المودة في القربى}قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها.
وأخرج سعيد بن منصور، عن سعيد بن جبير{إلا المودة في القربى}قال: قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم، قال: لما جيء بعلي بن الحسين – عليه السلام- أسيرا، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، فقال له علي بن الحسين – عليه السلام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: أقرأت آل حم؟ قال لا. قال: أما قرأت{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}قال: فأنكم لأنتم هم؟ قال: نعم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس{ومن يقترف حسنة}قال: المودة لآل محمد.
وقد ذكرت النصوص الشرعية، عددا كبيرا من العهود تتعلق مباشرة بأهل البيت عليهم السلام، تأكيدا على دورهم العظيم في الإمتحان الإلهي لعبيده.
فماذا فعل العباد بأهل البيت عليهم السلام؟ هل أوفوا بعهودهم التي قطعوها على أنفسهم؟ هل تفكر العباد بأن ابتلاءهم واختبارهم بأهل البيت عليهم السلام من أعظم الإختبارات والتعرفات الربانية التي تميز المؤمن من غير المؤمن، والموفي بعهده من الناقض لها؟ هل وصل العباد ما أمر الله به أن يوصل؟.
فهم عليهم السلام الباب الأعظم المبتلى والممتحن به الناس، فمن نجح في الإختبار وأوفى بعهده فقد نجى، ومن سقط في الإختبار فقد ضل وهلك والعياذ بالله.
تنبه الشيعة لأئمتهم منقطع النظير
إن الناظر إلى أتباع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم المخلصين، الذين أوفوا بعهدهم ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل، يجدهم يتميزون في إتباعهم لأهل البيت عليهم السلام، فقد نجحوا في الإمتحان الأعظم للعباد، وحصلوا على أعلى الدرجات في حبهم وولائهم لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أجل دوام التذكر والتفكر والتنبه لأئمتهم، تجدهم دائما يحيون
مناسبات أهل البيت عليهم السلام، ويحافظون على إحيائها بالرغم من كل المعاناة والمحن التي تعرض لها أهل البيت وشيعتهم عبر كل العصور الغابرة، وحتى يومنا هذا، تجدهم يبكون في ذكريات استشهاد أهل البيت عليهم السلام، ويفرحون لأفراحهم، ويعرفون الناس معنى الوفاء ومعنى الإتباع والإقتداء، ومعنى تعظيم شعائر الله، وإحياء لأمر أحباب الله، فقد أمرنا رسول الله والأئمة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بإحياء أمرهم، فقالوا (أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا).
وفي الحقيقة فأنك لن تجد اليوم من يتذكر أهل البيت ويتنبه لهم ويحيي أمرهم ويواليهم ويوفي بعهده معهم، وينتظر فرجهم، غير شيعة أهل البيت عليهم السلام.
فبالرغم من كل رسائل التنبيه الربانية، وكذلك الإبتلاء الذي ينزل بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بسبب الضلال الذي تفشى بسبب معصية أمر الله ورسوله حيث قال رسول الله لنا، لن تضلوا ما إن تمسكتم بالقرآن وأهل البيت، وبالرغم من الذل والهوان الذي تعانى الأمة الإسلامية، فإن أغلب المسلمين يترفعون بل وربما يستكبرون عن البحث في أهل البيت وولايتهم، بل وربما قادهم العمى في بصائرهم أن يكفروا أتباع أهل البيت وشيعتهم المؤمنين الصادقين، والسبب في ذلك الجهل في معنى العبودية ومعنى الإبتلاء والإختبار الذي