الرئيسية / القرآن الكريم / هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 11

هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 11

الدرس الحادي عشر: تفسير سورة العاديات

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾

 

تعريف بالسورة ومحاورها

سُمّيت هذه السورة بالعاديات, لورود ذكرها في مستهلّ السورة، وقد جرت سيرة المسلمين على تسمية بعض السور باسم مفتتحها.

 

وتتضمّن هذه السورة المباركة 11 آية, تحوي مجموعة من المحاور، هي:

1- القائد الربّانيّ ضمانة فلاح الأمّة في الدنيا والآخرة.

2- كفران الإنسان للنعم الإلهيّة.

3- حبّ الإنسان للدنيا سبب خسرانه, الدنيويّ والأخرويّ.

4- البعث والنشور ودورهما في ضبط عمل الإنسان وتوجيهه وجهته الصحيحة.

5- علم الله وإحاطته بالأشياء, ظاهرها وباطنها، علانيّتها وسرّها.

 

فضيلة السورة

  • ما رواه أُبَي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مَنْ قرأها أُعطِيَ من الأجر عشر حسنات, بعدد مَنْ بات بالمزدلفة، وشهد جمعاً”[1].

 

  • ما رواه سليمان بن خالد، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “ومن قرأ ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾ وأدمن قراءتها, بعثه الله مع أمير المؤمنين عليه السلام يوم القيامة خاصّة، وكان في حجره ورفقائه”[2].

 

خصائص النزول

اختلف المفسِّرون في مكان نزول هذه السورة، على قولين: أكثرهم على أنّها مكّيّة، وبعضهم على أنّها مدنيّة[3]:

  • القول الأوّل: مكّيّة السورة: تمسّك القائلون بمكّيّتها، بمجموعة من الأمور الواردة فيها، التي – عادة – ما تتناولها السور المكّيّة، منها: قِصَر آياتها، ورود الأقسام فيها، الحديث عن أصل المعاد والبعث والنشور[4].

 

  • القول الثاني: مدنيّة السورة: تمسّك القائلون بمدنيّتها، بمجموعة من الروايات الواردة بصدد بيان أسباب النزول، منها:

– روي أنّه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريّة إلى حي من كنانة، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاريّ, أحد النقباء، فتأخّر رجوعهم، فقال المنافقون: قُتِلوا جميعاً. فأخبر الله تعالى عنها بقوله: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾[5].

 

– روي أنّه نزلت السورة لمّا بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام إلى ذات السلاسل، فأوقع بهم, وذلك بعد أن بعث عليهم مراراً غيره من الصحابة، فرجع كلّ منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[6].

 

– روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام – في حديث طويل – أنّه قال: “وسُمّيت هذه الغزوة ذات السلاسل, لأنّه (الإمام علي عليه السلام) أسر منهم، وقتل، وسبى، وشدّ أسراهم في الحبال مكتّفين, كأنّهم في السلاسل. ولمّا نزلت السورة، خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس، فصلّى بهم الغداة، وقرأ فيها: ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾، فلمّا فرغ من صلاته، قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إنّ عليّاً ظفر بأعداء الله، وبشّرني بذلك 

 

جبرائيل عليه السلام في هذه الليلة. فقَدِمَ علي عليه السلام بعد أيام بالغنائم والأسارى”[7].

 

وبناءً على ما تقدّم من روايات أسباب النزول، فإنّ القول بمدنيّة السورة هو القول الأوفق، ولا سيما بملاحظة الرواية الأخيرة، التي صرّحت بأنّ المسلمين لم يكونوا على علم بهذه السورة قبل قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في صلاته التي صلّاها بهم، بعد واقعة ذات السلاسل التي حدثت في العام الثامن للهجرة.

 

وبهذه القرينة الأخيرة لا يُمكن التمسّك بمكّيّة السورة, بصرف الروايات المتقدّمة عن بيان سبب النزول, وحملها على خصوص التفسير بالمصداق.

 

شرح المفردات

  • الْعَادِيَاتِ: “العين والدال والحرف المعتلّ أصل واحد صحيح وهو يدلّ على تجاوز في الشيء، وتقدّم لما ينبغي أن يقتصر عليه… ويقال من عدو الفرس عدوان, أي جيّد العدو وكثيره”[8].

