الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / من صحيفة الروح – الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)

من صحيفة الروح – الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)

الدرس الخامس‏: الدعاء في الصلاة (قنوت الصَّلاة وتعقيبها)

 

أهداف الدرس:

 

على الطالب مع نهاية الدرس أن:

يعرف فضل القنوت وثوابه في الصلاة.

يعرف فضل التعقيبات وثوابها.

يحفظ أهم التعقيبات المأثورة.

الصَّلاة بوابة العبودية للّه تعالى

تعدّ الصَّلاة من أهمّ الفرائض التي جاء بها الإسلام، وخصّصها بذلك الكمّ الكبير من الأحكام والآداب والأسرار، وجعلها الطّريق الضَّروري لإظهار عبوديّة الإنسان لله تعالى واعترافه بذلّه ومسكنته وحاجته إليه تعالى, ولذلك كانت الصَّلاة أحبّ الأعمال لله تعالى، فعن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: “أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصَّلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء”[1]، والله سبحانه وتعالى أكدَّ على هذه الفريضة في العديد من الآيات الكريمة، كما في قوله تعالى: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ[2]، فالأمر في هذه الآية أتى بالحفاظ على الصَّلاة، وهو أمرٌ يعمّ الإتيان بها على أي وجهٍ، بل المقصود منها هو الحفاظ عليها في وقتها وحدودها وآدابها وغاياتها، والتي منها قوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[3].

ومن المفاهيم الرئيسة التي تتمحور حولها فريضة الصَّلاة، والتي تعبِّر عن الحكمة من تشريع الصَّلاة وعلّته، كون الصَّلاة مجلىً حقيقياً للعبودية لله تعالى. فالصلاة بمظهرها الخارجي تحكي عن الاعتراف الكامل للإنسان بوجوب التوجّه إلى من فطر السموات والأرض في جميع حركات الإنسان وسكناته فيها، وبباطنها تحكي عن مسيرة الإنسان التوحيدية وسفره نحو الله تعالى[4]. والصلاة، لها درجاتها المتفاوتة بحسب الإقبال المعرفي للإنسان، وبالتالي تعكس الصَّلاة علاقة العبد بربّه على قدر ما يعرفه هذا العبد من المضامين التوحيدية, ولذلك روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام لما سُئِل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة، أجاب: “ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصَّلاة[5].

 

وعن الإمام الرض عليه السلام في فلسفة الصَّلاة: “إنّها إقرار بالربوبية لله عزّ وجلّ، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبّار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطّلب للإقالة من سالف الذُّنوب، ووضع الوجه على الأرض كلّ يومٍ خمس مرّات إعظاماً لله عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطرٍ، ويكون خاشعاً متذلّلاً راغباً طالباً للزّيادة في الدّين والدّنيا، مع ما فيه من الانزجار والمداومة على ذكر الله عزّ وجلّ بالليل والنَّهار، لئلا ينسى العبد سيّدَه ومدبّرَه وخالقَه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً من أنواع الفساد”[6].

وهذا بعض من كلام كثير عن فضل الصَّلاة، وإذا كانت على هذه المرتبة من الأهمّية، فلا بدّ أن نعلم بأنَّ الدُّعاء في الصَّلاة، وهو الذي يُسمّى بالـ “القنوت” له المرتبة العالية بين أفعال الصَّلاة والأسرار اللطيفة بين أسرارها.

 

أولاً: فضل القنوتُ في الصَّلاة

القنوت، كما يعرّفه الإمام الخميني قدس سره، هو عبارةٌ عن: “رفع اليد حذاء الوجه، وبسط باطن الكفّين نحو السماء، والدعاء بالمأثور أو غير المأثور، ويجوز الدُّعاء بكلّ لسان، عربياً كان أم غير عربي، والعربي أحوط وأفضل[7].

 

وقد جاءت روايات كثيرة في فضل القنوت، والتأكيد على لزوم الإتيان به في كلّ صلاة، إلى درجة تُشعر بوجوبه، وإن لم يفْتِ الأكثرُ[8] بوجوبه، إلا أنّ هذه الروايات الكثيرة الآمرة به، تدلُّ على شدة اهتمام الشارع بإتيان القنوت في الصَّلاة. وقد جاء عن مولانا الإمام الحسين عليه السلام أنَّه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقنت في صلاته كلَّها، وأنا يومئذٍ ابن ستّ سنين[9]، وعن الإمام الصادق عليه السلام: “من ترك القنوت متعمّداً، فلا صلاة له”[10] بمعنى أنَّه “لا كمال لها”[11].