جعله الله تعالى، من أجل أن يشهد العبد فيه على حقيقة ما يدعيه من إلتزام واستسلام لله الواحد الأحد، والإقتداء برسوله محمد صلى الله عليه وآله الذي طالما يذكره أغلب المسلمين في كل وقت وحين من دون أن يصلوا على أهل بيته أو يتذكرونهم، بل يدعون حب رسول الله المجرد مع أن الرسول قال عن أهل البيت أن من أحبهم فقد أحب الله ورسوله ومن أبغضهم فقد أبغض الله ورسوله، فكيف يدعي العبد محبة ربه ورسول ربه وهو يبغض أحباب الله ورسوله، ويوالي أعداءهم ظالميهم ومبغضيهم؟. حقيقة إن هذا لهو البلاء العظيم، ولذلك روي في الزيارة الجامعة أنهم عليهم السلام الباب المبتلى به
الناس. ولم يدرك ذلك المعنى ويتنبه له سوى شيعتهم وأتباعهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
النوع الثالث من الإبتلاء:
وهو إبتلاء الكاذبين أهل الشمال، وهذا النوع من الإبتلاء تكون نتيجته عقوبة وطرد، وذلك لمن يسيء الأدب على بساط العبودية ويستكبر، فيؤدبه الله تعالى على استكباره وخروجه عن بساط العبودية، فيعاقبه الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، وذلك بعد أن يمتحن بتعرفات جلالية تنزل في حقه على شكل عقوبات قهرية، فيسخط ويقنط من رحمة الله، ويزداد استكبارا وتطاولا على مقام الربوبية، فينكر ويزداد من الله بعدا وطردا من رحمة الله تعالى.
وهذه العقوبة الربانية تأتي بعد أن تقام الحجة، وتستبين الفضيلة، وتظهر الآيات البينات من الله تعالى، فيترفع العبد عن مقام العبودية ويستكبر، فيعرض نفسه للإختبارات الإلهية التي من نتائجها أن يجلي عن حقيقة ذاته وسلوكه، فبالتالي تنطبق عليه موازين استحقاق نتائج الإختبار فتنزل به التعرفات الجلالية، فيزداد استكبارا عن مقام العبودية وتطاولا على مقام الربوبية، فيستحق اللعن والطرد، ليعلن عن نفسه أنه من أهل الباطل والضلال المستكبرين، والقانطين من رحمة الله، الظالمين لأنفسهم ولعباد الله، ويصبح من حزب المتألهين المتجبرين والمتسلطين بالجبروت.
وأمثال هؤلاء اليوم كثر، فبالأمس كان الفراعنة والطواغيت الذين ذكرهم القرآن الكريم، وأمثال معاوية ويزيد، وابن ملجم وابن الحكم وابن زياد وابن ذي الجوشن وأتباعهم ومن والاهم ومن رضي بأفعالهم وسلوكهم، الملعونين على لسان رسول الله وأهل بيته المعصومين، الذين استكبروا عن مقام العبودية، ورفضوا مقام السمع والطاعة لرسول الله والعترة الطاهرة، فأهلكهم الله تعالى، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
واليوم الشيطان الأكبر وعاد الثانية، وأحفاد القردة والخنازير، وأحفاد بلعم بن باعوراء ومن والاهم واقتدى باستكبارهم، من أمثال أولئك خوارج العصر الحديث المكفرين للمسلمين، الذين يستمدون قهرهم وظلمهم لعباد الله
المؤمنين، من أسلافهم وأسوتهم المذكورين، الذين يعتبرون عباد الله المؤمنين، خارجين عن قواعد الشياطين، وقوانين إبليس اللعين.
وهؤلاء المطرودين من رحمة الله، الملعونين على كل لسان، سوف تنزل بهم العقوبة الإلهية أو بالأحرى عينات من العقوبات الإلهية القهرية التي نرى طلائعها تتجه نحوهم حتى تصيبهم في مقاتلهم، ثم يفضحهم الله تعالى، بالذل والعار والخزي في الدنيا قبل الآخرة، على يد إمامنا الموعود المهدي المنتظر، حتى يقصمهم الله القوي العزيز، ويذل استكبارهم ويخزيهم، ويشف صدور قوم مؤمنين.