 

  • ضَبْحاً: “الضاد والباء والحاء أصلان صحيحان، أحدهما: صوت، والآخر: تغيّر لون, من فعل نار… فأمّا قوله تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾، فيقال: هو صوت أنفاسها. وهذا أقيس. ويقال: بل هو عدو فوق التقريب, وهو في الأصل ضبع, وذلك أن يمدّ ضبعيه حتى لا يجد مزيداً، وإن كان كذا, فهو من الإبدال”[9].

 

  • الْمُورِيَاتِ: “الواو والراء والحرف المعتلّ: بناء على غير قياس وكلمة أفراد”[10]. و”قوله تعالى: ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾, يعني الخيل في المكر تقدح النار بحوافرها, عند صكّ الحجارة، يقال: أورى النار, إذا أوقدها وأشعلها”[11].

 

  • قَدْحًا: “القاف والدال والحاء أصلان صحيحان يدلّ أحدهما على شيء, كالهزم (غمز الشيء حتى ينحطم وينكسر إلى الداخل) في الشيء، والآخر يدلّ على غرف شيء. فالأوّل القدح، فِعْلُك إذا قدحت الشيء… ومن الباب قدح الفرس تقديحاً إذا ضمر (دقّ وخفّ لحمه) حتى يصير مثل القدح”[12]. و”قوله تعالى: ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾, أي الخيل توري النار سنابكها, إذا وقعت على الحجارة، ولعلّ المراد بها خيل الجهاد”[13].

 

  • الْمُغِيرَاتِ: “الغين والواو والراء أصلان صحيحان، أحدهما: خفوض في الشيء وانحطاط وتطامن، والأصل الآخر: إقدام على أخذ مال قهراً أو حرباً… الإغارة”[14].

 

  • أَثَرْنَ: “الهمزة والثاء والراء له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي”[15]. و”في قوله: ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾, بتشديد الثاء, وهو من التأثير، فالهمزة فاء الفعل، فأثرن بالتخفيف من الإثارة”[16].

 

  • نَقْعًا: “النون والقاف والعين أصلان صحيحان، أحدهما يدلّ على استقرار شيء, كالمائع في قراره، والآخر على صوت من الأصوات. فالأول نقع الماء في منقعه استقرّ”[17]. و”قوله تعالى: ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾. النقع: الغبار، والجمع نِقاع بالكسر”[18].

 

  • كَنُودٌ: “الكاف والنون والدال أصل صحيح واحد يدلّ على القطع. يقال كند الحبل يكنده كنداً. والكنود الكفور للنعمة. وهو من الأوّل, لأنّه يكند الشكر, أي يقطعه”[19].

 

  • بُعْثِرَ: “الباء والعين والثاء أصل واحد وهو الإثارة”[20]. “قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾[21], أي: قلب ترابها وأُثير ما فيها… وقيل: إنّ بعثر مركَّب من: بعث وأثير، وهذا لا يبعد في هذا الحرف، فإنّ البعثرة تتضمّن معنى بعث وأثير”[22].

 

تفسير الآيات

الآية (1): ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾:

العاديات, من العدو, وهو الجري بسرعة. والضَبْح, صوت أنفاس الخيل عند عَدْوِها, وهو المعهود المعروف من الخيل. ومعنى الآية: أقسم بخيل المجاهدين اللاتي يجرين بسرعة، ويصدرن أصواتاً من أنفاسهنّ, بفعل جريانهنّ في ساحة الجهاد والقتال[23].

 

الآية (2): ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾:

الإيراء, إخراج النار. والقدح, الضرب والصكّ المعروف. يُقال: قدح فأورى, إذا أخرج النار بالقدح. ومعنى الآية: أُقسم بخيل المجاهدين التي تُخرِج النار بحوافرها, إذا عَدَت على الحجارة والأرض المحصّبة في ساحة الجهاد والقتال[24].