 

وبالتالي، إذا كانت الصَّلاة تهدي إلى النّظام التّكويني القائم على الطّاعة التَّامة لله تعالى[12] والهداية[13]، فإنّ الدُّعاء له وظيفةٌ هامّة في إظهار هذه المعاني السّامية والمقاصد العالية للصّلاة.

يقول الإمام الخميني قدس سره: “مع أنَّ الصَّلاة جميعها إظهار للعبودية وثناء على الله، فإنّ الذَّات المقدَّسة للحقّ جلّ وعلا فتحَ باب المناجاة والدّعاء للعبد بالخصوص في حال القنوت، وهو حالُ المناجاة والانقطاع إلى الحقّ، وشرّفه بهذا التشريف. إنّ القنوت هو قطع اليد عن غير الحقّ والإقبال التام على عزّ الربوبية، ومدّ يد السؤال خالية الكفّ إلى الغني المطلق”[14].

 

إذاً، وظيفة القنوت في الصَّلاة، أنَّه يُظهر أجلى معاني العبودية والانقطاع المطلق إلى الله تعالى، وكفّ اليد عن غيره، وهذا يعني إعلان القطع مع كلّ الأرباب ومدّعي الاستقلالية من دونه، وبالتالي تنفتح بوابة الإجابة لدعاء الدَّاعي في هذا المقام بما لا حدّ له، لخلوّ النفس إلا من الله تعالى والتوجّه إليه، وهذا هو مفتاح الإجابة[15].

 

ومن الأدعية الشَّريفة في القنوت والتي لها فضلٌ عظيمٌ، دعاء “يا من أظهر الجميل”[16]. وهو مشتملٌ على آداب مناجاة العبد لله تعالى، وهو “مشتمل على تعداد العطايا الكاملة الإلهية الذي يناسب حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقِّ مناسبةً تامةً، وهو من كنوز العرش وتحفةُ الحقّ تعالى لرسول الله، ولكلٍّ من فقراته فضائل وثواب كثير”[17].

ثانياً: فضلُ التعقيبات

التَّعقيب بعد الصَّلاة من المستحبَّات المؤكَّدة، وقد وردت العديدُ من الأدعية والأذكار والأفعال التي تجري مجرى التَّعقيب للصَّلاة. فلا بدَّ للمصلّي وبعد فراغه من صلاته، أن يراعي آداب التَّعقيب، ويستفيد منه في التفكّر في نقصه وأحوال علاقته بالله سبحانه وغفلته عنه بعد انفتاله من الصَّلاة, لأنّ الصَّلاة في حقيقتها ذكر وحضور لله، فلا ينبغي للمصلي أنْ يرجع إلى الغفلة بعد صلاته. ومن هنا، فإنّ الله سبحانه وتعالى فتح للعبد بوّابة التقرّب منه، والاستجابة له بعد الفراغ من الصَّلاة.

 

وقد قال الله سبحانه ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ[18], أي إذا فرغت من صلاتك فانصب نفسك لإدامة العبادة بتعقيبها، ولتكن رغبتك إليه تعالى دون ما عداه. وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال في شرح

هذه الآية: “إذا قضيت الصَّلاة… فانصب في الدُّعاء[19].

 

وحيث إنّ التَّعقيب كلفةٌ زائدةٌ على الصَّلاة الواجبة الَّتي هي بنفسها تكون كبيرةً إلَّا على الخاشعين، مع ما له من الأثر الهامّ في دوام العبادة، فقد ورد في حقّ التَّعقيب عن الإمام الصّادق عليه السلام: “ما عالج الناسُ شيئاً أشدّ من التَّعقيب”[20].

 

ومن هنا جاء التأكيد على أهمّية التَّعقيب في الروايات الشَّريفة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “من أدّى لله تعالى مكتوبة فله في أثرها دعوة مستجابة[21].

 

وعن الإمام الصّادق عليه السلام: “ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدُّعاء عن الله

تعالى: في أثر المكتوبة، وعند نزول المطر، وظهور آية معجزة لله في أرضه[22].

 

وقال عليه السلام أيضاً: “من صلَّى صلاة فريضة وعقّب إلى أخرى، فهو ضيف الله عزّ وجلّ، وحقّ على الله أن يكرم ضيفه”[23].

