المقالات:
كواليس الحراك الشعبي في لبنان والعراق
الوقت- تتصدر المظاهرات اللبنانية والعراقية المشهد السياسي في العالم العربي في الوقت الحالي بالإضافة إلى عمليات الاغتيال التي تقوم بها “إسرائيل” في الوقت الراهن ضد شخصيات قيادية فلسطينية، كان آخرها اغتيال قائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الشهيد أبو العطاء، الأمر الذي يقود الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي نحو المجهول وقد يتطوّر الأمر إلى تصعيد خطير على الحدود، ولكن ما علاقة هذا الأمر بما يجري في لبنان والعراق؟.
هناك حالة ارتياح واضحة لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي لما يجري في لبنان والعراق، مع العلم أن هناك مطالب محقّة لدى شعب البلدين إلا أن هناك جهات خارجية تركب موجة المظاهرات هذه وتعمل على حرفها عن مسارها، بهدف زعزعة الاستقرار في هذين البلدين والتأثير على محور المقاومة وإضعافه قدر المستطاع، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الصهاينة بالدرجة الأولى لأن استمرار حالة الفوضى في هذين البلدين ستكون لمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي وقد حذّر الكثير من الزعماء الوطنيين من مغبة ما يحدث ومن مستقبل هذا الحراك الشعبي، ويجب ألّا ننسى أن جميع الجهات باركت هذا الحراك لكنها في الوقت نفسه تنظر بعين القلق عن حرف هذه المطالب عن مسارها وأن تتحول لتحقيق مصالح جهات خارجية دخلت على خط الحراك وبدأت تحرفه عن مساره.
الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله أطل على اللبنانيين مرتين وأوضح تفاصيل خفية عمّا يجري في كواليس الاحتجاجات الشعبية، وكشف في إطلالته الثانية ما عُرِف بأنّه كان مَخفياً خلف الاحتجاجات، واللافت أنّها جاءت في توقيتٍ مُثيرٍ للغاية، في أعقاب تقارير إعلاميّةٍ عن زيارةٍ سرّيةٍ قادت رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو على عجل إلى السعوديّة للقاء وليّ عهدها، محمد بن سلمان، الذي كان يلتقي وزير الدفاع الأمريكيّ مارك اسبر، وكان لافِتاً للغاية أنّه وبسرعةٍ كبيرةٍ صوّبت وسائل إعلامٍ عبريّةٍ على الرّحلة السرّية تلك، ومسار الطائرة إلى الرّياض، وماهيّة الشخصيّة التي كانت على متنها، قبل أنْ تؤكِّد صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيليّة على أنّ الشخصيّة هي نتنياهو نفسه، موضحةً في الوقت عينه أنّ الطائرة الخاصّة المسجّلة في أمريكا من طراز” challenger 604″ التي أقلّت الأخير، حطّت لنحو دقيقتين في العاصمة الأردنيّة عمّان، قبل أنْ تُواصِل رحلتها إلى الرّياض، على حدّ تعبير الصحيفة الإسرائيليّة، التي اعتمدت واستندت إلى مصادر عليمةٍ جداً في كيان الاحتلال الإسرائيليّ.
الصحيفة الإسرائيليّة عادت وأكّدت على أنّ محور الاجتماع الثلاثي تمّ تخصيصه للبنان دون الخوض في أيّ تفاصيل، لتتكفّل بعدها مواقع إخباريّة عالميّة بالكشف عن أنّ هدف الاجتماع تمحور حول الاحتجاجات اللبنانيّة الدائرة، وأنّ السفارة السعودية في بيروت، عمّمت على شخصيّات محسوبة عليها، أمر إدارتها نحو الهدف المطلوب، على أنْ يُواكِبها دخول إسرائيليّ على الخطّ تمّ التجهيز له منذ عدّة شهورٍ.