 

الآية (3): ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾:

الإغارة والغارة, الهجوم على العدو بغتة بالخيل, وهي صفة أصحاب الخيل حقيقة، ونسبتها إلى الخيل من باب المجاز. وعنى الآية: أُقسم بخيل المجاهدين الهاجمات على العدو بغتة في وقت الصبح[25].

 

الآية (4): ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾:

أثرن, من الإثارة, بمعنى تهييج الغبار ونحوه. والنقع, الغبار. ومعنى الآية: أُقسم بخيل المجاهدين الهاجمات صبحاً اللاتي هيّجن الغبار بالعدو في ساحة الجهاد والقتال[26].

 

الآية (5): ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾:

وسط وتوسّط, بمعنى واحد. وفي معنى الباء ومرجع الضمير في قوله تعالى: ﴿بِهِ﴾، قولان:

  • الباء, بمعنى: في. ومرجع الضمير إلى “الصبح”.
  • الباء, بمعنى: الملابسة. ومرجع الضمير إلى “النقع”, أي الغبار.

 

وعلى كلّ حال، فمعنى الآية: أُقسم بخيل المجاهدين الهاجمات على مركز كتيبة العدو والمتوسّطات بينهم صبحاً، أو المتوسّطات جمعاً من كتيبة العدو, جعلتهم ملابسين للغبار. والفاء في الآيات الأربع المتقدّمة تدلّ على ترتّب كلّ منها على ما قبلها[27].

 

– الآية (6): ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾:

الكنود, الكفور. والمراد بالإنسان, بعض الإنسان. والآية: جواب على القسم بخيول المجاهدين الهاجمات في سبيل الله…

وقوله تعالى: ﴿لِرَبِّهِ﴾ متعلّق بكنود, أي أنّ الإنسان لكنود لربّه, حيث قُدِّم عليه لإفادة التخصيص والحصر, كقوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[28]. وهذا التخصيص

 

والحصر, بمعنى: أنّ كفران الإنسان مخصوص بنعمة ربّه وليس بنعمة غيره[29].

 

فالآية تعريض بالقوم المُغَار عليهم, لأنّهم كفروا بنعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليهم, وهي أعظم نعمة أوتوها, لما فيها من طيب حياتهم الدنيا، وسعادة حياتهم الأبديّة الأخرى[30].

 

– الآية(7): ﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾:

ذُكِرَ في مرجع ضمير ﴿وَإِنَّهُ﴾ قولان، هما:

  • إنّ مرجع الضمير إلى الإنسان. فيكون معنى الآية: إنّ الإنسان على كفرانه بربّه شاهد متحمّل للشهادة عن علم بكفران نفسه, فتكون الآية في معنى قوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾[31].

 

  • إنّ مرجع الضمير إلى الله. فيكون معنى الآية: إنّ الله تعالى شهيد على كفران الإنسان بربّه وأنّ كفرانه (أي الإنسان) عن علم منه (أي الإنسان) بالكفران.

 

والقول الأوّل هو الأوفق باتّساق الضمائر في سياق الآيات، بخلاف الثاني الذي لا يلائمه اتّساق الضمائر[32].

 

الآية (8): ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾:

ذُكِرَ في معنى الآية ثلاث أقوال، هي:

  • إنّ اللام للتعليل. والخير هو المال. فيكون معنى الآية: إنّ الانسان, لأجل حبّ المال، لشديد, أي بخيل وشحيح.
  • إنّ الإنسان لشديد الحبّ للمال, ويدعوه ذلك إلى الامتناع من إعطاء حقّ الله، والانفاق في الله.
  • إنّ المراد بالخير, مطلق الخير. ومعنى الآية: إنّ حبّ الخير فطريّ للإنسان، ثمّ إنّه يرى عرض الدنيا وزينتها, فيظنّها خيراً، فتنجذب إليه نفسه، ويُنسيه ذلك ربّه, أن يشكره[33].

وفي تفسير القمي: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾, يعني: حبّ الحياة. والآية من باب التفسير بالمصداق[34].

