الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 3 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

3 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

الفصل الثاني

هرولتْ هدى نحو سيارتِها مسرعةً بلهفةٍ وشوق، تتعثَرُ بأذيالِ ثيابها لِعجلتها واضطرابها، تكادُ أنْ تقعَ عِدّة مرّاتٍ مِنْ فرطِ سرعتها، تستقلُّ سيارتَها وتنطلق بأقصى حدٍّ ممكن، تسري في بدنها قشعريرة ورعدة، كلمّا تذكرتْ قرارَها غير المنطقي، بمغادرة المنزل في أول يوم مِنْ زفافهما، ثم تحمدُ اللهَ كثيراً على زوال هذه الهواجس الشيطانية، التي كادتْ أنْ تفرّقَ بينها وبين حبيبها وفارس أحلامها، الذي كانتْ تتمناه جميعُ طالبات الجامعة.

ثم يخيّم القلقُ تارةً أخرى على نفسها، كيف سيقابلها زوجها؟ هل هو غاضبٌ الآن؟ هل ترك المنزل أم لا زال متواجداً فيه وينتظرها؟ هل سيؤنِّبها ويوبِّخها؟ هل سيقرِّر طلاقها بعد أنْ فارقتـْه هي أولاً؟

تنهالُ هذه الأسئلة على قلبها الصغير كالسيل الجارف، فتزداد حيرةً وقلقاً وذهولاً، لكنها تدعو الله ربَّها بإخلاص أنْ يحلَّ المشكلة بسلامٍ وعافيةٍ، وتتذكرُ أخلاقَ زوجِها الراقية وصفاته الكريمة وتواضعه وإيمانه، فتطمئِنُّ نفسُها ويهدأ بالها.

وأخيراً قفزتْ إلى ذهنها فِكرةٌ جميلة، أوقفتْ سيارتها عند محلِّ الحلويات، وطلبتْ منه أحلى كيكةٍ لديه وأنواعا متعددة من المكسرات والمرطبات، ثمّ إلى بائع الوردِ فاشترتْ منه أجملَ باقةِ وردٍ عندَهُ، ثمّ إلى بائعِ الفاكهةِ فانتقتْ لها أنواعاً راقيةً منها، ثم عادتْ أدراجها نحوَ البيتِ، ودقاتُ قلبها تزدادُ سرعةً وخفقاناً كلما اقتربتْ منه، وَجَدَتْ زوجَها ينتظرُها في الشارع، وهو في غاية الاضطراب، يخطُّ الشارعَ بقدميه ذهاباً وإياباً وهو مُطأطِئُ الرأسِ نحو الأرض، وما إنْ رآها حتى أسفرَ وجهُهُ بـِشراً وحُبوراً، وعَلتهُ ابتسامة عريضة أزالتْ كلَّ همومِها، فبادلتهُ بالابتسامة ثم أخرجتْ مباشرةً باقة الوردِ وعلبة الكيكِ وأكياسَ الفاكهةِ والمرطبات والمكسرات، بادرَ هو إلى تناولِها مِنْ يدِها، شاكراً لها ذوقها اللطيف وهديتها النفيسة، مُعتذراً منها على زَحَماتها تلك، قائلاً لها بأنه كان ينبغي عليه هو شراءَ هذه الأمور، لا أنْ تتكلفَ هي ذلك، فردّتْ عليه بأنه لا فرق بيني وبينك، لأننا أصبحنا نفساً واحدة في جسدين، فأبدى سرورَهُ بهذا الشعور النبيل والتعبير الجميل.

أما هدى فقد هدأ رَوعُها وسكنَ اضطرابُها وذهبَ قلقها تماماً، فشكرتْ اللهَ كثيراً على حُسنِ استقبالِهِ لها، فلم يؤنبْها ولم يَصرُخْ في وجهها ولا خزرها بنظراتِهِ القاسية، فاعتذرتْ منه لِعدم استئذانِها منه حيثُ كان يصلي العصر، قبلَ اعتذارها بكلّ سهولةٍ وأريحيّةٍ، بلْ اعتذرَ هو منها لأنّ وظيفتَهُ شراءُ مثلِ هذه الأمور لا العكس، فازدادتْ شكراً لله على هذا الزوج الكريم الذي أنعمَ اللهُ به عليها.