ومن الأهميّة بمكانٍ في هذه العُجالة الإشارة إلى أنّ هذا حدث قبل أنْ تتكشّف وثيقة إسرائيليّة-أمريكيّة سرّية كانت وصلت إلى الرئيس اللبناني ميشال عون في شهر نيسان (أبريل) المنصرم، علماً أنّ الوثيقة التي كشف عنها موقع (geopolitics Alert) تضمّنت تهديداً بذهاب لبنان إلى فوضى وحرب أهليّة، إذا لم يتمّ “تحجيم” حزب الله، من خلال “عمليّات خفيّة” يدخل على خطها “غزو إسرائيلي محتمل”.
مُضافاً إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ معهد البحوث العالميّة (غلوبال ريسيرتش)، وفي تقرير نشره في الثامن من شهر نيسان (أبريل) المنصرم، أكّد تلقّي الرئيس اللبناني وثيقةً إسرائيليّةً-أمريكيّةً تتضمّن تحضّرياً لعدوانٍ إسرائيليٍّ على لبنان، يُواكِب فوضى عارمة في هذا البلد، كما أنّه وبحسب الموقع المذكور، فإنّ وزير الخارجية الأمريكيّ مايك بومبيو، وخلال زيارته لبنان في شهر آذار (مارس) الماضي، أنذر الرئيس عون خلال لقائهما بوجوب احتواء حزب الله، أوْ توقّع عواقب غير مسبوقة.
من المؤكد أن واشنطن امتعضت من “إدارة ظهر” الرئيس اللبناني لتحذيرات وزير خارجيتها.. بعد 22 يوماً على انطلاق الاحتجاجات الشعبية، بدأت الصّورة تتّضح اكثر فأكثر.. التحضير لتفجير الشارع بدأ العمل عليه منذ شهور عدّة.. لنعد إلى زيارة مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب مارشال بيليغنسلي إلى بيروت، حيث تركّزت لقاءاته حينها على حاكم المصرف المركزي، ومن أرادوا من الخلف تقطيع أوصال البلد ونصب حواجز ذكّرت سريعاً بمشهد الحرب الأهلية الغابرة.. “وبقدرة قادر” فُقد الدولار من الأسواق اللبنانية، ليلحق بها أزمة بنزين خانقة، وبعدها موجة حرائق مهولة اجتاحت لبنان ورُسمت حولها ألف علامة استفهام إزاء توقيتها.. قبل حوالي 72ساعة على انطلاق شرارة الاحتجاجات!
اللافت وسط كل ذلك، يكمن بإعادة عدد كبير من العملاء لـ “إسرائيل” الذين فرّوا إلى فلسطين المحتلة منذ العام 2000، في أيلول الفائت، أي قبل شهر واحد من بدء الاحتجاجات، بدا وكأنّ الأمر يرتبط بـ ” دور ما” أُنيط بهم، ليتبيّن لاحقاً وفق معلومات مؤكدة، أنهم أداروا من الخلف احتجاجات البلدات الجنوبية والبقاعية المحسوبة على البيئة الحاضنة للمقاومة.. وثمّة معلومات أخرى ألمحت إلى فرز عدد من هؤلاء للتنسيق مع عملاء سوريين انخرطوا في سيناريو “الثورة السورية” ولهم ارتباطات أيضاً بجهاز الموساد الإسرائيلي، موجودون في الشمال اللبناني.
وكان الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط، غيورا آيلاند، أكّد أنّ معضلة الكيان مع حزب الله تكمن في حجم الأضرار الماديّة والبشريّة التي سيُلحِقها في عمق الدولة العبريّة، في حال اندلعت حرب الشمال الأولى، لذا، أضاف رئيس مجلس الأمن القوميّ السابِق، يتعيَّن على الكيان استثمار الحراك اللبنانيّ من أجل العمل على نزع سلاح حزب الله، كما أكّد في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، مُضيفاً إنّ الخطر الماثِل من حزب الله يُشابِه إلى حدٍّ كبيرٍ ما حدث لمنشآت النفط السعوديّة بعد الهجوم عليها في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.