 

الآية (9): ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾:

البعثرة, البعث والنشر. والاستفهام فيه للإنكار. وقوله تعالى: ﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾, تأكيد للإنكار، والمراد بما في القبور, الأبدان. وقد عبّر بـ “من”, وهي لغير العاقل، بدلاً من التعبير بـ “ما”, وهي للعاقل, لأنّ الأبدان ليس من شأنها أن تَعقِل.

 

ومعنى الآية: أفلا يعلم الإنسان أنّ لكنوده وكفرانه بربّه تبعة, ستلحقه، ويُجازى بها, إذا أُخرِجَ ما في القبور من الأبدان…[35].

 

الآية (10): ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾:

تحصيل ما في الصدور, تمييز ما في باطن النفوس من صفة الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والحسنة والسيّئة, كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾[36].[37]

 

الآية (11): ﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾:

إنّ ربّهم بهم يومئذ لخبير عليم, بما أعلنوا وما أسرّوا، فيُجازيهم بما في سرائر نفوسهم، فضلاً عن ما أعلنوه[38].

 

بحث تفسيري: موقع أشراط الساعة وحوادثها في السير الوجودي للإنسان[39]

1- طبيعة عوالم وجود الإنسان:

قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[40]. في هذه الآية بيان لحقيقة الإنسان من حيث وجوده, فهو وجود متحوّل متكامل، يسير في مسير وجوده المتبدّل المتغيّر تدريجاً، ويقطعه مرحلة مرحلة، فقد كان الإنسان قبل نشأته في الحياة الدنيا ميتاً، ثمّ حيي بإحياء الله، ثمّ يتحوّل بإماتة وإحياء، وهكذا, قال سبحانه: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِين * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ * وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾[41]، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ *  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾[42]، ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[43]. والآيات تدلّ على أنّ الإنسان جزء من الأرض، غير مفارقها ولا

 

مباين معها، انفصل منها، ثمّ شرع في التطوّر بأطواره, حتّى بلغ مرحلة أُنشئ فيها خلقاً آخر، فهو المتحوّل خلقاً آخر، والمتكامل بهذا الكمال الجديد الحديث، ثمّ يأخذ ملك الموت هذا الإنسان من البدن نوع أخذ يستوفيه، ثمّ يرجع إلى الله سبحانه, فهذا صراط وجود الإنسان.

 

2- ثبوت عالم البرزخ:

قال تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[44].

 

والآية قريبة السياق من قوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾[45]، وهذه من الآيات التي يستدلّ بها على وجود البرزخ بين الدنيا والآخرة, فإنّها تشتمل على إماتتين، فلو كان إحداهما الموت الناقل من الدنيا، لم يكن بدّ في تصوير الإماتة الثانية, من فرض حياة بين الموتين, وهو البرزخ, وهو استدلال تام اعتُني به في بعض الروايات أيضاً, ففي الآية الأولى: موت واحد، وإماتة واحدة، وإحياءان، وفي الآية الثانية: إماتتان، وإحياءان، ومن المعلوم أنّ الإماتة لا يتحقّق لها مصداق، من دون سابقة حياة, بخلاف الموت، فالموت الأوّل في الآية الأولى, غير الإماتة الأولى في الآية الثانية، ففي قوله تعالى: ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾[46], الإماتة الأولى, هي التي بعد الدنيا، والإحياء الأوّل بعدها للبرزخ، والإماتة والإحياء الثانيتان للآخرة, يوم البعث، وفي قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾, إنّما يريد الموت قبل الحياة, وهو موت، وليس بإماتة، والحياة, هي الحياة الدنيا، وفي قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[47], حيث فصّل بين الإحياء والرجوع, بلفظ “ثمّ”, تأييد لما تقدّم.

 

3- أشراط الساعة وحوادثها:

عرّف سبحانه اليوم الموعود بذكر حوادث واقعة تلازم انقراض العالم الإنساني،

 

وانقطاع النظام الدنيوي, كانطماس النجوم، وانشقاق الأرض، واندكاك الجبال، وتحوّل النظام إلى نظام آخر يُغايره، وقد تكرّر ذلك في كثير من السور القرآنيّة، وخاصّة السور القصار, كسورة النبأ، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والفجر، والزلزلة، والقارعة، وغيرها، وقد عُدَّت الأمور المذكورة فيها في الأخبار من أشراط الساعة.