 

وأما ترك التَّعقيب، فهو منهي عنه, لأنّه قد يشي باستغناء العبد عن الله تعالى، إذ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا فرغ العبد من الصَّلاة ولم يسأل الله حاجته، يقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي، فقد أدّى فريضتي ولم يسأل حاجته منّي، كأنّه قد استغنى عنّي، خذوا صلاته فاضربوا بها وجهه”[24].

 

1- من آثار التَّعقيب:

أ- يزيد في الرزق: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: “التَّعقيب بعد الصَّلاة، أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد”[25].

 

ب- أن يكون في ضيافة الله: وعن أبي عبد الله عليه السلام: “من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله، وحقٌّ على الله أن يكرم ضيفه”[26].

 

ج- الستر من النار: روي عن الإمام الحسن عليه السلام قال: “من صلّى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشّمس كان له ستراً من النار”[27].

 

د- غفران الذّنوب: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: “من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له”[28].

هـ- يُعطى أجر الشهيد: فقد روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: “من قرأ آية الكرسيّ عقيب كلّ فريضة تولَّى الله – جلّ جلاله – قبض روحه، وكان كمن جاهد مع الأنبياء عليهم السلام حتّى استشهد[29].

 

2- أهمّ التعقيبات:

أ- سجدة الشكر: وهما سجدتان بعد الانتهاء من الصَّلاة، ويتأكّد فيهما تعفير الجبينين بالتراب، وقد نقل في توقيع مولانا صاحب العصرعجل الله تعالى فرجه الشريف أنّ: “سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل: إنّ هذه السجدة بدعة إلَّا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة“. وفي الحديث عن سبب اصطفاء موسى الكليم عليه السلام هو توغَّله في التذلَّل لله، المتجلَّي ذلك بإلصاقه – عليه السلام – خدّه الأيمن والأيسر بالأرض بعد الصَّلاة، وحيث علم موسى عليه السلام أنّ الله اصطفاه لتذلله زاد في ذلَّته فخرّ ساجدا، وعفر خدّيه في التراب، فأوحى الله إليه: “ارفع رأسك يا موسى، وأمرّ يدك موضع سجودك، وامسح بها وجهك، وما نالته من بدنك فإنّه أمان من كلّ سقم وداء وآفة وعاهة[30].

 

ب- التكبير ثلاثاً: روي عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: “إذا سلَّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً”[31].

 

ج- تسبيح السّيدة الزهراء عليها السلام: روي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنَّه قال: “إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة”[32]. وهي على الترتيب الآتي: تكبير أربع وثلاثون مرة، والتحميد ثلاث وثلاثون مرّة، والتسبيح ثلاث وثلاثون مرّة.

د- قراءة آية الكرسي: عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام أنَّه قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أعواد هذا المنبر، وهو يقول: من قرأ آية الكرسيّ عقيب كلّ فريضة ما يمنعه من دخول الجنّة إلَّا الموت، ولا يواظب عليه إلَّا صدّيق أو عابد، ومن قرأها عند منامه آمنه الله في نفسه وبيته وبيوت من جواره[33].

 

هـ- الدُّعاء بالمأثور: روى معاوية بن وهب البجليّ قال: “وجدت في ألواح أبي بخطَّ مولانا موسى بن جعفر عليهما السلام: أنّ من وجوب حقّنا على شيعتنا: أن لا يثنوا أرجلهم من صلاة الفريضة، أو يقولوا: اللَّهمّ ببرّك القديم ورأفتك ببريّتك اللطيفة، وشفقتك بصنعتك المحكمة، وقدرتك بسترك الجميل وعلمك صلِّ على محمّد وآل محمّد، وأحيي قلوبنا بذكرك، واجعل ذنوبنا مغفورة، وعيوبنا مستورة، وفرائضنا مشكورة، ونوافلنا مبرورة، وقلوبنا بذكرك معمورة، ونفوسنا بطاعتك مسرورة، وعقولنا على توحيدك مجبورة، وأرواحنا على دينك مفطورة، وجوارحنا على خدمتك مقهورة، وأسماءنا في خواصّك مشهورة، وحوائجنا لديك ميسورة، وأرزاقنا من خزائنك مدرورة، أنت الله الذي لا إله إلَّا أنت، لقد فاز من والاك، وسعد من ناجاك، وعزّ من ناداك، وظفر من رجاك، وغنم من قصدك، وربح من تاجرك، وأنت على كلّ شيء قدير، اللَّهمّ وصلِّ على محمّد وآل محمّد، واسمع دعائي كما تعلم فقري إليك، إنّك على كلّ شيء قدير”[34].