عادتْ روحُ المرح والبهجةِ والودِّ والمحبةِ والاحترامِ إلى أجواء البيت، انشغلتْ هي بإعداد طعام الغداء في المطبخ، وانشغل هو بمطالعة بعض الكتب، فاغتنمت فرصة انشغاله بالمطالعة فاتصلتْ بجوالها على أبيها وأخبرته بأنّ الأمور تسير على ما يرام ثم أغلقته فوراً، ونادته لتناول الطعام، ثم شربا الشايَ بعد ذلك، وجرتْ الأمور على أحسن حال، حتى أذنَ المؤذنُ لِصلاة المغرب، فصلتْ هي صلاة المغرب، ثم جلستْ تراقبُ بدقةٍ وضوءَ زوجِها وأذانَهُ وصلاتَهُ وتعقيباتِهِ ومُناجاتِهِ، تأثـَّرَتْ ببكائِهِ وأدعيتِهِ التي تسمعُها لأوّل مرّة، ولمّا أكمل تعقيباتِهِ ووضع سجّادته في مكانها، جلس قريباً منها مبتسماً في وجهها فبادلتْه ابتسامته بمثلها.

فُجأةً سألتـْه ومِنْ دون مُقدّمات: هلْ كنتَ تعلم بأني سنية قبل أنْ تخطبني؟ أجابها بالإيجاب، فبدتْ عليها علاماتُ الاستغرابِ والاستفهامِ لكنها صمتتْ.

علي: وماذا تقصدين يا عزيزتي؟

تتردد هدى في الكلام وتتلعثم، وتخرج الحروفُ مِنْ فمها متقطعةً غيرَ مفهومةٍ.

علي: تكلـّمي يا حبيبتي بكلّ صراحة، فليس عندي أعزّ منكِ في الدنيا بعد والِدَيّ.

هدى: (يطربُها كلامُهُ وتبتسمُ حياءً) أودُّ أنْ أسألَ ولكني أخشى أنْ تزعلَ مني.

علي: كلا لنْ أزعلَ مِنْ أسئلتِكِ مُطلقاً، بلْ سأرحِّبُ بها وأفرحُ أيضاً.

هدى: (تتجرأ في الكلام) سمعتُ بأنّ علماءَ مذهبكم يكفـّرون أهلَ السنة، فكيف خالفتَهم وتزوجتني؟

علي: على العكس يا عزيزتي، فإنّهم وتَبَعاً لأحاديثِ أئمةِ أهلِ البيتِ ع، يحكمون بإسلام جميع الفِرَق الإسلامية.

هدى: هل يُمكن أنْ تذكرَ لي بعضَ تلك الأحاديث؟

علي: سمعاً وطاعةً يا سيدتي، فعن إمامِنا الصادق ع، في خبر سفيان بن السمط أنه قال: (الإسلامُ هو الظاهرُ الذي عليه الناس، شهادةُ أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسولُ الله صلى الله عليه وآله، وإقامة الصلاة وإيتاءُ الزكاةِ وحج البيتِ وصيامُ شهر رمضان، فهذا الإسلامُ) رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة ج1 ص19.

هدى: ما شاء الله، هذا الحديث يشبه ما هو موجودٌ عندنا في صِحاحنا، مِنَ الحُكم بإسلام عامّة المسلمين، فهل مِنْ مزيد؟

علي: حُبّاً وكرامة يا عزيزتي، فقد قال الإمامُ الباقر ع، في صحيح عمران بن أعين في حديثٍ: (والإسلامُ ما ظهرَ مِنْ قولٍ أو فعلٍ، وهو الذي عليه جماعةٌ مِنَ الناس مِنَ الفِرَقِ كلِّها، وبه حُقِنَتْ الدماءُ وعليه المواريثُ وجازَ النكاحُ واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان) رواه الكليني في الكافي ج2 ص26.