 

ومن المعلوم بالضرورة من بيانات الكتاب والسنّة: أنّ نظام الحياة في جميع شؤونها في الآخرة، غير نظامها في الدنيا, فالدار الآخرة دار أبديّة, فيها محض السعادة لساكنيها، لهم فيها ما يشاؤون، أو محض الشقاء، وليس لهم فيها إلا ما يكرهون، ودار الدنيا دار فناء وزوال، لا يحكم فيها إلا الأسباب والعوامل الخارجيّة الظاهريّة، مخلوط فيها الموت بالحياة، والفقدان بالوجدان، والشقاء بالسعادة، والتعب بالراحة، والمساءة بالسرور، والآخرة دار جزاء ولا عمل، والدنيا دار عمل ولا جزاء. وبالجملة: النشأة غير النشأة.

 

فتعريفه تعالى نشأة البعث والجزاء بأشراطها, التي فيها انطواء بساط الدنيا, بخراب بنيان أرضها، وانتساف جبالها، وانشقاق سمائها، وانطماس نجومها، وبعثرة قبورها، إلى غير ذلك, من قبيل: تحديد نشأة, بسقوط النظام الحاكم في نشأة أخرى, قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ﴾[48].

 

4- نفخ الصور:

قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾[49].

 

ظاهر كلامه تعالى في معنى نفخ الصور: أنّ النفخ نفختان, نفخة للإماتة، ونفخة للإحياء, وهو الذي تدلّ عليه روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام، وبعض ما ورد من طرق أهل السنّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ولعلّ انحصار النفخ في نفختي الإماتة والإحياء, هو الموجب لتفسيرهم الصعق في النفخة الأولى, بالموت، مع أنّ المعروف من معنى الصعق, الغشية.

 

وقوله تعالى: ﴿نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾, معناه: ونفخ في الصور نفخة أخرى, فإذا هم قائمون من قبورهم، ينتظرون ما يُؤمَرون أو ينتظرون، ماذا يفعل بهم، أو فإذا هم قائمون ينظرون نظر المبهوت المتحيّر. ولا ينافي ما في هذه الآية, من كونهم بعد النفخ قياماً ينظرون, ما في قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾[50], أي يسرعون، وقوله: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾[51]، وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ﴾[52], فإنّ فزعهم بالنفخ، وإسراعهم في المشي إلى عرصة المحشر، وإتيانهم إليها أفواجاً, كقيامهم ينظرون حوادث متقارنة لا يدفع بعضها بعضاً.

 

الأفكار الرئيسة

1- هذه السورة مدنيّة, تتضمّن 11 آية، وتحوي مجموعة من المحاور: القائد الربّانيّ ضمانة فلاح الأمّة/ كفران الإنسان للنعم الإلهيّة/ حبّ الإنسان للدنيا/ البعث والنشور/ علم الله وإحاطته بالأشياء/…

 

2- ورد في فضل قراءة هذه السورة المباركة والعمل بها ثواب كثير.

 

3- في تفسير السورة: قَسَمٌ بخيل المجاهدين الجاريات المغيرات على أعداء الإسلام, الذين هُزموا بيد المسلمين وأصابتهم ذلّة وهوان. إنّ الإنسان كفور للنعمة، معرض عن المنعم تعالى، متعلّق بالدنيا ومالها وجاهها وزينتها, لكن سوف يأتي يوم يرجع فيه إلى ربّه وينكشف له أنّه هو الحقّ وأنّ ما دونه هو الباطل.

 

4- عرف الله سبحانه وتعالى اليوم الموعود بذكر حوادث واقعة تلازم انقراض العالم الإنساني، وانقطاع النظام الدنيوي, كانطماس النجوم، وانشقاق الأرض، واندكاك الجبال، وتحوّل النظام إلى نظام آخر يُغايره, فالدار الآخرة دار أبديّة, فيها محض السعادة لساكنيها، لهم فيها ما يشاؤون، أو محض الشقاء، وليس لهم فيها إلا ما يكرهون، ودار الدنيا دار فناء وزوال، لا يحكم فيها إلا الأسباب والعوامل الخارجيّة الظاهريّة، مخلوط فيها الموت بالحياة، والفقدان بالوجدان، والشقاء بالسعادة، والتعب بالراحة، والمساءة بالسرور، والآخرة دار جزاء ولا عمل، والدنيا دار عمل ولا جزاء.