وينطبق هذا النوع من الإبتلاء ونتائجه على الكثير من أفراد العباد من المسلمين، بعد أن تقام الحجة عليهم وبعد تذكيرهم بمقام العبودية، والسمع والطاعة للوسيلة بين العبودية والربوبية رسول الله وأهل بيته الطاهرين المعصومين، لكنهم يستكبرون عن آيات الله، ويدعون أنهم من المسلمين المؤمنين، مع أن إتباعهم للهوى والرأي العاجز الناقص واضح وجلي، ويستكبرون على أوصاف العبودية لله التي أعزهم الله بها ورفعهم بها، لكنهم اتبعوا الشياطين وبقوا في حظيرة الذل والخسران المبين.
قال تعالى في سورة الأعراف. الآية: ١٧٥{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.
أمراض وضغائن:
وهذا الصنف من الناس، الذين هم من أهل الطرد واللعن، هم في الحقيقة مرضى في قلوبهم ونفسياتهم، مرضى بالآفات بشتى أنواعها وأصنافها. ومع مرور الوقت تنضح قلوبهم بأعراض تلك الأمراض والآفات على جوارحهم، لتنضح قلوبهم بما فيها، وتظهر للعلن، حتى تصير أمراضهم مزمنة عضال لا يمكن علاجها، ولا يمكن لأحد أن يعرف أو يكشف حقيقة تناقضهم إلا الله تعالى
الذي ينزل بهم التعرفات الإلهية، وتكون نتائجها كشف وإظهار حقيقة ظاهرهم وباطنهم.
قال تعالى في سورة محمد الآية: ٢٩ – ٣٠{أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم}.
نقض العهود
ومن أهم عوامل استحقاق عقوبة اللعن والطرد ونزول هذا النوع من المصائب والإبتلاءات هو نقض العهود. ومن الطبيعي أن تكون هناك عوامل أخرى، ولكن نقض العهود من أهمها.
وأهم تلك العهود هو عهد السمع والطاعة، عهد الأسوة والإقتداء، عهد المتابعة والمولاة لرسول الله وأهل بيته الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى في سورة الرعد الآية ٢٥{والّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللّعنة ولهم سوء الدّار}.
إن من أهم مظاهر العبودية لله تعالى هي طاعة رسوله محمد في كل شيء، ولأجل ذلك لايقبل الإسلام إلا بالشهادتين، فعندما يشهد العبد بهما يأخذ عهدا على نفسه بالسمع والطاعة لله تعالى من خلال من شهد العبد برسالته عند النطق بالشهادتين وهو رسول الله وأهل بيته المعصومين.
وفيما يتعلق بتوثيق العهود والمواثيق على العباد، من أجل تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله والسمع والطاعة له وأهل بيته المعصومين ونصرتهم، أخذت العهود على العباد كافة وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين. يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران الآية٨١{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.
وقال تعالى في سورة الفتح الآية ٨ – ٩{إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا}.
روى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله{وتعزروه}يعني الإجلال{وتوقروه}يعني التعظيم، يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذلك فإن من أهم مظاهر العبودية لله تعالى إحترام رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، واجتناب كل ما فيه أذى لرسول الله وأهل بيته، لأن من آذى رسول الله فقد آذى الله، ولقد كان إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين الطاهرين، سببا رئيسيا في طرد ولعن العديد من الناس في عهد رسول الله المكي منه والمدني، وهذا ما تؤكد عليه الآية التالية.
قال تعالى في سورة الأحزاب الآية: ٥٧{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}.
وأخرج الحاكم عن ابن أبي مليكة قال: جاء رجل من أهل الشام، فسب عليا رضي الله عنه عند ابن عباس رضي الله عنهما، فحصبه ابن عباس رضي الله عنهما وقال: يا عدو الله آذيت رسول الله{ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}.
وروى الحاكم في المستدرك عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب:….. منهم المتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي) ورواه الحاكم عن ابن عمر، ورواه السيوطي وقال صحيح ورواه الترمذي، والمناوي، وكنز العمال عن عمرو بن شعيب، والطبراني، وابن حبان وقال رجاله رجال الصحيح، ورواه في مجمع الزوائد، والخطيب عن أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وروى الزمخشري في الكشاف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت
بالجنة ثم منكر ونكير. ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له قبره بابان إلى الجنة. ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا. ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة).