وشدّد على أنّ الحديث يدور عن فرصةٍ تاريخيّةٍ ماثِلةٍ أمام الكيان لتحقيق أهدافه التكتيكيّة والاستراتيجيّة والتأثير على مجريات الأحداث، دون أنْ يضطر للجوء إلى الخيار العسكريّ، وبرأيه، فإنّ لبنان يئّن تحت ديونٍ طائلةٍ، وبالتالي ستقوم حكومةً جديدةً مفتوحةً للغرب والسعوديّة، ولمنظمّاتٍ عالميّةٍ مثل صندوق النقد الدوليّ من أجل الحصول على قروضٍ لتغطية العجز الذي تُعاني منه ميزانية بلاد الأرز، كما قال.
وهذه التطورّات -خلُص آيلاند- تفتح الأبواب أمام “إسرائيل” وتمنحها فرصةً يتحتّم عليها استغلالها، بحيثُ يعمل كيان الاحتلال للتأثير على الدول والمنظمات المانِحة باشتراط تقديم الأموال لبنان شريطة أنْ يقوم حزب الله بنزع سلاحه، الذي يُشكِّل خطراً استراتيجياً على الكيان، على حدّ تعبيره.
ليبقى السؤال” هل تجاوز لبنان “القطوع” بأقلّ الخسائر الممكنة”؟ وهل فعلاً عبّرت رسالة ناريّة من بيروت إلى “من يعنيهم الأمر” فرملت خطّة معادية كانت ستُترجم ضدّ البلد في ذروة الفوضى التي اجتاحته منذ 17 تشرين الأول الفائت؟-بحسب ما سُرّب عن دبلوماسي غربي في سلطنة عُمان؟ الدبلوماسي الذي أكّد أنّ مبادرة رجال حزب الله إلى استهداف طائرة استطلاع “إسرائيلية” فوق مدينة النبطية الجنوبية في أوج الاحتجاجات الشعبية، لم تكن رسالة تحذيرية “يتيمة”، “والأرجح انّ قيادتهم رصدت “خطة ما” مزمعة كانت وشيكة”، فثمّة رسالة أخرى حملت تحذيراً غير مسبوق عبرت إلى دوائر القرار في الرياض وواشنطن وتل ابيب، مرجّحاً قرب تفجير مفاجأة مدوّية جهّزها حزبُ الله تتصدّر سريعاً المشهدَين اللبناني والإقليمي بالمرحلة المقبلة.
“اتفاق الرياض”.. ملامح الانهيار تلوح في الأفق
الوقت- وصلت الأمور في اليمن إلى طريق مسدود من جميع الاتجاهات بالنسبة للسعودية، وعوضاً عن أن تحاصر السعودية اليمن وتطبق الخناق عليها كما كانت تأمل، انقلب السحر على الساحر وحاصرت السعودية نفسها في اليمن، وما زاد الطين بلة بالنسبة للرياض هو حصار أبو ظبي لها في جنوب اليمن، وكادت أن تختنق السعودية في اليمن وترفع راية الاستسلام لولا اللعبة الجديدة التي أطلقتها الإمارات وسمّتها “اتفاق الرياض” الذي يعيد شيئاً من ماء الوجه للسعودية ولو على الأقل بالشكل الظاهري.
في يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2019، أبرمت السعودية اتفاقاً بين الحكومة اليمنية والانفصاليين، جاء نتيجة خطة إماراتية، للبقاء بشكل غير مباشر في اليمن، وكانت الغاية المعلنة من الاتفاق هي إنهاء النزاع السياسي/العسكري جنوب اليمن، وإعادة تشكيل الحكومة الشرعية وتنظيم عمل القوات العسكرية جنوب وغرب اليمن، بحيث تُدمج هذه القوات ضمن المؤسسات الرسمية للحكومة، ويتم تفعيل مؤسسات الدولة في عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، لكن هل هذه هي الحقيقة؟.
نعتقد جازمين بأن الابتسامات ومسك الأيادي والمصافحات الحارة التي شهدناها على شاشات التلفزة خلال توقيع بنود هذا الاتفاق، تخفي خلفها خبايا وأسرار ستتكشف تباعاً في جنوب اليمن، لأن تذليل العقبات بين أتباع السعودية والإمارات في جنوب اليمن، هو أمر شبه مستحيل لأن الرؤى والنهج والأهداف والطموحات مختلفة تماماً بين الجانبين.