بل وَرَدَتْ أحاديثٌ عنهم ع، تدعو للوحدةِ بينَ المسلمين، ففي الكافي ج2 ص219 عن الإمام الصادق ع يقول: (صلـُّوا في عشائِرهِم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزَهم)، وورد أيضاً في الكافي ج3 ص380 عنه ع: (مَنْ صلى معهم في الصفِّ الأول، كمَنْ صلى خلفَ رسولِ الله ص)، وعن إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله علیه السلام: (یا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قلتُ: نعم، قال علیه السلام: صلِّ معهم فإنّ المُصلي معهم في الصفِّ الأول، کالشاهر سیفه في سبیل الله) تهذیب الأحکام للشیخ الطوسي ج3 ص277.

هدى: سبحان الله، أحاديثُ أئِمَتِكم واضحةٌ وصريحةٌ ورائعةٌ، وهي تضَعُ النقاطَ على الحروفِ كما يُقال، فلا أدري كيفَ اتهموكم بتكفيرنا؟

علي: كلما تباعدنا عن بعضنا، ولم يَسمعْ أحدُنا مِنَ الآخر مباشرةً، فسيقبلُ كلَّ دِعايةٍ باطلةٍ ضدَّه، وأعداؤنا يتربّصون بالمسلمين الدوائر، فيزرعون الفتنَ والتفرقةَ ويثيرون الحروبَ بيننا، لكي يأمنَ الصهاينةُ في دولتِهم الغاصبة.

هدى: أحسنتَ توضيحاً، ومما يؤيِّدُ ذلك ما سمعته عن مرجعكم في النجف، حيثُ يقول: (لا تقولوا أهل السنة اخواننا، بل قولوا: أنفسنا)، ولكننا ننساها وسط المشاغل.

علي: صدقتِ يا عزيزتي، ولقد طبّقها عملياً.

هدى: وكيف؟

علي: لمّا احتلتْ داعشُ مدنَكم، أصدرَ فتوى الجهادِ الكفائيّ، فلبّتْ الجماهيرُ نداءَهُ، فحرّروها من لوثِ داعش، كصلاح الدين والرمادي والموصل، ثم أعادوا تلك المدن لأهلها وخرجوا منها.

هدى: صدقتَ واللهِ، ولقد ضحّى الشيعة بخيرةِ شبابهم لتحرير مناطقنا، وكم سمعتُ قِصَصاً عجيبةً في تضحياتِهم وحمايتِهم للمدنيين ورعايتِهم للمهجَّرين.

علي: لقد أمرَ المرجعُ السيستاني حفظه الله التجارَ، بإيصال مساعداتِهم للمهجَّرين مِنْ أهلِ السنة، فانطلقتْ قوافلُ المساعداتِ مِنْ جنوب ووسط العراق، تحملُ ما يحتاجونَهُ مِنْ لباسٍ وغذاءٍ ودواء.

هدى: وأزيدُك بأني على علمٍ بأنّ الذي يساعدُ الفلسطينيين اليومَ ضدَّ الصهاينة المجرمين هم الشيعة فقط، مِن إيران إلى العراق وسوريا ولبنان.

علي: أحسنتِ، بينما غيرُهم يطبّعون مع الصهاينة سِراً وعَلناً، كدول الخليج وعلى رأسها السعودية.

هدى: ما تذكرُهُ صحيحٌ مائة في المائة، بل حتى في حرب البوسنة، لم يساعدْهم سوى إيران الإسلامية، رغم أنهم مِنْ أهل السنة، فلا يُمكن إنكار ذلك ولكنْ ….