والأحاديث التي تحذر من أذية أهل البيت وظلمهم أكثر من أن تحصى، تجدها في مصادر كل طوائف المسلمين، أذكر القارئ العزيز بجملة مختصرة منها.قال رسول الله صلى الله عليه وآله (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني). ومنها قوله (فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها).
وحديث ياعلي لايحبك إلا مؤمن ولايبغضك إلا منافق. وحديث من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله. وقوله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
وروى السيوطي في الدر المنثور قال، أخرج ابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لجهنم باب لا يدخل منه إلا من أخفرني في أهل بيتي وأراق دماءهم من بعدي.
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “قد أعطيت الكوثر، قلت يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبدا، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ولا من قتل أهل بيتي.
وروى السيوطي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان
على الهدى، ومن أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله تعالى، واستمسكوا به؛ وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. ورواه الحاكم ومسلم وأحمد وغيرهم كثير.
روى الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم (إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا: بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم).
وروى السيوطي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحد من أهل بيتي قطعوا حديثهم والذي نفسي بيده لا يدخل قلب إمرئ الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتي).
وروى السيوطي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي) ورواه في كنز العمال والديلمي وغيرهم كثير.
فما بالك بمن آذاهم وظلمهم وضربهم وقتلهم أوسمهم، وما بالك بمن أبغضهم وعاداهم، وما بالك بمن انتزع منهم حقوقهم واغتصب حق الإمامة من أمير المؤمنين علي والأئمة من ولده عليهم السلام، وانتزع فدكا وحقوق السيدة فاطمة الزهراء الأخرى، وما بالك بمن تهجم على بيتها عليها السلام وحرقه وضربها وأسقط جنينها المحسن، وما بالك بمن سم الإمام الحسن وقتل الإمام الحسين سيدا شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله من الدنيا، وما بالك بمن لاحق بقية الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وسجنهم أو نفاهم أو سمهم ولاحق أتباعهم وشيعتهم بالضرب والتعذيب والسجن والحرق وحرمهم من كل حقوقهم. أليس في كل ذلك أذى لله ورسوله؟
كما ترى عزيزي القارئ، فأن أغلب حالات اللعن من الله ورسوله والطرد من رحمة الله تعالى هي في حق من اختبر وامتحن بمحمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، فاستكبر وتجبر، وتسلط على رسول الله وأهل بيته، وآذاهم وظلمهم واعتدى عليهم، فخرج عن حقيقة العبودية لله تعالى، وبالتالي استحق اللعن والطرد من رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة.
التوحيد وولاية أهل البيت
لاحظ عزيزي القارئ أن الإبتلاء على بساط العبودية، ومن أجل إثبات التوحيد والعقائد وكذلك من أجل بيان وإثبات صحة الأحكام الشرعية، فإنك تجد النبي وأهل البيت في المقدمة دائما، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدمهم في كل أمر خطير وجليل، يبدأ بهم لأنهم الأدلاء على مصداقية هذا الدين العظيم، لاحظوا آية المباهلة عندما قدم رسول الله أهل البيت عليهم السلام من أجل إثبات الحقيقة أمام الناس قال تعالى في سورة آل عمران. الآية: ٦١{فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
ومن هذا المنطلق، ومن موقعية أهل البيت ودورهم الأساسي في الدعوة إلى الله تعالى وعبوديته، فإن مقياس هذا النوع من الإبتلاء كغيره من الأنواع هو رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام، من حيث الولاية والبراءة، أي ولايتهم وحبهم والبراءة من أعدائهم، ولا يكتمل معنى كلمة التوحيد إلا بتحقيق الولاء والبراء على بساط العبودية لله، وهذا لا يخلو من ولايتهم والبراءة من أعدائهم.
