مناهل النور في شهر رمضان المبارك
11 مارس,2024
مستحبات الايام ولياليها
889 زيارة
الدرس الأول
شهر الجهاد الأكبر
يقول تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.البقرة/ 183
مقدمة
إن الله تعالى في هذه الاية يتحدث عن غاية ايجاب الصوم التي هي رجاء تحصيل التقوى.
ذلك ان شهر رمضان فرصة أتاحها الله تعالى كي يمارس الإنسان فيها جهاد نفسه ليصلحها ويتزود من مائدة الكرم والرحمة والبركة الإلهية ليصلح ما فسد منه ويتداركه. ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
“… هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله”.
وأفضل الوسائل لجهاد النفس هو الجوع والعطش فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
“وجاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر
المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب الى الله من جوع وعطش”.
ومن عجيب التشريع والحكمة الإلهية ان مأدبة الله في الشهر الشريف ليست طعاماً، ولا شراباً ماديين وانما هي لذائذ معنوية أهم وأدوم من الأكل والشراب فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
“اجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عز وجل”.
وهذا غاية أي سلوك وجهاد وكد وتعب ونصب.
وتتحقق هذه الفرصة للجهاد الأكبر في هذا الشهر بعدة أمور تشكل عوامل اعانة وتوفيق في مضمار جهاد النفس:
1- شهر رمضان شهر ترويض النفس
فعن الإمام الرضا عليه السلام:
“… وليكون ذلك (الصوم) واعظاً لهم في العاجل ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم ودليلاً في الاجل…” فدور الصوم اتاحة فرصة تعويد وترويض النفس على العبادة والطاعة وهو دورة تدريبية لتصبح لديه ملكة العبادة.
2- دورة تدريبية عبادية عامة
إن الإنسان في غير شهر رمضان ربما يدخل مضمار جهاد النفس وحيداً بينما يشكل الشهر الشريف دورة جماعية مع ما في ذلك من عون إلهي لتقوية الدافع عند كل البشر لتحصيل ملكات الخير خصوصاً بالنظر الى ما ورد منها في خطبة الرسول.
3- تسكين الشهوات
وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
“مع ما فيه من الإنكسار عن الشهوات”.
إن الإنسان يحتاج في عملية جهاد نفسه الى أن يقوى عليها مع استعدادها للخضوع فبالصوم تضعف قوى الجسد وتسكن الشهوات فيسهل العمل.
4- التذكير بالآخرة
في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
“لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الاخرة…”.
فكما يحتاج الإنسان في عملية ترويض نفسه وجهادها الى العمل كذلك يحتاج الى ما يذكره بمواقف الاخرة ليكون واعظاً له.
ففي خطبة الرسول:
“واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه”.
5- التحرر من وساوس الشيطان
إن مما يعيق الإنسان في عملية اصلاح نفسه هو اعانة الشيطان لهوى النفس وغوايته لها.
والله عز وجل من كرمه يمنع هذا اللعين في هذا الشهر وجنوده من ذلك ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
“… والشياطين مغلولة فأسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم”.
وهذا بحد ذاته فرصة ليعرف الإنسان الى أي مدى تأصلت في
نفسه الأمراض الأخلاقية ليعمل على علاجها خصوصاً إذا وجد من نفسه ميلاً لها رغم كون الشياطين مغلولة.
6- التدريب على الصبر
فالصبر أساس ثبات الإنسان ومن لا صبر له لا يمكن أن يكون ثابتاً وشهر رمضان يعودنا الصبر وينمي هذه الملكة فينا من خلال ممارسته عملياً بتحمل الجوع والعطش والكف عن الملذات الأخرى.
ولذا ورد في القران الكريم:
“اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”2.
فعن الإمام الصادق عليه السلام تفسير الصبر بالصيام.
7- التخلص من أوزار الذنوب
إن مما يعيق سير الإنسان الى الله في عملية جهاد النفس هو اثار الذنوب وتبعاتها التي تعرقل خطى تكامله وتثقلها وشهر رمضان هو وسيلة الخلاص من تبعات هذه الذنوب:
“قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة”.
ولذا فان عدم الإستفادة من فرصة شهر رمضان لتحصيل غفران الذنوب خسارة وأي خسارة.
فعن صادق الأئمة عليه السلام:
“من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له الى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة”.
وفي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
“الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر”.
خاتمة
ولذا أخي العزيز فإن الله الكريم قد فتح بابه ومد مائدته فهل تعرض عنها لتكون من الأشقياء أم تستفيد منها لتكون من الأتقياء السعداء والمولى في كرمه لم يتركنا في حيرةٍ من أمرنا فصَّل عبر رسول رحمته محمد صلى الله عليه وآله وسلم خطوات العمل في هذا الشهر من الدعاء الى الإستغفار الى صلة الأرحام وتحسين الخلق…
وترك لنا نحن أن نجتهد في العدد والكيفية، ولذا حفظاً لجميل الرسول الأكرم تعالوا نتبنى البرنامج العبادي والأخلاقي والإجتماعي الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الشهيرة.
مستفيدين من برنامج مراقبات شهر رمضان الذي بين أيدينا.
2024-03-11