 

فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ ü أو û:

– هذه السورة مكّيّة على قول أغلب المفسِّرين.

– معنى “الضبح”: شرارة احتكاك حوافر الخيل بالأرض.

– المراد بـ “أثرن به نقعاً”: إثارة الغبار.

 

2- أَجِبْ باختصار:

  • بيّن معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾؟

—————————————————————-

 

  • بيّن معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾؟

—————————————————————-

 

  • بيّن معنى قوله تعالى: ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾؟

—————————————————————-

 

[1] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص421.

[2] م.ن.

[3] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص421.

[4] انظر: م.ن.

[5] م.ن، ص422.

[6] م.ن.

[7] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص421, ولمزيد من التفصيل في غزوة ذات السلال, وأنّها سبب نزول سورة العاديات، انظر: القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص434-438.

[8] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة “عَدَوَ”، ص249. وانظر: الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج1، مادّة “عَدَوَ”، ص283.

[9] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “ضَبَحَ”، ص385. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “ضَبَحَ”، ص501.

[10] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة “وَرَى”، ص104.

[11] الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج1، مادّة “وَرَى”، ص435.

[12]  ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “قَدَحَ”، ص67.

[13] الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج2، مادّة “قَدَحَ”، ص403.

[14] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة “غَيَرَ”، ص401. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “غَوَرَ”، ص618.

[15] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة “أَثَرَ”، ص53.

[16] الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج3، مادّة “أَثَرَ”، ص198.

[17] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “نَقَعَ”، ص471.

[18] الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج4، مادّة “نَقَعَ”، ص398.

[19] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “كَنَدَ”، ص140. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “كَنَدَ”، ص727.

[20] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة “بَعَثَ”، ص226.

[21] سورة الانفطار، الآية 4.

[22] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “بَعْثَرَ”، ص133.

[23]  انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص345.

تَدَبُّر: إنّ التدبّر في الأقسام الواردة في القرآن الكريم يرشد إلى مجموعة من الفوائد والمقاصد المترتّبة عليها، أبرزها:

– الأوّلى: توجيه المخاطب إلى خطاب المقسِم الذي جرى التمهيد له بالقَسَم, حتى يتفكّر فيه، ولا يمرّ عليه, وهو غافل، ولعلّ هذا المقصد يكون موجوداً في بعض الموارد من قَسَم الناس – أيضاً -.

– الثانية: بيان أنّ القسم بالشيء له واقعيّة ووجود, إذا كان مشكوكاً أو موهوماً عند الناس, كالملائكة، ويوم القيامة، والنفس، والضمير. قال تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ *وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ (سورة القيامة، الآيتان 1و2).

– الثالثة: توجيه البشر إلى أهمّيّة المُقسَم به وفوائده ومنافعه, كالشمس، والقمر، والنجوم والليل والنهار، وحتّى التين والزيتون.

– الرابعة: ردّ الأفكار الخرافيّة والاعتقادات الجاهليّة التي كان البشر مبتلين بها في الجاهليّة، وهي موجودة -أيضاً- في حضارتنا المتقدّمة, كالاعتقاد بربوبيّة النجوم وغيرها، ومثل ما يعتقده الناس في الجاهليّة أنّ المساء وبعد الظهر وقت مشؤوم ولا يصلح للكسب، وعلى أثر هذه العقيدة كان المجتمع يتكبّد الخسائر الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة. والجيل المعاصر – أيضاً – ربّما يشتكون من العصر والزمان، ويرون أنّ الأعمال الخيريّة غير ميسّرة فيه، فالله سبحانه بيّن بالقسم بالعصر فساد هذه العقيدة، وفوائد العصر وأهمّيّته.