روي في مصادر الشيعة والسنة بالسلسلة الذهبية لرجال الحديث أنه لمّا وافى أبوالحسن الرضا عليه السّلام نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا: يابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، ترحل عنا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك! ـ وقد كان قعد في العماريّة ـ فأطْلع رأسه وقال: سمعتُ أبي موسى بنَ جعفر يقول: سمعت أبي جعفرَ بن محمّد يقول: سمعت أبي محمّدَ بن عليّ يقول: سمعت أبي عليَّ بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسينَ بن علي يقول: سمعت أبي اميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله عزّ وجلّ يقول:
لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخل حصني أمنَ من عذابي.
فلمّا مرّت الراحلة نادانا: بشروطها، وأنا من شروطها. رواه من أهل السنة القندوزي الحنفي، وأبو نعيم في حلية الأولياء، والمناوي في فيض القدير، والحاكم في تاريخ نيسابور، والشبلنجي الشافعي، وابن حجر في الصواعق المحرقة، ورواه غيرهم كثير.
العقوبات الفورية والمؤجلة
بالإضافة إلى ذلك، فإن المقياس لهذا النوع من الإبتلاء ينحصر أكثر في رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك في أهل البيت عليهم السلام من ناحية طاعتهم أو مخالفتهم، وأيضا من ناحية إيذائهم وظلمهم، والإستهزاء بهم وبدعوتهم، في هذه الحالة تبدو عقوبة الطرد من رحمة الله واضحة في حق من يفعل ذلك بهم، كما ويستحق اللعن في الدنيا والآخرة من الله والملائكة والناس أجمعين.
فهذا أبولهب الذي آذى الله ورسوله، وآذى المسلمين، واستكبر على عبودية رب العباد، بعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وآله الحجة عليه وعلى قريش كافة، لكنه تمادى في استكباره وأذيته لرسول الله، فلعنه الله وطرده من رحمته ونزلت في حقه سورة كاملة وهي تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب…، ثم أظهر الله خسته وذلته وقيمته الحقيقية في الدنيا وأمام الملأ. قبل عقاب الآخرة.
فقد روى الحاكم في المستدرك عن وفاة أبي لهب، الرواية التالية عن أبي رافع قال (حتى ضربه الله بالعدسة فقتلته، فلقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه، حتى أنتن. فقال رجل من قريش لابنيه: ألا تستحيان، إن أباكما قد أنتن في بيته؟
فقالا: إنا نخشى هذه القرحة. وكانت قريش تتقي العدسة، كما تتقي الطاعون.
فقال رجل: انطلقا، فأنا معكما.
قال: فوالله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد، ثم احتملوه، فقذفوه في أعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة).
قال ابن الأثير في النهاية- العدسة هي بَثْرة تُشْبِه العَدَسة، تَخْرج في مَواضعَ من الْجَسَد، من جنْسِ الطَّاعُون، تقْتُل صاحِبَها غالباً.
وروى في كنز العمال عن هبار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة ابن أبي لهب تجهزا إلى الشام فتجهزت معهما، فقال ابنه عتيبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه! فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ابعث عليه كلبا من كلابك! ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه، فقال: يا بني! ما قلت له! فذكر له ما قال له، ثم قال: فما قال لك؟ قال قال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك! فقال: والله يا بني! ما آمن عليك دعاءه، فسرنا حتى نزلنا السراة وهي مأسدة فنزلنا إلى صومعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب! ما أنزلكم هذه البلاد؟ فإنما تسرح الأسد فيها كما تسرح الغنم، فقال لنا أبو لهب: إنكم عرفتم كبر سني وحقي، فقلنا؟ أجل، يا أبا لهب؟ فقال: إن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه! فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها، ففعلنا فجمعنا المتاع ثم فرشنا له عليه وفرشنا حوله فبينا نحن حوله وأبو لهب معنا أسفل وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد انقبض؟؟ فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع! فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففشخ رأسه؛ فقال أبو لهب: لقد عرفت أنه لا ينفلت من دعوة محمد.