 

3- من أسرار التعقيبات

للتّعقيبات أسرارٌ ذكرها أهل البيت عليهم السلام وبسطها العلماء رضوان الله تعالى عليهم، ومن ذلك سرُّ التأكيد على أهمية التَّعقيب بعد صلاة الصّبح. والسرّ أنّ

فترة الصّباح هي فترة النّشاط والعمل والإقبال على الدّنيا ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا[35]، وبالتالي يكون قلب الإنسان أكثر عرضةً لانشغاله بالدّنيا وشجونها عن الباري عزّ وجلّ، مع أنَّه تعالى هو الذي يريد من الإنسان أن يستفيد من فترة النهار بالعمل من أجل تحصيل معاشه، إلا أنَّه تعالى بالمقابل لا يترك الإنسانَ فريسةَ حبِّ الدُّنيا والغرق في بحرها المُظلم, لذلك خصّه بمجموعةٍ من التّعقيبات الهامّة التي يجد الإنسان في المواظبة عليها ثماراً في سعة الرزق. فوقت الصباح، وقت شريفٌ ينبغي أن لا تفوت الإنسانَ فرصة التّأسيس فيها لنهاره على أرض طاعة الله ومحبّته. فعن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجلّ: يا بن آدم، اذكرني بعد الفجر ساعة، واذكرني بعد العصر ساعة، أكفك ما أهمّك[36].

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: “إنّ الصبح افتتاح الاشتغال بالكثرات والورود على الدنيا، والإنسان مواجه لمخاطرة الاشتغال بالخلق والغفلة عن الحقّ، فينبغي للإنسان السالك اليقظان (…) أن يتوسّل بعد صلاة الصبح للورود في هذا البحر المهلك الظلماني والمصيدة المهيبة الشيطانية بخُفَراء[37] ذلك اليوم، ويسأل الحقّ تعالى رفع شرَّ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء بشفاعتهم، فإنّهم مقرّبون لجناب القدس[38].

4- من سنن التَّعقيب

أ- التَّعقيب بعد الفريضة أفضل: عن محمد بن مسلم عن أحدهم عليه السلام قال: “الدُّعاء دبر المكتوبة أفضل من الدُّعاء دبر التطوعّ كفضل المكتوبة على التطوّع”[39].

 

ب- التَّعقيب بتسبيح الزهراء عليها السلام وتعجيله قبل أن يثني رجليه: قال أبو عبد الله عليه السلام “من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجله من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير”[40].

 

ج- استحباب رفع اليدين فوق الرأس عند الفراغ من الصَّلاة والتكبير ثلاثاً والدعاء بالمأثور: عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام: “إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم – لما فتح مكّة – صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود، فلمّا سلّم رفع يديه وكبر ثلاثاً، وقال: “لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير”. ثمّ أقبل على أصحابه فقال: “لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كلّ صلاة مكتوبة، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم، وقال هذا القول، كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام وجنده”[41].

 

د- استحباب البقاء على طهارة في حال التَّعقيب وفي حال الانصراف: عن الإمام الصادق عليه السلام: “المؤمن معقّب ما دام على وضوئه”[42].

هـ- استحباب الجلوس بعد الصبح حتى تطلع الشمس: عن الحسن بن علي عليه السلام أنَّه قال: “من صلّى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له ستراً من النار”[43].

 

و- استحباب الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم السلام بعد كلّ صلاة: عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: “قل في دبر كلّ صلاة فريضة: رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبالكعبة قبلة، وبعلي وليا وإماما، وبالحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام، اللهمّ إنّي رضيت بهم أئمّة فارضني لهم، إنّك على كلّ شيء قدير[44].

 

ز- استحباب طلب الجنّة والتعوّذ من النار: عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: “ثلاث أُعطين سمع الخلائق: الجنّة والنار والحور العين, فإذا صلّى العبد فقال: اللهمّ، أعتقني من النار وأدخلني الجنّة وزوجني من الحور العين قالت النار: يا ربّ إنّ عبدك قد سألك أن تعتقه منّي فأعتقه. قالت الجنّة: يا ربّ إنّ عبدك قد سألك إياي فأسكنه. وقالت الحور العين: يا ربّ، إنّ عبدك قد خطبنا إليك فزوّجه منّا، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل الله شيئاً من هذا، قلن الحور العين: إنّ هذا العبد فينا لزاهد، وقالت الجنّة: إنّ هذا العبد فيّ لزاهد، وقالت النّار: إنّ هذا العبد بي لجاهل”[45].