– الخامسة: تعظيم مورد القسم، ليرغب الناس -أيضاً- في تعظيمه بالعبادة والجهاد وغيرهما من أعمال الخير, كالقسم بالفجر، وليال عشر والشفع والوتر في سورة الفجر المباركة، والقسم بخيل الغزاة والمجاهدين كما في هذه السورة المباركة.

[24] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص345.

[25] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص345-346.

[26] انظر: م.ن، ص346.

[27] انظر: م.ن.

[28] سورة الفاتحة، الآية 5.

[29] تَدَبُّر: إنّ شكر المنعم من الأمور الفطريّة التي فَطَر الله الناس عليها في جبلّتهم وخِلقتهم, بحيث يشترك فيها العالم والجاهل، والفقير والغنيّ، والمدنيّ والبدويّ. فمَنْ يرى لنفسه نعمة من غيره, فإنّه يشكره عليها لا محالة. وبلحاظ هذا الأمر جاء سياق الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾, فإنّنا عندما نرى أنفسنا تشكر كلّ إنسان عمل لنا عملاً واحداً وأعطانا نعمة واحدة, نعلم كم نحن شديدو الكفران بالنسبة لله تعالى, لأنّه تعالى هو الذي أعطانا من النعم العظيمة الجليلة, من أصل إيجادنا، إلى ما نحتاجه في استمرار وجودنا، وتوابعه، وكمالاته, ما لا تحصى كلّيّاتها، فكيف بجزئيّاتها! ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ (سورة إبراهيم، الآية 34).

[30] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص346.

تَدَبُّر: في هذه الآية إخبار عن طبع الإنسان المتّبع للهوى، والمنكبّ على متاع الدنيا، والمنقطع بها عن شكر ربّه على ما أنعم عليه, كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ﴾ (سورة الحج، الآية 66).

[31] سورة القيامة، الآية 14.

[32] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص346-347.

تَدَبُّر: إنّ الشهادة من الإنسان على نفسه تتصوّر على وجهين:

– الأوّل: شهادة الأعمال والسيرة عليه, وهي أصدق شاهد عليه, حيث إنّه يصرف النعم الإلهيّة في غير مصرفها الحقّ, وهو ما يرضي الله تعالى. بل يصرفه في ما يسخطه تعالى. وهذه هي الشهادة العمليّة بأنّ الإنسان كفور.

– الثاني: إنّ الإنسان إذا ارتكب سوءاً, فإنّه بحكم الوجدان والضمير، وبإلهام فطريّ, يعلم أنّه عمل سوءاً، وإنْ كان لا يقرّ به لساناً، وهذا الإلهام من الحجج الإلهيّة للإنسان. فالخالق الباري ألهمه بالفطرة الخير والشرّ:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (سورة الشمس، الآيتان 7و8). والإنسان المسيء مهما أتى بالمعاذير, لتبرير عمله، ولتبرئة نفسه عند الناس, فهو في ضميره ووجدانه معترف بإساءته. قال تعالى:

﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ (سورة القيامة، الآيتان 14-15).

[33] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص347.

[34] لمزيد من التفصيل في المصداق، انظر: القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص434-439.

[35] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص347.

[36] سورة الطارق، الآية 9.

[37] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص347.

[38] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص347.

[39] انظر: م.ن، ج17، ص293-294, ج20، ص148-150.

[40] سورة البقرة، الآية 28.

[41] سورة السجدة، الآيات 7 – 11.

[42] سورة المؤمنون، الآيات 12 – 16.

[43] سورة طه، الآية 55.

[44] سورة البقرة، الآية 28.

[45] سورة المؤمن، الآية 11.

[46] سورة غافر، الآية 11.

[47] سورة البقرة، الآية 28.

[48] سورة البقرة، الآية 28.

[49] سورة الزمر، الآية 68.

[50] سورة يس، الآية 51.

[51] سورة النبآ، الآية 18.

[52] سورة النمل، الآية 87.

شاهد أيضاً

في رحاب الولي الخامنئي – الإمام علي عليه السلام 03 \ 16

الفصل الثالث:   التيّارات الضالّة في زمن الإمام عليّ عليه السلام أهل البغي في زمن ...