عمدت الثورة الإسلامية الإيرانية منذ انطلاقتها لبناء علاقات مميّزة مع فصائل الثورة الفلسطينية، لِما يحمله موقف الثورة الإيرانية من عداء لإسرائيل يُنادي بالقضاء عليها، فجمعتها علاقات مميّزة مع الرئيس الفلسطيني الراحِل ياسر عرفات وكان أول رئيس يزور العاصمة طهران بعد نجاح الثورة ضد نظام الشاه.
اختلاف الجمهورية الإسلامية مع عرفات لم يفقدها بوصلتها في دعم المقاومة الفلسطينية، فقدّمت الدعم لحركة الجهاد الإسلامي منذ تأسيسها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وحرصت على بناء علاقات متقدّمة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ انطلاقتها في نهاية الثمانيات من القرن الماضي.
واصلت الجمهورية الإسلامية تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية بكافة توجّهاتها مع انطلاق انتفاضة الحجارة، وكثّفتها في انتفاضة الأقصى وأصبحت أكثر إغراقاً في السنوات العشر الأخيرة، ومع كل جولة تصعيد تساهم إيران في بناء قدرات المقاومة الفلسطينية ومراكمة قوّتها.
وبالرغم من حال الفتور التي أصابت العلاقات الإيرانية الفلسطينية في بعض المحطّات نتيجة التقلّبات السياسية في المنطقة العربية، إلا أن إيران لم توقف الدعم العسكري للأجنحة المسلّحة، وحافظت على قناة اتصال دائمة، وتُعتبَر إيران اليوم هي الدولة الوحيدة التي تقدّم الدعم العسكري للمقاومة الفلسطينية بصورةٍ مُعلنة ومن دون أية مواربة.
مؤتمر دعم الانتفاضة محطّة مفصلية:
مثّل مؤتمر دعم الانتفاضة المشرّع في قانون حماية الثورة للشعب الفلسطيني، الذي ينصّ على دعم الحكومة والشعب الإيراني لحقوق الشعب الفلسطيني وتقديم كافة أشكال الدعم، المحطّة الأبرز في بناء علاقات مع المقاومة الفلسطينية الفاعِلة في انتفاضة الحجارة وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي تمّت دعوتها للمؤتمر الأول وطُلِب منها تعيين ممثل لها في طهران لبناء علاقات متينة معها من قِبَل الجمهورية الإسلامية.
كما ساهمت إقامة مخيّم مرج الزهور للمُبعدين من حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي في جنوب لبنان في تعزيز العلاقة بين حماس وإيران وكذلك حزب الله، نتيجة للدور الإيجابي الذي لعبه الحرس الثوري في تقديم كافة أنواع الدعم والمساعدة للمُبعدين لتعزيز صمودهم في وجه قرار الإبعاد، والعمل على احتضان بعض المطلوبين العسكريين للعدو، بعد تحقيق المُبعدين انتصارهم بانتزاع قرار بعودتهم إلى فلسطين بعد عام من الإبعاد.
أوجه الدعم الإيراني:
تعدّدت أوجه الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية، كما تتقاطع الرؤية في القضايا المركزية ضد العدو الصهيوني على الصعيد السياسي، ويساهم دعمها للجوانب العسكرية في تمكين المقاومة من تجهيز نفسها في مواجهة العدو.
سياساً:
تُعتبَر إيران من الدول المحدودة التي ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني وتنادي بإزالته عن الخارطة الدولية، وترفض الحلول السلمية بما فيها حل الدولتين، ما يتقاطع مع الرؤى السياسية لفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس كرأس حربة المقاومة، والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها من قوى المقاومة.
