الرئيسية / الاسلام والحياة / مناهل النور في شهر رمضان المبارك

مناهل النور في شهر رمضان المبارك

الدرس الثاني

شهر القرآن‏

 

يقول تعالى:

 

“إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا”.

 

فضل القران الكريم

 

كلام اللّه

 

إن كل شي‏ء يأخذ قيمته بمقدار ارتباطه باللّه سبحانه وتعالى، فكلما ازداد الارتباط ازدادت القيمة، وهكذا الكلام، فما دام الارتباط وصل الى مستوى أنه كلام اللّه فكل كلام دونه وكل فضل له “تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَق”.

 

وقد وصف اللّه تعالى القران بأوصاف عديدة منها:

 

1- هدى ورحمة: “وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”.

 

2- نور: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا”.

 

 

3- ذكر: “وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا”.

 

4- موعظة: “وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِه”.

 

5- حكمة: “تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم”.

 

6- إنذار: “وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِه”.

 

7- بشرى: “فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا”.

 

8- مبارك: “وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.

 

ولعله الى معنى البركة هذه أشار أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه:

“لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء”.

 

دوره في حياة المسلم

 

إن كل هذه الصفات التي أوردناها للقران الكريم ليست مجرد أوسمة توضع على الصدر للتشريف وإنما هي كلام من علام الغيوب، يريد من خلاله إن يشير الى دور  عملي وأثر مادي ومعنوي لهذا الكتاب العظيم، فما هو هذا الدور وما هو هذا الأثر؟

 

دوره الروحي

 

1- شفاء الروح: “يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين”.

 

 

– خشوع القلب: “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ”.

 

كيف لا، وقد قال تعالى: “لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه”13.

 

 – ثبات الأنفس: “قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ”.

 

دوره العملي

 

1- تبيان كل شي‏ء

 

إن القران الكريم هو رسالة ومنهاج يرسم حياة الإنسان كلها ويوجهه باتجاه كماله المرسوم، “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ”. ففيه ما يحتاجه الإنسان في دنياه لدنياه واخرته.

 

2- فرقان

 

الذي يميز فيه بين الحق والباطل “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا”.

 

وكما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:

 

“سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة، قلت: فما المخرج منها؟ فقال كتاب اللّه فيه بيان ما قبلكم من خير وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل”.

 

 

تكليفنا تجاه هذا الدور

 

فهو أمانة نُسأل عنها: “وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ”, وأن أعرضنا عنها فمصيرنا في الاخرة حمل الوزر: “وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ  أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا” وإن هجرناها كنا مورد الشكوى.

 

فعن الإمام الصادق عليه السلام:

 

“ثلاثة يشكون الى اللّه عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق وقد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه”.

 

القران الكريم ليس مجرد كلمات تقرأ على رأس الميت عند موته، ولا هو مجرد زينة تعلق قلادة على الصدور أو تنقش زخرفة في المساجد والحسينيات، بل هو رسالة حياة يجب أن تدخل في رأس الإنسان الحي. ونوراً يجب أن يشق الصدور ليدخل الى القلوب.

 

كيف نجعله رسالة في حياتنا

 

تعقل القران وتدبره: أمرنا اللّه تعالى بقراءة القران “فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ” لكنه عز وجل أرادنا أن نتدبر اياته ونتعقل معانيه “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ”.

 

تفسيره عند أهل العلم: والقران الكريم يحتاج لمن يفسره، ولا يجوز للإنسان أن يحكم أهواءه لتفسير القران الكريم، خصوصاً في الايات غير الواضحة والتي تحتمل أكثر من معنى، بل عليه أن يراجع العلماء الذين استفادوا في تفسيرهم من الثقل الاخر أهل البيت عليهم السلام “آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ”.

انعكاس هذه الاستفادة على الحياة: وأمرنا اللّه تعالى أن نقتدي بالقران ونتبعه فقال عز من قائل “اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ”، “وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ”، بل أمرنا أن نمسكه بقوة فقال تعالى: “خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.

 

العلاقة بين شهر الله وكتاب الله

 

قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآن”25، وتوقيت نزوله في شهر رمضان ليس هو من قبيل الصدفة ولا هو من قبيل الخيار المساوي لغيره من الخيارات، بل هناك ميزة تربط بين الحدثين، أراد اللّه تعالى أن يلفت الناس إليها.

 

وهذا ما يدعونا لأن نضع لأنفسنا قرانيا برنامجاً عملياً لهذا الشهر المبارك.

 

وقد ورد في الروايات ما يؤكد ذلك أيضاً فعن الإمام الرضا عليه السلام:

“من قرأ في شهر رمضان اية من كتاب اللّه عز وجل كان كمن ختم القران في غيره من الشهور”.

 

فاغتنموا الفرص قبل أفولها.

شاهد أيضاً

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي

سقوط مرتزقة الإعلام في معسكر العمى الإستراتيجي بين نمط د. هشام الهاشمي للقصف الإيراني لقاعدة ...