مفاهيم رئيسة

1- الصَّلاة أحبّ عمل لله تعالى، وقد ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنَّه قال: “أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصَّلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء”.

 

2- القنوت بحسب تحديد الإمام الخميني قدس سره، هو عبارةٌ عن: “رفع اليد حذاء الوجه وبسط باطن الكفين نحو السماء والدعاء بالمأثور أو غير المأثور، ويجوز الدُّعاء بكل لسان، عربياً كان أم غير عربي، والعربي أحوط وأفضل”.

 

3- يعدّ التَّعقيب بعد الصَّلاة من المستحبَّات المؤكَّدة، وقد وردت العديدُ من الأدعية والأذكار والأفعال التي تجري مجرى التَّعقيب للصَّلاة، ومنها ما روي عن الإمام الصّادق عليه السلام: “ما عالج الناسُ شيئاً أشدّ من التَّعقيب”.

 

4- من الآثار التي جاء ذكرها في الروايات حول فضل تعقيب الصلاة: أنّه يزيد في الرزق، ويجعل المعقّب في ضيافة الله، وأنّه يستر من النار، وأنّه يسبب غفران الذّنوب، وأنّ المعقّب يُعطى أجر الشهيد…

 

5- من أهمّ التعقيبات الواردة: سجدة الشُّكر، التَّكبير ثلاثاً، تسبيح السّيدة الزهراء عليها السلام، قراءة آية الكرسي، الدُّعاء بالمأثور.

 

6- من سنن التَّعقيب: أن يكون التَّعقيب بعد الفريضة مباشرة، التَّعقيب بتسبيح الزهراء عليها السلام وتعجيله قبل أن يثني رجليه، استحباب رفع اليدين فوق الرأس عند الفراغ من الصَّلاة والتكبير ثلاثاً والدعاء بالمأثور، استحباب البقاء على طهارة في حال التَّعقيب وفي حال الانصراف، استحباب الجلوس بعد الصبح حتى تطلع الشمس، استحباب الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم السلام بعد كلّ صلاة، استحباب طلب الجنّة والتعوّذ من النار… . 

للمطالعة

عبادة الإمام الخميني قدس سره

يقول الإمام الخامنئي دام ظله: “أنا على يقين أنّ ذلك الرجل المسنّ النورانيّ المعنويّ، العالم الزاهد والعارف، الذي بنى هذه الثورة بيده القديرة، وبها كان غرسها وسقياها وقطاف ثمارها، لولا أنّه كان في شبابه له تلك المناجاة، وتلك العبادات، والتفكّر والتوسّل، لما حصل على ذلك القلب المؤمن النورانيّ، ولما أنجز هذه الأعمال العظيمة، إنّ المرحوم الحاج ميرزا جواد آغاي طهراني ـ وهو من العلماء أصحاب الإيمان القوي، ومن الزاهدين الخالصين، وكان يعرفه الكثيرون

في مشهد ـ قال لي قبل ما يقرب من ثلاثين سنة: “لقد ذهبتُ إلى قمّ أيّام الشباب للدراسة، ورأيتُ الإمام الخميني قدس سره في ذلك الزمان في الحرم المطهّر. لم أكن أعرف من هو. رأيت سيّداً طالب علم شابّاً نورانيّاً واقفاً في الحرم، قد تحنّك بعمامته، يصلّي ويذرف الدموع ويتضرّع”. يقول الحاج ميرزا جواد آغاي طهراني: “مع أنّي لم أعرفه، إلّا إنّي أُخذتُ به، وسألتُ بعض الموجودين من هو هذا السيّد النورانيّ؟ فقالوا: هذا السيّد روح الله الخمينيّ“. فإذا كان السيّد روح الله قد ذخر رأس المال هذا في شبابه، فإنّه سيصبح في سنّ الثمانين الإمام والمؤسّس لدولة الجمهوريّة الإسلاميّة.

 

عادةً ما يتقاعد المسنّون في عمر أقلّ من هذا, ولا يطيقون حتّى إدارة حياتهم الشخصيّة. أمّا الإمام، فإنّه في ذلك السنّ يبني بناءً عظيماً لا يوصف، ويقف في وجه العدوّ، بحيث يُصعَق الإنسان لما يراه من شجاعته وثباته في وجه الحوادث والمصائب[46].

