الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين28

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين28

ومن أحسن ما قرأت للمرحوم العلامة الجليل الشيخ محمد جواد الجزائري
قوله في النفس :
روح النفس فهي ضيف بمغناك
مقيم وسوف ينوي الرحيلا
فتوسم لها الفضائل في المغنى
وإياك أن تصيب الفضولا
وأرحها بفعلك الخير واضع
في مجاري الطباع صنعا جميلا
وارعها صاغرا لديها وعظمها
مقاما ووفها تبجيلا
وإذا لم تصن كرامة هذا الضيف
كنت المذمم المخذولا
إعطه حقه فما كل ضيف
يطلب الحق يقبل التعليلا
فهي إشراق عالم النور
والإشراق يأبى بطبعه أن يحولا
بيد أن الاشراق أرخت عليه
ظلمات من الطباع سدولا
فتوارى بحجبها فتراءى
وهو ذاك النور اللباب ضئيلا
فأردها نورا على النور بالعلم
وبالغ واجهد به تحصيلا
ليس من عانق الطباع عليما
مثل من عانق الطباع جهولا
حق اللسان
قوله عليه السلام : ( وأما حق اللسان : فإكرامه عن الخنا ، وتعويده الخير
وترك الفضول التي لا فائدة لها ، والبر بالناس وحسن القول
فيهم ، وحله بالآداب ، وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة
للدين والدنيا ، وإعفائه من الفضول القليلة الفائدة التي لا يؤمن
ضررها مع قلة عائدتها ، وبعد شاهد العقل والدليل عليه ،
وتزيين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه . ولا حول ولا
قوة إلا بالله ) .

* * *
حدثتك في الدرس المتقدم عن النفس وماهيتها ، والآن سأحدثك عن
اللسان والشفتين وما فيهما من حكمة وإتقان ، ونظام واتزان .
سأتحدث معك عن هاتين العضيلتين المضيغتين اللتين ذكرهما الله في القرآن
ليدلنا على القدرة والحكمة .
( إحفظ لسانك وإياك أن تستخف بهذا الرائع الأروع ، الصامع
الأصمع ، ذي الوزارات الأربع ، الذي إن حفظته سلمك ، وإن سيبته سلمك ،
وإن استطعمته أطعمك ، وإن كلمته كلمك ، وإن سألته علمك ، من قبل أن
تعرف أسرار الحكمة في تنويع وظائفه وأعماله ، وتصريف حروفه وأقواله وتعدد
حليماته ، واختلاف حركاته بين شفتيه ولهاته ، وتمييز أعصابه وتوفير لعابه
وتيسير تلعابه . . . ؟

ولعلك تستغرب من قولي ذو الوزارات الأربع ، وتقول : ما كنت
أحسب أن هذه العضيلة البسيطة لها كل هذا الشأن فما معنى أن اللسان ذو
الوزارات الأربع ؟
فليكن معلوم لديك أن كل عضو من أعضاء الحس له وظيفة واحدة إلا
هذا اللسان ، فالعين للبصر ، والأذن للسمع ، والأنف للشم ، والأنامل
أشد جوانب الجلد إحساسا باللمس . أما هذا اللسان فقد شاءت له المصادفات
أن يكون آلة للذوق ، وآلة للمضغ والبلع والهضم ، وآلة للحس واللمس ،
وآلة للتكلم . . .

فمن أجل أن يكون آلة للذوق شاءت المصادفة أن يفرش سطحه وجانباه
بحليمات تمتص الطعوم وتؤديها إلى الأعصاب المنتشرة في باطنها . . .
وشاءت المصادفة أن يكون صنفان من هذه الحليمات للذوق خاصة دون
اللمس كي لا يختلطا فيتعطل عمل أحدهما عند فقد الآخر ، فقد يفقد الحس
العام عند الإنسان وتدوم له حاسة الذوق ، أو يفقد الذوق ويدوم له الحس العام
ومن أجل أن الحليمات لا تمتص الطعوم إلا إذا كانت ذائبة محلولة ، وإلا إذا
كان اللسان رطبا ، شاءت المصادفة أن يزود اللسان بغشاء مخاطي فيه أجربة
وغدد تفرز المخاط ، وأن يزود تحته بغدة تفرز اللعاب فوق ما تفرزه الغدد
اللعابية الأخرى ، ولولا ذلك ما استطاع اللسان أن يتذوق الطعوم ، وما كان
يحدث له سوى الاحساس بمس الطعام ، كما تعرف ذلك من نفسك إذا كان
لسانك جافا من الزكام مثلا فإنه لا يتذوق الطعوم ولو كانت مذابة .

ومن أجل أن الطعوم مختلفة المذاق ولها في تلاقيها تألف وتنافر على نسب
معينة ، كتآلف الألوان والأصوات وتنافرها ، فقد شاءت المصادفة أن تختلف
الحليمات الذواقة بعضها عن بعض ، شيئا قليلا في تذوقها وفي قدرتها على الاحتفاظ
بطعم بعض المواد حتى بعد زوالها ، وعلى هذا يقوم الطهاة المهرة في خلط الأطعمة
ومزجها .
ومن أجل أن اللسان مفتقر بحكم مركزه ووظائفه إلى أن يكون
حساسا قوي الاحساس ليلوك اللقمة ويدور بها من حنك إلى حنك ، ومن سن
إلى ضرس ، ويستقصي أصغر أجزائها في مطاوي الفم وثنايا الأضراس ، ويتقي
بإحساسه المرهف كل ما يدخل الفم من المؤذيات من كاو ومحرق ولاذع وشائك
وجارح ، شاءت المصادفة أن تكون له حليمات للحس واللمس خاصة . كما
سبق القول ، وأن تكون هذه الحليمات ( الخيطية ) مرهفة جدا في رأس اللسان
وجانبيه لا يساويها في دقة الاحساس إلا طرف البنصر .

ومن أجل أن اللسان آلة للمضغ والبلع فقد شاءت المصادفة أن تكون
هذه العضيلة قوية ، نشيطة ، لعوبا ، تلعابة ، لعابية مخاطية ، ولولا
ذلك ما تم مضغ ولا بلع . فاللسان هو الذي يلاعب اللقمة ويلوكها ويعجنها
عجنا باللعاب ، حتى إذا اكتمل مضغها وأصبحت صالحة للبلع لفها بمخاطه ،
وضغطها بين سطحه وسقف الحلق ، ودفعها بقوته وزلقها حتى تعبر قوس ( اللهاة )
فيكون البلع بعد ذلك بغير إرادة الآكل .

ومن أجل أن اللسان آلة للهضم فقد شاءت المصادفة أن يكون هضم
الأطعمة مختلفا مكانه باختلاف عناصرها : فمنها ما يهضم في المعدة ، ومنها
ما يهضم في الأمعاء ، ولكن شيئا واحدا منها وهو النشاء ، لا يهضم في المعدة ،
بل أن عصارات المعدة تعيق هضمه وتبطل تحويله ، ولذلك شاءت المصادفة أن
يكون الوسط الوحيد الصالح لتحويل النشائيات إلى سكر وهضمها هو اللعاب
ولولا هذا اللسان التلعاب الذي يمزج اللعاب باللقمة ويعجنها ، لما تم هضم
النشاء ، وهو من أهم عناصر الغذاء .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...