دلائل فشل هذا الاتفاق مستقبلاً
أولاً: المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحلم بتقسيم اليمن لا يمثل شعب الجنوب ولا يكاد يمثل سوى نفسه والإمارات ويعمل على تحقيق ما تصبو له الأخيرة فقط وليس هناك أي هدف آخر، وبالتالي فإن تغييب بقية فئات الشعب الجنوبي سيشكل ثغرة وهوة كبيرة ستظهر خلال الايام المقبلة.
ثانياً: الامارات تبحث بكل جوارحها عن إيجاد طريقة لشرعنة المجلس الانتقالي الجنوبي، وادخاله في مفاصل الحكم في جنوب اليمن لتنفيذ ما تريده لاسيما موضوع السيطرة على الموانئ بشكل رسمي أمام المجتمع الدولي، وبالتالي أهداف الإمارات من هذا الاتفاق واضحة، صحيح أنها أعادت النقاط التي سيطرت عليها إلى السعودية والقوات التابعة لها، إلا أن هذا الأمر تم على شكل مسرحية “هزلية” غايتها الأساسية هي “شرعنة” الانفصاليين الذين تدعمهم الإمارات وادخالهم في السلطة بشكل شرعي، وهذا ما نجحت الإمارات به، وبالتالي يمكننا القول إن الإمارات انتصرت مرتين على حليفتها السعودية.
ثالثاً: أصبح توقيع “الاتفاق” ضرورة ملحّة لكل من السعودية والإمارات، والأهداف هنا تختلف طبعاً بين البلدين، لكن الاتفاق سيكون في مصلحة الطرفين على الأقل خلال الفترة المقبلة، فالسعودية تبحث عن حفظ ماء وجهها في اليمن، بعد الانقلاب الذي قادته الفصائل التي تعمل تحت إمرة الإمارات على اتباع السعودية في جنوب اليمن في اغسطس الماضي، إلا أن الإمارات عادت وتقاسمت كعكة الجنوب مع السعودية ليس حباً بالسعودية وإنما لتحقيق مجموعة من الأهداف.
رابعاً: منح الانقلابين في الجنوب صبغة “شرعية” سيكون له أثر كبير على مستقبل اليمن، وسيؤدي لا محالة إلى الانفصال، لأن هؤلاء أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من معادلة الجنوب، وأصبح لهم 12 وزيراً شرعياً، وبالتالي عليكم أن تتخيلوا ماذا سيفعل هؤلاء عند استلامهم للسلطة.
خامساً: دعونا نعود إلى بداية الحرب اليمنية ونسأل عن الدافع الذي حرض آل سعود لشنّ حربهم الإجرامية على اليمنيين، نجد أن “أنصار الله” هم السبب بحجة أن آل سعود يجدون في “أنصار الله” تهديداً لليمن ويجب التخلص منهم لإعادة الشرعية لليمن، إذا كان الأمر كذلك، لماذا تعترف اليوم السعودية بالانقلابين الجنوبيين الذين انقلبوا على الشرعية وسيطروا على مراكز قوتها وقاتلوا أنصار السعودية وتعاملوا معهم على أنهم أعداء؟.
السؤال الأبرز حول قدرة الاتفاق الأخير الذي أبرم في الرياض على إحلال الأمن والاستقرار في الجنوب، في ظل اختلاف المصالح بين السعودية والإمارات، لمن يذكر فإن أنصار الإمارات انقلبوا على الحليفة السعودية، وجرت تلك الاشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات تابعة للرئيس، عبد ربه منصور هادي، وهذه التطورات العسكرية، جرت نتيجة تراكمات تمتد لفترات زمنية طويلة، تداخلت فيها مصالح أطراف عديدة داخلية وخارجية.
من خلال الوقائع على الأرض، يبدو أن الإمارات لم تكن تريد أن تنهي دورها وطموحاتها في اليمن، وإنما التكيُّف مع الضغوطات التي تتعرض لها، أبو ظبي أرادت تحويل الوجود العسكري المباشر، إلى وجود سياسي غير مباشر، عبر القوى المحلية التابعة لها، والقوات العسكرية التي تنوي إبقاءها.