لكن هذه المرحلة من الطرد واللعن والعقوبة في الدنيا قد تكون فورية وسريعة، كما حصل مع بعض بني إسرائيل الذين مسخوا قردة وخنازير، وكغيرهم من أمم الرسل والأنبياء.
قال تعالى في سورة المائدة الآية: ٧٨{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
وقال تعالى في سورة المائدة الآية ٦٠{قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطّاغوت أولئك شرٌّ مكاناً وأضلّ عن سواء السّبيل}.
أو ربما يستدرج صاحبها ويمتع إلى حين كبني أمية الذين استشرف رسول الله أنهم سوف يؤذونه في أهل بيته وحذر المسلمين منهم مرارا وتكرارا.
قال تعالى في سورة آل عمران الآية ٨٧{كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات والله لا يهدي القوم الظّالمين أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين}.
روى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، وابن مردويه والحاكم وصححه من طرق، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله:{ألم ترى إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار}. قال: هما الأفجران من قريش، بنو أمية وبنو المغيرة. فأما بنو المغيرة، فقطع الله دابرهم يوم بدر. وأما بنو أمية، فمتعوا إلى حين.
فإذا جاء الوقت أخذه الله فجأة بعد أن يرفعه، فيتهيأ له أنه القوي المتين، حتى إذا أخذه المولى لم يفلته، فيذله الله تعالى في هذه الدنيا ويقصمه ويفضحه، ثم في الآخرة إلى الخزي والعار والعذاب المهين والأليم.
روي في صحيح مسلم والترمذي من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
وأعتقد أن في الآية الشريفة التي ذكرناها سابقا، والتي تبشر بعقوبة الطرد لمن يؤذي الله ورسوله وأهل بيته دلالة واضحة لمعرفة من استكبر وتمادى وتطاول على مقام الربوبية في إيذاء أحباب الله الذين حذر الله ورسوله من إيذائهم وظلمهم، بل أمر بطاعتهم وولايتهم ومنحهم حق الشفاعة في الآخرة.
هذا لمن قرأ تاريخ الإسلام والمسلمين، ولكنني أجد من الضروري التذكير بمراجعة الروايات النبوية التي تحذر من أذية أهل البيت وظلمهم، وكذلك بعض المواقف التاريخية، وكذلك معرفة من لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخبر المسلمين علانية بنتيجة امتحانهم واختبارهم، لعل المسلمون يحذرون تأييدهم واتباعهم.
الإستدراج:
الإستدراج هو الأخذ بالتدريج، وهو من عقوبات الطرد واللعن في الدنيا والآخرة، وهو نوع من إبتلاء الكاذبين، حيث يستكبر العبد على حقيقة العبودية لله تعالى ومعانيها وواجباتها، ويجحد آيات الله وحججه على عباده، فيقسى قلبه، ويقيم على معاصيه، ويزداد من الله تعالى بعدا ومن رحمته طردا.
فتنزل العقوبات الإلهية على مستحقي هذا النوع من الإبتلاء على شكل جمالي في ظاهرها، فيوسّع الله عليهم في الدنيا، ويبسط لهم في الرزق، يكثّر أموالهم وأولادهم، فيغترون بذلك فيقولون لولا أنّ الله عنّا راضٍ ما أعطانا، فيقيمون على كفرهم وجحودهم وظلمهم ومعاصيهم، ويفرحون بما أوتوا، ولا يزالون كذلك حتى يأخذهم الله، قال تعالى في سورة آل عمران الآية ١٧٨{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}.
فبسبب تكذيبهم لآيات الله، وإنكارهم لحجج الله تعالى أخذوا من حيث لا يعلمون، ومن حيث يجهلون.
قال تعالى في سورة الأعراف الآية: ١٨٢{والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام، في تفسير الآية المشار إليها آنفا أنه قال (هو العبد يذنب الذنب فتجدد له النعمة معه , تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار عن ذلك الذنب).