علي: تكلـّمي، فبابُ الحوار مفتوحٌ أمَامَكِ.

هدى: أخشى أنْ أسألَ فتنطفئُ شعلةُ الحبِّ والمودّةِ بيننا، ولكنني إنما أسألُ كي أفهم.

علي: لقد مدح اللهُ (الذينَ يَستمِعُونَ القولَ فيتـَّبِعُونَ أحْسَنَه) وقال: (قلْ هاتوا برهانَكم إنْ كُنتم صادقين) وقال: (ولا تـَقـْفُ ما ليس لك به علم إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئك كانَ عنه مسئولا) والمثقفُ لا يتأذَّى مِنَ الحقّ.

هدى: (تتشجّع على طرح السؤال) صحيحٌ بأنّ تعاملـَكم مع أهلِ السنة في هذه الدُنيا هو خير تعاملٍ وعلى أنهم مسلمين، ولكني سَمِعْتُ بأنكم تعتقدون بأنّ غيرَكم مِنَ الفِرَقِ الإسلامية مصيرُها النار يومَ القيامة.

علي: كلا، بل نعتقدُ أنه إذا قامَ الدليلُ لدى إنسانٍ على صِحّةِ ما يعتقدُهُ، والتزمَ بهِ فهو ناج يومَ القيامةِ، أمّا لو اعتقد بخطأ ما عليه قومُهُ، ورغم ذلك بَقِيَ مُلتزماً به، فهو مُحَاسَبٌ ومُعَاقبٌ قطعاً، أو لو عَلِمَ بصحّةِ مَذهبٍ ما غير مذهبه، بأنْ وجدَهُ قائِماً على الدليل والبُرهان، ولكنه وتعصُّباً لِمَذهبِهِ لم يتبعْهُ، فهو مُحاسَبٌ أيضاً ومُعاقبٌ، ومعلومٌ بأنّ أكثرَ المسلمين إما أنهم اتـَّبعوا مذاهبَهم وفِرَقِهم لاعتقادِهم بصحَّتِها، أو لأنهم عوامٌ ليس لديهم القدرةُ على معرفةِ الصحيح.

هدى: وهل أشارَ أئمَّتكم إلى نجاةِ غيرِ الشيعة؟

علي: نعم، فقد روى الكليني في الكافي ج2 ص382، أنّ شخصاً قال للإمام الباقر ع ما مضمونه: إننا نبرأ إلى الله مِمَّنْ يخالفنا في الاعتقاد، فأجابه الإمام ع: (قولُ اللهِ أصدقُ مِنْ قولِكَ، فأيْنَ الذين قالَ اللهُ عزّ وجلّ: إلا المستضعفين من النساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، أين المُرْجَوْنَ لأمر الله؟ أين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً؟ أين أصحابُ الأعرافِ؟ أينَ المؤلفة قلوبُهم؟) وواضح مِنْ حديثِ الإمام ع أنّ هؤلاء الطوائف، يُرجى لهم النجاةُ يومَ القيامة.

 هدى: (تبتسمُ ابتسامة عريضة وهي تُصغي لِزوجها) كلامُك منطقيٌّ وتقبله الفطرة السليمة، لكنْ قد يُقالُ بأنه كلامٌ جميلٌ لكنْ لا يستندُ إلى قاعدةٍ مُحكمةٍ.

علي: بل يستندُ لِقاعدةٍ عقليةٍ متينةٍ تُسمّى: (قاعدةُ قـُبْحِ العِقابِ بلا بيان).

هدى: ما هو معناها؟

علي: أيْ يقبحُ على المولى الحكيم أنْ يُعاقبَ عبدَهُ على فِعْلٍ ما، ولم يَسْبـِقْ منهُ نَهْيٌ لِهذا العبد عنه.   

هدى: وضِّحْهُ لي أكثر.