يمثّل الثقل الإقليمي لإيران في المنطقة نقطة قوّة لفلسطين ومقاومتها، فهي تدعم حزب الله في لبنان بما يشكّله من استنزافٍ وتهديدٍ متواصلٍ للعدو في الجبهة الشمالية، ونشاطها المتواصل في بناء جبهة في الجولان، ما يُساند المقاومة في قطاع غزّة، كما ويمكّنها ثقلها من تحقيق اختراق يساهم في إيجاد خطوط إمداد للمقاومة، وتتمتّع بعلاقات جيّدة مع العديد من الفاعلين الدوليين، وهذا يساعد في تجنيبها التصنيف على قوائم الإرهاب في المحافل الدولية.
المساهمة في توفير مقار آمنة للعديد من القيادات الفلسطينية المُصنّفة على قوائم الإرهاب.
عسكرياً:
تقديم المعدّات القتالية المتنوّعة والصواريخ ذات القدرة على تعطيل القوات البرية.
تدريب العشرات من أبناء المقاومة في تخصّصات قتالية عدّة، ونقل الخبرات الميدانية والاستخبارية، التي ساهمت في تطوير هيكلية المقاومة وأدائها الميداني في مواجهة العدو الإسرائيلي.
اعتماد المشاريع التطويرية لصواريخ المقاومة وأنفاقها وتقديم الدعم المالي لها بصورة مباشرة، ما مكّن المقاومة وبقدراتها الذاتية من تطوير أدائها الصاروخي في مواجهة العدو وأكسبها أكثر من جولة.
المساهمة في تطوير البنية التحتية للمقاومة وأبرزها التحكّم والسيطرة.
مالياً:
المساهمة الدائمة في تقديم الدعم المالي النقدي في الموازنة الدورية للمقاومة الفلسطينية.
المساهمة في تقديم الدعم المالي للحكومة الفلسطينية العاشرة بعد مقاطعتها وفرض الحصار الدولي عليها، ومواصلة هذا الدعم بعد أحداث الانقسام عام 2007 والذي استمر لما يقارب الثلاث سنوات، وتقدّره العديد من الأوساط بأنه 25 مليون دولار شهرياً لحركة حماس فقط.
مواصلة الدعم المالي للجناح العسكري لكتائب القسّام بصورة دورية في ظلّ التراجع والفتور في العلاقات السياسية مع الحركة، يُقدّر _حسب أوساط قيادية_ بعشرات ملايين الدولار.
إعلامياً:
تساهم إيران في تقديم الدعم المالي للمؤسّسات الإعلامية التابعة للمقاومة، كما عملت على تطوير العديد من الكوادر الإعلامية العاملة في حقل الإعلام الفلسطيني.
تُسخِّر إيران وحلفاؤها في المنطقة والأحزاب والفصائل المؤيّدة لها ماكينتها الإعلامية في تقديم صورة مُشرّفة عن المقاومة الفلسطينية، كما وتجنّد وسائلها في المواجهات والفعاليات المركزية في خدمة قضية فلسطين.
اجتماعياً:
تساهم إيران في تقديم الدعم المالي لأكثر من 9 آلاف أسرة شهيد في فلسطين منذ انتفاضة الأقصى، بما فيهم شهداء مسيرات العودة بصورة مُنتظمة وشبه دورية.
تنشط إيران في المجال الاجتماعي في قطاع غزّة ولا سيما في شهر رمضان، عبر تقديم ما يقدَّر ب20 ألف وجبة إفطار بصورة يومية للأسر المُتعفّفة في القطاع.
تطوّر العلاقات في محطات:
المحطّة الأولى: بناء علاقات مميّزة مع منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات قبل وبعد الثورة الإيرانية، لكنها لم تستمر طويلاً نتيجة الظروف السياسية آنذاك، كالحرب الإيرانية العراقية، ومحاولة التوسّط من قِبَل عرفات في قضية أزمة المحتجزين في السفارة الأميركية في طهران، إلا أنها دعمت الجهاد الإسلامي منذ التأسيس في بداية الثمانينات.