وورد عـن الإمام الصادق عليه السلام في كتاب الكافي: إن اللّه إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا، أتبعه بنقمة ويذكره الإسـتـغفار, وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الإستغفار, ويتمادى بها, وهو قوله عزوجل{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}بالنعم عند المعاصي.
فهؤلاء عندما ينزل بهم الإبتلاء، ويرون بأس الله الشديد، تزداد قلوبهم قسوة، ويزين لهم الشيطان أعمالهم، فلا يعتبرون من آيات الله تعالى ولا يتنبهون لها، بل ربما يبررون النوازل القهرية بتبريرات علمية مقطوعة الصلة من رب
العالمين، ويطمئنون لذلك ويستدرجون به، ويزدادون من حقيقة العبودية جحودا وإنكارا، كما يفعل الأمريكان (ومن والاهم في عبوديتهم لأنفسهم) اليوم عند حصول إعصار أو زلزال أو عند انتشار أمراض معينة، يبررون ذلك وكأنهم أهل العلم المطلق، ويخَرجون تحليلاتهم وتقاريرهم مزينة بزينة الشياطين، يفرحون بذلك وبتقدمهم المادي في كل شيء، ويستهزؤون بقدرة الله القادر، الذي سوف ينزل بهم الإبتلاءات القهرية بغتة، فيذلهم ويقطع دابرهم.
قال تعالى في سورة الأنعام الآيات٤٣ – ٤٥{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
فأبشروا أيها المؤمنون الصابرون المستضعفون، ولا يحزنكم استكبارهم، وحلم الله عليهم، فإن الله يمهل ولا يهمل، فسيأتيهم الخزي والعار في الدنيا قبل الآخرة سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
قال تعالى في سورة المائدة{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}.
وقال تعالى في سورة الأعراف. الآية: ١٦٥{فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}.
عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال ـ قال الله تعالى: وعزتي لا اخرج لي عبدا من الدنيا وأريد عذابه إلا استوفيته كل حسنة له إما بالسعة في رزقه، أو بالصحة في جسده وإما بأمن ادخله عليه فان بقي عليه شيء هونت عليه الموت
ويـقـول الإمام عـلي عليه السلام في نهج البلاغة أنه (من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا).
وهناك أيضا أنواع أخرى من الإستدراج غير التي ذكرناها وتتضمنها الآيات المذكورة آنفا في مضامينها، تختص بمن يتمثلون بالإسلام والتدين أكثر من غيرهم. كالإستدراج بالطاعات والعبادات، من خلال العجب والرياء، ومن خلال حب النفس وإعجاب أصحاب الآراء بآرائهم، وأصحاب العقول بعقولهم، قال تعالى في سورة فاطر. الآية: ٨{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا}.
فيتصورون الكمال في أنفسهم وأعمالهم وسلوكهم، فيبتهجون ويستكبرون ويهلكون، فمن دخله العجب هلك، ولا جهل أضر من العجب.
فيؤخذون من هذا الجانب تدريجيا إلى الطرد من رحمة الله تعالى من حيث ما يعتقدون أنهم فيه على حق. فيكون تدميرهم في تدبيرهم، ومن خلال جمودهم على أهوائهم وآرائهم، واعتقادهم بأعلميتهم، فيترفعون عن بساط العبودية وعن الإقتداء بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام، ولا يأخذون من هديهم، ثم تدريجيا يتطاولون على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله من خلال اعتقادهم بأنهم مُشَرعون مثله، ثم بعد ذلك يفضلون ما تُمليه عليهم عقولهم ويفضلون ذلك على أحكام وأوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وواقع الإستدراج هذا حاصل فعلا عند المسلمين وقد عاشوه فعلا ولازالوا يعيشونه اليوم، ولا أريد أن أذكر بمن استدرج بآرائه ليتطاول بها على رسول الله، وعلى مقام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فلقد ذكرت لك بعضا من أولئك.
