .

وللنفس عند أئمة التصوف الشأن الأكبر – في سلوكهم ، وفي تربية
تلاميذهم ، وفي سائر علومهم ومعارفهم وأحوالهم ومقاماتهم – وهي عندهم
حجر الزاوية في الموضوع ، والمصباح الذي يضئ لهم سبيل الوصول إلى الله ،
أو الحجاب الأعظم الذي يحجب عن الوصول إليه .
وأما في التعاليم الدينية ، فلها المكان الأول ، وهي والقلب في تعبير
تلك التعاليم معنيان مترادفان .

وأما تعريف النفس . ولنسمها الذات ، لأن ذلك اسمها العلمي ، فهو
من معضلات المسائل بعد ذات الله وحقيقة الوجود ، والكلام فيها سر من
الأسرار التي لا تتحملها كل العقول .

وقد يعبر عنها في لغة الدين : بالقلب كما تقدم ، أو بالروح . وفي
الفلسفة : بالنفس أو الذات ، وهكذا يسميها علم النفس ، لأنه وليد الفلسفة :
وهي عند الجميع : مقومة الحياة ، ومصدر الكفايات ، كالوجدان ، والوعي ،
والإدراك العقلي والحسي . وأما حقيقتها فمما تضاربت فيها الأفكار قديما
وحديثا ، – ككل حقيقة غيبية لا يعلم علمها إلا الله ) . ( 1 )
ولابن أبي الحديد في هذا المعنى :

قد حار في النفس جميع الورى
والفكر فيها قد غدا ضائعا
وبرهن الكل على ما ادعوا
وليس برهانهم قاطعا
من جهل الصنعة عجزا فما
أجدره أن يجهل الصانعا
ونحن انسياقا مع الكلاميين والحكماء نضع خطوطا في تعريف هذه
الظاهرة الشائكة ، وما وقع فيها من تضارب وخلاف ، قبل أن ندخل في
صميم البحث ، كي يتسنى لنا أن نتسلسل في البحث بشكل منهجي ، ونضع
المباحث التي يهمنا ذكرها في هذا الدرس في مواضعها الطبيعية من غير أن يختل
منهج البحث ، ومن دون أن يفوتنا جانب من الحديث فيما نتعرض له من
جوانب هذه الدراسة .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

آداب الأسرة في الإسلام

رابعاً : حقوق الأبناء : للأبناء حقوق علىٰ الوالدين ، وقد لخّصها الإمام علي بن ...