المحطّة الثانية: مثّلت انتفاضة الحجارة في عام 1987 محطّة مهمّة في توسّع العلاقات بين الفصائل الفلسطينية وإيران، وشهدت الانفتاح الأهم في علاقاتها مع حركة حماس، وهي المحطّة الأبرز في تقديم الدعم المادي والعسكري، عبر تدريب العديد من الشباب الفلسطيني على إعداد المتفجّرات، كما ساهمت محطّة مرج الزهور في توسيع الانفتاح الحمساوي، ومع انطلاق قطار التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، تعزّزت العلاقات بعد رفض العديد من الفصائل الفلسطينية سلوك قيادة المنظمة، في ظل رفض إيران لمشاريع التسوية والاعتراف بإسرائيل وفتحت آفاقاً للتعاون بصورة أشمل.
المحطّة الثالثة: مع اندلاع انتفاضة الأقصى عمدت إيران لأن تكون أول الداعمين العسكريين للمقاومة المسلّحة، فقدّمت الخبرات والمال والسلاح، وساهمت في تقديم السلاح للرئيس عرفات أشهرها كاريِنA، وغيرها من المواد المُستخدَمة في التصنيع، وقد شهدت هذه المحطّة مساحةً أوسع من الانفتاح على الفصائل العسكرية العامِلة في فلسطين ضد العدو، وتطوّر العمل بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة، وقد شهدت هذه المحطّة دعم إيران وحزب الله لكل فصائل المقاومة التي حملت السلاح، وتعزّز التعاون بينهما لما أظهرته الفصائل الفلسطينية من قدرة على إيلام العدو، هذا الميراث بقي مستمراً حتى اللحظة.
المحطّة الرابعة: قد لا تختلف طبيعة العلاقات بين المحطّة الثالثة والمحطّة الرابعة كثيراً، إلا أنه في البُعد السياسي ساهمت إيران في الوقوف مع الحكومة الفلسطينية العاشرة وتقديم الدعم المالي بصورة مباشرة لها في ظل تعرّضها للحصار الدولي، كما شكّلت عملية المقاومة الفلسطينية المشتركة بين كتائب القسّام وألوية الناصر، والتي نتج منها اختطاف شاليط، تحوّلاً محورياً في طبيعة العلاقات، ولعلّ ما لا يُدركه العديد من الساسة والمتابعين بأن عملية اختطاف الجنود التي نفّذها حزب الله في جنوب لبنان هدفت لتخفيف العدوان على قطاع غزّة عام 2006، كما طُوّرت خطوط إمداد السلاح، ورُفعت وتيرة التنسيق بين المقاومة الفلسطينية وإيران وحزب الله.
المحطّة الخامسة: قد تكون هذه المحطّة هي الأقصر مدّة، والأقل أهمية مقارنة بالمحطّات السابقة، وهي المحطّة التي شهدت بعض الفتور على الصعيد السياسي، لما شهدته المنطقة من حراك شعبي جماهيري في بعض الدول، وسلوك الثورات المضادّة ودول الخليج (الفارسي) في المؤامرة عليها والسعي لتدمير مقدّرات محور المقاومة، لكنه سرعان مازال هذا الفتور وعادت الأمور إلى محطّاتها السابقة، نتيجة وجود عدو مشترك، وحكمة طرفيّ العلاقة.
المحطّة السادسة: مثّل عدوان 2014 نقلة في قدرات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسّام في مواجهة العدو والتصدّي له، فقد أبلت المقاومة بلاءً حسناً، ما دفع داعمي المقاومة إلى تجاوز الفتور السياسي وتقديم الدعم العسكري للمقاومة، وقد شهدت المرحلة الراهنة تحسناً على الصعيد السياسي، نتيجة التغيّرات القيادية الحمساوية، وإيمان القيادات السياسية والعسكرية للحركة _وعلى رأسهم قيادات قطاع غزّة_ بأن العلاقة مع إيران وداعمي المقاومة استراتيجية، وأن الهجمة على إيران تهدف إلى شيطَنة كل مّن ساهم في دعم المقاومة، والتصريحات القيادية من حماس واضحة على لسان رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وقائد حماس في قطاع غزّة يحيى السنوار.
المصدر : موقع الرسالة