ولكنني أُذَكر هنا بالخوارج الذين تمكنوا في العبادات وحفظ القرآن، وظنوا أنفسهم أوصياء الله في الأرض، واستدرجوا حتى وصل بهم الأمر إلى تكفير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم التآمر على قتله، وهم يعتقدون أنهم يطبقون أمر الله تعالى، فأوصلهم الإستدراج بالطاعات وحفظ القرآن والعجب إلى الخروج عن بساط العبودية واستحقاق عقوبة اللعن والطرد
من رحمة الله تعالى، وهم يعتقدون أنهم سيدخلون الجنة ربما قبل رسول الله صلى الله عليه وآله.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله من هؤلاء ومن نوع استدراجهم، حتى يتقيهم المسلمون ولا يُستدرجوا مثلهم.
روى الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم قال (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجع حتى يرد السهم على فوقه، وهم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم) قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال: التحليق. وروى في مجمع الزوائد عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول): يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم. يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم إذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل).
فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع. ورواه أحمد بن حنبل في المسند والحاكم، ورواه البخاري ومسلم مع الإختلاف في بعض الألفاظ.
وأعتقد أن أولئك المستدرجون من خلال الدين، يتجددون في كل عصر بحسب ما ذكرت الأحاديث النبوية الشريفة، فها هم اليوم ينتشرون بين المسلمين، يصلون ويصومون، ويقرؤون القرآن، مستدرجون بعقولهم وآرائهم وأفكارهم وتبعيتهم، وكما قتل أسلافهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فهاهم اليوم يكفرون المسلمين المؤمنين أتباع وشيعة أمير المؤمنين، خير البرية كما وصفهم القرآن الكريم، ويعتبرون قتلهم جهادا في سبيل الله، ويعتبر
أحدهم أنه وبكبسة زر على حزام ناسف يفجره في مساجد المؤمنين سوف يكون بين الحور العين في الجنة.
هذا هو واقع أولئك المستدرجون بالطاعات والعبادات، أهل العجب، خوارج العصر الحديث، الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، الجالسون على بساط عبودية دين معاوية ويزيد، أهل العقوبة واللعن والطرد من رحمة الله.
أما على مستوى الأفراد العاديين الذين يقيمون على المعاصي ويستدرجون من خلالها فهم كثر ولا يخلو منهم مجتمع من مجتمعات المسلمين، وأعتقد أن كل واحد منا قد عاش وتعامل مع أمثالهم، فإنا شخصيا أعرف الكثير ممن نقضوا عهودهم وقطعوا حبل الوصال مع شيعة أهل البيت عليهم السلام وطعنوا في أعراضهم وسرقوا حقوقهم وظلموهم وافتروا عليهم وتجسسوا عليهم لحساب أعداء الله، بعد كل تلك الجرائم نجد أن الدنيا قد فتحت على أولئك وتوسعت عليهم، ظنا منهم أنهم من أهل القرب من الله تعالى، ولولا أن الله راض عنهم لما أعطاهم. ولقد رأيتهم بعد ذلك يتمتعون بأموال المظلومين التي انتزعوها من أصحابها الشرعيين، بينما أصحاب الحق لا يجدون ما يسد رمقهم، وأما أولئك المستدرجون فنراهم يصلون ويصومون ويبنون المساجد ظنا منهم أن الله غافل عما يعمل الظالمون، ولقد كنت على قرب من |أحد أولئك المستكبرين المستدرجين الذين يعيشون أوهام الكبرياء والعظمة والإستكبار على بساط العبودية وعلى عباد الله الصالحين المؤمنين، ومن العجيب أن ذاك المستدرج وفي كل جلسة كان يردد دائما آية يحفظها ويلقنها لمن يجلس معه، اعتقادا منه أنها لا تتحدث عن أمثاله، وهي قوله تعالى من سورة الأنعام الآيات٤٣ – ٤٥{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}. حتى أنني أعرف عدة أشخاص قد حفظوا تلك الآية غيبا من كثرة ما ذكرها أمامهم، فيا سبحان الله كيف يقيم رب العالمين الحجة على