علي: لو شربَ العبدُ مِنْ إناء فعاقبَهُ مولاه، ألا يَحِقُّ للعبدِ أنْ يقولَ له: لماذا عاقبتني على شربي منه، ولم يسبقْ منك نهيٌ لي عن الشرب منه؟

هدى: طبعاً مِنْ حقِّهِ أنْ يعترضَ ويستنكرَ.

علي: أما لو سبقَ أنْ نهى السيدُ عبدَهُ عن الشربِ منه، ثمّ شربَ العبدُ منه، فهلْ يستطيعُ عقابَ عبدِهِ حينئذٍ؟

هدى: نعم يستطيع.

علي: هذه هي قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

هدى: ولكنْ هل تستندُ هذه القاعدة العقلية، لآيةٍ أو حديثٍ نبوي؟

علي: لعلها مأخوذةٌ مِنْ قوله تعالى: (وما كنا مُعذبين حتى نبعثَ رسولا) 

هدى: لكن الآية ذكرتْ الرسول، بينما القاعدة ذكرتْ البيان؟

علي: ما هي وظيفة الرسول؟

هدى: بيانُ الأحكامِ الشرعيةِ للناس.

علي: (يبتسم ابتسامة لها مغزى) إذنْ وظيفة الرسول هي البيان، فكأنها قالتْ: (وما كنا معذبين قبل البيان) والقاعدة تقول: (قبح العقاب بلا بيان)

هدى: ما شاء الله، ما أحلى استدلالك، حقاً إنك تصلحُ لِتكونَ مدرّساً ممتازاً.

علي: أشكركِ، وأنتِ تلميذةٌ شاطرةٌ وذكيةٌ (يتضاحكان).

هدى: أفهمُ من كلامكَ السابق، أنّ مَنْ يتـَّبِع أيَّ مَذهَبٍ فهو ناج في القيامة.

علي: هذا غير صحيح، فلم أقلْ ذلك أبداً.

هدى: (تصيبها الحيرة والاستغراب) ألمْ تشرحْ لي الآن بأنّ أكثرَ المسلمين ناجون يومَ القيامة؟

علي: عزيزتي هدى، هل جاء نبيُّنا بمذاهب متعددة؟

هدى: بل جاء بدين واحد.

علي: وهل الفِرَقُ الإسلاميةُ الكثيرةُ، متفِقةٌ بينها في العقائد والأحكام؟

هدى: كلا، بل مُختلفةٌ اختلافاً كثيراً.

علي: فهل هذه المذاهب، مع هذا الاختلاف الكثير بينها، يمثلونَ الإسلامَ الواحدَ الذي جاء به النبي ص من عند الله تعالى؟

هدى: كلا.

علي: والآن دَعِيْنا نسألُ: هلْ كان النبي ص يعلمُ بأنّ أمتَهُ ستفترقُ لِمذاهب كثيرة؟

هدى: لا أعلم.

علي: نعم، كان يعلمُ بهذا الاختلاف.

هدى: لم أسمعْ بذلك.

علي: بل أنا متأكدٌ بأنكِ قد سمعتِ بهذا مراراً.

هدى: كيف تحكم على ما في نفسي، وهل تعلمُ الغيبَ؟

علي: أنا لا أعلمُ الغيبَ، ولكنّ النبي ص قد أخبرَ عن اختلافِ أمّتِهِ بِأحاديث عديدة.

هدى: اُتلوْ عليّ بعضَها رجاءً.

علي: روي عن النبي ص قوله: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة).

هدى: (مندهشة) سبحان الله وما شاء الله، حقاً ما تقول، فهذا مِنْ أشهر الأحاديثِ النبويّةِ عندنا، وقد سمعتُه مِراراً وتِكراراً.

علي: فما هو مصيرُ هذه الفرق؟

هدى: أتذكرُ بأنّ نفسَ الحديث قد بيّنَ مصيرَها، ولكنْ لا أتذكر التفاصيل.