الإمارات أعطت الضوء الأخضر إلى قوات المجلس الانتقالي والنخبة الشبوانية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من مناطق الجنوب، وبالذات محافظة عدن، بهدف فرض أمر واقع يتم بمقتضاه الاعتراف بسيطرة هذه القوات (المجلس الانتقالي، والنخبة الشبوانية) على مناطق الجنوب.
لقد كان الذهاب إلى المفاوضات يهدف إلى ترسيخ هذا الوجود بشكل شرعي، وإجبار الرئيس هادي، على تعيين مسؤولين لهذه المناطق تابعين للمجلس الانفصالي، وإعادة تشكيل السلطة الشرعية، من خلال تعيين أنصار الإمارات من الانفصاليين الجنوبيين، وأعضاء المؤتمر الشعبي الموالين لها في الحكومة الشرعية.
يمكن للاتفاق تحقيق أهداف صغيرة وجزئية، كتجميد الصراع العنيف في المناطق الجنوبية، ومحاصرة بؤر النزاع المتوقع حدوثها سيتحقق هذا الهدف حال كان الوجود العسكري والسياسي والإداري السعودي كثيفاً وفاعلاً بما يكفي.
أما الأهداف الكبيرة، ومنها إنهاء النزاع السياسي/العسكري بين الأطراف الجنوبية المتصارعة، فإنه أمر في غاية الصعوبة، كون الصراع معقَّد، وله جذور تاريخية، ومن الصعوبة تنفيذ بنود الاتفاق المتعلقة بإعادة تشكيل القوات العسكرية والأمنية وضمِّها لوزارتي الداخلية والدفاع.
ما سيحدث هو تشكيل قوات الوزارتين من القوى المتصارعة، ومن الصعب دمج القوى المتصارعة داخل مؤسسات الدولة وتحويلها إلى قوات محترفة، تؤدي حالات كهذه إلى إضعاف المؤسسات الرسمية وتفكيكها، وخلق الانقسام داخلها عبر تعدد الولاءات.
ولا يُتوقع أن ينجح الاتفاق في تفعيل عمل مؤسسات الدولة في عدن كما نص على ذلك؛ لأنَّ عملاً من هذا القبيل يتطلَّب فترة زمنية طويلة من الاستقرار والهدوء.
وحدة المقاومة في فرض معادلات الردع
الوقت- دخل اتفاق وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة حيّز التنفيذ صباح اليوم الخميس تمام الساعة 5:30. الاتفاق الذي جاء بعد 4 ساعات من مجزرة إسرائيلية بشعة راح ضحيتها 6 شهداء من عائلة واحدة في دير البلح، يأتي أيضاً بعد إطلاق مئات الصواريخ الفلسطينية على المستوطنات في غلاف غزّة من جهة، وعلى تل أبيب من ناحية أخرى.
ما نجحت فيه السلطات الإسرائيلية خلال هذا العدوان هو التعتيم الإعلامي وفرض القبضة الحديدة على خسائرها الفادحة، ولكن ما فشلت به هو أكبر بكثير، في المقابل أظهرت المقاومة الفلسطينية نموذجاً فريداً في وحدة الصفّ، فقد اعتبر المحلل والمؤرخ الإسرائيلي “غال بيرغر”، أن “إسرائيل” وقعت في خطيئة كبيرة بعد استهداف قائد سرايا القدس في غزة بهاء أبو العطا، مشيراً إلى أن خطيئة “إسرائيل” هذه المرة أنها حددت هدفاً واحداً في المواجهة الدائرة، وهو الجهاد الإسلامي، وهذه الخطيئة استثمرتها حماس لتفعل ما تريد من خلف هذا الستار.
وأضاف “الآن الجميع يقوم بضربنا باسم الجهاد الاسلامي، إنهم يتفقون علينا ونتنياهو هو السبب”.