[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص264.

[2] سورة البقرة، الآية 238.

[3] سورة العنكبوت، الآية 45. ولاحظ قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “لا صلاة لمن لم يطع الصَّلاة، وطاعة الصَّلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر”.

[4] لاحظ: الآداب المعنوية للصلاة، الإمام الخميني قدس سره، ص453، السيد أحمد الفهري (تعريب وشرح وتعليق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي،1986هـ، ط2. وغيره من المواضع الكثيرة في هذا الكتاب، والتي تحكي عن حقيقة السفر التوحيدي في الصَّلاة بمراتبه المتعددة.

[5] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص694.

[6]  الشيخ الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: علل الشرائع، ج2، ص317، النجف، المكتبة الحيدرية، 1966م، ط1.

 

[7] الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، ص564.

[8]  قال الشهيد الثاني: “ويستحب القنوت استحباباً مؤكّداً، بل قيل بوجوبه”.(والقائل بالوجوب الشيخ الصدوق رحمه الله). 

الشهيد الثاني، زين الدين الجبعي: الزبدة الفقهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج1، ص632، محمد كلانتر (تحقيق)، النجف الأشرف، منشورات جامعة النجف الدينية، 1398هـ، ط2. 

[9] ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي، ج2، ص219.

[10] الشيخ الصدوق، الهداية، ص127.

[11] آملي، الشيخ عبد الله جوادي أسرار الصَّلاة، ص73، بيروت، دار الصفوة، 2009م، ط1.

[12] يقول تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ سورة آل عمران، الآية 83.

[13]  يقول تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ سورة طه، الآية 50.

[14] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص565. 

[15] م.ن، ص566.

[16] “يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كلّ نجوى، ويا منتهى كلّ شكوى يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها يا ربنّا ويا سيّدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا، أسألك يا الله أن لا تشوّه خلقي بالنار”. الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: التوحيد، ص222، السيد هاشم الحسيني الطهراني (تحقيق)، قم، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ط1.

[17] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص564.

[18] سورة الشرح، الآيتان 7 و 8. 

[19]  الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص421.

[20]  م.ن، ص439.

[21] م.ن، ص431.

[22] الراوندي، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله: الدعوات، ص35، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف (تحقيق)، قم، أمير، ط1.

[23] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص341.

[24] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5، ص29.

[25] الشيخ الصدوق، الهداية، ص168. 

[26] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص341. 

[27] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص458.

[28] م.ن، ص440.

[29] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5، ص66.

[30] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص165.

[31] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5، ص52. 

[32] الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص343.

[33] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج5، ص67.

[34] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد، ص59.

[35] سورة النبأ، الآية 11.

[36] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص429.

[37] تذكر كتب الأدعية أنّ لكل يومٍ توسلاً بمعصوم بعينه “فيتعلّق يوم السبت بالوجود المبارك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوم الأحد لأمير المؤمنين عليه السلام، ويوم الاثنين للإمامين الهمامين السبطين عليهما السلام، ويوم الثلاثاء للحضرات السجاد والباقر والصادق عليه السلام، ويوم الأربعاء للحضرات الكاظم والرضا والتقيّ والنقيّ عليه السلام، ويوم الخميس للعسكري عليه السلام، ويوم الجمعة لوليّ الأمر عجّل الله فرجـه الشريف”. الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص569.

[38] م.ن.

[39] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص436. 

[40] م.ن، ص439. 

[41] م.ن، ص452.

[42] م.ن، ص458.

[43] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص 458.

[44] م.ن، ص463.

[45] م.ن، ص465.

[46] الإمام القائد الخامنئي دام ظله، لقاء مع رجال الدين وطلّاب العلم الإيرانييّن والأجانب في ساحة مدرسة الفيضيّة في قم،7/12/1995.

 

https://t.me/wilayahinfo

https://chat.whatsapp.com/JG7F4QaZ1oBCy3y9yhSxpC

شاهد أيضاً

المرجع نوري الهمداني يستنكر التطاول على سماحة المرجع السيستاني آية الله نوري الهمداني

قال آية الله نوري الهمداني تعليقاً على تهديدات الصهاينة لآية الله السيستاني: إن العدو يحقد ...