علي: الحديث يقول: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا فِرقة واحدة)، أخرجه الترمذي في سننه 5 / 25، وأبو داود في سننه 4 / 197، وابن ماجة في سننه 2 / 1321، والدارمي في سننه 2 / 241، واحمد في المسند 2 / 32 و3 / 120، والحاكم في المستدرك 1 / 6، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 / 258، وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1 / 7، والسيوطي في الجامع الصغير 1 / 184، والدر المنثور 2 / 289، والبيهقي في السنن الكبرى 10 / 208، والبغوي في شرح السنة 1 / 213، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح 1 / 61، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية 3 / 86، 87، والهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 258، وصححه الترمذي والحاكم والذهبي والبغوي والسيوطي فيما تقدم من كتبهم.

هدى: (يقشعرُّ بدنُها حينَ سماعِ تتمّة الحديثِ، ويُصيبُها الفزعُ والرُعبُ، ثمّ ترتجفُ وتتصبّبُ عرقاً) نستجيرُ بالله مِنَ النار، ونعوذ بالله مِنَ النار.

علي: إلهي آمين، اللهم اعتق رقابنا مِنَ النار وأدخلنا الجنة.

هدى: ولكن ألم تشرحْ لي قبلَ قليلٍ (قاعدةَ قبح العقاب بلا بيان)؟ وقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعثَ رسولاً) وقلتَ بأنَّ أكثرَ المسلمين ينجون في القيامة، لاعتقادِهم بصحّةِ ما هم عليه؟

علي: عزيزتي هدى .. يجبُ أنْ نـُفرِّقَ بين موضوعين:

الأول: هو أنّ النبي ص جاء بدينٍ واحدٍ مِنْ عِندِ ربِّنا الواحد، ويريدُ منا اتِبَاعَهُ والتمسُّكَ بهِ، فمَنْ تعمَّدَ مُخالفتَهُ بَعدَ معرفتِهِ لهُ، فإنّ مصيرَهُ النار.

والثاني: لو أنّ مسلماً لم يَعرفْ هذا الدين الواحد، ولم يصله البيانُ الكافي لِمعرفتِهِ، ولم تقمْ عليه الحُجّةُ بصحَّتِهِ، ولم يَكـُنْ مُقصِّراً أو مُتعمِّداً للمخالفةِ، ثمّ اتـَّبَعَ ما وجدَ عليه آباءَهُ مُعتقداً صِحّةَ ما هُمْ عليه، وأنَّهُ يُمَثلُ الدينَ الحقّ الذي جاءَ به النبي ص، فهذا يرجى له النجاة يومَ القيامة.

هدى: الآن فهمتُ مقصودَك، ولكنْ هل يُعقل ذلك يا ابن العم؟

علي: وما الذي لا يُعقل يا ابنة العم؟

هدى: هلْ يُعقل أنّ النبي ص يُخبرُهم باختلاف أمّتِهِ وأنّ أكثرَهم في النار، ثم لا يَسألهُ أحدٌ منهم عن علاماتِ هذه الفِرقةِ الناجية؟

علي: ولِنفرض أنهم لم يسألوه، فهل يُعقل بأنّ النبي ص الحريص على هداية أمّتهِ، والرؤوف بالمؤمنين والرحيم بهم، لا يُخبرُهم عن الناجية مِنْ هذه الفِرَق؟

هدى: إنّ عقلي ووجداني يقولان بأنه لابُدّ أنْ يوضِّحَ لأمّتِهِ الفِرقةَ الناجية، وليس منطقياً أنْ يتركَ بيانَ ذلك، ثم يَدَعُ الأمرَ كاللغز المُبهم.

علي: أحسنتِ كثيراً، والآن دعينا ننام لأنّ الوقتَ متأخرٌ، وربّما تفوتنا الصلاة.

هدى: (تنظرُ لساعتِها) أوووه، إنها تشيرُ للواحدةِ بعدَ مُنتصفِ الليل.

علي: صحيحٌ يا عزيزتي .. تُصبحين على خير.

      

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...