لم ينجح الكيان الإسرائيلي في كسر قواعد الاشتباك، والسير بنهج الاغتيالات ضد قيادات المقاومة، لا يقتصر الفشل الإسرائيلي، أي نجاح المقاومة على هذا الأمر، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: تأتي الهدنة بعد نجاح المقاومة في التصدّي للعدوان وكسر هيبة نتنياهو الطامح لأي إنجاز عسكري، فالاتفاق على أساس تلك الشروط التي اشترطها الجهاد نيابة عن المقاومة والتي تمثّلت في وقف سياسة الاغتيالات وحماية المتظاهرين في مسيرات العودة الكبرى والبدء عملياً في تنفيذ إجراءات كسر الحصار، وفق الجهاد الإسلامي.
ثانياً: بدا أن هناك تنسيقاً كبيراً بين فصائل المقاومة، وقد حاول الكيان الإسرائيلي اللعب على هذا الوتر، لكنّه فشل.
حاول الكيان الإسرائيلي أن يُظهر بأن مشكلته اليوم مع الجهاد الإسلامي، وليس حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، لكن غرفة العمليات المشتركة أثبتت العكس تماماً.
حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أكّدت مجدداً أن “المقاومة الفلسطينية لن تتراجع عن دورها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وكسر الحصار الذي يفرضه على الشعب الفلسطيني“، فقد قال الناطق باسم الحركة، حازم قاسم: إن “غزة ومقاومتها ستبقى عصية على الانكسار وستفرض إرادتها على المحتل في كل مرة وستنتزع حقها بالعيش بحرية وكرامة، وستكسر الحصار عن نفسها”، مشدّداً على أن الالتفاف الشعبي حول المقاومة يشكل الدرع الحامي والسند والظهير لهذه المقاومة وهي تواجه الاحتلال، معرباً عن قناعته بأن “الأداء الموحّد للمقاومة في مواجهة العدوان على غزة يؤكد مرة أخرى أن وحدتنا في الميدان هي أحد عوامل صمود شعبنا وانتصار مقاومته“، هذا التنسيق دفع بأفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، لاتهام حركة حماس بعملية إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه وسط فلسطين المحتلّة.
ثالثاً: فرضت الرقابة الإسرائيلية رقابة فولاذية على الخسائر الإسرائيلية، وهو السبب الحقيقي وراء عدم إعلان الكيان الإسرائيلي عن خسائره، لكن صواريخ المقاومة التي نزلت ناراً وشناراً على سكان الكيان المحتل وفاقت الـ450 تؤكد أن غزّة مقابل تل أبيب، فقد ولى الزمن الذي يبقى فيه سكان غزة في منازلهم، ويعيش فيه سكان تل أبيب في رخاء.
عضو الكنيست “عوفر شيلح” علّق على ما حدث بالقول: الجهاد الإسلامي حققت صورة الانتصار عندما قصفت “تل أبيب”، وشلت حركتها لمدة ثلاثة أيام، وجعلتنا كالرهائن بالمدينة.
رابعاً: مرّة جديدة، تكشف منظومة القبّة الحديدة الإسرائيلية فشلها أمام صواريخ المقاومة. نعم، نجحت هذه القبّة في اعتراض بعض الصواريخ، لكنها في الحقيقة فشلت في حماية سماء فلسطين المحتلّة من صليات المقاومة. ويأتي هذا الفشل بعد جميع التجارب السابقة التي أجراها الكيان الإسرائيلي لتحسين مستوى هذه المنظومة، وجعلها متعددة للسطوح، فضلاً عن الزج بمنظومات أمريكية أيضاً.
في الختام، نجحت المقاومة الفلسطينية في إدارة المعركة سياسياً وعسكرياً بحكمة عالية سمحت لها بفرض شروطها على الكيان الإسرائيلي، نتنياهو فشل في عملية الاستثمار السياسي، لاسيّما أن صواريخ المقاومة أظهرت براعة قتالية كبيرة شلّت مناحي الحياة في الكيان.
مرّة جديدة تثبت المقاومة وحدتها، ليس على الصعيد السياسي والعسكرية فحسب، بل في فرض معادلات الردع، ما شاهدناه في غزة خلال العدوان الأخيرة هو “تكامل جهادي” بأبهى أشكاله.
الصور والافلام: